الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد المجلد 2

اشارة

نام كتاب: الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد

موضوع: فقه استدلالى

نويسنده: لنگرودى، سيد محمد حسن مرتضوى

تاريخ وفات مؤلف: 1426 ه ق

زبان: عربى

قطع: وزيرى

تعداد جلد: 2

ناشر: مؤسسه انصاريان

تاريخ نشر: 1412 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: قم- ايران

ملاحظات: شرح استدلالى عروة الوثقى سيد كاظم يزدى

الجزء الثاني

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

كلمة المؤلف

______________________________

الحمد لوليه و الصلاة و السلام على أشرف نبيه، و أفضل خيرته محمد و إله خير بريته سيما القائم بأمر رعيته الغائب عن انظار خليقته المدخر لاعزاز دينه، و شريعته بقية اللّه في أرضه جعلني اللّه من كل مكروه فداه اللهم عجل فرجه و سهل مخرجه و اجعلنا من أنصاره و أعوانه.

و بعد: فهذا الذي بين يديك هو الجزء الثاني من كتاب- الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد- تقدمه إلى الأعزاء الكرام نلتمس من سماحتهم النظر اليه نظرة سمحة سهلة كريمة فإن الإنسان محل السهو و النسيان و الخطاء و الخطل الأمن عصمه اللّه تعالى- و هم غيرنا- فان وجدوا فيه خللا و اشتباها فيرشدونا باللتى هي أحسن اللهم وفقنا لما تحب و ترضى.

كتبه المحتاج الى ربه: السيد محمد حسن المرتضوي اللنگرودي عفى عنه في بلده قم المحمية عش آل محمد و حرم أهل البيت عليهم السّلام. في شهر اللّه المبارك من سنة 1412 ه. ق.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 5

[مسئلة 23- في معنى العدالة]

اشارة

مسئلة 23- العدالة عبارة عن ملكة (1) إتيان الواجبات و ترك المحرمات، و تعرف بحسن الظاهر الكاشف عنها علما أو ظنا (2) و تثبت بشهادة العدلين و بالشياع المفيد للعلم (3)

______________________________

(1) بل عبارة عن حالة راسخة في النفس باعثة على الإتيان بالواجبات و ترك الكبائر و ترك الإصرار على الصغائر و الأحوط اعتبار ترك منافيات المروة الدالة على عدم المبالات عما يتنفر عنه عرف المتشرعة.

(2) فعليا، و الأحوط الأولى بلوغه حدا يفيد الوثوق بالعدالة.

(3) بل بكل ما يورث العلم الوجداني، أو الظن الاطمئناني.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 6

تعبيران من الماتن لمعنى العدالة

______________________________

أقول: و قد فسّر الماتن (قدس) العدالة بعبارة أخرى في المسئلة الثانية عشر من فصل شرائط إمام الجماعة: بأنها ملكة الاجتناب عن الكبائر، و عن الإصرار على الصغائر، و عن منافيات المروة الدالة على عدم مبالات مرتكبها بالدين.

بعض المواقف التي اعتبر فيها العدالة

اعتبرت العدالة في مواقف كالتقليد، و امامة الجماعة، و القضاء، و الشهادة في بابي القضاء، و الطلاق، الى غير ذلك، فهي من المباحث الجليلة النافعة في الفقه، فلا بد من معرفتها ليترتب عليها مالها من الأحكام، و قد أفرد بعض الأصحاب رسالة مستقلة فيها.

و الذي نحن بصدده الان هو بيان إجمالي في معناها و تحقيق ما هو الحق فيها مسقطا لما هو غير لازم، و غير مهم في الباب.

معنى العدالة لغة

قد يقال: ان العدالة لغة الاستواء، أو الاستقامة، أو ما أشبه ذلك مما يرادفهما أو يقاربهما مفهوما. يقال خشبة عدلة: أي مستوية، و جدار عدل: اى مستقيم.

فاذا استندت إلى الأمور المحسوسة يراد منها الاستقامة الحسية الخارجية- كما في استقامة الدار و الخشبة- و إذا استندت إلى الأمور المعنوية فيراد منها الاستقامة المعنوية فيقال: فلان عدل في عقيدته يراد انه مستقيم العقيدة لا اعوجاج فيها يقال:

فلان عدل في فهمه يراد انه مستقيم في الفهم لا إفراط و لا تفريط فيه، يقال فلان عدل

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 7

..........

______________________________

في أخلاقه يراد انه ذو استقامة فيها لا ضيق فيها و لا سعة بدرجة مذمومة.

معنى العدالة عند علماء الأخلاق

و كيف كان العدالة عند علماء الأخلاق كما أشار إليها المحقق الأصفهاني (قدس) «عبارة عن هيئة أو ملكة يقتدر بها العقل العملي على تعديل القوى الثلاث-:

العاقلة، و الشهوية، و الغضبية- على حسب ما يقتضيه العقل النظري فالعدالة عندهم في القلب كاعتدال المزاج في القالب.

ففضيلة القوة المدركة هي الحكمة، و العلم النافع و هي وسط بين الجربزة و البلادة، و فضيلة القوة الشهوية هي العفة: و هي وسط بين الشره و الخمود، و فضيلة القوة الغضبية هي الشجاعة، و هي متوسط بين التهور و الجبن، و فضيلة النفس الناطقة بما هي عقل عملي هي العدالة و هي وسط بين الظلم و الانظلام و هي أم الفضائل» «1» و بعبارة أخرى انقياد العقل العملي للقوة العاقلة و بتبعيته لها في اعمال قوتي الغصب و الشهوة فهي عبارة عن ضبط الغضب و الشهوة تحت اشارة العقل.

ليست العدالة عند علماء الأخلاق موضوعة للأحكام الشرعية

ربما يقال ان العدالة بمعناها المقررة عند علماء الأخلاق ليست موضوعة للأحكام الشرعية العامة البلوى في مقامات مختلفة، بل ادعى القطع بعدم اعتبارها في مقام ترتيب الآثار شرعا، لان لازمها الاستقامة في جميع شئون الإنسانية بمالها من العرض العريض، و ربما تشمل ترك المكروهات و معلوم انه لا توجد هذه المرتبة الجليلة إلا للأوحدي من الناس فيلزم تعطيل أحكام كثيرة.

الأقوال في المراد من العدالة في الشريعة

اشارة

فبعد ان لم تكن العدالة بهذا المعنى موضوعة للاحكام اختلفوا في المراد منها في الشريعة و ما هو الموضوع للأحكام المقررة على أقوال أنهاها شيخنا الأعظم الأنصاري (قدس) في رسالة المعمولة في العدالة إلى خمسة.

______________________________

(1) رسالة الاجتهاد و التقليد- 52

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 8

القول الأول:

______________________________

ما ينسب الى المشهور بين العلامة و من تأخر عنه بل نسب إلى الشهرة مطلقا و نسب الى العلماء تارة و الى الفقهاء اخرى، و الى الموافق و المخالف ثالثة و هي:

ان العدالة كيفية نفسانية، أو هيئة راسخة، أو حالة نفسانية، أو ملكة- على حسب اختلاف التعابير- باعثة على ملازمة التقوى، أو عليها مع ملازمة المروة.

و ظاهر هذا التعريف ان العدالة عبارة عن صفة نفسانية.

القول الثاني:

انها عبارة عن مجرد ترك المعاصي- كبيرها و صغيرها- أو خصوص الكبائر مع عدم الإصرار على الصغائر.

حكى ذلك عن ظاهر السرائر، و الوسيلة، و ابى الصلاح و المجلسي و السبزواري و غيرهم.

و ظاهر هذا القول انها عبارة عن الاستقامة الفعلية في أفعاله و تروكه من دون اعتبار ان يكون ذلك عن ملكة.

القول الثالث:

انها عبارة عن ترك المعاصي أو خصوص الكبائر عن ملكة نفسانية.

حكى ذلك عن ظاهر الصدوقين و المفيد في المقنعة و النهاية و غيرهم فتكون امرا عمليا و ليست من الصفات النفسانية كما هو الشأن على التعريف الأول و ليس مجرد القول كما هو الشأن على التعريف الثاني، فعلى هذا تكون العدالة عبارة عن الترك الباعثة عن الصفة النفسانية و باقتضائها.

لا تصدق العدالة على هذا التعريف على من لم يتفق له ترك فعل كبيرة مع عدم الملكة كما لا يصدق على من كان له ملكة الاجتناب و لم يجتنب فعلا كما إذا تاب عن ملكة، و لم يبتل بترك المعصية فالعدالة على هذا التعريف أخص من الأوليين لأن ملكة الاجتناب لا يستلزم الاجتناب الفعلي كما ان ترك المعصية أو الكبيرة لا يستلزم ان يكون عن ملكة.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 9

القول الرابع:

______________________________

انها عبارة عن الإسلام مع عدم ظهور الفسق في الخارج و ان لم يكن ظاهره حسنا.

حكى ذلك عن المفيد في كتاب الاشراف و ابن الجنيد و الشيخ في الخلاف مدعيا عليه الإجماع.

القول الخامس:

انها عبارة عن حسن الظاهر فقط.

نسب ذلك الى جماعة بل الى أكثر القدماء.

و لا يخفى انه على التعريف الرابع لا بد من الحكم بعدالة أكثر المسلمين و ان لم نعاشرهم بوجه، و ذلك لإسلامهم و إقرارهم بالشهادتين و عدم ظهور الفسق منهم، كما انه على التعريف الأخير لا يمكننا الحكم بعدالة أكثر المسلمين بعكس التعريف المتقدم لتوقفه على إحراز حسن الظاهر المتوقف على المعاشرة في الجملة و لو برؤيته أتيا بالواجبات و غير مرتكب للمعاصي مرتين أو ثلاثا أو أكثر.

قال الشيخ (قدس) الظاهر رجوع القول الأول الى الثالث و أفاد في وجهه ما حاصله:

ان الملكة ان أخذت باعثة بالفعل كانت مساوقة للاجتناب عن ملكة، فروح أحدهما إلى الأخر، فلا يكون الفرق بين القول بأن العدالة ملكة الاجتناب، أو الاجتناب الناشي عن ملكة الا فرقا علميا من دون ان يترتب عليه ثمرة عملية.

و ان أخذت بنحو الاقتضاء لزم ان لا يكون مرتكب الكبيرة مع وجود الملكة فاسقا مع ان النص و الفتوى متطابقان على ان العدالة تزول بارتكاب الكبيرة بنفسها و يحدث الفسق الذي هو ضدها «1».

و بعبارة أخرى كما أفيد: ان التعريفين راجعان إلى شي ء واحد لأن الملكة بما هي ليست هي العدالة التي يعتبر في جملة من الموارد في الشريعة المقدسة، بل المعتبر هي الملكة المتلبسة بالعمل: اى المقترنة بالإتيان بالواجبات و ترك المعاصي

______________________________

(1) رسالة العدالة.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 10

..........

______________________________

و ذلك لان ارتكاب المعصية

في الخارج- لغلبة الهوى على الملكة- يستتبع الفسق من غير نكير، و بناء على ان العدالة هي الملكة بما هي يلزم اجتماع العدالة و الفسق في شخص واحد في زمان واحد.

و من هنا يصح ان يقال ان العدالة هي الأعمال الخارجية الناشئة عن الملكة النفسانية، فالمراد بالتعريفين شي ء واحد و ان كان أحدهما ناظرا الى بيان اعتبار التلبس بالعمل دون الأخر «1».

و لكن رده المحقق الأصفهاني (قدس) بوجود الفرق بين القولين و أوضحه بعض مشايخنا دام ظله في البحث.

فإنه ربما تكون ملكة الاجتناب للشخص فعليا بحيث لو خليت و طبعها لكانت باعثة للاجتناب عن المعصية و لكن الاجتناب عنها لم تكن معلولة و مستندة إليها بل بأمر أخر أقوى منها اما لحياء من الناس و نحوه، أو لعدم الابتلاء بها، كما إذا بلغ صاحب الملكة قبل ان يبتلى بشي ء حتى يجتنبه فالقائل بأن العدالة ملكة الاجتناب يرى أنها الحصة التوأمة مع الاجتناب سواء كان الاجتناب مستندا إليها أو مستندا بجهة أقوى.

ففي الفرض يكون الشخص عادلا على هذا القول بخلاف القول بأنها الاجتناب عن ملكة لعدم كون الاجتناب مستندا إليها و حيث لم يرتكب ذنبا فذاك الشخص على هذا القول ليس بعادل و لا فاسق، فلا يترتب عليه آثار شي ء منهما فالمراد بالملكة ليست ملكة ملائمة مع ارتكاب الكبيرة بل ملكة فعلية مؤثرة لو خليت و طبعها الا انها لمانع و ابتلائها بجهة و علة أقوى لم تكن مؤثرة.

فيما ذكرنا ظهر الفرق بين القولين و الثمرة الحاصلة من كل يغاير ما للآخر «2»

______________________________

(1) التنقيح ج 1- 259.

(2) رسالة الاجتهاد و التقليد- 53

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 11

النسبة بين الأقوال

______________________________

إذا حطت خبرا

بما ذكرنا فينبغي الإشارة إلى النسبة بين الأقوال الثلاثة الأول و ذلك لأنه ان قلنا برجوع الثالث إلى الأول تكون النسبة بينهما و القول الثاني العموم المطلق لأعمية القول الثاني بالنسبة إليهما لعدم اعتبار كون الاجتناب عن الملكة.

و ان لم نقل برجوع الثالث إلى الأول تكون النسبة بين القول الثاني و القول الأول عموما من وجه لافتراق الأول عنه في صورة ملكة الاجتناب و عدم الاجتناب الفعلي، و افتراق الثاني عنه في صورة وجود الاجتناب لاعن ملكة و مورد الاجتماع هو صورة الاجتناب عن ملكة.

و اما النسبة بين القول الثالث و القول الأول على هذا عموم من وجه، و الوجه واضح.

مرجع القولين الأخيرين في الحقيقة إلى الطريقين الى معنى العدالة

ثم انه لا يخفى ان القولين الأخيرين ليسا في الحقيقة قولين في معنى العدالة نفسها و انما هما طريقان إلى معرفة العدالة.

و المترائى من عبارة بعض من انتسب اليه و ان كان ارادة نفسها منهما الا ان حسن الظن بهم و التدبر في مقالهم يرشد المتدرب إلى أنهم بصدد ما يكون طريقا إليها.

فان لم يمكن توجيه مقالهم بما ذكرنا فيتوجه عليهم مستمدا مما افاده الشيخ (قدس) إشكالان.

إشكالان على تقدير كون القولين معنيين للعدالة
الإشكال الأول:

ان الفسق ضد العدالة و الضدان مشتركان في الجنس القريب فلا بد و ان يكونا على وزان واحد، و مقتضى القولين هو كون العدالة من الأمور التي وجودها الواقعي عين وجودها الذهني، و هذا لا يجامع مع كون ضده و هو الفسق امرا واقعيا لا دخل للذهن فيه أصلا.

اما كون الفسق امرا واقعيا فبضرورة ارتكاز المتشرعة المتلقاة من الشرع على

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 12

..........

______________________________

ان ارتكاب المعصية و لو خفية موجب للفسق و قد دل قوله تعالى في سورتي النور و الحشر أُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ «1» على ان مرتكبي المعاصي فاسقون و لو كان في الباطن.

و اما عدم المجامعة فلاستلزامه ان يكون مرتكب الكبائر مع عدم ظهور ذلك لأحد عادلا في الواقع فاسقا في الواقع و بطلان اللازم غنى عن البيان.

فبعد ما أحطت خبرا بما ذكرنا يظهر لك ضعف ما أورد على سماحة الشيخ (قدس) بأن الاشكال انما يرد على القولين إذا كان الفسق امرا واقعيا فلعله ليس كذلك عندهم قضاء لحق المضادة و المقابلة فإذا من كان مرتكبا للكبائر مع عدم ظهورها لأحد لا يكون فاسقا واقعا و ان كان عاصيا.

توضيح الضعف ان ذلك خلاف المرتكز من أذهان المتشرعة المتلقاة

من الشرع فإنهم يرون ان مرتكب المعصية و لو خفية فاسق حقيقة و ان كان غير متظاهر بها فتدبر.

الإشكال الثاني:

هو انه يلزم ان يقال في حق من كان مصرا على الكبائر فضلا عن الصغائر خفية مع اتصافه بحسن الظاهر لكل أحد، أو عدم ظهور الفسق منه في مرئي الناس و مسمعهم ثم انكشف حاله. انه كان عادلا ثم صار فاسقا مع ان ارتكاز المتشرعة على خلاف ذلك حيث يرون انه كان فاسقا غير معلوم الحال فانكشف حاله فتحصل انه لا يصح ان يقال ان الإسلام مع عدم ظهور الفسق أو حسن الظاهر فقط معرف حقيقة العدالة الواقعية، و لا دليل للقائلين بهما يفي بذلك و لا دلالة في العبارات الحاكية للقولين على ذلك و لا فهم ذلك من كلام القائلين بهما ممن يعتنى به مثل الشهيد و المحقق و ابن فهد و نظرائهم.

نعم يمكن ان يعد- ان ساعد الدليل- ان عدم ظهور الفسق، أو حسن الظاهر جزء الموضوع لها بحيث يكون جزية الأخر عدم ارتكاب المعصية، فتكون حقيقة العدالة عبارة عن عدم المعصية واقعا مع عدم ظهور الفسق، أو حسن الظاهر، و مقتضى

______________________________

(1) النور: 24- 4- الحشر: 59- 19

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 13

..........

______________________________

ذلك هو انه بعد الاطلاع على حاله، و انه كان يرتكب الكبيرة يكون فاسقا فارتقب.

هذا كله فيما يتعلق بتعاريف القوم للعدالة.

مبادي الأفعال و التروك الاختيارية

و قبل ملاحظة ما ورد في المقام و بيان المختار في المسئلة ينبغي الإشارة إلى مبادي صدور الأفعال فنقول:

لا إشكال في ان إتيان الواجبات و ترك المحرمات كسائر الأفعال الاختيارية تكون لها مبادي و دواعي مختلفة.

إما يكون من الشهوات الدنيوية، أو الأخروية، بداهة ان ترك الحرام أو فعل الواجب مثلا.

تارة يكون لأجل مبغوضية الأول و منفوريته طبعا و محبوبية الثاني و مطلوبيته كذلك

و اخرى: يكون للخوف من النار أو الطمع في الجنة.

و ثالثة: يكون لامتثال امره تعالى و نهيه.

و رابعة: يكون لوجدانه تعالى أهلا لذلك، الى غير ذلك، من الدواعي الراجعة كلها الى حب النفس الذي هو غاية الغايات في هذه النشأة أو النشأة الأخرى.

و ليعلم ان ما يرجع الى حب النفس في النشأة الأخرى نسميه بالشهوة الحقة و ما يرجع الى حبها في النشأة الدنيا نسميه بالشهوة غير الحقة أو الباطلة.

حالات الإنسان بالنسبة إلى فعل الواجبات و ترك المحرمات

اشارة

ثم ان المبدء الباعث لفعل الواجبات و ترك المحرمات التي هي عبارة عن جادة الشرع الأقدس على انحاه و مراتب متدرجة في بعضها كما في الأربعة المتتالية

الاولى: ان يكون المبدئية غير ثابتة للنفس

كما إذا حصلت لها في برهة من الزمان بوعظ واعظ، أو إنذار منذر أو غير ذلك و نعبر عنه باللمعة.

الثانية: ان تكون حالة ثابتة في النفس

بحيث يكون مستقيما في جادة الشرع في عمود الزمان الّا ان ذلك دائما يكون مع المنازعة و التدافع بين دعوة الحق و دعوة سائر القوى.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 14

الثالثة: ان تكون حالة راسخة في النفس

______________________________

مع كون الاستقامة في جادة الشرع بلا منازعة و لا تدافع بأن يأتي بالواجبات و يترك المحرمات بسهولة و نعبر عنها بالملكة.

الرابعة: ان تكون الاستقامة في الجادة طبيعيا له

بحيث صارت حقيقة ثابتة له بحسب الفضيلة النفسانية فإنه ربما تكون استقامة النفس في جادة الشرع في بداية الأمر مستندة الى الخوف من النار أو الطمع في الجنة الّا انه تستكمل النفس و تتدرج الى ان تصير فضلية اخلاقية لها فلا يكون بعد ذلك صدور الواجب و ترك الحرام منه للخوف أو الطمع بل يكون ذلك جبليا طبيعيا له.

و ربما تستكمل النفس بحيث يصير الحرام منفورا و مبغوضا لديه و الواجب محبوبا و مشتاقا اليه بحيث لا يفرق لديه أكل الربا و أكل القاذورة، و لا يكاد يفرق بين الصلاة مثلا و بين العسل المصفى بل تكون الصلاة احلى منه.

و بالجملة تكون المعاصي عنده بمنزلة القاذورات لا يكاد يرغب فيها، و الواجبات بمنزلة الطيبات التي أحلى من العسل.

و هذه المرتبة أول مرتبة العصمة.

فقد ظهر لك ان الملكة تكون ذو العرش و الدرجات و أعلى درجاتها تكون أول مرتبة العصمة، و لا يهمنا هنا التعرض و البحث حول العصمة.

الخامسة: ان يكون له ملكة الاستقامة في جادة الشرع

الا انها اقتضائي بمعنى عدم استناد الاستقامة في الجادة إلى الملكة بل استندت بجهة أو جهات اخرى كعدم الابتلاء بالنسبة الى من بلغ واجدا للملكة و لم يبتل بواجب أو حرام بعده، أو من كان له ملكة فعصى لكنه تاب و لم يبتل كذلك، أو كان له الملكة و لكن كان ترك الحرام أو فعل الواجب لاستحيائه من الناس الى غير ذلك.

و بالجملة تكون له ملكة رادعة عن المحرمات و باعثة الى الواجبات الا ان ترك المحرمات و فعل الواجبات لم تكن مستندة إليها، فالملكة حينئذ اقتضائي تقديري بالنسبة إليها بمعنى عدم استنادهما إليها و ان كانت بالغة حد الفعلية بحيث لو لا الجهة

الدر النضيد في

الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 15

..........

______________________________

الخارجية لكانت الملكة باعثة إليها و رادعة عنها.

السادسة: أن تكون داعيه لبعض الأعمال الشهوة الحقة

و في بعضها الأخر الشهوة غير الحقة بان كانت له ملكة إتيان الواجبات التعبدية بدعوة الحق للشهوة الحقة، و ملكة إتيان الواجبات التوصلية و ترك المحرمات بغير دعوة الحقة، و ملكة إتيان الواجبات التوصلية و ترك المحرمات بغير دعوة الحق بل بالشهوة غير الحقة بان يترك الزنا مثلا استحياء من الناس و حفظا لجاهه، و يترك شرب الخمر لحفظ مزاجه لا لمبغوضيته له تعالى بحيث لو لا الاستحياء من الناس و حفظ جاهه و عدم ملاحظة مزاجه لارتكب الزنا، أو شرب الخمر و العياذ باللّه.

إذا عرفت المبادي الداعية لإتيان الواجبات و ترك المحرمات فنقول:

لا تصدق العدالة على الاستقامة في جادة الشرع أحيانا

قد أخذ عنوان العدالة في لسان الشرع موضوعة لعدة أحكام فبمناسبة الحكم و الموضوع يستفاد ان المراد منها ما إذا كانت الاستقامة في جادة الشرع راسخة في النفس لوضوح انه إذا كانت الاستقامة في جادة الشرع آنا ما و في واقعة أو واقعتين مثلا لعروض حالة الخوف بوعظ واعظ و إنذار منذر فلا يصدق مفهوم العدالة بمالها من المعنى العرفي هناك لان صدقها عرفا انما يكون فيمن كانت الاستقامة راسخة في النفس لا ما كانت لمعة لها.

تصدق العدالة على ما إذا كانت الاستقامة في الجادة راسخة مطلقا

فكما لا يقال للخشبة المعوجة في ذاتها انها عدلة إذا عدلت بقصر قاصر آنا ما و انما تطلق عليها إذا كانت بطبعها فكذلك لا تطلق العدالة و الاستقامة في جادة الشرع الا للاستقامة في جادة الشرع في برهة من الزمان و لا يقال للرجل انه عادل إلا إذا تنور قلبه بنور الايمان و المعرفة و استقام في جادة الشرع بحيث كان له قدم صدق و استمرار فيها فاذا كان المبدء راسخا في النفس و ان لم تصل إلى مرتبة الملكة فضلا عما إذا صار ملكة أو صارت فضيلة نفسانية فلا خفاء في صدق مفهوم العدالة شرعا لما أشرنا

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 16

..........

______________________________

أنفا انه يعتبر في تحقق مفهوم العدالة و صدقها على شخص ان تكون للشخص قدم صدق و استقامة في الجادة و المفروض تحققها في الصور الثلاث (1- الهيئة 2- الملكة 3- الفضيلة) و ان كان إطلاقها عليها متفاوتة.

لا يعتبر في صدق العدالة في الصور ان يكون الاجتناب على خلاف العادة

و ليعلم انه لا يعتبر في صدق عنوان العدالة في الصور الثلاث ان يكون بحد لو ابتلى بالمعصية على خلاف العادة لتركها- كان يبتلى بامرأة جميلة في الخلوة مثلا مع استجماع جميع ماله دخل في رغبة النفس للزنا و عدم المانع- لان ذلك لعله لا يحصل إلا للأوحدي من الناس فيوجب سد باب العدالة و تعطيل الأحكام المتفرعة عليها، بل المعتبر ان يكون تاركا لها عند الابتلاء بها على النهج المتعارف لأكثر الناس

الإشكال في صدق العدالة على من فعل التوصليات و ترك المحرمات لا بدعوة الحق

نعم يشكل صدق مفهوم العدالة على من لا يكون له ملكة إتيان الواجبات التوصلية، و ترك المحرمات بدعوة الحق و الخوف منه تعالى بل لاستحيائه من الناس أو لحفظ المزاج و نحوهما.

و السر في ذلك هو ان الاجتناب حسب الفرض لم يكن لداع شرعي فيشكل معه تحقق العدالة الشرعية فلا يكون عادلا شرعا كما انه لا يكون فاسقا لعدم ارتكاب المعصية حسب الفرض فلا يترتب على من يكون كذلك آثار شي ء من العدالة و الفسق فعند الشك في صدق عنوان العدالة و الفسق عليه فالأصل عدم ترتب الآثار المخصوصة لكل منهما عليه فمقتضى اشتغال الذمة بإكرام العادل مثلا عدم جواز الاكتفاء بإكرام الرجل الكذائي كما انه لا يجوز إهانته إذا كان مأمورا بإهانة الفاسق.

إذا عرفت ما ذكرنا فحان عطف عنان الكلام الى ذكر أدلة المقام و العنوان المأخوذ في الأدلة و انه هل هو عنوان العدالة فقط، أو هناك عناوين أخر كعنوان الصالح، أو المأمون، أو المرضى، أو الخيّر، أو الصائن، أو العفيف الى غير ذلك؟

ثم ملاحظة انه هل ورد تفسير لتلك العناوين في الأدلة، أو لم يرد في ذلك شي ء

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص:

17

..........

______________________________

فيكون نظر العرف في معرفة مفهوم العدالة أو غيرها متبعا.

فان ورد في الشريعة في تفسير حقيقة العدالة أمرا فهو المتبع و يكون حاكما على المعنى المتفاهم عند العرف فلا يكون للعدالة العرفية حينئذ شأنا و هو واضح.

و اما ان لم يرد من الشرع ما يفسر حقيقة العدالة الشرعية فيكون وزان العدالة وزان لفظة الوطن، و الصعيد و غيرهما من الموضوعات العرفية التي أخذت موضوعة للحكم أو الأحكام موكولة إلى الفهم العرفي فلا بد من مراجعة العرف في فهم حقيقتها، فكل ما يرونه دخيلا في حقيقتها و ماهيتها يكون موضوعا للحكم الشرعي.

نعم كما أشرنا حيث أخذت لفظة العدالة موضوعة للأحكام الشرعية فبمناسبة الحكم و الموضوع يستفاد ان العدالة- على ما هي عليها من المعنى العرفي- لا بد و ان يكون في جادة الشرع و طريقته لا غير.

فلا بد من ملاحظة ما ورد في المقام فنقول:

استعمال لفظة العدل و مقابلتها في الكتاب العزيز.

قد استعملت لفظة العدل و مقابلتها في موارد من الكتاب العزيز.

كقوله عز من قائل وَ لْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كٰاتِبٌ بِالْعَدْلِ «1».

و قوله تعالى شَهٰادَةُ بَيْنِكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنٰانِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ الاية «2».

و قوله تعالى فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ «3».

و قوله عز من قائل وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ «4».

الى غير ذلك من الآيات.

______________________________

(1) البقرة: 2/ 282.

(2) المائدة: 5/ 106- 95

(3) المائدة: 5/ 106- 95

(4) الطلاق: 65/ 2

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 18

..........

______________________________

و قوله تعالى وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ النّٰاسِ لَفٰاسِقُونَ «1».

و قوله عز من قائل وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ «2».

و قوله تعالى إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا

الآية «3».

الى غير ذلك من الآيات.

هذا استعمال اللفظتين في الكتاب العزيز.

استعمال لفظة العدالة في السنة

اشارة

و اما السنة فأحسن ما ورد من الاخبار و أوضحها و ادلّها بل عمدة ما في الباب بل صرح بعض بأنه الأصل في المقام و هو خبر عبد اللّه بن ابى يعفور، و قد أورده الصدوق في الفقيه «4» و الشيخ الطوسي في التهذيب «5» و الاستبصار «6» (قدس سرهما).

اما الصدوق فقد روى بإسناده عن عبد اللّه بن ابى يعفور قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم و عليهم. فقال: عليه السّلام ان تعرفوه بالستر و العفاف، و كف البطن، و الفرج، و اليد، و اللسان، و تعرف باجتناب الكبائر التي أوعد اللّه عليها النار من شرب الخمور و الزنا و الربا، و عقوق الوالدين، و الفرار من الزحف و غير ذلك.

و الدلالة على ذلك كله ان يكون ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه و تفتيش ما وراء ذلك، و يجب عليهم تزكيته و إظهار عدالته في

______________________________

(1) المائدة: 5/ 49

(2) المائدة: 5/ 47

(3) الحجرات: 49/ 6

(4) من لا يحضره الفقيه الجزء الثالث من الطبعة الحديثة/ 24

(5) تهذيب الأحكام الجزء السادس من الطبعة الحديثة/ 241

(6) الاستبصار الجزء الثالث من الطبعة الحديثة/ 12

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 19

..........

______________________________

الناس، و يكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن، و حفظ مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين، و ان لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم الأمن علة، فإذا كان كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس، فإذا سئل عنه في قبيلته و محلته قالوا: ما

رأينا منه الا خيرا، مواظبا على الصلوات متعاهدا لأوقاتها في مصلاه فان ذلك يجيز شهادته و عدالته بين المسلمين.

و ذلك ان الصلاة ستر و كفارة للذنوب، و ليس يمكن الشهادة على الرجل بأنه يصلى إذا كان لا يحضر مصلاه و يتعاهد جماعة المسلمين، و انما جعل الجماعة و الاجتماع إلى الصلاة لكي يعرف من يصلى ممن لا يصلى و من يحفظ مواقيت الصلاة ممن يضيع، و لو لا ذلك لم يمكن أحد ان يشهد على أخر بصلاح لان من لا يصلى لا صلاح له بين المسلمين فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله همّ بان يحرق قوما في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة المسلمين، و قد كان فيهم من يصلى في بيته فلم يقبل منه ذلك و كيف يقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممن جرى الحكم من اللّه عز و جل و من رسوله صلّى اللّه عليه و آله فيه الحرق في جوف بيته بالنار، و قد كان يقول لا صلاة لمن لا يصلى في المسجد مع المسلمين الأمن علة «1».

و اما الشيخ فقد رواه بإسناده عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن موسى، عن الحسن بن على عن أبيه، عن على بن عقبه عن موسى بن أكيل النميري عن ابن ابى يعفور نحوه الا انه أسقط قوله:

______________________________

(1) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 1

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 20

..........

______________________________

فاذا كان كذلك لازما لمصلاه الى قوله و من يحفظ مواقيت الصلاة ممن يضيع و أسقط قوله:

فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم همّ بان يحرق الى قوله بين المسلمين و لكن زاد:

و قال

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

لا غيبة الا لمن صلى في بيته و رغب عن جماعتنا، و من رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته و سقطت بينهم عدالته و وجب هجرانه و إذا رفع الى امام المسلمين أنذره و حذره، فان حضر جماعة المسلمين و الا أحرق عليه بيته و من لزم جماعتهم حرمت عليهم غيبته و ثبتت عدالته بينهم «1».

توضيح المقال في هذا الخبر يستدعي البحث في مقامين الأول في سنده و الثاني في دلالته.

المقام الأول في موقف سند خبر ابن ابى يعفور
اشارة

قد عرفت منا موقف كتاب من لا يحضره الفقيه، و تهذيب الأحكام و نحوهما من الكتب المعتمدة المعول عليها عند الأصحاب، و مع ذلك لا بأس بالتعرض لما يقال في حق سند الخبر.

صرح جملة من الأصحاب بصحة الخبر منهم العلامة الطباطبائي بحر العلوم، و شيخنا العلامة الأنصاري قدس سرهما، بل صحح العلامة الحلي في الفائدة الثانية من الخلاصة طريق شيخنا الصدوق إلى عبد اللّه ابن ابى يعفور، و كذا طريقه الى عبد الرحمن بن الحجاج «2»، مع ان في طريقه إليهما أحمد بن محمد بن يحيى، و حكى توثيقه عن الشهيد الثاني في الدراية، و شيخنا البهائي في مشرق الشمسين و السماهيجي و غيرهم.

______________________________

(1) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح- 2.

(2) خلاصة الرجال- 257

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 21

اشكال بعض الأساطين في سند الخبر
اشارة

______________________________

و لكن قد يناقش في صحة الخبر فقال العلامة العاملي (قدس) كما في مفتاح الكرامة: «الظاهران الخبر غير صحيح لا في التهذيب و لا في الفقيه» «1».

و وافقه بعض الأساطين دام ظله في ذلك ففي التنقيح بعد البحث عن دلالة الخبر:

«و الذي يسهل الخطب ان الرواية ضعيفة السند و غير قابلة (صالحة) للاستدلال بها في شي ء» «2» و قال في وجهه في ذيل الصفحة بعد ان عبر عن الرواية في المتن بالصحيحة ما لفظة:

«هكذا عبروا عنها في كلماتهم الا ان الأمر ليس كذلك لأنها قد رويت بطريقي الصدوق، و الشيخ (قدهما) و كلا الطريقين ضعيف.

الإشكال في سند الخبر من جهة أحمد بن محمد بن يحيى العطار
اشارة

اما طريق الصدوق (ره) فلان فيه أحمد بن محمد بن يحيى العطار و قد مر غير مرة عدم ثبوت وثاقته، و اما طريق الشيخ (قدس) فلان فيه محمد بن موسى الهمداني، و هو و ان كان ممن وقع في أسانيد كامل الزيارات و مقتضى ذلك وثاقته الا انه معارض بتضعيفه و هذا لا لأنه مستثنى من كتاب نوادر الحكمة لأنه مستند الى توهم ان الرجل قد وضع أصلي زيد النرسي، و الزراد، و هذا خطأ لأن أصلهما مما رواه عنهما ابن ابى يعفور، و قد عثروا على طريق معتبر إليهما من دون ان ينتهي الى الرجل على ما نبه عليه السيد الطباطبائي، و السيد الصدر كما لا يخفى على من راجع ترجمة زيد الزراد، بل لما ذكره ابن الوليد من ان الرجل كان يضع الحديث فإنه مما لا يمكن حمله على وضعه خصوص أصلي الزيدين لإطلاقه، إذا لا يمكن الاعتماد على روايات الرجل بوجه «3».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة ج 3/ 91

(2) التنقيح ج 1/ 370- 373

(3) التنقيح ج 1/ 263

الدر النضيد

في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 22

دفع الاشكال من وجوه

______________________________

أقول: ما افاده لا يخلو عن نظر.

اما ما ذكره في طريق الصدوق «1» فلان أحمد بن محمد بن العطار و ان لم يذكر في كتب الرجال بمدح و لا ذم الا ان جهالته لا يضر.

فأولا: كما في مجمع الرجال و حاصله: ان أحمد بن محمد بن العطار من مشايخ الإجازة و لا يضر جهالته لأنه إنما يذكر لمجرد اتصال السند تيمنا و تبركا، و ليكون على رواية الحديث سندا معنعنا لا لأنهم من المصنفين حتى يحتاج في صحة رواياتهم الى توثيقهم لتصريح أرباب الجوامع بأنهم نقلوا الأحاديث من الكتب و الأصول و الفهرستات المقررة المعروفة في ذلك الزمان كما هو الشأن في هذه الزمان بالنسبة إلى الكتب الأربعة و نحوها، فكما لا يضر جهالة الوسط في رواية الكتب الأربعة بعد اشتهارها في الخارج فكذلك لا يضر جهالة هذا الوسط ما لم يظهر انه صاحب رواية أو أصل بعد اشتهار تلك الكتب و الأصول «2».

و ثانيا: كما في المجمع أيضا: ان للشيخ الجليل الصدوق قدس اللّه مسه شيوخ اجازة الذين يذكرهم في أوائل أسانيده و منهم أحمد بن محمد بن يحيى العطار، و كلما يذكر اسمهم يقول فيهم رحمه اللّه، أو رضي اللّه عنه «3»، و هذا الالتزام منه (قدس) قرينة واضحة على كونهم من المؤمنين و الا لزم التصريح بسوء اعتقادهم.

و ثالثا: ما استفدناه من خريط فن الرجال أستاذنا العلامة البروجردي (قدس) في مجلس درسه الشريف و أشير إليه أيضا في تقرير بحثه المطبوع و حاصله.

______________________________

(1) قال شيخنا الصدوق في المشيخة: و ما كان فيه عن عبد اللّه بن ابى يعفور فقد رويته عن أحمد

بن محمد بن يحيى العطار رضي اللّه عنه، عن سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن ابى عبد اللّه البرقي، عن أبيه، عن محمد بن ابى عمير عن حماد بن عثمان عن عبد اللّه بن ابى يعفور.

(2) مجمع الرجال ج 7/ 204

(3) مجمع الرجال ج 7/ 219

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 23

..........

______________________________

ان منشأ الإشكال في صحة الخبر هو عدم ذكر أحمد بن محمد بن يحيى العطار في الكتب المصنفة في الرجال حتى يعدل أو يجرح مع ان التحقيق يقضى بعدم الاحتياج اليه و ذلك لان الكتب الموضوعة في هذا الباب لا تتجاوز عن عدة كتب ككتاب رجال الشيخ، و رجال الكشي، و فهرستى النجاشي، و الشيخ، و عدم التعرض لراو لا يوجب عدم الاعتناء بروايته لان كتاب رجال الشيخ لا يكون مشتملا على جميع الرواة لأن الظاهر انه كان بصورة المسودة و كان غرض الشيخ الرجوع اليه ثانيا لنظمه و ترتيبه و توضيح حال بعض المذكورين فيه كما يشهد بذلك الاقتصار في بعض الرواة على ذكر مجرد اسمه، و اسم أبيه من دون تعرض لبيان حاله من حيث الوثاقة و غيرها و كذا ذكر بعض الرواة مكررا كما يتفق فيه كثيرا على ما تتبعناه.

فهذا و أمثاله مما يوجب الظن الغالب بكون الكتاب لم يبلغ حد النظم و الترتيب و الخروج بصورة الكتاب، و ذلك كان مستندا إلى كثرة اشتغال الشيخ بالتأليف في الفنون المختلفة الإسلامية من الفقه و الأصول، و جمع الأحاديث و التفسير و الكلام و غير ذلك من العلوم بحيث لو قسمت مدة حياته الشريف على تأليفاته لا يقع في مقابل كتاب رجاله هذا الا أياما معدودة

يظهر لك ذلك جليا ملاحظة ما ذكره أرباب التراجم في حياته.

و كيف كان فعدم ذكر راو في رجال الشيخ لا يدل على عدم وثاقته.

و اما رجال الكشي فالظاهر كما يظهر لمن راجع إليه انه كان غرضه منه جمع الأشخاص الذين ورد في حقهم رواية أو روايات مدحا أو قدحا أو غيرهما لا ذكر كل راو.

و اما كتاب النجاشي فغرضه فيه إيراد المصنفين و من برز منه تأليف أو تصنيف و هكذا فهرست الشيخ قدس سره.

فعدم تعرضهم لبعض الرواة باعتبار عدم كونه مصنفا أو مؤلفا أو لم ترد في

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 24

..........

______________________________

حقه رواية، لا يدل على عدم كونه ثقة عندهم فما يظهر من بعض المعاصرين في مشتركاته حيث اعتمد في عدم وثاقة الراوي على مجرد عدم كونه مذكورا في تلك الكتب غير وجيه «1».

و رابعا: ما افاده شيخنا البهائي في مشرق الشمسين و وافقه أستاذنا العلامة البروجردي (قدس سرهما) و حاصله.

الظاهر انه يمكن استكشاف وثاقة الراوي و عدالته من تلامذته و الراوين الذين أخذوا منه الأحاديث الواردة في معالم الدين و أحكام شريعة سيد المرسلين، فاذا كان الأخذ منه من الأجلاء كالصدوق و المفيد، و الشيخ و نظرائهم من الأعلام خصوصا مع كثرة الرواية عنه لا يبقى الشك في وثاقته أصلا «2».

الإشكال في سند الخبر من جهة محمد بن موسى الهمداني و دفعه

هذا كله فيما يتعلق بأحمد بن محمد بن يحيى العطار و اماما أفاده في محمد بن موسى الهمداني في طريق الشيخ فقال النجاشي في حقه:

«انه ضعفه القميون بالغلو و كان ابن الوليد يقول انه كان يضع الحديث و اللّه اعلم» «3».

و الظاهر ان كل ما يقال في تضعيف الرجل مأخوذ منه و ظاهر كلام النجاشي

التوقف في كلام ابن الوليد في وضعه الحديث.

و لعل وجه استناد الوضع اليه بلحاظ توهم ان الرجل وضع أصلي النرسي و الزراد، و قد أشار دام ظله الى فساده و انهما مرويان عنهما عن ابن ابى عمير بطريق معتبر.

و اما حديث تضعيف القميين بالغلو، فلا يعتمد عليه و لقد أجاد العلامة المامقاني

______________________________

(1) نهاية التقرير ج 2/ 270.

(2) مشرق الشمسين/ 276 نهاية التقرير ج 2/ 271

(3) رجال النجاشي/ 260 ط مصطفوى

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 25

..........

______________________________

حيث قال ان ما هو اليوم من ضروريات مذهب الشيعة كان القدماء يعدونه غلوا «1» و قد نقل النجاشي نفسه ان من جملة كتب الرجل كتاب الرد على الغلاة «2» فكيف يعقل غلو من يكتب الرد على الغلاة ا ه «3».

و قد ذكر قدس عن العلامة الطباطبائي بعض العلائم في وثاقه الرجل فراجع «4» و قد وثق دام ظله ما يكون واقعا في اسناد كامل الزيارات و قد وقع الرجل في إسناده.

و لعله يمكن اجراء بعض ما ذكرناه في طريق الصدوق الى ابن ابى يعفور في طريق الشيخ اليه.

و للشيخ طريق الى الصدوق فيمكن رواية الشيخ الخبر من طريق الصدوق أيضا و كيف كان فان كان مع ذلك كله في خاطرك ريبا و شكا في طريق الشيخ ففي طريق الصدوق غنى و كفاية فالخبر صحيح كما اشتهر ذلك بين المشايخ حتى من بعض الأساطين دام ظله كما في تقريره الأخر «5».

فتحصل ان الخبر من حيث السند يصح الاتكال عليه.

هذا كله في المقام الأول.

المقام الثاني في دلالة الخبر
اختلافهم في المراد بقوله (ع) بم تعرف عدالة الرجل

اختلف في مراد السائل بقوله بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين إلخ فقد

______________________________

(1) قلت و لعله منها نفى السهو عن

النبي الأعظم و الأئمة المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين فيرى ابن الوليد و الصدوق انه غلو في حقهم مع ان نفى السهو في حقهم من ضروريات المذهب

(2) رجال النجاشي/ 260

(3) تنقيح المقال ج 3/ 193

(4) تنقيح المقال ج 3/ 194.

(5) الدروس ج 1/ 142.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 26

..........

______________________________

يقال ان السؤال عن حقيقة العدالة و ما هو المراد منها في لسان الشرع.

كما انه قد يقال ان السؤال عن طريق إحراز العدالة بعد الفراغ عن معرفة حقيقتها.

كما انه قد يقال ان الغرض من ذلك كلا الأمرين لتعرض الامام عليه السّلام على طريق إثباتها بعد الفراغ عن بيان ماهيتها، فيكون التعرض عن كلا الأمرين قرينة على كون مراد السائل كلا الأمرين.

أو يقال ان ظاهر السؤال و ان كان عن طريق إحراز العدالة إلا ان الامام عليه السّلام تفضل لمكان جهل السائل بحقيقتها بيان ما هو المراد من العدالة أولا ثم بيان الطريق الى معرفتها بقوله عليه السّلام: و الدلالة على ذلك كله إلخ.

بيان ما هو المراد بالعدالة في الخبر
اشارة

و كيف كان: و الذي تحصل لنا من ملاحظة الخبر هو ان المترائى من السؤال بالنظر الابتدائي هو السؤال عن الأمارة المعرفة للعدالة.

الا ان دقيق النظر في كلام الامام عليه السّلام صدرا و ذيلا في الخبر- حيث تعرض لبيان طريق إثباتها بعد الفراغ عن بيان ما هو المراد بالعدالة شرعا- يعطى كون غرض السائل أيضا إرادة الأمرين.

و ذلك لأنه بعد ما استعملت لفظة العدالة و مقابلتها كثيرا في صدر الإسلام في الآيات المباركات و كان اعتبارها في الشاهد معروفة من لدن عصر نزول القرآن الى زمان صدور الخبر.

و قد اختلف فقهاء المسلمين في حقيقة العدالة و ما هو

المراد منها في لسان الشرع.

قال ابن رشد القرطبي المتوفى/ 597: «اختلف المسلمون فيما هي العدالة بعد اتفاقهم على اعتبارها في الشاهد فقال الجمهور هي صفة زائدة على الإسلام و هو ان يكون ملتزما لواجبات الشرع و مستحباته مجتنبا للمحرمات و المكروهات، و قال

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 27

..........

______________________________

أبو حنيفة يكفي في العدالة ظاهر الإسلام و ان لا تعلم منه جرحة، و سبب الخلاف كما قلنا ترددهم في مفهوم العدالة المقابلة للفسق إلخ» «1».

فبعد اختلاف فقهاء المسلمين في مفهوم العدالة أراد ابن ابى يعفور ان يسئل الامام عليه السّلام عما هو المراد منها عند أئمة أهل البيت عليهم السّلام في قبال أبي حنيفة و نظرائه و لا ينافي ذلك قوله عليه السّلام: ان تعرفوه إلخ بتوهم ان المعروفية بين المسلمين طريق للعدالة لأنفسها لان المعرفية المأخوذة في الجواب انما أخذت لأجل تعريف أصل العدالة و افادة حقيقتها.

مع انه يمكن ان يقال انه لا يلائم جعل الاشتهار بالستر و العفاف معرفا أيضا و انما الحقيق لو كانت الجملة معرفة للعدالة: أن يجعل نفس الستر و العفاف طريقا لها لا المعروفية بهما فتدبر.

بالجملة عرف الامام عليه السّلام: العدالة بمعروفية الرجل بين المسلمين بحيث يعرفوه، أو تعرفوه بالستر و العفاف و قد فسر الستر و العفاف بالحياء فالمراد بالستر هو الستر عن اللّه تعالى و الاستحياء منه، و هو صفة نفسانية يعبر عنها بالملكة، و الظاهر ان العفاف عطف تفسيري للستر فيراد منه الاستحياء منه تعالى، لا انه أريد منه القوة الشهوية- اى الحالة المتوسطة بين الخمود و الشره- لأنه اصطلاح مستحدث خاص بعلماء الأخلاق فلا يحمل عليه ما ورد في كلامه

عليه السّلام.

و قوله عليه السّلام: و كف البطن و الفرج إلخ إشارة إلى الاجتناب عن المعاصي.

فاذا العدالة عبارة عن معرفة الرجل بالاستحياء منه تعالى بكف البطن و الفرج و اليد، و اللسان عما لا يحل.

و الضمير في قوله عليه السّلام: تعرف باجتناب الكبائر إلخ راجع الى كف البطن و الفرج و اليد و اللسان.

فيكون المتحصل من قوله عليه السّلام ان تعرفوه الى قوله و الدلالة على ذلك: ان

______________________________

(1) بداية المجتهد و نهاية المقتصد ج 2/ 451

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 28

..........

______________________________

العدالة عبارة عن استحياء الرجل منه تعالى باجتناب الكبائر التي اوعدها اللّه تعالى عليها النار بحيث صار صفة نفسانية و ملكة له.

و لازم ذلك زوال العدالة بارتكاب المعصية و ان بقيت الملكة الا انها مع بقاء الملكة تعود بالتوبة.

و قد أشرنا أن المعتبر في الملكة هي الرادعة عن المعاصي إذا كانت بحد لو ابتلى بها على النهج المتعارف لتركها في قبال الدواعي العادية فلا يراد بها المرتبة العالية منها بحيث لو ابتلى بها على خلاف العادة أيضا لتركها كما إذا ابتلى مثلا بامرئة جميلة في الخلوة مع استجماع جميع ما له دخل في رغبة النفس الى الزنا و عدم المانع لها بوجه.

و السر في ذلك هو انه لا تحصل تلك المرتبة إلا للأوحدي من الناس مع كثرة ابتلاء الناس بالعدول في العبادات و المعاملات فاعتبارها يستلزم تعطيل الأحكام المترتبة عليها، فنقطع بعدم اعتبار تلك المرتبة في ترتب الأحكام.

و لا يخفى ان عدم مضرية صدور المعاصي الناشئة عن الدواعي الخارجة عن العادة ليس بمعنى بقاء العدالة مع صدورها ضرورة أن صدور المعصية مناف للعدالة بل بمعنى بقاء الملكة مع

صدورها بحيث تعود العدالة بمجرد التوبة، كما هو الشأن في اعتبار المرتبة الدانية من الملكة بعد ارتكاب المعصية فتدبر.

و حيث ان إحراز ملكة الاستحياء منه تعالى بالاجتناب عن الكبائر التي أوعد اللّه عليها النار بالعلم مشكل جدا فيلزم تعطيل الأحكام المترتبة عليها تصدي الإمام عليه السّلام لبيان الامارة عليها بقوله و الدلالة على ذلك كله إلخ.

و معناه ان كل من كان ساترا لجميع عيوبه بحيث يحرم على المسلمين تفحص ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه و تفتيش خلف الساتر، بل يجب عليهم عند ذلك تزكيته و إظهار عدالته.

و حيث ان إحراز ساتريته للعيوب و القبائح يحتاج إلى معاشرة تامة في جميع

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 29

..........

______________________________

الحالات أو أكثرها و هذه مما لا يتسّر لغالب الناس تصدي الإمام عليه السّلام لذكر أمر سهل التناول لمعرفة ذلك فجعل تعاهد الرجل للصلوات الخمس و مواظبته عليهن و حفظ مواقيتهن بحضور جماعة المسلمين و عدم تخلفه عن جماعتهم في مصلاهم الأمن علة.

فمن لم يكن له معاشرة مع شخص أصلا إلا في أوقات حضور الصلاة مع الجماعة فيصح الحكم بعدالته مع الجهل بحاله.

و تخصيص الصلوات الخمس بين الواجبات بلحاظ موقعها الخاصة بين الواجبات بحيث قلما يمكن الاعتذار المقبول بتركها و اما غيرها فلم تكن بتلك المثابة و ذلك لان الحج مثلا مشروط بالاستطاعة المالية و البدنية و غيرهما فيمكن ان يتعذر الرجل بتركه بعدم القدرة عليه بنحو مقبول غالبا، و الصوم مشروط بشرائط منها الصحة و السلامة فيمكن ان يتعذر تركه بالمرض و غيره من الاعذار غالبا، و الزكاة و الخمس و غيرهما من الأمور المالية فيصح الاعتذار بتركها بعدم القدرة، و

التمكن، و الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر حيث يكون مشروطا بمعرفة المعروف و المنكر، و احتمال التأثير الى غير ذلك من الشرائط فيمكن ان يتعذر تركها غالبا الى غير ذلك من الواجبات.

أضف الى ذلك موقف عظيم الصلاة بين الواجبات بحيث صار قبولها مدار قبول سائر الواجبات، و جعلت عمود الدين، و أول ما يسئل عنه في القيامة الصلاة و كان بحيث كما في الخبر ان من لا يصلى لا صلاح له بين المسلمين.

و بالجملة موقعية الصلاة و موقفها المخصوصة بين الواجبات واهمية التعاهد للصلوات الخمس، و حفظ مواقيتهن بحضور جماعة المسلمين أوجبت جعل التعاهد عليها دليلا على العدالة.

و لك ان تحدس مما ذكرنا ان مرجع ما ذكره الامام عليه السّلام طريقا و امارة للعدالة إلى حسن الظاهر فمن كان ساترا لجميع عيوبه بحيث لا يمكن اطلاع المسلمين على

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 30

..........

______________________________

عيوبه- على تقدير فرضه- الا بالتفتيش و التفحص الذي يحرم عليهم، أو كان متعاهدا للصلوات الخمس بالحضور في جماعتهم.

هذا ما تحصل لي في فهم الخبر الشريف، و لعله بما ذكرنا يظهر ضعف ما أفيد في تفسير الخبر الشريف، و لكن مع ذلك كله لا بأس بالتعرض لبعض ذلك تتميما للفائدة و تشحيذا للأذهان و بيان ما فيها.

بيان من العلامة الحائري في المراد من خبر ابن ابى يعفور
اشارة

منها: ما أفاده العلامة الحائري قدس حاصله.

ان الظاهر من الخبر كونه بصدد بيان معرفة العدالة لا بيان مفهومها، و ظاهر السؤال عن طريق تشخيص العدالة ان يكون مفهومها معلوما معينا عند السائل لأنها عرفا هي الاستقامة و الاستواء، فإذا أطلق الشارع فلا يشك في ان مراده هو الاستقامة في جادة الشرع الناشئة من الحالة النفسانية و هي التدين

الباعث له على ملازمة التقوى و حيث انه لم يكن لهذا المعنى اثر خاص و كاشف قطعي لكل أحد إلا نادرا ألجأ السائل الى ان يسئل طريقه عن الامام عليه السّلام، فان ترك المحرمات و فعل الواجبات و ان صارت خلقا و عادة لأحد، و لكن لا يعلم غير اللّه في الغالب انه من جهة الديانة الواقعية و الخوف من مخالفته تعالى أو من جهة أخرى مثل كونه محبوبا عند الناس أو غير مذموم أو غير ذلك، و هذا بخلاف سائر الملكات كالشجاعة و السخاوة و أمثال ذلك فإنها تستكشف قطعا عند وجود آثارها الخاصة فأجاب عليه السّلام:

بالستر و العفاف و هذه العناوين المذكورة في الجواب و ان كانت مشتملة على الملكة، و لكن لا يدل على الملكة الخاصة التي هي التدين و الخوف من عقوبة اللّه جلت عظمته فلا ينافي جعلها طريقا تعبديا الى ثبوت العدالة.

فانقدح بذلك ما قد يتخيل ان العناوين المذكورة في جواب السائل لاشتمالها على بيان الملكة لا يمكن ان تكون طريقا إلى ثبوت العدالة بل هي عين مفهوم العدالة و لذا حمل قوله عليه السّلام على المعرف المنطقي.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 31

..........

______________________________

و الجواب ما ذكرنا و حاصله:

ان العناوين المذكورة و ان كانت مشتملة على الملكة فإنه لا يقال رجل ستير او عفيف إلا بالنسبة الى من كان الستر و العفاف ملكة له، و لكن لا تدل على الملكة الخاصة الناشئة عن الديانة، و الحكم بأن العدالة محققة مع وجود الأوصاف المذكورة ليس الأمن جهة التعبد.

ثم ان معرفة الشخص بالستر و العفاف، و انه تارك للقبائح على وجه الإطلاق يحتاج إلى معاشرة تامة في

جميع الحالات، و هذه مما لا يتفق لغالب الناس فجعل الشارع لذلك دليلا و طريقا أخر:

و هو كونه ساترا لعيوبه بين أظهر الناس مع احتمالهم ارتكاب القبيح في الخلوة فجعل الشارع ستره عيوبه في الملاء طريقا و دليلا على كونه غير مرتكب للقبيح مطلقا فيحكم بعدالته أيضا.

و جعل طريقا ثالثا أيضا نافعا لمن ليس له معاشرة مع شخص إلا في أوقات حضور الصلاة مع الجماعة، فمن حضر جماعة المسلمين يحكم بعدالته و انه لا يرتكب القبائح الشرعية مع الجهل بأحوال ذلك الشخص الحاضر في جماعة المسلمين.

بل لحضور الشخص صلاة الجماعة ثلاث فوائد.

احداها: ان ترك الجماعة مع المسلمين بدون علة بحيث يعد إعراضا عنها من أعظم العيوب فمن تركها كذلك ليس ساترا لعيوبه بل هو مظهر لها.

و الثانية: انه من لم يحضر الجماعة لا دليل لنا على انه يصلى.

و الثالثة: ان حضوره للجماعة دليل شرعي على كونه تاركا لما نهى اللّه عنه و عاملا بكل ما أمر اللّه تعالى به و قد أشار الى كل واحد من الأمور في الخبر فتدبر فيها «1».

و لكن فيه: ان المترائى من السؤال بالنظر الابتدائي و ان كان يعطى كون

______________________________

(1) صلاة العلامة الحائري/ 354

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 32

..........

______________________________

السؤال عن الأمارة المعرفة للعدالة بعد العلم بتحققها الا ان دقيق النظر في الخبر كما ذكرنا يعطى كون السؤال عما هو المراد من العدالة عند أئمة أهل البيت عليهم السلام لما ذكرنا من اختلاف فقهاء المسلمين في معناها هذا.

اشكال من العلامة البروجردي في مقال العلامة الحائري و دفعه.

يظهر من تقرير أستاذنا العلامة البروجردي (قدس) بعد اشكاله على العلامة الحائري (قدس) بان كل ما ذكره خلاف ظاهر الخبر: انه لا معنى لجعل امارة لمعرفة

العدالة و بيانها، ثم جعل امارة لتلك الامارة و معرفا لذلك المعرف لعدم الاحتياج الى جعل الأمارة المعرفة حينئذ أصلا فيكون جعلها لغوا، مع ان مجرد الحضور لجماعة المسلمين لا ينافي عدم كونه ساترا لعيوبه فكيف يجعل طريقا في قبال الستر للعيوب «1».

و لا يخفى: أن التأمل في مقال العلامة الحائري (قدس) يعطي بأنه لا يريد (قدس) جعل أمارة لمعرفة الامارة على العدالة، بل يريد انه جعل الشارع أمارات متعددة لبيان حقيقية العدالة بعضها أسهل من بعض فإن معرفة العدالة بالستر و العفاف و انه تارك للقبائح يحتاج إلى معاشرة تامة في جميع الحالات و هذا لا يتفق لغالب الناس، فجعل امارة لتشخيص العدالة أسهل من سابقته و هو كونه ساترا لعيوبه بين أظهر الناس، ثم جعل طريقا ثالثا أسهل من سابقيه لمعرفة العدالة و هو حضوره جماعة المسلمين فتدبر.

و بما ذكرنا يظهر حال النقاش الأخير لأنه لم يرد قدس جعل امارة لستر العيوب حتى يتوجه عليه ما ذكره بل أراد انه جعل أمارة أسهل من سابقتها لمعرفة العدالة.

فتدبر.

و لكن يتوجه على العلامة الحائري (قدس) كما في التقرير: ان ظاهر الخبر بقرينة قوله عليه السّلام: و يكون منه التعاهد إلخ ان ستر العيوب و الحضور لجماعة المسلمين

______________________________

(1) نهاية التقرير ج 2/ 273

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 33

..........

______________________________

معا طريق و امارة على العدالة لا كل واحد منهما.

بيان من بعض الأساطين في المراد بالعدالة في الخبر
اشارة

و منها: ما افاده بعض الأساطين دام ظله و حاصله:

ان ظاهر قوله عليه السّلام: ان تعرفوه بعد قول السائل بم تعرف عدالة الرجل انه انما سئل عما يعرف و يستكشف به العدالة لأنه من البعيد ان يكون السؤال عن ماهيتها و حقيقتها

لان المعرف المنطقي اصطلاح حدث بين المنطقيين فيكون وزان السؤال وزان قولنا بم يعرف الشي ء الفلاني، أو الشخص المعين فان المراد بمثله في المحاورات العرفية الدارجة هو السؤال عما ينكشف به الشي ء و ما يدل عليه لا السؤال عن حده و رسمه.

أضف الى ذلك انه عليه السّلام لم يذكر في الجواب ان العدالة هي الستر و العفاف بل قال ان تعرفوه بالستر و العفاف فجعل المعرف اشتهار الرجل و معروفيته بهما لا نفس الستر و العفاف، و من البديهي أن الاشتهار بهما ليسا بحقيقة العدالة و انما حقيقتها لو كانت الجملة معرفا منطقيا هو الستر و العفاف كما لا يخفى.

مع ان العفاف هو الامتناع عما لا يحل و هو من الأفعال الخارجية لا النفسانية فضلا عن ان يكون من الصفات النفسانية لان العفيف من لم يرتكب الحرام في الخارج.

نعم ذكر علماء الأخلاق أن العفة من صفات النفس الا انه اصطلاح مستحدث بينهم و لا يمكننا حمل العفاف الواردة في كلمات الأئمة عليهم السّلام عليه.

كما ان الستر يعنى التغطية و هي كناية عن عدم ارتكاب المحرمات فكان بينه و بينها حاجزا و غطاء فهو مثل العفاف من الأفعال الخارجية لا النفسانية فضلا عن ان يكون من الصفات النفسانية.

و اما قوله عليه السّلام: كف البطن و اليد و الفرج و غيرها من الأفعال المذكورة في

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 34

..........

______________________________

الخبر فواضح لا خفاء فيه فضلا عن كونها من الصفات النفسانية ا ه «1».

بيان مواقع النظر في مقاله

توضيح النظر فيما افاده دام ظله يظهر بعد التأمل فيها ذكرناه في توضيح الخبر الشريف و حاصله:

ان ظاهر الخبر بدوا و ان كان السؤال عن الأمارة المعرفة

للعدالة الا ان مقتضى التأمل في جواب الامام عليه السّلام حيث تعرض لبيان طريق إثباتها بعد الفراغ عن بيان ما هو المراد بالعدالة يعطي كون غرض السائل أيضا إرادة الأمرين.

و بالجملة لا نريد ان السؤال عن المعرف المنطقي حتى يكون قول الراوي بم تعرف العدالة؟ بصيغة المجهول من باب التفعيل حتى يتوجه عليه ما ذكره.

بل المراد ان سؤال ابن ابى يعفور انما هو عن مجرد ما أريد بالعدالة في لسان أئمة أهل البيت عليهم السّلام في قبال مثل أبي حنيفة و نظرائه.

و قد أشرنا ان قوله عليه السّلام: ان تعرفوه إلخ لا ينافي إرادة ما هو المراد من العدالة لأن المعرفية المأخوذة في الجواب انما أخذت لأجل تعريف أصل العدالة و افادة ماهيتها.

مع انه يمكن ان يقال انه لا يلائم جعل الاشتهار بالعفاف و الستر معرفا للعدالة أيضا و انما الحقيق لو كانت الجملة معرفة للعدالة أن يجعل نفس العفاف و الستر المعروفية بهما.

و اما قوله ان العفاف و الستر من الأفعال الخارجية ففيه انه كما أشرنا انه فسر الستر و العفاف بالحياء فالمراد بالعفاف و الستر هو الستر عن اللّه تعالى و الاستحياء منه تعالى و هو صفة نفسانية كما لا يخفى.

ثم ان قوله ان المعرف المنطقي اصطلاح حدث بين المنطقيين غير واضح ضرورة أن المنطق على ما هو المعروف من المعلم الأول أرسطو فلم يكن حادثا بعد

______________________________

(1) التنقيح ج 1/ 264

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 35

..........

______________________________

الإسلام و الى ما ذكرنا يشير الحكيم السبزواري.

ألفه الحكيم ارسطاليس ميراث ذي القرنين القديس

و مراد من يقول ان مراد الامام عليه السّلام بيان المعرف المنطقي للعدالة هو ما ذكرناه من

كونه لبيان ما هو المراد منها في الشريعة لا بيان حدها و رسمها المصطلح عليه في المنطق فتدبر.

فظهر مما ذكرنا: ان العفاف و الستر، بل كف النفس و الفرج، و اليد و اللسان لا يطلق على الشخص الا من كان الحياء و العفة حالة ثابتة له، و كان كف بطنه و فرجه و يده و لسانه عن المعاصي و القبائح كيفية راسخة في ذهنه، و يعبر عن هذه الحالة في كلماتهم بالملكة فمن اجتنب عنها أحيانا بعد التوبة عن المعصية، أو كان قريب العهد بالبلوغ و لم يبتل بعد بالمعاصي مع عدم حصول الملكة لهما لا يكون عادلا لعدم حصول الملكة له بل و لا فاسقا لعدم ارتكاب المعصية.

و لك ان تتفطن بما ذكرنا ان عبارات الفقهاء في تعريف العدالة و ان كانت مختلفة الا ان غرضهم واحد و الاختلاف انما هو في التعبير.

بيان من العلامة الشعراني في ان اختلاف عبارات الفقهاء في تعريف العدالة انما هو في مقام التعبير

و لقد أجاد في ذلك أستاذنا العلامة الشعراني رحمه اللّه في حاشية الوافي فقال:

«ان عبارة الفقهاء و ان اختلفت في تعريف العدالة لكن غرضهم منها واحد و قال في كشف اللثام النزاع لفظي و هو حق و اختلافهم انما هو في التعبير و تعريف بعضهم اجمع و قيوده و احترازاته أظهر، و طرده و عكسه أوضح، و بعضهم سامح فلم يذكر بعض القيود لا لكونه غير معتبر في نظره، و أحسن التعاريف و اجمعها تعريف العلامة رحمه اللّه و غيره: بأنها كيفية نفسانية راسخة تبعث على ملازمة المروة و التقوى، فإنه راعى شرائط التعريف المنطقي و ذكر الجنس العالي الذي وقعت العدالة تحته و هو الكيف من المقولات العشرة ثم قيده بقيوده و ان الكيف له أربعة أنواع فبين ان العدالة

كيف نفساني، و الكيف النفساني أيضا نوعان راسخة تسمى بالملكة و غير راسخة تسمى

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 36

..........

______________________________

حالا، ثم ذكر ان العدالة من النوع الأول و لما كانت الملكات أنواعا عديدة بيّن فصلها المميز عن غيرها.

و اما سائر التعريفات فلم يراعوا فيها الشرائط المنطبقة بهذا الوضوح و ان كان مرادهم ذلك قطعا مثلا من لم يعبر بالملكة النفسانية و قال العدالة هي الاجتناب عن الكبائر مثلا فليس مقصوده ان من اجتنب عنها اتفاقا، أو لقرب عهده بالبلوغ و عدم تنبهه للمعاصي مع عدم حصول ملكة راسخة فيه يكون عادلا.

و كذلك من لم يذكر المروة في صفات العادل ليس مقصوده ان كل سفيه لا يعرف الحسن و القبح، أو بذي و قيح لا يلتزم باجتناب القبائح فهو عادل يصح الصلاة خلفه.

و الدليل على صحة هذا التعريف تتبع موارد الاستعمال كسائر اللغات و الاصطلاحات كما ان علماء المعاني و البيان بعد تتبع موارد استعمال الفصيح و البليغ عرفوا ان الناس لا يطلقون هاتين الكلمتين الأعلى من له ملكة الإتيان بالكلام الخالي عن التنافر و التعقيد و ضعف التأليف المطابق لمقتضى الحال، كذلك عرف الفقهاء ان العادل و الورع، و المعروف بالستر و العفاف، و المتقى و من يثق بدينه، و أمثال ذلك لا يطلق في عرف الناس المتشرعة و غيرهم الأعلى من له ملكة تبعثه على فعل الواجبات و اجتناب الكبائر و مخالفات المروة فيحمل ما ورد في الأحاديث من الألفاظ الدالة على العدالة على صاحب الملكة المذكورة» «1».

فالإنصاف: ان تعريف المشهور بين المتأخرين و في طليعتهم الفاضلين و الشهدين من ان العدالة كيفية نفسانية راسخة تثبت على ملازمة

التقوى، أو هي مع المروة لا غبار عليه و يمكن استفادته من الخبر الشريف.

أعراض بعض الأساطين عن تعريف المشهور غير وجيه

فعلى هذا لا وجه لإعراض بعض الأساطين دام ظله عن تعريف المشهور المذكور في

______________________________

(1) هامش الوافي ج 2 م 9/ 154

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 37

..........

______________________________

المتن و تعليقته عليه بقوله: «بل العدالة عبارة عن الاستقامة في جادة الشرع و عدم الانحراف عنها يمينا و شمالا» بل هو كر على ما فر كيف لا؟! و قد صرح كما في تقرير بحثه «ان الاستقامة في جادة الشرع يعتبر ان تكون مستمرة بأن تصير كالطبيعة الثانوية للمكلف فالاستقامة في حين دون حين كما في شهر رمضان، أو المحرم، أو غيرهما دون بقية الشهور ليست من العدالة في شي ء فان المكلف لا يكون مستقيما بذلك في الجادة و لا سالكا لها بداع الخوف أو رجاء الثواب» «1».

و هل هذا الا عبارة اخرى عن الملكة كما صرح بذلك في تقريره الأخر قال:

«انه ظهر مما ذكرنا انه يمكن ان يكون مراد من فسرها بالملكة هو رسوخ الخوف في النفس لا انها ملكة كملكة الشجاعة و الجود» «2».

ذكر الملكة في تعريف العدالة أوجب غموضا و انحرافا

و لا يخفى ان التعبير بالملكة أوجب غموضا في النيل بحقيقة العدالة عند بعضهم و رأوا ان مقتضى التعبير بالملكة عدم صدور المعصية عن المتصف بها فيندر المتصف بالعدالة مع ترتب أحكام كثيرة عليها و لذا قالوا ان العدالة هي مجرد ترك المعاصي فعن الوحيد البهبهاني: «ان حصول الملكة بالنسبة الى كل المعاصي انما يكون في غاية الندرة ان فرض تحققه و بديهي ان العدالة مما تعم به البلوى و تكثر اليه الحاجات في العبادات و المعاملات فلو كان الأمر كما يقولون لزم اختلال النظام- مع ان القطع حاصل بأنه لم يكن في زمان المعصومين صلّى اللّه

عليه و آله على هذا النهج.

أ لا ترى انه ورد في ان إمام الجماعة إذا أحدث أو حدث له مانع أخر أخذ بيد أخر و اقامه مقامه».

و واقفة السيد الصدر في محكي شرح الوافية و أوضحه بأن الوسط بين البلادة

______________________________

(1) التنقيح ج 1/ 258

(2) الدروس ج 1/ 128

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 38

..........

______________________________

و الجربذة يسمى حكمة، و بين إفراط الشهوة و تفريطها هي العفة، و بين الظلم و الانظلام هي الشجاعة، فاذا اعتدلت هذه القوى حصلت كيفية واحدة شبيهة بالمزاج و بعد حصولها يلزمها التقوى و المروة.

و هذه الصفة الحميدة تكون في الأوحدي الذي لا يسمع الدهر مثله الا نادرا و الاحتياج إلى العدالة عام لازم في كل طائفة من كل فرقة من سكان البر و البحر حفظا لنظام الشريعة ا ه.

و قد عرفت مما لا مزيد عليه انهم لم يريدوا بالملكة ما في كلام العلمين فان ما ذكره السيد الصدر هي العدالة الأخلاقية حيث فسرها علماء الأخلاق بأنها ملكة يقتدر بها العقل العملي على تعديل القوى الثلاث من العاقلة و الشهوية و الغضبية على حسب ما يقتضيه العقل النظري، و قد أشرنا بعدم اعتبارها في العدالة التي هي موضوعة للأحكام الشرعية، بل المراد بها الحالة الثابتة في النفس و هي حالة رسوخ الخوف من اللّه تعالى في النفس باعثة على فعل الواجبات و ترك المحرمات، و هي ذات مراتب متفاوتة أعلاها مرتبة العصمة، و أدناها العدالة المعتبرة في إمام الجماعة و قبول الشهادة و نحوها، و هي الحالة الباعثة في الأحوال المتعارفة- و ان كانت بحيث يغلب عليها أحيانا فعل المعصية أو ترك الواجب إذا كان مقتضيهما

أقوى منهما- فلا ينافي ملكة العدالة فعل كبيرة أو ترك واجب على سبيل الاتفاق إذا ندم على فعل المعصية و ترك الواجب و تاب.

هذا كله بالنسبة إلى خبر عبد اللّه بن ابى بعفور.

أخبار أخر تدل على اعتبار العدالة في الشاهد

و هنا أخبار أخر تدل على اعتبار العدالة في الشاهد نشير إلى جملة منها.

كخبر مسمع بن عبد الملك عن ابى عبد اللّه عليه السّلام:

ان أمير المؤمنين عليه السّلام كان يحكم في زنديق إذا شهد عليه رجلان عدلان مرضيان و شهد له الف بالبراءة يجيز شهادة الرجلين

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 39

..........

______________________________

و تبطل شهادة الألف لأنه دين مكتوم «1».

و خبر زيد بن على عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال:

سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الساحر فقال إذا جاء رجلان عدلان فيشهدان عليه فقد حل دمه «2».

و خبر محمد بن مسلم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في شهادة المملوك.

إذا كان عدلا فإنه جائز الشهادة ان أول من رد شهادة المملوك عمر بن خطاب الخبر «3» و خبر عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال:

قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا «4».

و خبر حماد بن عثمان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال:

لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال و لا يقبل في الهلال الا رجلان عدلان «5».

و بالإسناد مثله الا انه قال و لا في الطلاق الا رجلان عدلان «6».

و خبر داود بن الحصين عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في حديث طويل قال:

لا يجوز شهادة النساء في الفطر الا شهادة رجلين عدلين «7».

و في خبر آخر له عن ابى عبد اللّه عليه

السّلام.

ان اللّه أمر في الطلاق بشهادة رجلين عدلين فأجازوا الطلاق بلا شاهد واحد. و كان أمير المؤمنين يجيز

______________________________

(1) الوسائل باب 51 من أبواب الشهادات ح/ 1

(2) الوسائل باب 51 من أبواب الشهادات ح/ 2

(3) الوسائل باب 23 من أبواب الشهادات ح/ 3

(4) الوسائل باب 23 من أبواب الشهادات ح/ 1

(5) الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح/ 17

(6) الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح/ 17

(7) الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح/ 36

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 40

..........

______________________________

شهادة المرأتين في النكاح عند الإنكار و لا يجيز في الطلاق الا شاهدين عدلين الخبر «1».

و عن تفسير الإمام العسكري عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال في قوله تعالى.

وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ «2» قال ليكونوا من المسلمين منكم فان اللّه انما شرف المسلمين العدول بقبول شهادتهم و جعل ذلك من الشرف العاجل لهم و من ثواب دنياهم «3».

و خبر عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه عن ابى عبد اللّه عليه السّلام.

في رجل شهد على شهادة رجل فجاء الرجل فقال انى لم اشهد قال: تجوز شهادة أعدلهما و ان كانت عدالتهما واحدة لم تجز شهادته «4».

و نحوه خبره الأخر و خبر ابن سنان «5».

الى غير ذلك من الاخبار.

و قد ورد اخبار ذكر فيها لقبول الشهادة عناوين أخر كعنوان الخيّر، و العفيف و الصائن، و الصالح، و الستر، و العفاف الى غير ذلك.

كخبر عمار بن مروان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام. «6»

في الرجل يشهد لابنه و الابن لأبيه و الرجل لامرأته فقال:

______________________________

(1) الوسائل باب 24 من أبواب الشهادات ح/ 35

(2) البقرة: 2/ 282

(3) الوسائل باب

41 من أبواب الشهادات ح/ 22

(4) الوسائل باب 46 من أبواب الشهادات ح/ 1

(5) الوسائل باب 46 من أبواب الشهادات ح/ 2

(6) الوسائل باب 46 من أبواب الشهادات ح/ 3

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 41

..........

______________________________

لا بأس بذلك إذا كان خيّرا «1».

و خبر ابى بصير عنه عليه السّلام قال:

لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفا صائنا «2».

و خبر عبد الكريم بن ابى يعفور عن ابى جعفر عليه السّلام قال:

تقبل شهادة المرية و النسوة إذا كن مستورات من أهل البيوتات معروفات بالستر و العفاف مطيعات للأزواج تاركات للبذاء و التبرج الى الرجال في أنديتهم «3».

و خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام:

ان شهادة الأخ لأخيه يجوز إذا كان مرضيّا و معه شاهد أخر «4».

و في خبر قاسم بن سليمان في شهادة القاذف إذا تاب.

فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: كان ابى يقول إذا تاب و لم يعلم منه الا خيرا تجوز شهادته قال نعم الخبر «5».

و خبر علاء بن سيابة عن ابى عبد اللّه عن ابى جعفر عليهما السّلام.

قلت فالمكاري و الجمّال و الملاح فقال و ما بأس بهم تقبل شهادتهم إذا كانوا صلحاء «6».

الى غير ذلك من الاخبار.

و المتحصل من مجموع هذه الاخبار بعد إرجاع بعضها الى بعض هو الذي استفدناه من صحيح عبد اللّه بن ابى يعفور فان الخيّر هو الذي يكون له ملكة إتيان الخيرات، و لا يقال للرجل انه خيّر إلا إذا استمر منه عمل الخير، و الصائن هو الذي

______________________________

(1) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 9

(2) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 10

(3) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 20

(4) الوسائل

باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 19

(5) الوسائل باب 36 من أبواب الشهادات ح/ 2

(6) الوسائل باب 34 من أبواب الشهادات ح/ 1

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 42

..........

______________________________

له ملكة ترك المعاصي مع وجود المقتضى للارتكاب و العفيف الصائن هو الذي تكون له ملكة العفة و الحياء و الصيانة و الامتناع عما لا يحل.

ذكر اخبار توهم خلاف ما ذكرنا و دفعه

و قد ورد اخبار توهم خلاف ما ذكرناه في الشاهد فإن أمكن إرجاعها الى ما ذكرنا فبها و الا فيحمل على التقية، أو يؤل.

كخبر عبد اللّه بن مغيرة قال:

قلت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام رجل طلق امرأته و استشهد شاهدين ناصبيين قال كل من ولد على الفطرة و عرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته «1».

و خبر صالح بن عقبة عن علقمة قال:

قال الصادق عليه السّلام و قد قلت له يا بن رسول اللّه عمن تقبل شهادته و من لا تقبل فقال يا علقمة كل من كان على فطرة الإسلام جازت شهادته قال فقلت له تقبل شهادة مقترف بالذنوب فقال يا علقمة لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت الا شهادة الأنبياء و الأوصياء لأنهم المعصومون دون سائر الخلق فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر و شهادته مقبولة و ان كان في نفسه مذنبا و من اغتابه بما فيه فهو خارج من ولاية اللّه داخل في ولاية الشيطان «2».

و خبر محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام قال:

لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس «3».

______________________________

(1) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 5

(2)

الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 13

(3) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 8

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 43

..........

______________________________

الى غير ذلك من الاخبار.

فإن قوله عليه السّلام في خبر ابن المغيرة، حيث لم يكتف بقبول شهادة الناصبيين أوردها و لكن قال: «ان من ولد على الفطرة و عرف بالصلاح جازت شهادته» و هو يدل بوضوح على ان شرط قبول الشهادة معروفية الشاهد بالصلاح، فيكون قوله هذا كناية على ان الناصب لا صلاح له، و لعل عدم التصريح برد شهادة الناصبي لجهة أو جهات كانت في مقال الامام عليه السّلام، و واضح ان المعروفية بالصلاح امارة غالبة على وجود ملكة العدالة فيكون من الاخبار المتعرضة لطريق العدالة كما سنشير إليها فارتقب.

و ان شئت قلت ان الظاهر منه جواز شهادة كل من ولد على الفطرة و لم يعلم خروجه عنها بحيث كان مقتضى الاستصحاب بقائه عليها، و كان معروفا بالصلاح في نفسه، و واضح ان الناصبي خارج عن الفطرة، و غير صالح في نفسه.

فان تم ما ذكرنا فهو و الا فيحمل الخبر على التقية.

و ظاهر خبر صالح بن عقبة يدل على ان من ولد على فطرة الإسلام تقبل شهادته فيستفاد منه ان المسلم تقبل شهادته مطلقا الا إذا علم منه الفسق، و هو خلاف أكثر أخبار الباب فيحمل صدر الخبر على كونه بصدد بيان الطريق إلى العدالة لا العدالة نفسها.

و ربما يستظهر من ذيل الخبر اعتبار كون الرجل معروفا بالعدالة و الستر كما دل عليه خبر ابن ابى يعفور المتقدم لا مجرد عدم رؤية الذنب منه و عدم شهادة الشاهدين عليه و الا فيصير الخبر غير معمول به.

قال أستاذنا العلامة

الشعراني في ذيل الخبر:

«الحق تأويل هذا الخبر بما لا ينافيه مثل ان يكون المركوز في ذهن السائل من العدالة كون الرجل في أعلى مدارج الزهد و التقوى بان لا يحتمل في حقه ترك أوامر اللّه تعالى أصلا و هو مقام المعصومين عليهم السّلام و العلم بالعدالة لا ينافي صدور

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 44

..........

______________________________

صغيرة منه كما ان الجود و الكرم لا ينافي احتمال المنع في بعض أوقات الغضب» «1» هذا كله فيما يتعلق بالعدالة نفسها.

الأخبار الدالة على ما يكون امارة على عدالة الشاهد

و هناك اخبار تدل على ما يكون امارة على عدالة الشاهد.

كصدر خبر ابن العلقمة المتقدم أنفا فلاحظ «2».

و خبر يونس عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال:

سئلته عن البينة أو أقيمت على الحق أ يحل للقاضي ان تقضى بقول البينة فقال خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ بظاهر الحكم: الولايات، و المناكح، و الذبائح، و الشهادات و الأنساب فإذا كان ظاهر الرجل مأمونا جازت شهادته و لا يسئل عن باطنه «3».

أفيد انه يحتمل ان يكون المراد بكونه مأمونا، المأمونية في مقام أداء الشهادة فإن كان مأمونا عن الكذب فيها، كما يحتمل ان تكون المراد المأمونية المطلقة بأن كان مأمونا ظاهرا عن ارتكاب المعاصي مطلقا.

و خبر علاء بن سيابة قال:

سئلت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن شهادة من يلعب بالحمام قال لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق «4».

ظاهره عدم كون اللعب بالحمام في نفسه موجبا للفسق.

و خبر إبراهيم بن زياد الكرخي عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السّلام قال:

من صلى خمس صلوات في اليوم و الليلة في جماعة فظنوا به خيرا و أجيزوا شهادته «5».

______________________________

(1) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ذيل ح/

13- 3

(2) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ذيل ح/ 13- 3

(3) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ذيل ح/ 13- 3

(4) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 6

(5) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 12

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 45

..........

______________________________

و خبر أحمد بن عامر الطائي عن أبيه عن الرضا عن آبائه عن على عليهم السّلام قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من عامل الناس فلم يظلمهم و حدثهم فلم يكذبهم و وعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروته و ظهرت عدالته و وجبت اخوته و حرمت غيبته «1».

و قريب منه خبر عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «2».

و خبر حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام:

في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا فعدل منهم اثنان و لم يعدل الآخران فقال إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور أجيزت شهادتهم جميعا إلخ «3».

الى غير ذلك من الاخبار.

هذا ما يتعلق بعدالة الشاهد.

اعتبار عدالة إمام الجماعة من منفردات الإمامية

اشارة

و اما بالنسبة الى امام الجماعة فاعتبار العدالة فيه كأنه من منفردات الإمامية و لكن لم يكن في اخبار الباب لفظة العدالة.

موقف الاخبار في اعتبار عدالة إمام الجماعة

نعم ورد في خبر على بن راشد عن أبي جعفر عليه السّلام.

لا تصل الا خلف من تثق بدينه «4».

و خبر فضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام في كتابه إلى المأمون قال.

لا صلاة خلف الفاجر «5».

و خبر سعد بن إسماعيل عن أبيه قال:

______________________________

(1) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 15

(2) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 16

(3) الوسائل باب 40 من أبواب الشهادات ح/ 18

(4) الوسائل باب 11 من أبواب صلاة الجماعة ح/ 9- 8- 5

(5) الوسائل باب 11 من أبواب صلاة الجماعة ح/ 9- 8- 5

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 46

..........

______________________________

قلت للرضا عليه السّلام رجل يقارف الذنوب و هو عارف بهذا الأمر أصلي خلفه؟ قال لا «1».

و خبر ابى عبد اللّه السياري صاحب موسى و الرضا عليهما السّلام «2» قال:

قلت لأبي جعفر قوم من مواليك يجتمعون فتحضر الصلاة فيقدم بعضهم فيصلي بهم جماعة فقال إذا كان الذي يؤم بهم ليس بينه و بين اللّه طلبة فليعمل «3».

و ما رواه الشهيد في الذكرى عن الصادق عليه السّلام:

ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لا صلاة لمن لا يصلى في المسجد مع المسلمين الا من علة و لا غيبة الا لمن صلى في بيته و رغب عن جماعتنا و من رغب عن جماعة المسلمين سقطت عدالته و وجب هجرانه و ان رفع الى امام المسلمين أنذره و حذره و من لزم جماعة المسلمين حرمت عليهم غيبته و ثبتت عدالته «4».

الى غير ذلك.

فقد ظهر مما

ذكرنا انه ليس في شي ء من الاخبار الواردة في باب الجماعة ما يدل على اعتبار العدالة بعنوانها في إمام الجماعة بل الوارد فيه النهى عن الصلاة خلف الفاسق، أو من لا نثق بدينه، أو مقارف الذنوب، و نحو ذلك من العناوين.

نعم ورد الصلاة خلف من تثق بدينه، أو من لم يكن بينه و بين اللّه طلبة، و هما غير عنوان العدالة.

______________________________

(1) الوسائل باب 11 من أبواب صلاة الجماعة ح/ 10.

(2) قال أستاذنا العلامة البروجردي (قدس) كما في نهاية التقرير ج 2/ 279 «ان توصيفه بأنه صاحب موسى و الرضا عليهما السلام لا يلائم مع ما في رجال النجاشي في ترجمة الرجل الذي اسمه أحمد بن محمد بن سيار: من انه كان من كتاب ال طاهر في زمن ابى محمد عليه السّلام».

(3) الوسائل باب 11 من أبواب صلاة الجماعة ح/ 12

(4) الوسائل باب 11 من أبواب صلاة الجماعة ح/ 13

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 47

..........

______________________________

و لكن كما أفيد يمكن ان يستفاد اعتبارها في إمام الجماعة من اعتبارها في الشاهد بملاحظة عدم الفرق بينه و بين إمام الجماعة من هذه الجهة.

مع ان النهى عن الصلاة خلف الفاسق يكفي في ذلك لوضوح التقابل بين الفسق و العدالة بين المتشرعة تقابل التضاد أو غيره، فالنهي عن الصلاة خلف الفاسق يرجع الى مانعية الفسق و اعتبار العدالة في إمام الجماعة «1».

أضف الى ذلك تسالم الأصحاب على اعتبارها فيه و انه مما انفردت به الإمامية إذا أحطت خبرا بما ذكرنا بعد إرجاع بعضها الى بعض تعرف العدالة المعتبرة شرعا في الموارد المختلفة و انها عبارة عن ملكة، أو حالة نفسانية باعثة على التقوى من الإتيان

بالواجبات و ترك المحرمات.

و تعرف ضعف سائر الأقوال في المسئلة في باب العدالة و لعلها نشأت عن النظر البدوي الى بعض هذه الاخبار.

و لعله لذا ذهب بعض الى ان العدالة هي الحسن الظاهر و لم يتفطن انها بصدد بيان ما هو الامارة للعدالة لا بيان ماهيتها و حقيقتها، كما ان من ذهب الى أنها مجرد الإسلام مع عدم ظهور الفسق لعله نظر الى خبر ابن المغيرة حيث قال عليه السّلام كل من ولد على الفطرة أجيزت شهادته.

فلا يهمنا التعرض لسائر الأقوال و الدخول في النقض و الإبرام مع قائليهما بعد ما اتضحت حقيقة الحال.

و ان أبيت عن معرفة حقيقة العدالة و ما هو المراد منها من اخبار الباب التي في طليعتها خبر ابن ابى يعفور الوارد في بيان حقيقة العدالة و ما هو المراد منها و لكن لا ينبغي الإشكال في أخذ عنوان العدالة موضوعة للاحكام و الآثار في الشريعة المقدسة و كل عنوان مأخوذ في لسان الشريعة إذا لم يكن له بيان من الشارع يحمل على المعنى العرفي منه، و واضح انه كما ذكرنا و افاده بعض الأساطين دام ظله ان العدالة

________________________________________

لنگرودى، سيد محمد حسن مرتضوى، الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، 2 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، اول، 1412 ه ق

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد؛ ج 2، ص: 47

______________________________

(1) نهاية التقرير ج 2/ 279

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 48

..........

______________________________

بحسب معناها العرفي هي الاستقامة في جادة الشريعة و عدم الانحراف عنها يمينا و شمالا حسبما فصله «1».

الاستقامة في جادة الشريعة عبارة أخرى عن الملكة أو الحالة أو ما أشبه ذلك

و لعمر الحق ان مجرد الاستقامة من دون ان يكون ذلك منه حالة ثابتة

و كيفية راسخة في النفس لا تعد عدالة، و لا تطلق العدالة على من يكون كذلك بل لا بد و ان يكون الرجل ذا حالة و كيفية بحيث يكون ذلك منه كالطبيعة الثابتة له.

فالإنصاف ان التعبير بالاستقامة في الجادة مساوق للتعبير بالملكة أو الحالة أو ما أشبه ذلك فالنزاع لفظي.

و قد صرح بعض الأساطين دام ظله انه لا بد و ان تكون الاستقامة مستمرة كالطبيعة الثانوية للإنسان حتى يصدق انه مستقيم فإن الاستقامة في بعض الأوقات دون بعض لا يوجب صدق الاستقامة كما أشرنا و احتملنا ان يكون هذا هو المراد بالملكة في كلام من اعتبرها في العدالة فإن بذلك ترتفع المخاصمة من البين و تقع المصالحة بين الطرفين «2».

ينبغي التنبيه على أمور

الأمر الأول: في حكم اشتراط المروة في العدالة
اشارة

ربما يعتبر في العدالة التحرز عن منافيات المروة و قد عرفت عن العلامة و من تأخر عنه تقييد الملكة النفسانية بالبعث على ملازمة التقوى و المروة، و هو المشهور بين المتأخرين بل قد يقال كما تقدم اعتبارها من كل منهم و ان لم يصرحوا به في التعريف و لذا ترى الماتن (قدس) لم يأخذها في تعريف العدالة هنا و قد أخذها في تعريفها في كتاب الصلاة.

______________________________

(1) لاحظ التنقيح ج 1/ 2591.

(2) التنقيح ج 1/ 270

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 49

..........

______________________________

و اما القدماء فقد يقال انه لم يظهر منهم اعتبارها الا ما يلوح عن الشيخ في المبسوط حيث ذكر ان العدالة في اللغة ان يكون الإنسان متعادل الاجزاء متساويا في الشريعة من كان عدلا في دينه و في مروته عدلا في أحكامه.

و اما كلام غيره ممن تقدم عن العلامة فقد يقال انه لا دلالة فيه على اعتبارها بل و لا

اشعار على ذلك، بل ربما استظهر عدم اعتبارها من بعض العبائر فعن ابن حمزة في موضع من الوسيلة ان العدالة في الدين الاجتناب عن الكبائر، و عن المفيد في المقنعة ان العدل من كان معروفا بالدين و الورع و الكف عن محارم اللّه، و عن ابن إدريس حد العدل هو الذي لا يخل بواجب و لا يرتكب قبيحا، فان ظاهر العبارة حصر العدالة فيما ذكر.

فما عن نجيب الدين نسبة اعتبارها الى العلماء بل عن الحويزي الإجماع على اعتبارها غير وجيه.

الا ان يقال ارادة ذلك من كل أحد و ان أهمل بعضهم ذكرها.

و القائلون باعتبارها أعم من ان يكون في الكاشف، أو المنكشف، أو اعتبارها في الكاشف دون المنكشف، أو اعتبارها في الكاشف و المنكشف معا، حكى الأخير عن حجة الإسلام الشفتي الأصفهاني (قدس).

و المراد باعتبارها في الكاشف اعتبارها في حسن الظاهر الكاشف عن العدالة كما ان المراد باعتبارها في المنكشف اعتبارها في معنى العدالة.

و كيف كان توضيح الحال يستدعي البحث في موردين الأول في معنى المروة و الثاني في وجه اعتبارها.

المورد الأول معنى المروة المعتبرة في العدالة

قد يقال: ان المروة أصلها على فعولة، قلبت الهمزة و أو فأد غمت فيها و هي لغة كما عن جملة من اللغويين بمعنى الرجولية أو كمالها و ربما يقال: انها

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 50

..........

______________________________

بمعنى الإنسانية، لان مادتها، المرء و هو بمعنى الإنسان، يطلق على المذكر و المؤنث كالمراء و المراءة، و فسرت في الاخبار باستصلاح المال، و بإصلاح المعيشة، و بوضع الرجل خوانه بفناء داره، و بتلاوة القرآن و عمارة المساجد، و اتخاذ الإخوان في الحضر، و بذل الزاد، و حسن الخلق، و المزاح بغير معاصي

اللّه في السفر «1».

و هذه الأمور- كما أفيد- كلها محاسن اخلاقية لا تكون دخيلة في العدالة الشرعية و لم يردها الفقهاء أيضا «2» لأنهم فسروها بالتجنب عن الأمور الدنية، أو عما لا يليق بأمثاله من المباحات، أو عما يسقط العزة عن القلوب، و يدل على عدم الحياء و عدم المبالات بمحاسن الأخلاق كالأكل في السوق لغير السوقي، و كشف الرأس في المجالس، و مد الرجل بين الناس و أمثال ذلك حتى ان بعضهم عبر عن العدالة بالاستحياء عن الخالق و المخلوق و الاستقامة على جادتى الشرع و العرف.

و قد يقال: ان المراد بمنافيات المروة: أن يفعل ما تنفر عنه عادة، و تختلف ذلك باختلاف الأشخاص و الأزمنة و الأمكنة «3».

و قد يقال: كما في المتن من كتاب الصلاة ان منافيات المروة تدل على عدم مبالاة مرتكبها بالدين.

و يظهر من أستاذنا العلامة الشعراني (ره): ان مرتكب منافيات المروة إما ماجن و قيح لا يبالي بما يقال فيه و لا يلتزم بالحسن و القبح، و اما سفيه ضعيف العقل لا يعرف الحسن من القبيح، و على كل حال فهو صاحب صفة مذمومة عند الشارع ورد ذم أصحاب هذه الصفات و النهى عن معاشرتهم و الاعتماد عليهم في الأمور «4».

______________________________

(1) لاحظ باب معنى الفتوة و المروة من كتاب بحار الأنوار باب 59 من أبواب كتاب الآداب و السنن ج 76/ 311

(2) الدروس ج 1/ 148

(3) جامع المدارك ج 1/ 492

(4) هامش الوافي ج 2 م 9/ 155

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 51

المورد الثاني الوجوه التي يذكر لاعتبار المروة في العدالة و ذكر بعض المناقشات فيها و دفعه
اشارة

______________________________

يستدل لاعتبار المروة في العدالة بوجوه.

الوجه الأول: فقرأت من خبر ابن ابى يعفور

منها: قوله عليه السّلام: ان تعرفوه بالستر و العفاف.

بتقريب ان يكون المراد ان تعرفوه بملكة نفسانية و هيئة راسخة في النفس بحيث تمنع لأجل الاستحياء من اللّه تعالى عن ارتكاب القبائح الشرعية و العرفية و بالجملة ان يكون المراد منه الستر عن العيوب الشرعية و العرفية.

و منها: قوله عليه السّلام: كف البطن و الفرج و اليد و اللسان.

بتقريب ان منافيات المروة غالبا من شهوات الجوارح فيستفاد منه ذلك.

و بالجملة المراد كف هذه الأعضاء عن مشتهياتها التي يذم عليها شرعا و عرفا.

و منها: قوله عليه السّلام: و الدلالة على ذلك كله إلخ:

بتقريب ان ستر جميع العيوب لا يكاد يحصل الا بالاجتناب عن العيوب الشرعية و العرفية و ارتكاب منافيات عيوب عرفية الا ان يقال ان ستر جميع العيوب و ان كان يعم العيوب العرفية أيضا إلا انه بقرينة تصريح صدر الخبر بدخالة خصوص الاجتناب عن الكبائر في حقيقة العدالة يراد به خصوص ما أشير إليه في الصدر و هو العيوب الشرعية فيشكل تعميمهما للعيوب العرفية.

و لا يخفى ان الاستدلال بالفقرتين الاولتين ظاهر في إرادة التحرز عن منافيات المروة في المنكشف، كما انه على الفقرة الأخيرة ظاهر في إرادة اعتبارها في الكاشف هذا.

و لكن ربما يناقش في الاستفادة فان المنصرف من الستر و العفاف في الفقرة

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 52

..........

______________________________

الأولى بلحاظ صدوره من الشارع العيوب الشرعية لا غير فيكون المراد بالستر و العفاف الخوف و الحياء عنه تعالى.

و بالجملة بمناسبة الحكم و الموضوع و ان الملقى هو الامام عليه السّلام قرينة متصلة ظاهرة في صرفها الى العيوب و النقائص الشرعية.

و كذا المراد بكف

البطن و الفرج، و اللسان، و اليد خصوص الكف عن معاصي اللّه لا مطلق مشتهياتها، و كذا المراد بكونه ساترا لعيوبه على الظاهر ساتريته لخصوص ما يعد منقصة و عيبا في الشرع و هو المعاصي لا مطلق النقائص.

و ان كان في نفسك في استظهار الانصراف شيئا فبقرينة بعض النصوص الظاهرة في حصر القادح في العدالة بارتكاب الذنوب و المعاصي يتعين حمل العيوب على خصوص العيوب الشرعية التي عبارة عن المعاصي.

و ذلك كقوله عليه السّلام في خبر صالح بن علقمة:

فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر و شهادته مقبولة و ان كان في نفسه مذنبا «1».

و بالجملة قوله عليه السّلام فمن لم تره بعينك إلخ حاكم على جميع ذلك و يكون مفسرا للعيوب المذكورة في الخبر.

و لكن رده سيدنا العلامة الخوانسارى دام ظله: «بان انصراف العيوب الى ما يعد منقصة في الشرع محل تأمل أ لا ترى انه إذا قال المولى لا تتعرض لعيوب الناس فهل يقبل دعوى الانصراف الى ما يعد منقصة في الشرع، كما انه لو قيل في مدح أحد أنه ستير عفيف فهل ينصرف الى الستر و العفاف بالنسبة إلى خصوص المحرمات و اما التمسك بمثل رواية علقمة فمع عدم الاشكال من جهة السند ففيه الاشكال من جهة ظهور التعارض كما سبق و لا مجال للحكومة فإن ظاهر الأدلة السابقة اعتبار

______________________________

(1) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 13

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 53

..........

______________________________

الوثاقة بالديانة و اعتبار العدالة مع بيان الطريق من اجتناب الكبائر و ستر العيوب و الكف و مواظبة الصلوات الخمس فمع كفاية

ما في رواية علقمة ما الفائدة فيما ذكر و ما الداعي إلى التفصيل المذكور.

نعم يمكن الخدشة في الاستدلال بما ذكر على اجتناب ما ينافي المروة فإن ظاهر الصحيحة اعتبار ستر العيوب في معرفة العدالة و سترها غير الاجتناب عنها بل صدق الستر فيما كان شي ء في الواقع و ستر عن الغير و مع فرض ظهور سائر الفقرات في اعتبار الاجتناب تقع المعارضة فلا يبقى للصحيحة ظهور فيما ذكر» «1».

قلت: و لمزيد النظر في رواية علقمة نذكر ما أفاده أستاذنا العلامة الشعراني رحمه اللّه «ان رواية علقمة تدل على ان الأصل العدالة و تقبل شهادة المسلم مطلقا الا إذ أعلم منه الفسق، و مقتضى الأصل و أكثر الأخبار عدم كفاية ذلك فالحق تأويل هذه الرواية بما لا ينافيها مثل ان يكون المركوز في ذهن السائل من العدالة كون الرجل في أعلى مدراج الزهد و التقوى بان لا يحتمل في حقه ترك أوامر اللّه تعالى أصلا و هو مقام المعصومين عليهم السّلام، و العلم بالعدالة لا ينافي احتمال صدور صغيره منه كما ان الجود و الكرم لا ينافي احتمال المنع في بعض أوقات المعصية» «2».

بقي الكلام في خدشته دام ظله في الاستدلال بالصحيحة فقد عرفت ان قوله عليه السّلام ان يكون ساترا لجميع عيوبه إلخ بصدد بيان طريق معرفة العدالة لا بيان ماهيتها، و المراد منه ان من لم يرتكب معصية و قبيحا في الظاهر و أنديه الرجال بحيث يحرم على المسلمين تفتيش ما ورائه و يجب عليهم تزكيته يحكم بعدالته في مرحلة الظاهر و لو كان في الواقع مرتكبا إياها فلا معارضة بين الفقرات.

فظهر ان استفادة ترك منافيات المروة فيما أريد من العدالة في الصحيحة غير

بعيدة.

______________________________

(1) جامع المدارك ج 1/ 493

(2) الوسائل ج 18/ 290

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 54

..........

______________________________

ان قلت: ليس المراد بالعيوب العيوب العرفية قطعا إذ ربما يعد (و العياذ باللّه) الايمان باللّه و رسوله و ترك المعاصي و الاشتغال بالطاعات عيبا عند العرف لا سيما عند بعض أهل زماننا.

كما ان عدم مبالات الإنسان بالأمور المتعارفة بين الناس و عدم استحيائه من غير اللّه لا دلالة على عدم استحيائه من اللّه لأنه ربما يكون الإنسان مستغرقا في ذات اللّه قاصراً همه فيما يرجع الى النشأة الآخرة الباقية فلا يبالي بما هو ممدوح، أو مذموم لدى أرباب الدنيا فلا تلازم بين عدم مبالاته بالأمور المتعارفة و عدم استحيائه من اللّه تعالى.

قلت: المراد بالعيوب العرفية ما تعد عيوبا في عرف المتشرعة فتريهم يعدون بعض الأعمال و الأفعال عيبا مع انه لم ينهى عنه في الشريعة و لم يحرم من قبله.

أضف الى ذلك ان ارتكاب بعض منافيات المروة غير مناسب للإنسان بل يكون هتكا في حقه كتقبيل العالم زوجته في ملاء من المحارم فإنه يعد هتكا في حقه و يوجب سقوطه عن الانظار فيحرم ارتكابه لأنه كما يحرم على المكلف هتك غيره من المؤمنين كذلك يحرم عليه هتك نفسه لأنه أيضا مؤمن محترم فتدبر.

الوجه الثاني: لاعتبار المروة في العدالة:

ما يقال ان العدالة عرفا و لغة الاستواء و الاستقامة، و غير المبالي مما يستنكر عرفا لا يعد من أهل الاستقامة «1».

و ربما يناقش ان المراد بالعدالة بمناسبة الحكم و الموضوع الاستقامة و الاستواء في الشريعة المطهرة لا مطلق الاستقامة «2».

و لكن يظهر ضعفه مما ذكرنا في ذيل خبر ابن ابى يعفور فراجع و تأمل.

الوجه الثالث:

ان من لم يخجل من الناس و لم يستحي من غير اللّه بان لم يبال بالنقائص العرفية لم يخجل و لم يستحي من اللّه تعالى أيضا لأن عدم مبالاته بتلك

______________________________

(1) جامع المدارك ج 1/ 492

(2) جامع المدارك ج 1/ 492

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 55

..........

______________________________

الأمور يكشف عن أنه لإحياء له من اللّه تعالى.

ربما يناقش بأنه لا ملازمة بينهما لأنه قد يكون عدم استحيائه بما في أيدي الناس بلحاظ كونه متفانيا في اللّه و في أمور الآخرة فلا يبالي بما هو ممدوح أو مذموم لدى الناس فمعه كيف يكون عدم مبالاته بالأمور المتعارفة بين الناس كاشفا عن عدم خجله و استحيائه من اللّه تعالى.

و لكن أشرنا ان المراد بالأمور الدراجة ما هو المتعارف في عرف المتشرعة فمن لم يستحي و لم يخجل مما عليه عرف المتشرعة يلازم عدم استحيائه من اللّه تعالى فتدبر.

استعجاب بعض الأساطين لاعتبار المروة في العدالة و دفعه

بقي الكلام في استعجاب بعض الأساطين دام ظله من القائلين بمضرية ارتكاب خلاف المروة في العدالة مع كونه مباحا و عدم قدح ارتكاب المعصية الصغيرة عندهم «1».

و فيه: ان الاستعجاب مع مساعدة الدليل غير ظاهر، مع ان المراد بخلاف المروة كما تقدم ليس كل ما يخالف العرف و العادة بل المراد ما لا يناسب المرتكب و يعد منقصة دينية في حقه، و ربما يعد ذلك هتكا في حقه: و قد عرفت من الأستاذ الشعراني ان مرتكب منافيات المروة إما ماجن و قيح لا يبالي بما يقال فيه و لا يلتزم بالحسن و القبح، و اما سفيه ضعيف العقل لا يعرف الحسن من القبيح.

و على كل فهو صاحب صفة مذمومة عند الشارع و قد ورد ذم أصحاب

هذه الصفات و النهى عن معاشرتهم و الاعتماد عليهم في الأمور ا ه «2».

فتحصل انه لا يبعد اعتبار المروة في العدالة خصوصا فيما إذا استلزم هتك مرتكب خلاف المروة.

______________________________

(1) التنقيح ج 1/ 278.

(2) هامش الوافي ج 2 م 9/ 1551

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 56

..........

______________________________

و ان كان مع ذلك في خاطرك شيئا و لكنه مقتضى الاحتياط خصوصا مع اشتهار اعتبارها فالأحوط لو لم يكن أقوى اعتبارها في العدالة.

و ليعلم: ان القائلين باعتبار المروة في العدالة فيما إذا لم يستلزم هتك مرتكبه يرون ان من لم يكن له مروة و لم يستحي و لم يبال بارتكاب الأمور الهيّنة المذمومة لدى عرف المتشرعة لا يكون عادلا و لكن لا توجب فسقه.

ففرق عندهم بين مخالفة التقوى و مخالفة المروة فإنه في الأول يوجب فسقه بخلاف مخالف المروة فإنه ليس بفاسق كما انه ليس بعادل، و لا يترتب عليه أثار شي ء منهما فتدبر.

و اما فيما استلزم هتك مرتكبه و هو محرم بالعنوان الثانوي فيوجب فسق مرتكبه لأن حرمة هتك المؤمن كما أشرنا لا تنحصر بالنسبة إلى الغير بل تعم ما إذا استلزم هتك نفسه أيضا.

الأمر الثاني في ان ارتكاب الصغيرة هل كالكبيرة مضر بالعدالة أو لم تضربها إلا إذا أصر عليها
اشارة

لا اشكال و لا خلاف في ان ارتكاب الصغيرة محرم و اما مضريته بالعدالة فكلمات الأصحاب فيها مختلفة.

نسب الى المشهور عدم مضرية ارتكاب الصغيرة للعدالة، و ربما يشاهد من عبائر فقيه واحد في بعض الموارد موافقته للمشهور، و في بعضها الأخر مخالفته لهم، منهم الماتن (قدس) في بابي التقليد و صلاة الجماعة فإن مقتضى إطلاق كلامه في باب التقليد مضرية ارتكاب الصغيرة للعدالة، و قد صرح في شرائط الجماعة بعدم مضريته ما لم يكن مصرا بها فلاحظ.

و ظاهر

جملة منهم عدم الفرق بينهما في ذلك.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 57

وجهان لعدم مضرية ارتكاب الصغيرة للعدالة
اشارة

______________________________

و كيف كان يستدل لما ذهب اليه المشهور بوجهين.

الوجه الأول:
اشارة

و هو عمدتهما قوله عليه السّلام في خبر ابن ابى يعفور: «و يعرف باجتناب الكبائر التي أوعد اللّه عليها النار من شرب الخمور و الزنا إلخ».

تقريب الدلالة: هو انه لو كان الاجتناب عن الصغائر معتبرا في العدالة لم يكن وجها لحصر الاجتناب عن الكبائر فيها.

و قد استظهرنا من هذه الفقرة إلى قوله عليه السّلام و الدلالة على ذلك كما تقدم انها بصدد بيان ماهية العدالة و ما أريد منها في الشرع و حاصله.

ان العدالة عبارة عن معرفة استحياء الرجل منه تعالى بكف البطن، و الفرج و اليد، و اللسان: عما لا يحل باجتناب الكبائر بحيث صارت صفة نفسانية و ملكة له لما عرفت ان الضمير في قوله: و يعرف باجتناب الكبائر راجع الى كف البطن و أخواته.

اشكال بعض الأساطين في دلالة الخبر و دفعه

و بما ذكرنا يظهر ضعف ما افاده بعض الأساطين دام ظله من عدم دلالة هذه الفقرة على ما استفدناه، و ذلك منه دام ظله مبني على ما ذهب اليه من عدم كون الرواية بصدد بيان حقيقة العدالة بل بصدد بيان الطريق إليها و قد عرفت بعض الكلام فيه.

و على مبناه دام ظله من مضرية ارتكاب الصغيرة بالعدالة أيضا صرح بان ذكر اجتناب الكبائر في الرواية بلحاظ أماريتها للعدالة ما لم يحرز صدور الصغائر منه فإن الامارة انما تكون حجة ما لم يعلم الخلاف فكأنه قيل يكفي في إحراز العدالة المطلقة اجتناب الكبائر، و لا حاجة الى إحراز الاجتناب عن الصغائر و هذا لا يدل على عدم إخلال الصغائر بحقيقتها.

ثم قال ان الرواية لا تخلو من الدلالة على مضرية ارتكاب الصغيرة و ذلك لان قوله عليه السّلام: «و الدلالة على ذلك كله ان يكون ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم

على

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 58

..........

______________________________

المسلمين إلخ» يدل على ان الستر لجميع العيوب معتبر في استكشاف العدالة، و من البديهي ان النظر إلى الأجنبية و لا سيما في مجامع الناس من العيوب، و كيف لا؟! فإنه معصية للّه و ان لم يتوعد عليه بالنار في الكتاب فاذا لم يكن ساترا لعيبه لم تشمله الرواية نفسها.

و على الجملة الرواية بنفسها تدلنا على ان الاجتناب عن الصغائر أيضا معتبر في العدالة لعدم صدق ساتريته لجميع العيوب مع ارتكاب الصغائر «1».

قلت: لا يخفى ان ارتكاب الصغيرة أحيانا لا يضر بصدق ساترية الشخص لجميع عيوبه و انما يضر- كما ناقش- صورة الإصرار على الصغيرة المزبورة فإن من اجتنب المعاصي الكبيرة و لم يصر على الصغائر و لكن ارتكب أحيانا صغيرة يصدق عليه عرفا انه ساتر لجميع عيوبه فلا يكون هذه الفقرة دليلا على مضرية ارتكاب الصغيرة للعدالة هذا أولا.

و ثانيا: لا يبعد ان يقال ان ستر جميع العيوب و ان كان يعم الصغيرة الا انه بقرينة تصريح صدر الرواية بدخالة خصوص الاجتباب عن الكبائر في حقيقة العدالة يراد العيوب التي أشير إليها في الصدر و هو خصوص الكبائر فلا يعم الصغائر.

و الى هذا يشير المحقق الأصفهاني حيث قال:

«و ما في ذيل الصحيحة فهو فرع و تبع لصدرها فان الستر الذي جعل امارة ستر تلك العيوب التي كان إظهارها فسقا و هي الكبائر، فإن قوله عليه السّلام: و تعرف باجتناب الكبائر في مقام حقيقة العدالة، و قوله عليه السّلام و الدليل على ذلك كله إلخ في مقام بيان الامارة على تلك الحقيقة «2».

الوجه الثاني: كلمة من المحقق الأصفهاني في عدم مضرية ارتكاب الصغيرة في العدالة
اشارة

ما أشار إليه المحقق الأصفهاني (قدس) و هو ان مقتضى

تكفير

______________________________

(1) التنقيح ج 1/ 272 الدروس ج 1/ 150

(2) رسالة الاجتهاد و التقليد/ 69

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 59

..........

______________________________

الصغائر باجتناب الكبائر كما هو ظاهر الكتاب لقوله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ «1» و صريح السنة و هو دوران العدالة مدار خصوص اجتناب الكبائر حيث ان فعل الصغيرة من المجتنب عن الكبائر دائما من باب المقتضى المقرون بالمانع فلا يؤثر شيئا، بل هو اولى من التوبة فإنها رفع و هذا دفع فتزول العدالة بالكبيرة و تعود بالتوبة و لا تزول بالصغيرة لمكان المانع المقارن لمقتضى الإزالة.

ثم أورد (قدس) على نفسه بان تكفير الصغائر باجتناب الكبائر لا يوجب عدم صدورها مبغوضة و معصية للمولى بل يرفع عقوبتها التي تقتضيها، و العدالة تضرها نفس المعصية لا أثرها و هي العقوبة.

فأجاب بأن المضر بالعدالة المعصية بمالها من البعد الحاصل بها عن المولى لا نفس صدورها و الا لا ينقلب الشي ء عما وقع عليه فلا يعود الارتكاب اجتنابا و لا ينفعه الندم و لا يجديه العزم على العدم فكيف تعود العدالة بالتوبة مع ان الملكة على حالها قبل المعصية و بعدها و الكبيرة وقعت و العدالة ارتفعت فلا الملكة زالت لتعود و لا العدم ينقلب هنا الى الوجود بخلاف ما إذا كان زول العدالة بالمعصية بلحاظ البعد الحاصل بها عن المولى فإن التوبة عن الكبيرة توجب القرب بعد البعد و اجتناب الكبائر يمنع عن فعلية البعد الذي يقتضه فعل الصغائر «2».

مناقشة بعض الأساطين لما افاده المحقق الأصفهاني و دفعها

ناقش بعض الأساطين دام ظله- كما في تقريري بحثه- فيما أفاد شيخه المحقق الأصفهاني (قدس).

أولا: ان تكفير الصغائر معلق على اجتناب الكبائر على الإطلاق فلو ارتكب كبيرة

و لو في آخر عمره لم تغفر له الصغائر الصادرة طيلة حياته و عليه فلا يمكن الحكم بعدالة من ارتكب الصغيرة لاحتمال ان لا يغفر له بارتكابه الكبيرة بعد ذلك.

______________________________

(1) النساء: 4/ 31

(2) رسالة الاجتهاد و التقليد/ 70

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 60

..........

______________________________

و ثانيا: ان مجرد غفران الذنوب بغير التوبة تفضلا منه تعالى لا يوجب صدق العدالة بخلاف التوبة فإنها كاشفة عن رسوخ الخوف في النفس المقتضى لترك المعصية، و من آثاره الندم عليها لو صدرت منه اتفاقا لغلبة القوى النفسانية و اما إذا كان المقتضى قاصراً من الأول بحيث لا يردعه عن ارتكاب بعض الذنوب، و اتفق انه تعالى، عفى عنها فلا يصدق عليه العادل و ان لم يعاقب عليه إلخ.

و بعبارة أخرى نمنع الملازمة بين العفو عن المعصية و عدم الفسق، فان الفسق هو الخروج عن وظيفة العبودية و الانحراف عن الجادة و العفو عنه أمر أخر غير مانع عن كونه فسقا و انحرافا فان للّه تعالى ان يعفو عن أعظم المعاصي تفضلا أو لغيره من أسباب العفو و الغفران الا ان العفو عن أي معصية لا يمنع عن حصول الفسق بارتكابها «1».

قلت: و لا يخفى عدم ورود شي ء مما أفاده.

اما ما ذكره أولا فلان تعليق تكفير الصغائر على اجتناب الكبائر واضح الا ان استفادة ان المعلق عليه اجتناب الكبائر مطلقا في طيلة حياته غير وجيه لان الظاهر من الاية الشريفة هو انه ما دام يكون مجتنبا للكبائر و صار اجتناب الكبائر منه ملكة و حالة ثابتة له يكون ذلك منه مانعا عن تأثير الصغيرة في العدالة.

و بعبارة أخرى فعل الصغيرة من المجتنب عن الكبائر دائما من

باب المقتضى المقرون بالمانع فلا يؤثر شيئا.

و بما ذكرنا يظهر حال ما افاده ثانيا.

لأنه إذا كان اجتناب الكبائر مانعا عن تأثير المعصية يكون فعل الصغيرة مع اجتناب الكبائر دائما يكون من باب المقتضى المقرون بالمانع فلا يؤثر شيئا و قد عرفت من المحقق الأصفهاني (قدس) انه اولى من التوبة فراجع كلامه و فتدبر فيه.

ثم انه على ما ذكره دام ظله يلزم ان يكون ارتكاب الصغيرة أشد قبحا و أكثر

______________________________

(1) الدروس ج 1/ 15 التنقيح ج 1/ 273

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 61

..........

______________________________

بعدا من ساحته تعالى من الكبيرة لأنه على ما افاده يلزم ان لا يغفر للصغيرة من ارتكب في طيلة حياته كبيرة أو كبائر و ان تاب عنها مع انه كما ترى فتأمل.

و بما ذكرنا يظهر ضعف ما في التنقيح من ان المراد بقوله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ إلخ ليس هو الاجتناب عنها آنا ما لأنه أمر حاصل لكل شخص حتى لا فسق الفسقة بل المراد الاجتناب عنها أبدا إلخ «1».

توضيح الضعف انه و ان لم يرد الاجتناب عنها آنا ما و لكن لم يرد الاجتناب عنها أبدا أيضا بل المراد حينما يكون مجتنبا عن الكبائر و صار ذلك منه ملكة و حالة مانعة، فعند كون الشخص ذا ملكة الاجتناب عن الكبائر و كان مجتنبا عنها يعفى عن سيئاته فتدبر.

تفصيل في قادحية بعض الصغائر للعدالة دون بعض و تزييفه.

و للفقيه الهمداني (قدس) مقالا جعله بعض الأساطين دليلا ثالثا لمقال المشهور لعدم مضرية ارتكاب الصغيرة للعدالة، و لكن التدبر في مقاله يعطى بعدم افادة ذلك و غاية ما تقتضيه هو عدم قادحية بعض الصغائر للعدالة و هو غير مقال المشهور و ان كان قريبا من مقالهم.

و كيف

كان فإنه (قدس) بعد ان ذهب الى ان العدالة هي الاستقامة في جادة الشرع و ان ارتكاب المعصية خروج عن جادته و لم يفرق في ذلك بين الكبائر و الصغائر فصل في الصغائر بين ما إذا كانت صدورها عن غير عمد و التفات الى حرمتها أو كانت مع الالتفات و لكن كانت المعصية مما يتسامح في أمرها في عرف المتشرعة فقال بعدم مضرية ارتكابها للعدالة و بين ما إذا كان صدورها عن عمد و التفات الى حرمتها فذهب إلى أنها كالكبائر قادحة للعدالة و قال في بيانه:

«ان المتبادر من إطلاق كون الرجل عدلا في الدين ليس إلا إرادة كونه ملازما للتقوى بأداء الواجبات و ترك المحرمات فمن يصدر عنه الصغيرة فلا يخلو اما ان يكون عن عمد و التفات الى حرمتها فهي كالكبيرة مناف للعدالة و لكن الذنوب التي ليست

______________________________

(1) التنقيح ج 1/ 274

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 62

..........

______________________________

في أنظار أهل الشرع كبيرة قد يتسامحون في أمرها فكثيرا ما لا يلتفتون الى حرمتها حال الارتكاب، أو يلتفتون إليها و لكن يكتفون في ارتكابها باعذار عرفيّة مسامحة كترك الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر أو الخروج عن مجالس الغيبة و نحوها حياء مع كونهم كارهين لذلك في نفوسهم فالظاهر عدم كون مثل ذلك منافيا لاتصافه بالفعل عرفا بكونه من أهل الستر و العفاف و الخيّر و الصلاح.

و هذا بخلاف مثل الزنا و اللواط و شرب الخمر، و قتل النفس و نظائرها مما يرونها كبيرة فإنها غير قابلة عندهم للمسامحة و مانعة عن اتصاف فاعلها بالاستقامة و الاعتدال مطلقا.

فهذا هو الفارق يتسامح بين ما يراه العرف صغيرة و كبيرة فإن

ثبت بدليل شرعي ان بعض الأشياء التي بتسامح فيها أهل العرف و لا يرونها كبيرة كالغيبة مثلا حاله حال الزنا و السرقة لدى الشارع في كونها كبيرة كشف ذلك عن خطأ العرف في مسامحتهم و ان هذا أيضا كالزنا مناف للعدالة مطلقا.

فالذي يعتبر في تحقق وصف العدالة ان يكون الشخص من حيث هو لو خلي و نفسه كافا نفسه عن مطلق ما يراه معصية و مجتنبا بالفعل عن كل ما هو كبيرة شرعا أو في أنظار أهل العرف» «1».

و فيه أولا: ان ارتكاب الصغيرة ان لم يكن عن التفات و توجه لا يكون معصية و لا تضر بالعدالة كما هو الشأن في ارتكاب الكبيرة لأنه من الخطاء المرفوع في الشريعة المقدسة.

و بالجملة الغفلة عن الحرمة حال الارتكاب عذر مطلقا فلا يكون فارقة بين أنحاء الصغيرة كما لا تكون فارقة بين الصغيرة و الكبيرة و ثانيا: انه كما تقدم ان المعتبر في العدالة هو الاستقامة المطلقة فكما لا تضر الاستقامة المطلقة ارتكاب الكبيرة لا يضربها ارتكاب الصغيرة أيضا، و السر في ذلك هو

______________________________

(1) صلاة مصباح الفقيه/ 675

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 63

..........

______________________________

ان المعصية انحراف عن الجادة فينافي الاستقامة المطلقة نعم كما أفيد لا ينافي مطلق الاستقامة.

الا ان يقال كما ذكرنا في عدم مضرية ارتكاب الصغيرة للعدالة بان المجتنب عن الكبائر إذا صدر منه صغيرة أحيانا لا يضر عرفا بصدق ساتريته لجميع عيوبه و ثالثا: ان تجويز ارتكاب الصغيرة بالأعذار العرفية غير ظاهر على تقدير و لا يختص بها على وجه أخر.

و ذلك لان العذر العرفي ان بلغ مرتبة العسر و الحرج كما إذا هدد الرجل بارتكاب معصية بما لا

يتحمل عادة يجوز ارتكابه و لا يكون فاسقا من غير فرق في ذلك بين الكبيرة و الصغيرة.

و ان لم يبلغ بتلك المرتبة لا يجوز ارتكابه بل يعد فاسقا و عاصيا بارتكابه و لو كانت المعصية أصغر الصغائر.

المراد بالصغيرة غير المضرة بالعدالة

أفاد أستاذنا العلامة البروجردي (قدس) «ان عدم قدح ارتكاب الصغيرة في العدالة انما هو في الصغيرة بقول مطلق لا الصغيرة الإضافية التي يصدق عليه عنوان الكبيرة أيضا، و لذا تقل ثمرة هذا البحث في الغاية لاختلاف الأخبار الخاصة و العامة في تعديد الكبائر و بيان الضابط لها، و لأجله يتعسر الاطلاع على الصغيرة بالقول المطلق و لم يكن هذا البحث محررا في كلماتهم و مذكورا فيها منقحا» «1».

الأمر الثالث في تقسيم المعاصي إلى الكبيرة و الصغيرة
اشارة

اشتهر بين المتأخرين تقسيم المعاصي إلى الكبيرة و الصغيرة حتى انه نسب ذلك الى المشهور تارة، و الى أكثر العلماء اخرى، و الى العلماء ثالثة، و الى المشهور

______________________________

(1) نهاية التقرير ج 2/ 295

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 64

..........

______________________________

المعروف رابعة و لكن لم يحك ذلك عن القدماء غير شيخ الطائفة (قدس) في المبسوط، و قد حكى عنه في التبيان و العدة عدم كون المعصية على نوعين و ان إطلاق الصغر و الكبر إضافي الى ما فوق، و الى ما تحت لا في حد ذاته، فالقبلة مثلا صغيرة بالنسبة إلى الزنا و كبيرة بالنسبة إلى النظرة بالشهوة.

و حكى ذلك أيضا عن المفيد و ابن البراج و ابى الصلاح و الطبرسي، بل يظهر من مجمع البيان و المحكى عن العدة و السرائر: ان ذلك اتفاقي حيث نسب فيها ذلك الى الأصحاب.

و بالجملة كل ذنب عند هؤلاء كبيرة لاشتراكها في مخالفة أمر اللّه تعالى.

الوجوه التي يستدل بها لكون جميع المعاصي كبيرة و دفعها
اشارة

استدل لمقالهم بوجوه لكنها غير سديدة.

منها: الاتفاق و الإجماع

قال شيخنا البهائي (قدس) بعد نقل مقال الطبرسي ان كلام الشيخ الطبرسي مشعر بأن القول بان الذنوب كلها كبائر متفق عليه بين علماء الإمامية و كفى بالشيخ ناقلا «1».

و قد أشرنا إلى حكاية الإجماع عن العدة و السرائر أيضا، و عن الحلي بعد نقل كلام الشيخ في المبسوط في تقسيم الذنوب الى الصغائر و الكبائر قال: انه لم يذهب اليه الشيخ في غير هذا الكتاب و لا ذهب إليه أحد من أصحابنا لأنه لا صغيرة عندنا في المعاصي إلا بالإضافة إلى غيرها.

و فيه أولا: عدم ثبوت الاتفاق بذلك كيف؟! و قد ذهب الشيخ في المبسوط و اشتهر بين المتأخرين تنويع المعاصي إلى الكبيرة و الصغيرة.

و ثانيا: انه لو سلم ذلك فمن المحتمل بل من القريب ان يكون مستندهم في ذلك بعض الوجوه التي يستدل بها في المقام فلم يكن إجماعا تعبديا.

______________________________

(1) كتاب الأربعين/ 193

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 65

..........

______________________________

و منها: ما دل على ان كل معصية توجب النار كقوله تعالى وَ مَنْ يَعْصِ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نٰارَ جَهَنَّمَ خٰالِدِينَ فِيهٰا أَبَداً- فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نٰاصِراً وَ أَقَلُّ عَدَداً «1».

و فيه أولا: ان ذلك مطلق أو عام و لكنه يقيد، أو يخصص بما دل على ان الاجتناب عن بعض المعاصي يكفر عن بعض أخر.

كقوله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ «2» الى غير ذلك.

و ثانيا: ان التوعيد بالنار لكل معصية في حد نفسه لا يدفع التقسيم كما لا يخفى و ثالثا: ان المراد بالمعصية في الآية الشريفة- كما أفاده أستاذنا العلامة الطباطبائي دام ظله- على ما يشهد به

سياق الآيات السابقة معصية ما أمر به من التوحيد أو التوحيد و ما يتفرع عليه من أصول الدين و فروعه فلا يشمل التهديد و الوعيد بخلود النار الا الكافرين بأصل الدعوة دون مطلق أهل المعصية المتخلفين عن فروع الدين فالاحتجاج بالاية على تخليد مطلق العصاة في النار في غير محله «3».

و منها: ما دل على ان كل معصية شديدة

كقول ابى جعفر عليه السّلام في خبر زرارة:

الذنوب كلها شديدة و أشدها ما نبت عليه اللحم و الدم «4».

و فيه: ان ذلك لا ينافي صغارة بعضها كما لا يخفى، و في الخبر دلالة على ان بعضها أشد فليكن المعصية الصغيرة شديدة و الكبيرة أشد منها.

و منها: ما عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:

______________________________

(1) الجن: 72/ 23- 24

(2) النساء: 4/ 31

(3) الميزان في تفسير القران ج 2/ 52

(4) الوسائل باب 40 من أبواب جهاد النفس ح/ 3

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 66

..........

______________________________

لا تحقروا شيئا من الشروان صغر في أعينكم و لا تستكثروا شيئا من الخير و ان كثر في أعينكم فإنه لا كبيرة مع الاستغفار و لا صغيرة مع الإصرار «1».

و قريب منه: ما رواه الصدوق عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:

أشد الذنوب ما استخف به صاحبه «2».

و في خبري سماعة، و زياد، ما يؤيد ذلك «3».

و حاصلها انه لا يجوز تحقير الذنب اى ذنب كان، و لا يخفى ان تقسيم المعاصي إلى الكبيرة و الصغيرة نحو تحقير لها.

و فيه أولا: ان استحقار الذنب و لو كان صغيرا أمن من مكر اللّه تعالى و هو من الكبائر.

و بالجملة الصغيرة إذا انضم إليها الأمن من مكر اللّه تعالى تكون كبيرة بل لا يبعد ان يكون من أكبر الكبائر فلا يرتبط بموضوع البحث.

و ثانيا: ان تصغير الذنب غير كون الذنب صغيرة في نظر الشارع، و الخبر يدل على الأول و موضوع البحث الثاني.

و بالجملة الكلام في انقسام الذنب في الشريعة إلى قسمين و هو محقق و هو غير تصغير الذنب الذي لا يجوز عقلا و شرعا.

و منها: خبر الحلبي

عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في القنوت في الوتر الى ان قال:

و استغفر لذنبك العظيم ثم قال كل ذنب عظيم «4».

تقريب الدلالة انه يدل على عظم كل ذنب فتقسيم الذنوب إلى الكبيرة و الصغيرة غير وجيه.

______________________________

(1) الوسائل باب 43 من أبواب جهاد النفس ح/ 8

(2) الوسائل باب 43 من أبواب جهاد النفس ح/ 7

(3) الوسائل باب 43

من أبواب جهاد النفس ح/ 2- 3

(4) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 5

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 67

..........

______________________________

و فيه: ان عظم الذنب- اى ذنب كان- واضح لأنه مخالفة للرب تعالى و لا ينافي ذلك كون بعضها صغيرا بالنسبة الى بعض.

الوجوه التي يستدل بها لكون المعاصي على قسمين
اشارة

ثم انه يستدل لمقال المشهور بين المتأخرين من تقسيم الذنوب إلى المعاصي الكبيرة و الصغيرة بوجوه أيضا.

الأول: قوله تعالى:

إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ «1».

قال أستاذنا العلامة الطباطبائي قدس في تفسيره القيم: يظهر من قوله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ ان هناك من المعاصي المنهي عنها ما هي صغيرة فتبين من الآية أولا ان المعاصي قسمان صغيرة و كبيرة، و ثانيا ان السيئات في الآية هي الصغائر لما فيها من دلالة المقابلة على ذلك الى ان قال: و بالجملة دلالتها على انقسام المعاصي إلى الصغائر و الكبائر بحسب القياس الدائر بين المعاصي أنفسها مما لا ينبغي ان يرتاب فيه، و كذا لا ريب ان الآية في مقام الامتنان، و هي تقرع إسماع المؤمنين بعناية لطيفة إلهية انهم ان اجتنبوا البعض من المعاصي كفّر عنهم البعض الأخر إلخ ما افاده «2» فتحصل ان دلالة الآية الشريفة على تقسيم المعاصي إلى الكبيرة و الصغيرة واضحة و هي كافية لما نحن بصدده.

و ان كان في خاطرك شيئا فينبغي الإشارة الى بعض الاخبار الواردة في تفسير الآية الشريفة.

فعن الصدوق عن الصادق عليه السّلام قال:

من اجتنب الكبائر يغفر اللّه (كفّر اللّه) جميع ذنوبه و ذلك قول اللّه عز و جل إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ

______________________________

(1) النساء: 4/ 31

(2) لاحظ الميزان في تفسير القران ج 4/ 323

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 68

..........

______________________________

وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً «1» «2».

و خبر محمد بن الفضيل (الفضل) عن ابى الحسن عليه السّلام في قول اللّه عز و جل:

إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ قال:

من اجتنب الكبائر ما أوعد اللّه

عليه النار إذا كان مؤمنا كفّر اللّه عنه سيئاته «3».

الثاني: قوله تعالى:

وَ وُضِعَ الْكِتٰابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّٰا فِيهِ وَ يَقُولُونَ يٰا وَيْلَتَنٰا مٰا لِهٰذَا الْكِتٰابِ لٰا يُغٰادِرُ صَغِيرَةً وَ لٰا كَبِيرَةً إِلّٰا أَحْصٰاهٰا «4» قال العلامة الراغب الأصفهاني: الإشفاق عناية مختلطة بخوف لان المشفق يحب المشفق عليه و يخاف ما يلحقه قال (و هم من الساعة مشفقون) «5» فاذا عدى بمن فمعنى الخوف فيه أظهر و إذا عدى بفي فمعنى العناية فيه أظهر «6».

بالجملة إشفاقهم بما في الكتاب يدل على ان المراد بالصغيرة و الكبيرة صغار الذنوب و كبارها.

الثالث: قوله تعالى:

الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبٰائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَوٰاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ «7» كبائر الإثم المعاصي الكبيرة، و الفواحش جمع فاحشة و هي أقبح الذنوب، و ربما يفرق بين الكبيرة و الفاحشة أن الكبيرة كل ذنب ختم بالنار و الفاحشة كل ذنب فيه الحد.

______________________________

(1) النساء: 4/ 31

(2) الوسائل باب 45 من أبواب جهاد النفس ح/ 4

(3) الوسائل باب 45 من أبواب جهاد النفس ح/ 5

(4) الكهف: 18/ 49

(5) الأنبياء: 27/ 49

(6) المفردات في غريب القران/ 263

(7) النجم: 53/ 38

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 69

..........

______________________________

و قال الطباطبائي: الفواحش الذنوب الشنيعة و قد عد تعالى في كلامه الزنا، و اللواط من الفواحش و لا يبعد ان يستظهر من الآية اتحادها مع الكبائر «1».

و قال الطبرسي: اختلف في معنى اللمم فقيل هو صغار الذنب كالنظر و القبلة و ما دون الزناء «2».

و نحوه في الميزان قال و اما اللمم فقد اختلفوا فيه فقيل هو الصغيرة من المعاصي و عليه فالاستثناء منقطع.

قلت: و لا يخفى ما في الاستدلال بالاية الشريفة للمدعي لأن الاستدلال بها بأحد التفاسير الذي لم يكن بينا في نفسه و لا مبيّنا من أئمة أهل

البيت عليهم السّلام غير وجبة لان للحضم ان يفسرها بالمعنى الأخر، و قد ذكر في الميزان بعد ذكر تفسيره الأول بأنه قيل هو ان يلم بالمعصية و يقصدها و لا يفعل و الاستثناء أيضا منقطع، و قيل هو المعصية حينا بعد حين من غير عادة: اى المعصية على سبيل الاتفاق فيكون أعم من الصغيرة و الكبيرة الى ان قال: و قد فسّر في روايات أئمة أهل البيت عليهم السّلام بثالث المعاني «3».

فعن إسحاق بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في قوله اللّه عز و جل الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبٰائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَوٰاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ.

فقال الفواحش الزنا و السرقة و اللمم الرجل يلم بالذنب فيستغفر اللّه منه الخبر «4».

و عن محمد بن مسلم عن الصادق عليه السّلام قال:

اللمم هو الذنب يلم به الرجل فيمكث ما شاء اللّه ثم يلم

______________________________

(1) الميزان في تفسير القران ج 19/ 42.

(2) مجمع البيان ج 5/ 179

(3) الميزان في تفسير القران ج 19/ 42

(4) أصول الكافي ج 2/ 278/ 442

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 70

..........

______________________________

به بعده «1».

و عن ابن عمار عن الصادق عليه السّلام: قال:

اللمام العبد الذي يلم بالذنب ليس من سليقته اى من طبعه «2».

الرابع: ما أفاده أستاذنا العلامة البروجردي (قدس) و هو:

«انه لا مجال لإنكار الصغر و الكبر يقول مطلق أصلا ضرورة انه مع دعوى الإضافة لا محالة ينتهي الأمر إلى ذنب أو ذنوب ليس لها فوق و هذا الذي ليس له فوق كما أنها كبيرة بالنسبة الى ما تحته من الذنوب كذلك كبيرة في حد نفسها و بقول مطلق إذ لا يتصور فوق بالإضافة إليه كما هو المفروض حتى يكون هذا الذنب صغيرة بالنسبة اليه، و هكذا الأمر

في جانب الصغيرة فإنه مع دعوى الإضافة أيضا لا محالة ينتهي الأمر إلى ذنوب لم يكن تحته ذنب، و هذا الذي ليس تحته ذنب كما انه صغيرة بالإضافة الى ما فوقه كذلك هي صغيرة بقول مطلق إذ المفروض انه ليس تحته ذنب أصلا فلا محيص حينئذ عن الالتزام لوجود الكبيرة و الصغيرة بقول مطلق أيضا» «3».

فتحصل مما ذكرنا صحة انقسام المعاصي إلى الكبائر و الصغائر و قد صرح المحقق الأصفهاني (قدس): «ان الحق ذلك كما هو ظاهر القران و هو قوله إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ «4»: و الاخبار الصحيحة صريحة في انقسام المعاصي إلى الكبائر و الصغائر، فالقول بان الكبر و الصغر إضافيان و ان المعاصي كلها كبائر سخيف جدا و تطويل الكلام فيه بلا طائل» «5».

______________________________

(1) أصول الكافي ج 2/ 441

(2) أصول الكافي ج 2/ 441

(3) نهاية التقرير ج 2/ 282

(4) النساء 4/ 31

(5) رسالة الاجتهاد و التقليد/ 68

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 71

الأمر الرابع فيما يتميز به الصغيرة عن الكبيرة
اشارة

______________________________

اختلف كلماتهم في تعريف الكبيرة و تشتت آرائهم في ذلك بحيث يشكل الاعتماد عليه، نشير إلى الأقوال التي أشير إليها في مفتاح الكرامة ثم نعقبها بما هو المختار فيها.

فمنهم من وكل بيانها الى التحديد، كما ان بعضهم من ردها الى التعديد.

تعيين الكبيرة بالتحديد

اما الأول: فقد اختلفوا على أقاويل.

1- فالمشهور بين أصحابنا انها كلما توعد اللّه تعالى عليه بخصوصه كما في مجمع البرهان، أو أوجب اللّه عليه النار كما قاله الأستاد الشريف «1» في مناسك الحج، أو كل ذنب توعد اللّه عز و جل عليه بالعقاب في الكتاب العزيز كما في الكفاية، و في الذخيرة انه المشهور بين أصحابنا.

2- و قيل: بأنها كل ذنب رتب عليه الشارع حدا أو (و) صرح فيه بالوعيد 3- و قيل: هي كل معصية تؤذن بقلة اكتراث «2» فاعلها بالدين.

4- و قيل: انها كل ذنب علمت حرمته بدليل قاطع.

5- و قيل: انها كل ذنب توعد عليه توعدا شديدا في الكتاب و السنة.

6- و المعتزلة على ان الكبيرة ما زاد عقابه على ثواب صاحبه، و الصغيرة ما نقص لقولهم بالإحباط، و التخليد على الكبيرة.

7- و قال بعضهم: ان أردت الفرق بين الصغيرة و الكبيرة فأعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها، فان نقصت عن أقل مفاسدها فهي من

______________________________

(1) يعنى أستاده العلامة بحر العلوم (قدس).

(2) اى بقلة مبالات فاعله بالدين

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 72

..........

______________________________

الصغائر، و الا فمن الكبائر مثلا حبس المحصنة للزنا أعظم مفسدة من القذف مع انهم لم يعدوه من الكبائر، و كذا دلالة الكفار على عورات المسلمين و نحو ذلك بما يفضي الى القتل و السبي و النهب، فان مفسدته أعظم من مفسدة

الفرار من الزحف و منه يخرج الوجه في كلام ابن عباس (هي إلى السبعمائة أقرب منها الى السبع).

8- قال شيخنا ادام اللّه تعالى حراسته «1» الكبيرة ما عده أهل الشرع كبيرا عظيما، و ان لم تكن كذلك في نفسه كسرقة ثوب ممن لا يجد غيره مع الحاجة و الصغيرة ما لم يعدوه كسرقته ممن يجده.

و هو قريب مما تقدمه، و قد يلزم ان سارق الرغيف ممن لا يجد غيره مع الحاجة كبيرة، و سارق الدرهم من مال اليتيم المالك الف دينار صغيرة فليتأمل.

تعيين الكبيرة بالتعديد
اشارة

و اما الآخرون: اى من رد عد الكبائر إلى التعديد فقد اختلفوا فيه أيضا.

فبعضهم على انها سبع

1- الشرك 2- و قتل النفس 3- و قذف المحصنة 4- و أكل مال اليتيم 5- و الزنا 6- و الفرار من الزحف 7- و العقوق، و بعضهم عبر عنه بعقوق الوالدين

و بعضهم على انها تسع

8- بزيادة السحر 9- و الإلحاد في بيت اللّه اى الظلم فيه.

و آخرون على انها عشرة

10- بزيادة الرباء.

و فريق أنها اثني عشرة

11- بزيادة شرب الخمر 12- و السرقة.

و جماعة على انها عشرون

السبعة الاولى 8- و اللواط 9- و السحر 10- و الرباء 11- و الغيبة

______________________________

(1) الظاهر انه أستاده العلامة الوحيد البهبهاني (قدس)

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 73

..........

______________________________

12- و اليمين الغموس و قد يعبر عنها باليمين الغموس الفاجرة «1» 13- و شهادة الزور 14- و شرب الخمر 15- و استحلال الكعبة 16- و السرقة 17- و نكث الصفقة «2» 18- و التعرب بعد الهجرة 19- و اليأس من روح اللّه سبحانه 20- و الأمن مكر اللّه عز و جل.

و زاد بعضهم أربعة عشرة أخر

21- و أكل الميتة 22- و الدم 23- و لحم الخنزير 24- و ما أهل لغير اللّه به «3» 25- و السحت «4» 26- و القمار 27- و البخس في الكيل و الوزن «5» 28- و معونة الظالمين 29- و حبس الحقوق من غير عسر 30- و الإسراف 31- و التبذير 32- و الخيانة 33- و الاشتغال بالملاهي 34- و الإصرار على الذنب

و قال (قدس) و قد يعد أشياء أخر

35- كالقيادة 35- و الدياثة «6» 36- و الغصب 37- و النميمة 38- و قطيعة الرحم 39- و تأخير الصلاة عن وقتها 40- و الكذب خصوصا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله 41- و ضرب المسلم بغير حق 42- و كتمان الشهادة 43- و السعاية إلى الظالم 44- و منع الزكاة المفروضة 45- و تأخير الحج عن عام الوجوب 46- و الظهار 47- و المحاربة بقطع الطريق.

______________________________

(1) اليمين الغموس بفتح الغين هي اليمن الكاذبة و الفاجرة التي يقطع بها الحالف ما لغيره مع علمه ان الأمر بخلافه كذا في مجمع البحرين.

(2) اى نقص بيعة الامام و في الحديث من نكث صفقة الامام جاء الى اللّه أجذم كذا في المجمع

(3) اى ذكر عند ذبح الحيوان أو نحره اسم غير اللّه

(4) فسر بما لا يحل كسبه، و قيل ما خبث و قبح من المكاسب فلزم منه العار كالرشوة.

(5) البخس فيهما عبارة عن النقص في الكيل و الوزن

(6) و في الحديث قيل يا رسول اللّه: و ما الديوث قال: الذي تزني امرئته و هو يعلم، و الديوث من لا غيرة له على اهله

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 74

..........

______________________________

و عن ابن مسعود: انه قال: أقروا من أول

سورة النساء الى قوله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ «1» فكل ما نهى عنه في هذه السورة الى هذه الآية فهو كبيرة.

و عن ابن عباس: أنها إلى السبعمائة أقرب الى السبع و قد حكى عن الدروس انها عدت سبعا و هي إلى السبعين أقرب، و حكى عن الروض، و الروضة انها إلى السبعمائة أقرب.

و عن المفاتيح: اختلف الفقهاء اختلافا لا يرجى زواله و كانت المصلحة في إبهامها اجتناب المعاصي كلها مخافة الوقوع فيها انتهى ما في مفتاح الكرامة «2».

الوجوه المختارة في تعيين الكبيرة
اشارة

قلت: و الذي يختلج بالبال- و العلم عند اللّه- مستفيدا مما ورد في الكتاب العزيز، و الاخبار الصادرة عن أئمة أهل البيت عليهم السّلام، و دلالة العقل، و مستفيدا مما ذكره بعض أعلام الفرقة الإمامية- و هم شيخنا العلامة الأنصاري «3» و العلامة الحائري «4» و العلامة الأصفهاني (قدس اللّه أسرارهم) «5».

هو انه تعرف الكبيرة بأحد هذه الأمور على سبيل منع الخلو.

الأمر الأول المعصية التي أوجب اللّه تعالى، أو أوعد عليها النار، أو العذاب بخصوصها في الكتاب، أو السنة

و قد ورد في غير واحد من الاخبار تمييز الكبيرة بذلك.

______________________________

(1) النساء: 4/ 31

(2) مفتاح الكرامة ج 3/ 89

(3) رسالة العدالة/ 358

(4) كتاب الصلاة/ 358 من الطبعة الاولى

(5) رسالة الاجتهاد و التقليد/ 71

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 75

..........

______________________________

منها: قوله عليه السّلام في خبر ابن ابى يعفور الوارد في مفهوم العدالة و قد تقدم ذكره، و ما يتعلق به و هو قول الصادق عليه السّلام:

و يعرف باجتناب الكبائر التي أوعد اللّه عليها النار من شرب الخمور، و الزنا، و الربا، و عقوق الوالدين، و الفرار من الزحف، و غير ذلك «1».

فقد عرف الكبائر بما أوعد اللّه عليها النار.

و منها: خبر ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام و فيه:

و اجتناب الكبائر التي أوجب عليها النار «2».

و منها: خبر الحلبي عنه عليه السّلام في تفسير الآية:

قال: الكبائر التي أوجب اللّه عز و جل عليها النار «3».

و منها: خبر محمد بن الفضيل (الفضل) عن ابى الحسن عليه السّلام في قول اللّه عز و جل إِنْ تَجْتَنِبُوا الآية: قال:

من اجتنب الكبائر ما أوعد اللّه عليه النار إذا كان مؤمنا كفّر اللّه عنه سيئاته «4» و منها: خبر عباد بن كثير النواء قال:

سئلت أبا جعفر عليه السّلام عن الكبائر فقال كل

ما أوعد اللّه عليه النار «5».

و منها: خبر حسن بن زياد العطار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام و فيه:

من ركب الكبائر و ما وعد اللّه عز و جل عليه النار الخبر «6» و منها: خبر ابى محبوب قال:

______________________________

(1) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 1

(2) الوسائل باب 40 من أبواب جهاد النفس ح/ 1

(3) الوسائل باب 41 من أبواب جهاد النفس ح/ 2

(4) الوسائل باب 41 من أبواب جهاد النفس ح/ 5- 6- 24- 7

(5) الوسائل باب 41 من أبواب جهاد النفس ح/ 5- 6- 24- 7

(6) الوسائل باب 41 من أبواب جهاد النفس ح/ 5- 6- 24- 7

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 76

..........

______________________________

كتب معى بعض أصحابنا الى ابى الحسن عليه السّلام يسئله عن الكبائر كم هي؟ و ما هي؟ فكتب عليه السّلام: الكبائر من اجتنب ما وعد اللّه عليه النار كفر عنه سيئاته إذا كان مؤمنا إلخ «1».

و منها: خبر على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال:

سئلته عن الكبائر التي قال اللّه عز و جل إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ قال التي أوجب اللّه عليها النار «2».

و منها: خبر عبيد بن زرارة قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أخبرني عن الكبائر فقال هن خمس و هن مما أوجب اللّه عليهن النار الخبر «3».

و منها: خبر علل الشرائع عن الصادق عليه السّلام قال:

و قذف المحصنات من الكبائر لأن اللّه يقول لُعِنُوا فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ عَظِيمٌ «4».

منها: خبر أحمد بن عمرو الحلبي قال:

سئلت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل إِنْ تَجْتَنِبُوا الاية قال من

اجتنب ما أوعد اللّه عليه النار إذا كان مؤمنا الخبر «5».

و منها: غير ذلك من الاخبار.

الأمر الثاني التنصيص على انها من الكبائر في النص المعتبر

و قد ورد في جملة من الاخبار تعديد الكبائر.

منها: خبر عبد العظيم الحسنى قال:

______________________________

(1) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 1

(2) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 21

(3) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 28

(4) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 31

(5) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 32

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 77

..........

______________________________

حدثني أبو جعفر الثاني عليه السّلام قال سمعت ابى يقول سمعت ابى موسى بن جعفر عليه السّلام يقول دخل عمرو بن عبيد «1» على ابى عبد اللّه عليه السّلام فلما سلم و جلس تلي هذه الآية الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبٰائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَوٰاحِشَ «2» ثم أمسك فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام ما أسكنك؟! فقال أحب ان أعرف الكبائر من كتاب اللّه عز و جل فقال نعم يا عمرو أكبر الكبائر الإشراك باللّه يقول اللّه مَنْ يُشْرِكْ بِاللّٰهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّٰهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ «3».

و بعده اليأس من روح اللّه لان اللّه عز و جل يقول إِنَّهُ لٰا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّٰهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكٰافِرُونَ «4».

ثم الأمن من مكر اللّه لان اللّه عز و جل يقول فَلٰا يَأْمَنُ مَكْرَ اللّٰهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخٰاسِرُونَ «5».

و منها عقوق الوالدين لان اللّه سبحانه جعل العاق جَبّٰاراً شَقِيًّا «6» و قتل النفس التي حرم اللّه الا بالحق لان اللّه عز و جل يقول فَجَزٰاؤُهُ جَهَنَّمُ خٰالِداً فِيهٰا إلى أخر الآية «7» و قذف المحصنة لأن اللّه عز و جل يقول لُعِنُوا فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ

وَ لَهُمْ عَذٰابٌ عَظِيمٌ «8»، و أكل مال اليتيم لان اللّه عز و جل

______________________________

(1) يقال انه عمرو بن عبيد المعتزلي المعروف

(2) النجم: 53/ 32

(3) المائدة: 5/ 72 و الآية في المصاحف هكذا (انه من يشرك باللّه إلخ)

(4) يوسف: 12/ 87

(5) الأعراف: 7/ 99

(6) إشارة إلى قوله تعالى في سورة مريم/ 32 «وَ بَرًّا بِوٰالِدَتِي وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبّٰاراً شَقِيًّا»

(7) النساء: 4/ 93

(8) النور: 24/ 23

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 78

..........

______________________________

يقول إِنَّمٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نٰاراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً «1» و الفرار من الزحف لان اللّه عز و جل يقول وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّٰا مُتَحَرِّفاً لِقِتٰالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بٰاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّٰهِ وَ مَأْوٰاهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ «2» و أكل الربا لان اللّه عز و جل يقول الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبٰا لٰا يَقُومُونَ إِلّٰا كَمٰا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطٰانُ مِنَ الْمَسِّ «3» و السحر لان اللّه عز و جل يقول:

وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرٰاهُ مٰا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلٰاقٍ «4» و الزنا لان اللّه عز و جل يقول وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثٰاماً يُضٰاعَفْ لَهُ الْعَذٰابُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهٰاناً «5» و اليمين الغموس الفاجرة لأن اللّه عز و جل يقول الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّٰهِ وَ أَيْمٰانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولٰئِكَ لٰا خَلٰاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ «6» و الغلول لان اللّه عز و جل يقول وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمٰا غَلَّ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ «7» و منع الزكاة المفروضة لأن اللّه عز و جل يقول فَتُكْوىٰ بِهٰا جِبٰاهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ «8» و شهادة الزور و كتمان الشهادة لأن اللّه عز

و جل يقول وَ مَنْ يَكْتُمْهٰا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ «9» و شرب الخمر

______________________________

(1) النساء: 4/ 10

(2) الأنفال: 8/ 16

(3) البقرة: 2/ 275

(4) البقرة: 2/ 102

(5) الفرقان: 25/ 68- 69

(6) ال عمران: 3/ 77

(7) ال عمران: 3/ 161

(8) التوبة: 9/ 35

(9) البقرة: 2/ 283

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 79

..........

______________________________

لأن اللّه عز و جل نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان «1» و ترك الصلاة متعمدا أو شيئا مما فرض اللّه عز و جل لان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال من ترك الصلاة متعمدا فقد برء من ذمة اللّه و ذمة رسوله، و نقض العهد و قطعية الرحم لان اللّه عز و جل يقول لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّٰارِ «2».

فخرج عمرو و له صراخ من بكائه و هو يقول هلك من قال برأيه و نازعكم في الفضل و العلم «3».

و منها: خبر عبيد بن زرارة قال:

سئلت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكبائر فقال هن في كتاب على عليه السّلام سبع: الشكر باللّه، و قتل النفس، و عقوق الوالدين، و أكل الربا بعد البينة، و أكل مال اليتيم ظلما و الفرار من الزحف، و التعرب بعد الهجرة قال فقلت هذا أكبر المعاصي فقال نعم قلت فأكل الدرهم من مال اليتيم ظلما أكبر أم ترك الصلاة قال ترك الصلاة قلت فما عددت ترك الصلاة في الكبائر؟

قال اى شي ء أول ما قلت لك؟ قلت: الكفر قال فان تارك الصلاة كافر يعني من غير علة «4».

و خبر محمد بن مسلم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال:

الكبائر سبع: قتل المؤمن متعمدا و قذف المحصنة و الفرار من الزحف، و

التعرب بعد الهجرة، و أكل مال اليتيم ظلما،

______________________________

(1) لعله يشير الى قوله تعالى في سورة البقرة الآية 90 إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ الاية

(2) الرعد: 13/ 25

(3) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 2

(4) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 4

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 80

..........

______________________________

و أكل الربا بعد البينة و كل ما أوجب اللّه عليه النار «1».

و خبر عبد اللّه بن سنان قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

ان من الكبائر عقوق الوالدين و اليأس من روح اللّه و الأمن مكر اللّه «2».

و مرسل الكافي و قد روى أكبر الكبائر الشرك باللّه «3».

و خبر مسعدة بن صدقة قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

الكبائر القنوط من رحمة اللّه، و اليأس من روح اللّه «4» و الأمن مكر اللّه، و قتل النفس التي حرم اللّه، و عقوق الوالدين، و أكل مال اليتيم ظلما، و أكل الربا بعد البينة و التعرب بعد الهجرة، و قذف المحصنة، و الفرار من الزحف «5».

و خبر ابى بصير عنه عليه السّلام قال سمعته يقول:

الكبائر سبعة منها قتل النفس متعمدا، و الشرك باللّه العظيم و قذف المحصنة، و أكل الربا بعد البينة، و الفرار من الزحف،

______________________________

(1) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 6.

(2) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 7.

(3) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 8.

(4) قد يقال ان الفقرة الثانية عطف بيان للأولى لعدم الفرق البين بين اليأس و القنوط، و لا بين الروح و الرحمة فالجمع بينهما للتأكيد و المبالغة.

و قد احتمل ان

يكون النظر في القنوط الى قصور الرحمة و في اليأس إلى عظمة المعصية و حرمان صاحبها من الرحمة، و يكون الروح غير الرحمة كالتنفس من الكرب و العقوبة، و ان الرحمة إعطاء المحبوب، فالروح دفع الشر و المكروه و ربما يفرق بين القنوط و اليأس باختصاص الأول بالرحمات الدنيوية لقوله تعالى هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مٰا قَنَطُوا، و الثاني بالرحمات الأخروية لقوله تعالى قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمٰا يَئِسَ الْكُفّٰارُ مِنْ أَصْحٰابِ الْقُبُورِ.

كما قد يفرق بينهما بأشدية القنوط عن اليأس فعن الكشاف القنوط ان يظهر عليه أثر اليأس فيتضاول و ينكسر.

(5) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ج/ 13.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 81

..........

______________________________

و التعرب بعد الهجرة، و عقوق الوالدين، و أكل مال اليتيم ظلما و التعرب و الشرك واحد «1».

و خبر محمد بن حكيم قال قلت لأبي الحسن موسى عليه السّلام:

الكبائر تخرج من الايمان؟ فقال نعم و ما دون الكبائر قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يزني الزاني و هو مؤمن و لا يسرق السارق و هو مؤمن «2».

و خبر ابى الصامت عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال:

أكبر الكبائر سبع الشرك باللّه العظيم و قتل النفس التي حرم اللّه الا بالحق و أكل أموال اليتامى، و عقوق الوالدين، و قذف المحصنات، و الفرار من الزحف، و إنكار ما انزل اللّه عز و جل «3».

و خبر عبد الرحمن بن كثير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال:

ان الكبائر سبع فينا أنزلت و منا استحلت فأولها الشرك باللّه العظيم، و قتل النفس التي حرم اللّه، و أكل مال اليتيم، و عقوق الوالدين، و

قذف المحصنة، و الفرار من الزحف، و إنكار حقنا «4».

و مرسل ابن ابى عمير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال:

وجدنا في كتاب على عليه السّلام الكبائر خمسة الشرك، و عقوق الوالدين، و أكل الربا بعد البينة، و الفرار من الزحف، و التعرب بعد الهجرة «5».

و خبر أحمد بن عمر الحلبي قال سئلت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل:

______________________________

(1) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 16

(2) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 18

(3) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 20

(4) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 22

(5) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 27

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 82

..........

______________________________

إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ «1» قال:

من اجتنب ما أوعد اللّه عليه النار إذا كان مؤمنا كفر عنه سيئاته و ادخله مدخلا كريما و الكبائر السبع الموجبات، قتل النفس الحرام، و عقوق الوالدين، و أكل الربا، و التعرب بعد الهجرة، و قذف المحصنة، و أكل مال اليتيم، و الفرار من الزحف «2».

و خبر فضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام في كتابه إلى المأمون قال:

الايمان هو أداء الامانة و اجتناب جميع الكبائر و هو معرفة بالقلب و إقرار باللسان و عمل بالأركان الى ان قال و اجتناب الكبائر و هي قتل النفس التي حرم اللّه تعالى، و الزنا، و السرقة و شرب الخمر، و عقوق الوالدين، و الفرار من الزحف، و أكل مال اليتيم ظلما، و أكل الميتة، و الدم، و لحم الخنزير، و ما أهل لغير اللّه به من غير ضرورة،

و أكل الربا بعد البينة و السحت، و الميسر و هو القمار، و البخس في المكيال و الميزان و قذف المحصنات، و الزناء، و اللواط، و اليأس من روح اللّه و الأمن من مكر اللّه، و القنوط من رحمة اللّه، و معونة الظالمين و الركون إليهم، و اليمين الغموس، و حبس الحقوق من غير عسر، و الكذب، و الكبر، و الإسراف، و التبذير، و الخيانة، و الاستخفاف بالحج، و المحاربة لأولياء اللّه، و الاشتغال بالملاهي و الإصرار على الذنوب «3».

______________________________

(1) النساء: 4/ 31

(2) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 32

(3) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 33

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 83

..........

______________________________

و خبر محمد بن مسلم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام و فيه:

فأي شي ء الكبائر قال أكبر الكبائر الشرك باللّه، و عقوق الوالدين، و التعرب بعد الهجرة، و قذف المحصنة، و الفرار من الزحف و أكل مال اليتيم ظلما، و الربا بعد البينة، و قتل المؤمن فقلت له. الزنا و السرقة؟ فقال ليسا من ذلك «1».

و خبر الأعمش عن جعفر بن محمد عليه السّلام في حديث شرائع الدين قال:

و الكبائر محرمة: و هي الشرك باللّه، و قتل النفس التي حرم اللّه، و عقوق الوالدين، و الفرار من الزحف، و أكل مال اليتيم ظلما، و أكل الربا بعد البينة، و قذف المحصنات و بعد ذلك الزنا، و اللواط، و السرقة و أكل الميتة، و الدم، و لحم الخنزير، و ما أهل لغير اللّه به من غير ضرورة، و أكل السحت و البخس في الميزان و المكيال، و الميسر، و شهادة الزور و اليأس من روح

اللّه، و الأمن من مكر اللّه، و القنوط من رحمة اللّه و ترك معاونة المظلومين، و الركون الى الظالمين و اليمين الغموس و حبس الحقوق من غير عسر، و استعمال التكبر و التجبر، و الكذب، و الإسراف، و التبذير، و الخيانة، و الاستخفاف بالحج و المحاربة لأولياء اللّه، و الملاهي التي تصد عن ذكر اللّه مكروهة كالغناء و ضرب الأوتار، و الإصرار على صغائر الذنوب «2» و خبر الكراجكي قال قال عليه السّلام:

الكبائر تسع أعظمهن الإشراك باللّه عز و جل و قتل النفس المؤمنة و أكل الربا، و أكل مال اليتيم، و قذف المحصنات،

______________________________

(1) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 35

(2) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 36

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 84

..........

______________________________

و الفرار من الزحف، و عقوق الوالدين، و استحلال البيت الحرام و السحر، فمن لقي اللّه عز و جل و هو بري ء منهن كان معي في جنة مصاريعها «1» الذهب «2».

الى غير ذلك من الاخبار.

الأمر الثالث أشدية معصية عما ثبت كونها كبيرة أو ما أوجب عليه النار، أو العذاب أو مساواتها له، و الأشدية إما بالنقل، أو بالعقل

كالفتنة قال تعالى الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ «3» و الكذب و قد ورد انه شر من الشراب «4» و الغيبة و قد ورد انه أشد من الزنا «5» و حبس المحصنة للزنا، و لا إشكال في انه بحكم العقل أشد من القذف، و أعلام الكفار بما يوجب عليهم على المسلمين فإنه أشد من الفرار من الزحف الى غير ذلك.

الأمر الرابع من ورود النص المعتبر على عدم قبول شهادة الرجل أو عدم الصلاة خلفه

بناء على عدم قدح الصغيرة في العدالة، كما ورد النص على انه لا يصلى خلف من يبتغى على الأذان و الصلاة بالناس الأجر «6» و ورد النهى عن الصلاة خلف

______________________________

(1) المصراع من الباب الشطر منه و هما مصراعان و أول من علق باب الكعبة مصراعين معاوية كذا في مجمع البحرين

(2) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 37

(3) البقرة: 2/ 191

(4) الوسائل باب 38 من أبواب أحكام العشرة ح/ 3

(5) الوسائل باب 152 من أبواب أحكام العشرة ح/ 9

(6) الوسائل باب 32 من أبواب الشهادات ح/ 6

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 85

..........

______________________________

العاق لوالديه «1». و عن أمير المؤمنين عليه السّلام انه كان لا يقبل شهادة الفحاش و لأذى مخزية في الدين «2» و لا تقبل شهادة اللاعب بالشطرنج، و النرد و لا شهادة المقامر «3» الى غير ذلك.

فبورود النص على عدم الصلاة، خلف المتصف بصفة أو المرتكب بعمل أو عدم قبول شهادته يستكشف ان تلك المعصية منافية للعدالة.

إذا عرفت الأمور التي ذكرنا فلك تشخيص كون المعصية كبيرة بأحد الطرق التي أشرنا إليها على سبيل منع الخلو فربما ينطبق أكثر من واحد منها على بعض المعاصي كما لا يخفى.

الأمر الخامس في تعديد الكبائر التي يستفاد من الكتاب العزيز
اشارة

حكى العلامة العاملي (قدس) في مفتاح الكرامة عن مناسك أستاذه العلامة الطباطبائي قدس مقالا في تعديد الكبائر، و صرح بأنه لم يجد بيانا أجود مما حققه و حاصله «4».

انه (قدس) بعد ان اختار ما عليه المشهور في تمييز الكبيرة و انها هي التي أوعد اللّه سبحانه عليها النار، أو العذاب، سواء كان الوعيد بالنار صريحا أو ضمنيا:

حصر الكبائر المستنبطة من الكتاب العزيز في أربع و ثلاثين، أربعة عشر منها

مما صرح فيها بالوعيد بالنار، و أربعة عشر منها قد صرح فيها بالعذاب دون النار،

______________________________

(1) الوسائل باب 11 من أبواب صلاة الجماعة ح/ 1

(2) الوسائل باب 32 من أبواب الشهادات ح/ 2

(3) الوسائل باب 32 من أبواب الشهادات ح/ 7

(4) و قد أخذنا التخليص في نهاية التقرير ج 2/ 282

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 86

..........

______________________________

و البقية ما يستفاد من الكتاب العزيز و عيد النار عليها ضمنا أو لزوما.

المعاصي التي أوعد اللّه عليها النار في الكتاب العزيز
اشارة

اما ما صرح فيه الوعيد بالنار.

فالأول: الكفر باللّه العظيم

لقوله تعالى وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيٰاؤُهُمُ الطّٰاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمٰاتِ أُولٰئِكَ أَصْحٰابُ النّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ «1».

و غير ذلك من الآيات الكثيرة المتضمنة لوعيد الكفار بالنار عموما و خصوصا.

الثاني: الإضلال عن سبيل اللّه

لقوله تعالى ثٰانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ لَهُ فِي الدُّنْيٰا خِزْيٌ وَ نُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ عَذٰابَ الْحَرِيقِ «2».

الثالث: الكذب على اللّه تعالى و الافتراء عليه

لقوله تعالى وَ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللّٰهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ «3»؟!.

و قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّٰهِ الْكَذِبَ لٰا يُفْلِحُونَ مَتٰاعٌ فِي الدُّنْيٰا ثُمَّ إِلَيْنٰا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذٰابَ الشَّدِيدَ بِمٰا كٰانُوا يَكْفُرُونَ «4».

و قد أورد عليه في الجواهر بأنه ليس في الآية الثانية ذكر النار «5».

قلت: يمكن دفعه لان في دلالة الآية الاولى كفاية و في الثانية و ان لم يصرح فيها بالنار و لكن مع ملاحظة الاولى يعلم ان المراد بالعذاب الشديد النار.

______________________________

(1) البقرة: 2/ 257

(2) الحج: 22/ 9

(3) الزمر: 39/ 6

(4) يونس: 10/ 69- 70

(5) جواهر الكلام ج 3/ 311

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 87

الرابع: قتل النفس التي حرم اللّه قتلها

______________________________

لقوله تعالى وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزٰاؤُهُ جَهَنَّمُ خٰالِداً فِيهٰا وَ غَضِبَ اللّٰهُ عَلَيْهِ، وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذٰاباً عَظِيماً «1».

الخامس: الظلم

لقوله تعالى إِنّٰا أَعْتَدْنٰا لِلظّٰالِمِينَ نٰاراً أَحٰاطَ بِهِمْ سُرٰادِقُهٰا وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغٰاثُوا بِمٰاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرٰابُ وَ سٰاءَتْ مُرْتَفَقاً «2».

السادس: الركون الى الظالمين

لقوله تعالى وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ «3».

السابع: الكبر

لقوله تعالى فَادْخُلُوا أَبْوٰابَ جَهَنَّمَ خٰالِدِينَ فِيهٰا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ «4»

الثامن: ترك الصلاة

قوله تعالى مٰا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قٰالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ «5».

التاسع: المنع من الزكاة

لقوله تعالى وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لٰا يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ، يَوْمَ يُحْمىٰ عَلَيْهٰا فِي نٰارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوىٰ بِهٰا جِبٰاهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هٰذٰا مٰا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مٰا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ «6».

______________________________

(1) النساء: 4/ 93

(2) الكهف: 18/ 39

(3) هود: 11/ 113

(4) الغافر: 40/ 76

________________________________________

لنگرودى، سيد محمد حسن مرتضوى، الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، 2 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، اول، 1412 ه ق

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد؛ ج 2، ص: 87

(5) المدبر: 74/ 42

(6) التوبة: 9/ 34- 35

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 88

العاشر: التخلف عن الجهاد

______________________________

لقوله سبحانه فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلٰافَ رَسُولِ اللّٰهِ وَ كَرِهُوا أَنْ يُجٰاهِدُوا بِأَمْوٰالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ، وَ قٰالُوا لٰا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نٰارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كٰانُوا يَفْقَهُونَ «1».

الحادي عشر: أكل الربا

لقوله تعالى الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبٰا لٰا يَقُومُونَ إِلّٰا كَمٰا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطٰانُ مِنَ الْمَسِّ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قٰالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبٰا وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا فَمَنْ جٰاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهىٰ فَلَهُ مٰا سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَى اللّٰهِ وَ مَنْ عٰادَ فَأُولٰئِكَ أَصْحٰابُ النّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ «2».

الثاني عشر: الفرار من الزحف

لقوله تعالى وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّٰا مُتَحَرِّفاً لِقِتٰالٍ، أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بٰاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّٰهِ وَ مَأْوٰاهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ «3».

الثالث عشر: أكل مال اليتيم ظلما

لقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ الْيَتٰامىٰ ظُلْماً إِنَّمٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نٰاراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً «4».

الرابع عشر: الإسراف

لقوله تعالى وَ أَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحٰابُ النّٰارِ «5».

و قد جاء الوعيد في الكتاب المجيد في أشياء كالشرك و النفاق، و الجحود،

______________________________

(1) التوبة: 9/ 81

(2) البقرة: 2/ 274

(3) الأنفال: 8/ 16

(4) النساء: 4/ 11

(5) الغافر: 40/ 46

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 89

..........

______________________________

و المجادلة في اللّه، و التكذيب في آيات اللّه، و مشاقة الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و إنكار المعاد، و حشر الأجساد، و المرجع في ذلك كله الى الكفر و قد سبق ذكره، و كذا في المعصية، و الخطيئة، و الذنب و الإثم و أمثالها، و هذه أمور عامة و قد علمت ان الوعيد لا يقتضي كونها كبائر، و قد يتعقب الوعيد في الآيات خصالا شتى، و أوصافا متعددة لا يعلم انه للمجموع أو للآحاد فلذلك طوينا ذكرها.

المعاصي التي وقع التصريح فيها بالعذاب دون النار
اشارة

و اما المعاصي التي وقع التصريح فيها بالعذاب دون النار فهي أربع عشر أيضا

الأول: كتمان ما انزل اللّه

لقوله تعالى الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ مِنَ الْكِتٰابِ وَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولٰئِكَ مٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النّٰارَ وَ لٰا يُكَلِّمُهُمُ اللّٰهُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَ لٰا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ «1».

الثاني: الاعراض عن ذكر اللّه

لقوله تعالى وَ قَدْ آتَيْنٰاكَ مِنْ لَدُنّٰا ذِكْراً مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وِزْراً خٰالِدِينَ فِيهِ وَ سٰاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ حِمْلًا «2».

الثالث: الإلحاد في بيت اللّه عز اسمه

لقوله تعالى وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحٰادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذٰابٍ أَلِيمٍ «3».

الرابع: المنع من مساجد اللّه

لقوله تعالى وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسٰاجِدَ اللّٰهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعىٰ فِي خَرٰابِهٰا أُولٰئِكَ مٰا كٰانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهٰا إِلّٰا خٰائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيٰا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذٰابٌ عَظِيمٌ

______________________________

(1) البقرة: 2/ 175

(2) طه: 20/ 99- 100- 101

(3) الحج: 22/ 26

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 90

..........

______________________________

«1».

الخامس: إيذاء رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله)

لقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّٰهُ فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذٰاباً مُهِيناً «2».

السادس: الاستهزاء بالمؤمنين

لقوله تعالى الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقٰاتِ وَ الَّذِينَ لٰا يَجِدُونَ إِلّٰا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّٰهُ مِنْهُمْ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ «3».

السابع و الثامن: نقض العهد، و اليمين

لقوله تعالى الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّٰهِ وَ أَيْمٰانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولٰئِكَ لٰا خَلٰاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَ لٰا يُكَلِّمُهُمُ اللّٰهُ وَ لٰا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَ لٰا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ «4»

التاسع: قطع الرحم

لقوله تعالى الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّٰهِ مِنْ بَعْدِ مِيثٰاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّٰارِ «5».

و قال عز و جل فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحٰامَكُمْ أُولٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّٰهُ فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمىٰ أَبْصٰارَهُمْ «6».

و قد أورد عليه في الجواهر: بأن أولئك في الآية الاولى لم يعلم كونها إشارة الى كل واحد من النقض، و القطع و الإفساد، و الآية الثانية مع ذلك لم تشتمل على

______________________________

(1) البقرة: 2/ 114

(2) الأحزاب: 44/ 57

(3) التوبة: 9/ 80

(4) ال عمران: 3/ 77

(5) الرعد: 13/ 25

(6) محمد: 47/ 22

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 91

..........

______________________________

وعيد العذاب الا ان يقال انه يفهم من اللعن و ما بعده «1».

العاشر: المحاربة و قطع السبيل

لقوله تعالى إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا، أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلٰافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيٰا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذٰابٌ عَظِيمٌ «2».

قال في الجواهر: انه قد يرجع ذلك الى الكفر و الوعيد على الأمرين معا «3».

الحادي عشر: الغناء

لقوله تعالى وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَهٰا هُزُواً أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ «4».

الثاني عشر: الزنا

لقوله تعالى وَ لٰا يَزْنُونَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثٰاماً يُضٰاعَفْ لَهُ الْعَذٰابُ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهٰاناً «5».

الثالث عشر: حب إشاعة الفاحشة في الذين أمنوا

لقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ «6».

الرابع عشر: قذف المحصنات

لقوله تعالى الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ الْغٰافِلٰاتِ الْمُؤْمِنٰاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ عَظِيمٌ

______________________________

(1) الجواهر ج 13/ 314

(2) المائدة: 5/ 37

(3) الجواهر ج 13/ 315

(4) لقمان: 31/ 60

(5) الفرقان: 25/ 68

(6) النور: 24/ 19

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 92

..........

______________________________

«1».

المعاصي التي يستفاد من الكتاب وعيد عليها ضمنا و لزوما
اشارة

و اما المعاصي التي يستفاد من الكتاب العزيز و عيد النار عليها ضمنا و لزوما فهي ستة.

الأول: الحكم بغير ما انزل اللّه تعالى

لقوله تعالى وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْكٰافِرُونَ «2».

الثاني: اليأس من روح اللّه

لقوله تعالى وَ لٰا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللّٰهِ إِنَّهُ لٰا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّٰهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكٰافِرُونَ «3».

الثالث: ترك الحج

لقوله تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ «4».

الرابع: عقوق الوالدين

لقوله تعالى وَ بَرًّا بِوٰالِدَتِي وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبّٰاراً شَقِيًّا «5» مع قوله تعالى وَ خٰابَ كُلُّ جَبّٰارٍ عَنِيدٍ، مِنْ وَرٰائِهِ جَهَنَّمُ وَ يُسْقىٰ مِنْ مٰاءٍ صَدِيدٍ «6» و قوله تعالى فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النّٰارِ لَهُمْ فِيهٰا زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ «7».

______________________________

(1) النور: 24/ 23

(2) المائدة: 5/ 44

(3) يوسف: 12/ 87

(4) ال عمران: 3/ 97

(5) مريم: 19/ 32

(6) إبراهيم: 14/ 15- 16

(7) هود: 11/ 108

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 93

الخامس: الفتنة

______________________________

لقوله تعالى وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ «1».

قلت: مع قوله تعالى وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزٰاؤُهُ جَهَنَّمُ الاية «2».

السادس: السحر
اشارة

لقوله تعالى وَ اتَّبَعُوا مٰا تَتْلُوا الشَّيٰاطِينُ عَلىٰ مُلْكِ سُلَيْمٰانَ وَ مٰا كَفَرَ سُلَيْمٰانُ وَ لٰكِنَّ الشَّيٰاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النّٰاسَ السِّحْرَ وَ مٰا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبٰابِلَ هٰارُوتَ وَ مٰارُوتَ وَ مٰا يُعَلِّمٰانِ مِنْ أَحَدٍ حَتّٰى يَقُولٰا إِنَّمٰا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلٰا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمٰا مٰا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ وَ مٰا هُمْ بِضٰارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلّٰا بِإِذْنِ اللّٰهِ وَ يَتَعَلَّمُونَ مٰا يَضُرُّهُمْ وَ لٰا يَنْفَعُهُمْ وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرٰاهُ مٰا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلٰاقٍ وَ لَبِئْسَ مٰا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كٰانُوا يَعْلَمُونَ «3».

قلت: مع ما ورد في حق الكافرين.

هذه جملة الكبائر المستنبطة من الكتاب العزيز بناء على المختار في معنى الكبيرة و هي أربع (أربعة) و ثلاثون.

و للنظر في بعضها مجال و اللّه أعلم بحقيقة الحال انتهى كلامه دامت إفاداته «4»

إيرادات العلامة العاملي و صاحب الجواهر على ما أفاده العلامة الطباطبائي

قال العلامة العاملي (قدس) بعد ذلك و ليت شعري ماذا يقول في الإصرار على الصغائر فإنه كبيرة إجماعا و ليس في القران المجيد و عيد عليه بالنار و لعله اسئله عنه شفاها اه «5».

و قد أورد صاحب الجواهر (قدس) على ما أفاده العلامة الطباطبائي (قدس) خمسة إيرادات «6» مضافا الى ما في مفتاح الكرامة أشير إليها في تقرير أستاذنا العلامة

______________________________

(1) البقرة: 2/ 191

(2) النساء: 4/ 93

(3) البقرة: 2/ 102

(4) مفتاح الكرامة ج 3/ 91- 94

(5) مفتاح الكرامة ج 3/ 91- 94

(6) جواهر الكلام ج 13/ 317

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 94

..........

______________________________

البروجردي (قدس).

أحدها: انه يلزم على ما ذكره في هذا العدد ان يكون ما عداها صغائر و انه لا يقدح في العدالة فعلها بل لا بد من الإصرار و بدونه تقع مكفرة

و لا تحتاج إلى التوبة فمثل اللواط و شرب الخمر و ترك صوم من شهر رمضان و شهادة الزور و نحو ذلك من الصغائر التي لا تقدح في العدالة و لا تحتاج إلى التوبة، و هو واضح الفساد و كيف يمكن الحكم بعدالة شخص قامت البينة على انه لاط في زمان قبل أداء الشهادة بيسير كما لا يخفى على الملاحظ لطريقة الشرع.

و ان شئت فانظر الى كتب الرجال و ما يقدحون به عدالة الرجل، و في رواية ابن ابى يعفور السابقة: ان تعرفوه بالستر و العفاف، و كف البطن و الفرج و اللسان و نحو ذلك، بل في ذلك إغراء الناس في كثير من المعاصي فإنه قل من يجتنب من المعاصي من جهة استحقاق العذاب بعد معرفة انه لا عقاب عليه.

ثانيها: انه قد ورد في السنة في تعداد الكبائر ما ليس مذكورا فيما حصره مع النص عليه فيها بأنه كبيرة، و قوله عليه السّلام ان الكبيرة كل ما أوعد اللّه عليها النار لا ينافيه و لو لكونه عليه السّلام يعلم كيف توعد اللّه عليها بالنار.

قصارى ما هناك نحن بحسب وصولنا ما وصلنا كيف وعد اللّه عليها النار فانظر الى ما في حسنة عبيد بن زرارة المتقدم ذكرها/ 79.

كيف ادخل ترك الصلاة في الكفر مع استحضاره عليه السّلام لقوله تعالى مٰا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قٰالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ «1».

ثالثها: قال اللّه تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ، وَ مٰا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّٰهِ بِهِ،. وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلٰامِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ «2» فإنه ان أريد بالإشارة كل واحد فقد حكم بالفسق و احتمال إرادة الإصرار بعيد كاحتمال ارادة ما لا ينافي العدالة من الفسق

بل

______________________________

(1) المدثر: 74/ 42- 43

(2) المائدة: 5/ 4

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 95

..........

______________________________

مجرد المعصية، أو من غير مجتنب الكبائر.

رابعها: انه قد ورد في السنة التوعد بالنار- و اى توعد- على كثير من المعاصي و بناء على ما ذكر لا بد و ان يراد بها اما الإصرار عليها، أو من غير مجتنب الكبائر و كله مخالف للظاهر من غير دليل.

خامسها: ان فيما رواه عبد العظيم الحسنى ذكر من جملة الكبائر شرب الخمر معللا ذلك بان اللّه تعالى نهى عن عبادة الأوثان و ترك الصلاة متعمدا أو شيئا مما فرض اللّه لان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال من ترك الصلاة متعمدا فقد برئ من ذمة اللّه و ذمة رسوله فانظر كيف استدل على كونه كبيرة بما ورد من السنة «1».

إيرادات العلامة البروجردي على ما أفاده العلامة الطباطبائي

ثم انه أضاف أستاذنا العلامة (قدس) على ما أورده صاحب الجواهر (قدس) بعض إشكالات أخر:

«بأن الظاهر كون المقسم الكبيرة و الصغيرة هي المعاصي الوجودية التي تتحقق بالوجودات الصادرة من المكلف و عليه فيسقط من جملة ما عده من الكبائر مثل ترك الصلاة، و منع الزكاة، و التخلف عن الجهاد، و كتمان ما انزل اللّه و نقص العهد، و اليمين، و قطع الرحم، و عدم الحكم بما انزل اللّه، و ترك الحج لأنها كلها معاصي عدمية.

اما مثل ترك الصلاة و منع الزكاة فواضح، و اما كتمان ما انزل اللّه فالآية الواردة فيه ظاهرة في ان الواجب هو التبيين و الكتمان تركه و هكذا نقص العهد، و اليمين و كذا قطع الرحم و الحكم بغير ما انزل اللّه كما يظهر من آيتيهما «2».

و أيضا الظاهران المراد بالمعاصي الكبيرة هي

المعاصي التي يمكن ان تقع من المسلم غير الكافر و عليه فيسقط من جملة ما ذكره مثل الكفر باللّه العظيم، و الإضلال

______________________________

(1) نهاية التقرير ج 2/ 286

(2) يعنى آيتي نقض العهد و اليمين و قطع الرحم

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 96

..........

______________________________

عن سبيل اللّه، و لذا لم يعد في جملة الكبائر في بعض الروايات الدالة على ان الكبائر سبع حيث انه بعد ذلك عدها ستا «1» و هذا دليل على انه لا يكون مثل الشرك باللّه معدودا من الكبائر.

و أيضا تدخل جملة مما عده من الكبائر في الظلم الذي عده منها فتلك الجملة من أقسام الظلم لا انها قسيمة له و ذلك مثل قتل النفس، و أكل مال اليتيم، و المنع من مساجد اللّه، و الاستهزاء بالمؤمنين، و إيذاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و قذف المحصنات و المحاربة، و قطع السبيل و عليه فلا يبقى الا مقدار قليل لا يتجاوز عن الاثني عشر كما لا يخفى اه «2».

عدم ورد شي ء من إيرادات الأعلام الثلاثة على ما أفاده العلامة الطباطبائي

و لكن الذي يختلج بالبال- و العلم عند اللّه تعالى- عدم ورد شي ء من إشكالات العلمين بل الأعلام و ذلك لان العلامة الطباطبائي (قدس) لم يرد حصر الكبائر بما في الكتاب العزيز حتى يرد عليه ما أورده عليه صاحبا المفتاح و الجواهر (قدس سرهما) و انما أراد عد الكبائر التي أوعد التصريح فيها في الكتاب العزيز بالعذاب، أو النار صريحا أو ضمنا أو التزاما و انها اربع و ثلاثون، و كم فرق بينهما و لعل ما ذكرنا ظاهر لمن لاحظ مقاله من أوله إلى آخره و ان كان بعض عباراته يوهم خلاف ذلك بداهة انه من البعيد جدا

لو لم يكن من المستحيل انه لم يلاحظ العلامة الطباطبائي أخبار الباب و عدم مقايستها مع ما في الكتاب العزيز و عدم تفطنه بوجود معاصي كبيرة في السنة غير المذكورة في الكتاب فتدبر.

ثم ان ما استظهره أستاذنا العلامة (قدس) غير ظاهر و اى دليل على ان المقسم للمعاصي المعاصي الوجودية بعد ظهور بل صراحة الكتاب و السنة على عد قطع

______________________________

(1) يعنى بذلك خبر عبيد بن زرارة المتقدم ذكره/ 79.

(2) نهاية التقرير ج 2/ 287.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 97

..........

______________________________

الرحم، و نقض العهد و اليمين، و كتمان ما انزل اللّه الى غير ذلك من المعاصي، فقد يكون جعل أمر محكوما بحكم و عدمه محكوما بحكم أخر مثلا، صلة الرحم موضوع لحكم استحبابي، و قطع الرحمن موضوع الحكم الحرمة، و كتمان ما انزل اللّه تعالى حرام مع كون التبين واجبا و كم له نظير في الفقه، و المتبع دلالة الدليل فكلما دل دليل عليه نقول به، نعم بمجرد وجوب شي ء شرعا لا يحكم بحرمة تركة شرعا كما انه إذا حرم شي ء لا يحكم بوجوب تركه شرعا و الا يلزم ان يكون كل حكم شرعي متضمنا لحكمين شرعيين و هو كما ترى.

و غاية ما يمكن ان يقال هي انه عند وجوب شي ء في لسان الشرع ينتزع منه يحكم العقل حرمة تركه كما إذا حرم شي ء كذلك ينتزع منه وجوبه عقلا.

و بالجملة لا مضايقة لكون كل من الفعل و الترك موضوعا لحكم إذا دل دليل عليه، و ظاهر الكتاب و السنة حرمة ترك الصلاة و منع الزكاة، و حرمة قطع الرحم و كتمان ما انزل اللّه الى غير ذلك مع وجوب الصلاة

و الزكاة و استحباب صلة الرحم، و وجوب تبيين ما انزل اللّه.

ثم ان استظهاره (قدس) ان المراد خصوص المعاصي التي يمكن ان يقع من المسلم غير ظاهر بعد تعميم نطاق الكتاب و السنة لغير المسلم كما لا يخفى على من لاحظهما، و عدم ذكر الكفر، و الشرك و الإضلال عن سبيل اللّه في بعض الاخبار لجهة و حكمة و لذا ذكرت في بعض أخبار أخر.

و دخول جملة من الكبائر في الظلم مثلا بجهة لا ينافي عدها كبيرة مستقلة لعناية شديدة بها و غفلة الناس عن كونها منه الى غير ذلك، و لذا يمكن إدخال كل الكبائر في كونها تجري على اللّه تعالى و عصيان له تعالى مع كون كل واحد منها معصية و كبيرة.

فظهر انه يمكن توجيه ما أفاده العلامة الطباطبائي (قدس) من حصر المعاصي الكبيرة في الكتاب العزيز بما ذكره و اللّه العالم.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 98

الأمر السادس في التوفيق بين الاخبار في تعديد الكبائر
اشارة

______________________________

الأخبار الواردة في تعديد الكبائر كثيرة أورد جملة وافية منها شيخنا الحر العاملي (ره) في بابين من أبواب جهاد النفس من الوسائل و هما الباب الخامس و الأربعين، و السادس و الأربعين.

و قد أوردنا ثلة وافية منها في بعض الأمور المتقدمة فليلاحظ.

و نحن الان بصدد بيان الجمع و التوفيق بين مفادها المختلفة لأن جملة منها واردة في تفسير الكبائر و بيان الضابط لها، و جملة منها دالة على عددها و انها خمس، أو سبع، أو تسع، أو أزيد على اختلاف بين هذه الطائفة أيضا، و جملة منها واردة في عد بعض المعاصي الكبار من غير تعرض لتفسيرها و لا كونها في مقام تعديدها، و بعض منها غير مرتبط بعنوان الباب

الذي عقده (ره) و هو تعيين الكبائر كخبر أصبغ «1» فينبغي ذكر الطوائف أولا ثم بيان الجمع بينها.

الطائفة الأولى ما دل على انها خمسة

كمرسل ابن ابى عمير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال:

وجدنا في كتاب على عليه السّلام الكبائر خمسة الشرك، و عقوق الوالدين، و أكل الربا بعد البينة، و الفرار من الزحف و التعرب بعد الهجرة «2».

و خبر عبيد بن زرارة قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أخبرني عن الكبائر فقال هن خمس و هي مما أوجب اللّه عليهن النار قال تعالى

______________________________

(1) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 3

(2) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 27

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 99

..........

______________________________

إِنَّ اللّٰهَ لٰا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ «1» و قال إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ الْيَتٰامىٰ ظُلْماً إِنَّمٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نٰاراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً «2» و قال يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلٰا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبٰارَ إلى أخر الآية «3» و قال عز و جل يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّٰهَ وَ ذَرُوا مٰا بَقِيَ مِنَ الرِّبٰا إلى أخر الآية «4» و رمى المحصنات الغافلات المؤمنات و قتل مؤمن متعمدا على دينه «5» «6».

الطائفة الثانية ما دل على انها سبعة

كخبر ابن محبوب قال:

كتب معى بعض أصحابنا الى ابى الحسن عليه السّلام يسئله عن الكبائر كم هي و ما هي؟ فكتب الكبائر من اجتنب ما وعد اللّه عليه النار كفر عنه سيئاته إذا كان مؤمنا و السبع الموجبات قتل النفس الحرام، و عقوق الوالدين، و أكل الرباء، و التعرب بعد الهجرة و قذف المحصنة، و أكل مال اليتيم، و الفرار من الزحف «7».

و خبر عبيد بن زرارة قال:

سئلت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكبائر فقال:

______________________________

(1) النساء: 4/ 47

(2) النساء: 4/ 10

(3) الأنفال: 8/ 15

(4) البقرة: 2/ 287

(5)

سيجي ء بعض الكلام في توجيه قوله عليه السلام ان الكبائر خمسة و عدم مطابقته لما عده فيه

(6) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 28

(7) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 1

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 100

..........

______________________________

هن في كتاب على عليه السّلام سبع الكفر باللّه، و قتل النفس، و عقوق الوالدين، و أكل الربا بعد البينة، و أكل مال اليتيم ظلما، و الفرار من الزحف، و التعرب بعد الهجرة قال فقلت هذا أكبر المعاصي فقال نعم قلت فأكل الدرهم من مال اليتيم ظلما أكبر أم ترك الصلاة؟ قال ترك الصلاة قلت فما عددت ترك الصلاة في الكبائر فقال اى شي ء أول ما قلت لك قلت الكفر قال و ان تارك الصلاة كافر يعنى من غير علة «1».

و خبر ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال:

سمعته يقول الكبائر سبعة منها قتل النفس متعمدا، و الشرك باللّه العظيم، و قذف المحصنة، و أكل الربا بعد البنية، و الفرار من الزحف، و التعرب بعد الهجرة، و عقوق الوالدين، و أكل مال اليتيم ظلما قال و التعرب و الشرك واحد «2».

و خبر محمد بن مسلم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال:

الكبائر سبع: قتل المؤمن متعمدا، و قذف المحصنة، و الفرار من الزحف، و التعرب بعد الهجرة، و أكل مال اليتيم ظلما، و أكل الربا بعد البينة، و كل ما أوجب اللّه عليه النار «3».

و خبر أحمد بن عمر الحلبي قال:

سئلت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ، قال: من اجتنب ما أوعد اللّه عليه

النار إذا كان مؤمنا كفر عنه سيئاته و ادخله مدخلا كريما و الكبائر السبع الموجبات قتل النفس الحرام، و عقوق الوالدين، و أكل الربا، و التعرب بعد الهجرة، و قذف المحصنة و أكل مال اليتيم، و الفرار من الزحف «4».

______________________________

(1) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 4

(2) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 16

(3) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 6

(4) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 32

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 101

..........

______________________________

و خبر عبد الرحمن بن كثير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال:

ان الكبائر سبع فينا نزلت و منا استحلت فأولها الشرك باللّه العظيم، و قتل النفس التي حرم اللّه، و أكل مال اليتيم، و عقوق الوالدين، و قذف المحصنة، و الفرار من الزحف، و إنكار حقنا «1».

و خبر ابى الصامت عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال:

أكبر الكبائر سبع: الشرك باللّه العظيم، و قتل النفس التي حرم اللّه الا بالحق، و أكل أموال اليتامى، و عقوق الوالدين و قذف المحصنات، و الفرار من الزحف، و إنكار ما انزل اللّه عز و جل «2».

و خبر أبي هريرة ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:

اجتنبوا السبع الموبقات قيل و ما هن قال: الشرك باللّه، و السحر، و قتل النفس التي حرم اللّه الا بالحق، و أكل الربا، و أكل مال اليتيم، و التولي يوم الزحف، و قذف المحصنات الغافلات المؤمنات «3».

الطائفة الثالثة

انه و ان لم ينص على عدد الا انه عند ذكر أكبر الكبائر عد ثمانية كخبر محمد بن مسلم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال:

قلت له

ما لنا نشهد على من خالفنا بالكفر، و ما لنا لا نشهد لأنفسنا و لأصحابنا انهم في الجنة فقال من ضعفكم ان لم يكن فيكم شي ء من الكبائر فاشهدوا انكم في الجنة قلت فأي شي ء الكبائر فقال الشرك باللّه، و عقوق الوالدين، و التعرب بعد الهجرة،

______________________________

(1) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 22

(2) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 20

(3) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 34

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 102

..........

______________________________

و قذف المحصنة، و الفرار من الزحف، و أكل مال اليتيم ظلما و الرباء بعد البينة، و قتل المؤمن فقلت له الزنا و السرقة فقال ليسا من ذلك «1».

الطائفة الرابعة ما أنهاها إلى تسعة

كخبر الكراجكي قال: قال عليه السّلام:

الكبائر أعظمهن الإشراك باللّه عز و جل، و قتل النفس المؤمنة، و أكل الربا، و أكل مال اليتيم، و قذف المحصنات، و الفرار من الزحف، و عقوق الوالدين، و استحلال البيت الحرام و السحر فمن لقي اللّه عز و جل و هو بري ء منهن كان معي في جنة مصاريعها الذهب «2».

الطائفة الخامسة ما أنهاها إلى عشرة و ان لم ينص على عدد

كخبر مسعدة بن صدقة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

الكبائر القنوط من رحمة اللّه، و اليأس من روح اللّه و الأمن من مكر اللّه، و قتل النفس التي حرم اللّه، و عقوق الوالدين، و أكل مال اليتيم ظلما، و أكل الربا بعد البينة، و التعرب بعد الهجرة، و قذف المحصنة، و الفرار بعد الزحف الحديث «3».

______________________________

(1) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 35

(2) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 37

(3) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 13

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 103

الطائفة السادسة ما دل على انها أكثر من عشرة
اشارة

______________________________

كخبر عبد العظيم الحسنى عليه السّلام «1» و قد تقدم ذكره بتمامه/ 76 و خبر فضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام في كتابه إلى المأمون «2» و خبر الأعمش عن جعفر بن محمد في حديث شرائع الدين «3» و قد تقدم ذكرهما في 82- 83.

هذا ما ورد في تعديد الكبائر فقد عرفت الاختلاف فيها و لكن يمكن الجواب عن اشكال الاختلاف بوجهين.

الوجه الأول: و هو جواب إجمالي حاصله

ان جميع المعاصي المذكورة في هذه الاخبار كبيرة و يستحق فاعلها العذاب، أو النار، و يوجب فسق فاعلها و سلب العدالة عن مرتكبها، و ان كان بعضها أكبر من بعض، و يكون بعضها أكبر الكبائر، و لذا ترى ان الزنا و السرقة مع كونهما من المعاصي الكبيرة فقد نفى الكبارة عنهما في بعض الاخبار «4» و في الحقيقة نفى الأكبرية عنهما لأنه عليه السّلام بصدد ذكر أكبر الكبائر.

فالمعاصي الكبيرة ذو العرش و الدرجات لها عرض عريض و قد تعرض لبعضها التي تكون أكبر الكبائر في بعض الاخبار، و بعضها في بعض أخر لبعض المناسبات و هكذا.

و قد صرح في خبر عبيد بن زرارة ان المعدود هو أكبر الكبائر و في خبر الأعمش إشارة إلى وجود المراتب فلاحظ.

و يحتمل ان يكون ذكر بعض الاعداد كالخمس، و السبع و نحوهما من باب المثال لا حصر الكبائر فيها فتدبر.

______________________________

(1) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 2

(2) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 33

(3) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 36

(4) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 35

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 104

الوجه الثاني: الجواب التفصيلي

______________________________

و قد أتعب أستاذنا العلامة البروجردي (قدس) نفسه الشريفة في الجمع بين الروايات المتخالفة المتضاربة بوجه حسن لعله أحسن ما في المقام و ان كان بعض ما افاده لا تخلو عن تكلف و تعسف و إليك حاصل ما افاده:

«و هو انه في رواية أبي بصير «1» ذكر ان الكبائر سبعة و مع ذلك عدها ثمانية و لكنه قال في ذيلها ان التعرب و الشرك واحد، و لا بأس، لان مرجع التعرب إلى

الحالة التي كانت عليها قبل الهجرة إلى دار الإسلام لغرض الإسلام و الايمان فمرجعه الى ان الرجوع و الارتداد عن الإسلام بعد الهجرة من الكفر و الشرك اليه.

و في رواية محمد بن مسلم «2» أسقط عقوق الوالدين و عد السابعة كل ما أوجب اللّه عليها النار، و لعله سهو من الراوي لأن الكلام في تعديد الكبائر و ذكر إفرادها، لا في تعريف الكبائر و الضابط لها، فمن المحتمل سهو الراوي عن ذكر عقوق الوالدين فذكر موضعه هذه السابعة و اللّه العالم.

و في رواية عبد الرحمن بن كثير «3» أسقط التعرب بعد الهجرة، و أكل الربا بعد البينة، و ذكر موضع السابعة إنكار حقنا، و قد عرفت وجه إسقاط التعرب بعد ذكر الشرك في رواية أبي بصير.

و في رواية أبي الصامت «4» ذكر ان أكبر الكبائر سبع و أسقط التعرب و أكل الربا بعد البينة، و ذكر موضع السابعة إنكار ما انزل اللّه و قد عرفت ان إسقاط التعرب بعد ذكر الشرك لا بأس به، و اما إسقاط الربا فلعل وزانه و مرتبته وزان إنكار حقهم أو إنكار ما انزل اللّه و في مرتبته.

و في رواية عبيد بن زرارة «5» ذكر ان الكبائر خمسة فقد أسقط التعرب و العقوق و لكن ذكر موضعه الشرك من غير عدها من جملة الخمس، و قد عرفت وجه إسقاط

______________________________

(1) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 16

(2) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 6

(3) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 222

(4) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 20

(5) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 28

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط

و التقليد، ج 2، ص: 105

..........

______________________________

التعرب و وجه عدم عد الشرك من المعاصي، يؤيد ما ذكرنا ان المراد بها هي المعاصي التي يمكن ان تقع من المسلم حال إسلامه و الشرك لا يلائم ذلك ففي الحقيقة لم يذكر في الرواية خصوص العقوق فلعل المعاصي المذكورة فيه أكبر من العقوق.

و في مرسلة ابن ابى عمير «1» بعد ان عد مثل الرواية السابقة أنها خمسة و قد عد التعرب و الشرك أمرين، و بعد ما عرفت من إرجاع التعرب الى الشرك و اتحادهما يرجع المعاصي المذكورة إلى الأربعة ففي الحقيقة أسقط القتل و أكل مال اليتيم، و قذف المحصنات فلعل غير المذكور ليس بمرتبة المذكورات.

و لكن يشكل بان العقوق قد سقط من الأول و ثبت في مرسلة ابن ابى عمير الا ان يناقش في سندهما، أو يقال انهما و ان تعارضتا في المفهوم و لكن لا تعارض بينهما بحسب المنطوق فيقدم المثبت.

و في رواية مسعدة «2» عدها عشرة من غير تعرض لكونها عشرة و أضاف إلى السبع المذكور في الروايات القنوط من رحمة اللّه، و اليأس من روح اللّه و الأمن من مكر اللّه، و الظاهر ان الأولين واحد.

و في رواية أخرى لمحمد بن مسلم «3» عد أكبر الكبائر ثمانية من غير تعرض لكونها ثمانية و حيث انه عد فيها التعرب و الشرك أمرين و قد عرفت انهما واحد فلا اختلاف بينها و بين الروايات الدالة على انها سبعة.

و اما الروايات الدالة على ان الكبائر كثيرة فهي ثلاث أحدها رواية عبد العظيم الحسنى حيث عدها عشرين و الثانية رواية اعمش حيث عدها ثلاث و ثلاثين و الثالثة رواية فضل و قد عدها أيضا ثلاث و ثلاثين و

الظاهر اتحادها مع رواية اعمش و الاختلاف بينهما يسير لأنه قد ذكر في رواية اعمش ان الاشتغال بالملاهي التي يصد عن ذكر اللّه مكروهة و لكن عد من الكبائر في رواية فضل.

______________________________

(1) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 27

(2) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 13

(3) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 35

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 106

..........

______________________________

فانقدح من جميع ما ذكرنا انه لا محيص عن الالتزام باتصاف سبع من المعاصي بكونها كبيرة بقول مطلق، و هي السبع المذكورة في الروايات الدالة على ان الكبائر سبع، أو أكبرها سبع، أو على ان رتبة سائر الكبائر أدنى من رتبتها كما تدل عليه رواية اعمش.

و اما ما عدى السبع فما ذكر في مثل رواية اعمش فالظاهر أنها كبيرة بالإضافة الى ما دونها صغيرة بالنسبة إلى السبع التي هي فوقها.

و بمثل هذا يجمع بين ما دل على ان الزنا و السرقة ليستا من الكبائر كروايتي محمد بن حكيم و محمد بن مسلم، و ما دل على انهما منها كروايتي فضل، و اعمش وجه الجمع هو ان ما دل على عدم كونهما من الكبائر يراد به عدم كونهما من الكبائر بقول مطلق و عدم كونها في عرض المعاصي التي هي أكبر الكبائر و ما دل على كونهما منها يراد انهما كبيرتان بالإضافة الى ما تحتهما من المعاصي» «1».

الأمر السابع في تعديد الكبائر المستفاد من الاخبار

ينبغي تعداد الكبائر الواردة في تعديد الكبائر و النصوص الواردة في بعض المعاصي بالخصوص بعد إسقاط المكررات رجاء ان يكون وسيلة للاجتناب عنها ان لم يكن مجتنبا عنها فنقول الكبائر عبارة عن:

1- الشرك باللّه تعالى، أو الكفر باللّه تعالى.

2-

إنكار ما انزل اللّه تعالى.

3- قتل النفس التي حرم اللّه تعالى.

4- عقوق الوالدين.

5- الفرار من الزحف.

6- أكل مال اليتيم ظلما.

______________________________

(1) نهاية التقرير ج 2/ 288

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 107

..........

______________________________

7- أكل الربا بعد البينة.

8- قذف المحصنات الغافلات المؤمنات، أو قذف المحصنة، أو قذف المحصنات على اختلاف التعبير في الاخبار.

9- الزنا.

10- اللواط.

11- السرقة.

12- أكل الميتة.

13- أكل الدم.

14- أكل لحم الخنزير.

15- أكل ما أهل لغير اللّه به من غير ضرورة.

16- البخس في (من) الميزان و المكيال.

17- الميسر، القمار.

18- شهادة الزور.

19- اليأس من روح اللّه تعالى.

20- القنوط من رحمة اللّه تعالى «1».

21- الأمن من مكر اللّه تعالى.

22- معونة (معاونة) الظالمين.

23- الركون الى الظالمين.

24- اليمين الغموس الفاجرة «2».

______________________________

(1) تقدم الكلام في الفرق بين اليأس من روح اللّه و القنوط من رحمته في/ 80

(2) عن النهاية اليمين الغموس هي اليمين الكاذبة الفاجرة كالتي يقتطع بها الحالف مال غيره، سميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار، و فعول للمبالغة

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 108

..........

______________________________

25- الغلول «1».

26- حبس الحقوق من غير عسر.

27- الكذب على اللّه تعالى أو الافتراء عليه، و على رسوله، و على الأوصياء و في رواية مطلق الكذب.

28- استعمال التكبر و التجبّر- أو الكبر.

29- 30- الإسراف و التبذير.

31- الخيانة.

32- الاستخفاف بالحج لعل المراد الإتيان بالحج عن استخفاف لا تركه فتدبر.

33- المحاربة لأولياء اللّه.

34- الملاهي التي تصد عن ذكر اللّه تعالى كالغناء، و ضرب الأوتار.

35- السحر.

36- الإصرار على صغائر الذنوب، أو على الذنوب كما في خبر فضل.

37- أكل السحت.

38- استحلال البيت الحرام.

39- التعرب بعد الهجرة.

40- منع الزكاة المفروضة.

41- كتمان الشهادة.

42- ترك الصلاة متعمدا و في بعض

الاخبار عد تارك الصلاة عمدا كافرا.

43- ترك شي ء مما فرض اللّه عز و جل.

44- كتمان الشهادة.

45- شرب الخمر.

______________________________

(1) في النهاية قد تكرر ذكر الغلول في الحديث، و هو الخيانة في الغنم، و السرقة من الغنيمة قبل القسمة

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 109

..........

______________________________

46- نقض العهد.

47- قطعية الرحم.

48- إفطار يوم من شهر رمضان متعمدا «1».

49- إنكار حق أهل البيت عليهم السّلام.

50- الحيف في الوصية «2».

51- سباب المؤمن «3».

تقدم في الأمر الخامس تعديد الكبائر التي أوعد اللّه عليها العذاب، أو النار في الكتاب العزيز صريحا، أو ضمنا، و لزوما، و قد ذكر شطر واف منها في لسان الأخبار المتقدمة الا انه حيث لم أجد بعضا منها فيها فأحببت ذكرها هنا تميما للفائدة و تحفظا للاجتناب عن معاصي اللّه و هي:

52- الإضلال عن سبيل اللّه.

53- الظلم.

54- التخلف عن الجهاد.

55- كتمان ما انزل اللّه.

56- الاعراض عن ذكر اللّه.

57- الإلحاد في بيت اللّه.

58- المنع من مساجد اللّه.

59- أذية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

60- الاستهزاء بالمؤمنين.

61- نقض اليمين.

______________________________

(1) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 9

(2) من لا يحضره الفقيه ج 3/ 369

(3) من لا يحضره الفقيه ج 3/ 373

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 110

..........

______________________________

62- المحاربة و قطع السبيل.

63- إشاعة الفاحشة.

64- الحكم بغير ما انزل اللّه.

65- ترك الحج.

66- الفتنة.

الأمر الثامن في معنى الإصرار و ما أريد به و حكمه
اشارة

قد عرفت منا أن الإصرار على الصغيرة مضر بالعدالة و عن المشهور بين المتأخرين ان الإصرار على الصغيرة من الكبائر.

تنقيح المقال يستدعي البحث عن معنى الإصرار، و ما أريد به في المقام و حكم الإصرار على الصغيرة فنقول:

الإصرار لغة و عرفا الملازمة و المداومة على الشي ء فهو عبارة

عن فعل شي ء مرة بعد اولى و كرة بعد اخرى مضموم بعضه الى بعض و لكن اختلفوا في المراد بالإصرار بالصغيرة.

فعن بعضهم هو المداومة على نوع واحد من المعصية.

و عن أخر انه الإكثار من الصغيرة سواء كان من نوع واحد، أو أنواع مختلفة و قيل انه عبارة عن تكرار المعصية تكرارا يشعر بقلة مبالاة مرتكبه بالدين.

و قيل: ان المراد فعل الصغيرة مع العزم على معاودتها.

و قيل: انه فعل الصغيرة مع عدم التوبة.

و عن جملة من الفقهاء منهم الشهيدان: تقسيم الإصرار إلى فعلى و حكمي، فالفعلي هو الدوام على نوع واحد من الصغائر بلا توبة، أو الإكثار من جنسها بلا توبة، و الحكمي هو العزم على فعل تلك الصغيرة بعد الفراغ منها.

و عن الذخيرة ان هذه مما ارتضاه جماعة من المتأخرين.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 111

..........

______________________________

و قال المحقق الأصفهاني (قدس): «ان الصغيرة اما يصدر من المجتنب عن الكبائر، أو من غير المجتنب عنها، أو من غير المبتلى بها.

فعلى الأول تكون الصغيرة بنص القرآن و نصوص الاخبار مكفرة باجتناب الكبائر و حيث ان فعل الصغيرة حال صدورها مقرون بالمانع عن تأثيرها في العقوبة فلا محالة لا يؤثر في العقوبة حتى يحتاج إلى التوبة في رفعها.

و على الأخيرين فلا مانع حال صدور الصغيرة من تأثيرها في العقوبة.

و رافعهما في الأول منها منحصر في التوبة، و في الثاني منهما يمكن ان يكون هو التوبة، كما يمكن ان يكون هو اجتناب الكبائر عند الابتلاء بها.

و عليه ففي الصورة الاولى من الصور الثلاث لا يتحقق الإصرار إلا بفعل الصغيرة مرة بعد اولى و كرة بعد اخرى لا بعدم الندم حيث ان الذنب مكفر على الفرض

فيكون كما إذا تخللت التوبة المانعة من تحقق الإصرار بخلاف الصورتين الأخيرتين فإن حال الصغيرة حال الكبيرة فيمكن فرض تحقق الإصرار عليها بعدم الندم» «1».

و كيف كان: لا ينبغي الإشكال في تحقق الإصرار على الصغيرة مع الإكثار فعلا و الإتيان بالمعصية في الخارج مكررا سواء كان من سنخ واحد أو جنسين أو أجناس كما انه لا إشكال في عدم تحقق عنوان الإصرار مع الإتيان بذنب مرة واحدة ثم ندم عليه بحيث كان يسوئه إذا تذكر و التفت الى إتيانه.

و اما إذا اتى بصغيرة مرة ثم غفل عنه بعد الإتيان به، أو غفل عن وجوب التوبة و كان مجتنبا عن الكبائر فالظاهر انه مكفر عنه و هو المتيقن إرادته من قوله تعالى:

إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ «2».

فلا يضر بعدالته ان كان عادلا.

فيحصل الفرق بين الصغيرة و الكبيرة فإن الصغيرة مكفرة في الفرض و اما الكبيرة

______________________________

(1) رسالة الاجتهاد و التقليد/ 79

(2) النساء 4/ 31

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 112

..........

______________________________

فحيث انه لم يتحقق منه التوبة فلم تكن مكفرة فيضر بعدالته.

و اما إذا اتى بالصغيرة مرة مع الالتفات اليه و عدم الندم عليه و لم يكن يسوئه إذا تذكر، فعن أستاذنا العلامة البروجردي في (قدس): «الظاهر تحقق الإصرار بذلك و استدل لذلك أولا. بقوله تعالى:

وَ الَّذِينَ إِذٰا فَعَلُوا فٰاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّٰهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللّٰهُ وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلىٰ مٰا فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ «1».

حيث انه يشعر بان الإصرار يتحقق بمجرد عدم الاستغفار.

و ثانيا: بروايتي جابر و ابى عمير.

ففي رواية جابر عن أبي جعفر عليه السّلام:

في قول اللّه عز و جل

وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلىٰ مٰا فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ. قال الإصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر اللّه و لا يحدث نفسه بالتوبة فذلك الإصرار «2».

و في رواية ابن ابى عمير قال:

سمعت موسى بن جعفر عليهما السّلام يقول: من اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسئل عن الصغائر قال اللّه تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً «3» قال قلت فالشفاعة لمن تجب فقال حدثني ابى عن آبائه عن على عليه السّلام قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي و اما المحسنون فما عليهم من سبيل قال ابن ابى عمير فقلت له: يا بن رسول اللّه فكيف تكون الشفاعة لأهل الكبائر و اللّه

______________________________

(1) ال عمران: 3/ 135

(2) الوسائل باب 48 من أبواب جهاد النفس ح/ 4

(3) النساء: 4/ 31

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 113

..........

______________________________

تعالى يقول وَ لٰا يَشْفَعُونَ إِلّٰا لِمَنِ ارْتَضىٰ و من يرتكب الكبائر لا يكون مرتضى؟ فقال يا أبا أحمد ما من مؤمن يذنب ذنبا الاسائه ذلك و ندم عليه و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كفى بالندم توبة، و قال من سرته حسنته و سائته سيئة فهو مؤمن فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن و لم تجب له الشفاعة الى ان قال:

قال النبي صلّى اللّه عليه و آله لا كبير مع الاستغفار و لا صغير مع الإصرار «1».

فقال قدس: و حينئذ فلا يبعد الالتزام بذلك و ان الإصرار على الذنب انما يتحقق بمجرد الإتيان بالمعصية و عدم التوبة و الاستغفار» «2».

قلت: و لا يخفى ان هذه

القطعة من الرواية غير وافية لمدعاه (قدس)، و لا أظن انه قدس استدل بها نعم ذكرت في كتاب التوحيد فقرة أسقطت في الوسائل تلائم مدعاه، و قد ذكرت في ذيل الصفحة من الطبعة الجديدة من الوسائل، و الحقيق بنا ذكر الفقرة من كتاب توحيد الصدوق قال عليه السلام بعد قوله لم تجب الشفاعة.

و كان ظالماً و اللّه تعالى ذكره يقول مٰا لِلظّٰالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَ لٰا شَفِيعٍ يُطٰاعُ «3» فقلت له: يا بن رسول اللّه و كيف لا يكون مؤمنا من لم يندم على ذنب يرتكبه؟ فقال: يا أبا أحمد ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي و هو يعلم انه سيعاقب عليها الاندم على ما ارتكب و متى ندم كان تائبا مستحقا للشفاعة، و متى لم يندم عليها كان مصرا، و المصر لا يغفر له لأنه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب و لو كان مؤمنا بالعقوبة لندم و قد قال النبي

______________________________

(1) الوسائل باب 47 من أبواب جهاد النفس ح/ 11

(2) نهاية التقرير ج 2/ 291

(3) الغافر: 40/ 18

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 114

..........

______________________________

صلّى اللّه عليه و آله لا كبيرة مع الاستغفار و لا صغيرة مع الإصرار الرواية «1».

و ربما يستدل لذلك بأنه لما عصى و لم يتب فهو مخاطب بالتوبة و لما لم يتب في الحال فقد عصى فهو في كل آن مخاطب بالتوبة و لما لم يتب فقد اقام و استمر على عدم التوبة.

كما يستدل له بما عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ما أصر من استغفر فان مفهومه ان من لم يستغفر فقد أصر، و بقول الصادق عليه السّلام في حديث يصف جنود

العقل و الجهل فعد عليه السّلام: «الإصرار ضد التوبة «2»، فيستفاد منه ان من أذنب و لم يتب يكون مصرا.

و بالجملة كما في رسالة شيخنا الأعظم الأنصاري (قدس): «جعل ضد التوبة الإصرار، بناء على ان ظاهر السياق كونهما مما لا ثالث لهما فتدبر.

و لا يخفى ان مقتضى إطلاق هذه الاخبار، بل الاعتبار العقلي و ان كان هو ان من ارتكب الذنب و لم يستغفر، أو لم يندم يكون مصرا سواء نوى العود الى الذنب و عزم الإتيان به، أو لم يندم، و لم يعزم، بل رواية ابن ابى عمير حيث قال: فمن لم يندم على ذنب إلخ- صريحة في ان مجرد ارتكاب المعصية، و عدم الندم عليها يكون إصرارا و ناقضا للعدالة.

الا ان ظاهر رواية ابن ابى يعفور بل صريحها هو ان المنافي للعدالة هو خصوص الكبائر التي أوعد اللّه عليها النار فمن ارتكب الصغيرة و ان لم يتب عليها لا يكون فاسقا.

و مقتضى التوفيق بين رواية ابن ابى يعفور و هذه الروايات و الاعتبار العقلي هو حملها على خصوص الكبيرة كما هو موضوع رواية ابن ابى عمير.

و بالجملة الروايات و الاعتبار لا تعم ارتكاب الصغيرة إذا لم تتب عليها بعد دلالة

______________________________

(1) توحيد الصدوق/ 408

(2) أصول الكافي ح 1/ 22

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 115

..........

______________________________

رواية ابن يعفور على عدم مضرّية ارتكاب الصغيرة للعدالة فغاية ما يكون هي ان مرتكب الكبيرة مع عدم التوبة يكون مصرا هذا أولا.

و ثانيا: كما افاده المحقق الأصفهاني (قدس): «ان مرتكب الصغيرة ان كان مجتنبا عن الكبائر يكون بنص القران و نصوص الاخبار مكفرا، و حيث ان فعل الصغيرة حال صدورها مقرون بالمانع عن

تأثيرها في العقوبة فلا محالة لا تؤثر في العقوبة حتى يحتاج إلى التوبة في رفعها فلا يتحقق الإصرار إلا بفعل الصغيرة مرة بعد اولى و كرة بعد اخرى لا بعدم الندم فيكون صدور الصغيرة في المفروض كما إذا تخللت التوبة المانعة من تحقق الإصرار.

نعم ان كان صدور الصغيرة عن غير المجتنب للكبائر أو غير المبتلى بها فحيث انه لا مانع حال صدور الصغيرة من تأثيرها في العقوبة فيكون رافعها في غير المجتنب للكبائر منحصر في التوبة و في غير المبتلى بها يمكن ان يكون هو التوبة كما يمكن ان يكون اجتنابه الكبائر عند الابتلاء بها فعليهما يكون حال الصغيرة حال الكبيرة فيمكن فرض تحقق الإصرار عليهما بعدم الندم.

فاذا الإصرار على الصغيرة في مثل الصورة الاولى لا يتحقق عند عدم الندم بل لا بد من فعل الصغيرة مرة بعد مرة نعم في غير الصورة يكون وزانه وزان الكبيرة يتحقق الإصرار بعدم التوبة بمقتضى الأخبار المتقدمة.

و بالجملة صدق الإصرار انما هو فيما يحتاج إلى التوبة فإذا كان مكفرا بغير التوبة فلا تصل التوبة إليها لسبقه عليها فلا محالة لا يتحقق الإصرار فيه الا بفعله ثانيا و ثالثا اه ملخصا» «1».

و اما حديث الاعتبار: فإنما هو إذا قلنا بأن التوبة واجب شرعي بحيث يكون تركها من الكبائر، و اما ان قلنا بان وجوب التوبة حكم عقلي محض- كما ذهب

______________________________

(1) رسالة الاجتهاد و التقليد/ 79

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 116

..........

______________________________

اليه الشيخ الأنصاري (قدس) في الرسالة، و سيجي ء تحقيقه- فلا.

و معنى كون وجوبه بحكم العقل ان أمر الشارع بالتوبة في الكتاب و السنة إرشاد إلى دفع معصيته السابقة فلا يترتب على تركها عقاب

أخر.

و بعبارة اخرى انما وجبت التوبة للتخلص عن المعصية السابقة و وجوب التخلص عن المعصية ليس حكما شرعيا يترتب على تركها عقاب أخر غير العقاب الذي لم يتخلص منه.

فاذا لا يكون ترك التوبة من المعاصي التي يوجب العقاب و لا يدخل في المعاصي الشرعية المنقسمة إلى الصغيرة و الكبيرة، و ان كان بحكم العقل قبيحا من جهة أنه اقامة على العقاب و بقاء عليه.

و بالجملة كما قاله المحقق الأصفهاني (قدس) ان عدم الندم من حيث ذاته لا يقتضي إلا عدم رفع عقوبة المعصية و نقيصة و هو ادنى مراتب التوبة فلا يكون حينئذ إلا واجبا عقليا.

و اما من حيث إدراجه تحت الأمن من مكر اللّه أو عدم الايمان بالعقوبة فهي من الكبائر، بل من أكبرها و لكن ليس عدم الندم بل العزم على العود دائما كذلك «1» و اما إذا ارتكب الصغيرة مرة و كان عازما على العود فهل يصدق الإصرار أم لا؟

وجهان.

فان قلنا بصدق الإصرار في الصورة المتقدمة- و هي ما إذا ارتكب الصغيرة و لم يندم عليها- فصدقه في هذه الصورة واضح لا سترة عليه.

و اما ان لم نقل بصدق الإصرار فيها فللبحث في صدق الإصرار في صورة العزم عليها وجه.

قد يقال: انه في صورة العزم على العود على المعصية يصدق الإصرار عرفا و ان لم يعد إليها.

______________________________

(1) رسالة الاجتهاد و التقليد/ 80

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 117

..........

______________________________

و ربما يفرق بين كون العزم على المعصية مستمرا من حين ارتكاب الصغيرة و بين ما إذا حدث العزم بعد فعلها قبل التوبة فقيل بعدم اعتبار اتحاد المعصية نوعا و سنخا في الأول، و اما في الثاني فيصدق الإصرار إذا

عزم على معصية أخرى حال ارتكاب الصغيرة.

يستدل لصدق الإصرار في صورة العزم بان مجرد إتيان الصغيرة بلا عزم يكون مكفرا عنها باجتناب الكبائر، أو كما افاده المحقق الأصفهاني (قدس) يكون ارتكاب الصغيرة حال صدورها مقرونا بالمانع عن تأثيرها في العقوبة فلا محالة لا تؤثر في العقوبة حتى يحتاج إلى التوبة في رفعها.

و اما في صورة العزم على المعصية فليس بتلك المثابة فلا يكون مكفرا و لا يكون مقرونا بالمانع عن تأثيره فتشمله إطلاقات الأدلة الدالة على صدق الإصرار على من اتى بالذنب و لم يتب.

و اما عدم اعتبار اتحاد المعصية نوعا و جنسا إذا كان العزم على المعصية مستمرا حين ارتكاب الصغيرة فاستظهره المحقق الأصفهاني (قدس) من مقال العلامة الأنصاري (قدس) «1».

و غاية ما يمكن ان يوجه مقاله هو الذي أشار إليه المحقق المزبور: من انه لعل ذلك لأجل أن الإصرار لا بد فيه من نحو من الاتحاد اما اتحاد المعزوم عليه مع المأتي به، أو استمرار العزم و وحدته الاتصالية من المتلبس بالمعصية «2».

و لكنه غير وجيه لما افاده المحقق المزبور بما لفظه:

«ان أريد من المعصية التي ينسب إليها الإصرار ما هو بالحمل الشائع معصية،- أي ذات الزنا و القمار و أشباههما- فمن البديهي ان العزم على القمار بعد فعل الزنا ليس إصرارا على أحدهما لا عرفا و لا شرعا.

______________________________

(1) و لكن بعد ملاحظة مقال الشيخ لم يظهر لي بكمال الوضوح ما استظهره المحقق فلاحظ.

(2) رسالة الاجتهاد و التقليد/ 81

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 118

..........

______________________________

اما عرفا فواضح إذ ليس العزم على القمار مدافعة و لو عزما على الزنا، و اما شرعا فلان غاية ما ورد من النصوص ان

من أذنب ذنبا و لم يندم عليه كان مصرا، و العزم على القمار أجنبي عن الندم على الزنا و عدمه، و ملاحظة استمرار العزم على القمار من حين ارتكاب الزنا لا يجدي شيئا، لكون أحدهما أجنبيا عن الأخر فالتلبس بمعصية أجنبية عن المعصية الأخرى لا يتحقق الإصرار بالإضافة إلى استمرار العزم على ذاتها حال التلبس بالأولى.

و ان أريد من المعصية التي يضاف إليها الإصرار نفس طبيعة المعصية بما هي معصية فالإصرار متحقق بالعزم و لو لم يكن مستمرا من الأول فهو و ان لم يكن مصرا على الزنا الا انه مصر على معصية اللّه تعالى بما هي معصية، و من الواضح كما عرفت من النصوص المفسرة للإصرار بعدم الندم على ما فعل: ان ظاهره الندم على ذات ما فعل لا بعنوان المعصية و ان كان لأجل كونه معصية» «1».

حكم الإصرار على الصغيرة

فبعد ما عرفت معنى الإصرار يقع الكلام في حكم الإصرار على الصغيرة فنقول:

قد أشرنا انه حكى عن المشهور: ان الإصرار على الصغيرة من الكبائر، بل صرح العلامة الأنصاري (قدس) في الرسالة، بأنه لا إشكال في ان الإصرار على الصغيرة من الكبائر و استدل لذلك قبل الإجماع المحكى عن التحرير و غيره بأخبار.

منها: ما عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما في حديث المناهي.

انه لا كبير مع الاستغفار و لا صغير مع الإصرار «2».

ناقش فيه المحقق الأصفهاني (قدس) بان ظاهر السياق يعطي بأن النفي في الصغيرة و الكبيرة معا يرجع الى ذاتهما حكما لا ان الصغيرة بسبب المداومة و الإصرار عليها تنقلب كبيرة حتى ينتفي عنها وصف الصغرية. بل الإصرار من الكبائر فإنه الذي

______________________________

(1) رسالة الاجتهاد و التقليد/ 81.

(2) الوسائل باب 43 من أبواب

جهاد النفس ح/ 8، و عن أستاذنا العلامة البروجردي (قدس) انه قد روى بهذا المضمون من طرق العامة عن ابن عباس عنه (ص).

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 119

..........

______________________________

ينطبق عليه عنوان الأمن من مكر اللّه دون المعصية التي نفس وقوعها أمنا من مكر اللّه تعالى و بعد عدم وقوعها موصوفة بتلك الصفة لا تنقلب موصوفة بها.

مع ان مقتضى الاعتبار أيضا ذلك لان الصغيرة تفارق الكبيرة في ضعف المفسدة و قوتها و في شدة المبغوضية و ضعفها، و لا ينقلب ما كان ذا مفسدة ضعيفة، و مبغوضية خفيفة بسبب الإصرار بحيث يصير بعينه ذا مفسدة أكيدة و مبغوضية شديدة كما لا يخفى فعلى هذا يحتمل ان يكون المراد بقوله صلّى اللّه عليه و آله ذلك. ان اثر الكبيرة يرتفع بالاستغفار، و أثرها الظاهر عقوبتها، و ان اثر الصغيرة لا تبقى مع الإصرار فإن الصغيرة مكفرة باجتناب الكبائر، فلا يعاقب عليها، و لا يبقى هذا الأثر مع المداومة عليها، فلا يدل قوله صلّى اللّه عليه و آله: على ان المعصية الصغيرة بالإصرار عليها، أو نفس الإصرار عليها من الكبائر بل غايته انه صغيرة لا تكون مكفرة باجتناب الكبائر اه ملخصا «1».

قلت: و لا يخفى ان ما افاده (قدس) متين جدا، الا انه لا يضر بما يكون المشهور بصدد إثباته: و هو ان الإصرار على الصغيرة من الكبائر فإن الصغيرة حيث انها في نفسها مقتضية للعقوبة بلحاظ انها مخالفة للرب تعالى، و غاية ما تقتضيه الآية الشريفة هي انه ما لم يصر عليها يكون مكفرة عنها باجتناب الكبائر.

و اما في صورة الإصرار عليها لا تكفير فيعاقب عليها و ربما يوجب الإصرار عليها بسبب

مداومته عليها و اقترانه لها صده عن الإقبال إليه تعالى و التوجه إليه، فيأخذه اللّه تعالى من حيث لا يحتسب و ربما يدخله في الأمن من مكر اللّه.

و منها: قول جواد الأئمة عليه السّلام:

و الإصرار على الذنب أمن لمكر اللّه، و لا يأمن مكر اللّه الا القوم الخاسرون «2».

ناقش المحقق المزبور فيه بأنه يمكن ان يقال ان الإصرار الذي ينطبق عليه

______________________________

(1) رسالة اجتهاد و التقليد/ 77

(2) تحف العقول/ 456

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 120

..........

______________________________

الأمن من مكر اللّه هو الإصرار على ما فيه العقوبة و المؤاخذة و الأمن من أخذه تعالى من حيث لا يحتسب فيوافق ما في رواية ابن ابى عمير المتقدمة حيث قال عليه السّلام: و المصر لا يغفر له لأنه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب.

فينحصر مورد مثل هذه الإصرار الذي ينطبق عليه عنوان الأمن من مكر اللّه و عدم الايمان بالعقوبة في الإصرار على الكبائر و لا منافاة بين ان تكون نفس المعصية كبيرة و الإصرار عليها كبيرة اخرى بواسطة انطباق أحد عناوين الكبائر عليه و هو الأمن من مكر اللّه عليه اه ملخصا «1».

و فيه: انه كما عرفت ان الإصرار على الذنب يصدق على الصغيرة أيضا، و الصغيرة المعفوة و المكفرة هي التي لم ينطبق عليها عنوان الإصرار.

و بعبارة أخرى الاتى بالصغيرة، ان كان مجتنبا للكبائر يكون مكفرا عنها فاذا انطبق عليها عنوان الإصرار فلا يكون مندرجا و مشمولا للاية الشريفة و الاخبار نعم الإصرار على الصغائر لم يكن على وزان الإصرار على الكبائر فتكون الكبائر كما أشرنا ذو العرش و الدرجات.

و منها: ما رواه الصدوق عن فضل بن شاذان عن الرضا عليه السّلام في

تعديد الكبائر فعد منها الإصرار على صغائر الذنوب «2».

ناقش المحقق المزبور فيه بان الظاهر انه التبس الأمر على الشيخ (قدس) فان الموجود في ذيل رواية فضل: و الإصرار على الذنوب، نعم الموجود في رواية اعمش عن الصادق عليه السّلام هو الإصرار على صغائر الذنوب أو صغار الذنوب «3».

فاذا اما قوله عليه السّلام في رواية فضل: الإصرار على الذنوب فنقول: ان الذنوب و ان كان تعم الكبائر و الصغائر الا أنه بملاحظة ان كونه كبيرة من حيث كونه أمنا من مكر اللّه كما في رواية، أو كون المصر غير مؤمن بالعقوبة كما في رواية أخرى، يعلم

______________________________

(1) رسالة الاجتهاد و التقليد/ 77

(2) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 33

(3) الوسائل باب 46 من أبواب جهاد النفس ح/ 36

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 121

..........

______________________________

ان المراد ما يعلم ان الإصرار المعدود من الكبائر هو الإصرار عليها إذ ليس في غيرها عقوبة حتى يتحقق أحد العنوانين المزبورين لكون الصغائر مكفرة عنها الى ان قال:

و اما رواية اعمش ففي آخرها الملاهي التي تصد عن ذكر اللّه مكروهة كالغناء و ضرب الأوتار و الإصرار على صغائر الذنوب- فان تغيير السياق و التعبير عن هذه المعاصي بأنها مكروهة بعد ما عنون الكبائر في صدر الرواية بالأمور المحرمة- يشعر بأنها و ان كانت مبغوضة الا انها ليست على حد ما عبر عن مبغوضيتها بكونها محرمة فلا دلالة في الرواية على ان هذه الأمور على حد ما تقدمها في كونها من الكبائر كما لا يخفى على من راجع الرواية صدرا و ذيلا- سواء كان الإصرار معطوفا على الغناء و ضرب الأوتار ليكون من إفراد الملاهي، أم

معطوفا على نفس الملاهي- و ظني انه معطوف على الغناء و ضرب الأوتار بجعله من إفراد الملاهي بملاحظة أن الإصرار على الكبائر ينطبق عليه عنوان الأمن من مكر اللّه تعالى لأنها تترتب عليها العقوبة، و الإصرار عليها من باب عدم المبالاة بعقوبتها و أخذه تعالى من حيث لا يحتسب بخلاف الإصرار على صغائر الذنوب فإنه بسبب مداومته عليها و اقترانه لها يصده عن الإقبال على اللّه و التوجه اليه فلذا لم يكن في عداد الكبائر فيوافق ما في رواية أخرى حيث عد الإصرار على الذنب من علامات الشقا بعد ما جعل جمود العين و قسوة القلب و الحرص في طلب الدنيا من علامات الشقاء اه «1».

و فيه: انه كما أشرنا و أشار إليه المحقق في أخر كلامه الذي لم ننقله هو ان الصغيرة حيث انها في نفسها مقتضيه للعقوبة فالإصرار عليها داخل في الأمن من مكر اللّه تعالى في حد ذاته و الا فربما لا يكون الإصرار على الكبيرة أيضا من باب الأمن من مكر اللّه بل يصر عليها من غلبة القوة الشهوية أو الغضبية بحيث لا تبقى مجالا للتأمل فيما يترتب عليها لا من جهة الاستخفاف باللّه و أحكامه، و لا من جهة عدم الخوف من مؤاخذته و حينئذ فلتحمل المقابلة في رواية الأعمش بين الكبائر و الملاهي التي جعل

______________________________

(1) رسالة الاجتهاد و التقليد/ 88

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 122

..........

______________________________

الإصرار على الصغائر من إفرادها أو محكوما بحكمها على تعدد المراتب للكبائر لصراحة رواية الفضل بن شاذان في كون الاشتغال بالملاهي من الكبائر «1».

و الحاصل ان الذنوب تعم الصغائر، و ان الإصرار عليها كما في رواية أبي بصير

تكون كبيرة، و ان كان بين الإصرار على الصغيرة و الإصرار على الكبيرة فرق و تفاوت كما ان بين الإصرار على بعض الكبائر فرقا و تفاوتا.

و حديث التكفير عن الصغائر باجتناب الكبائر قد عرفت حاله و انه مخصوص بما إذا لم يصر و كان مجتنبا للكبائر ففي صورة الإصرار أو عدم الاجتناب عن الكبائر غير مكفر عنها.

و رواية اعمش و ان كان قد غير التعبير عن الملاهي و بين سائر الكبائر الا انه لعل التعبير بالكراهة بلحاظ التقية و كان في محضره عليه السّلام من يتقى منه، أو ان الملاهي ليس على وزان سائر الكبائر التي عدها في الصدر كيف لا؟! و قد صرح في رواية فضل بان الاشتغال بالملاهي من الكبائر.

فظهر لك مما تقدم ان الإصرار على الصغيرة من الكبائر و يكون مضرا بالعدالة.

فتحصل مما ذكرنا بطوله ان الأظهر في مسئلة العدالة ان يقال انها عبارة عن حالة راسخة في النفس باعثة لإتيان الواجبات و ترك الكبائر و ترك الإصرار على الصغائر، و الأحوط اعتبار ترك منافيات المروة الدالة على عدم المبالات مما يتنفر عنه عرف المتشرعة

الأمر التاسع في طرق معرفة العدالة
اشارة

قال المصنف (قدس): و يعرف بحسن الظاهر الكاشف عنها علما أو ظنا، و يثبت بشهادة العدلين، و بالشياع المفيد للعلم.

أقول: يذكر لثبوت العدالة كغيرها من الموضوعات أمور أشار المصنف إلى

______________________________

(1) رسالة الاجتهاد و التقليد/ 78

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 123

..........

______________________________

بعضها و قد يضاف إليها خبر الثقة، و مطلق الظن، أو الشياع الظني، و لكن لا يخلو بعضها عن اشكال بل منع، و قد أشرنا في ذيل مسئلة العشرين ما يتعلق بثبوت الموضوعات بالعلم الوجداني و ان حصل بالشياع، و

بالظن الاطمئناني المتاخم للعلم، و بالبينة و قد أشرنا إلى عموم حجيتها لإثبات سائر الموضوعات الا ما خرج- كمسئلة الزناء و اللواط- و تعرضنا لبعض المباحث الراجعة إلى البينة، و أشرنا الإشكال في ثبوت الموضوعات بخبر الثقة فما ظنك بثبوتها بغيره و ان كان في خاطرك شيئا فراجع ما ذكرناه هناك لعله ينفعك ان شاء اللّه.

و كيف كان لا ينبغي الإشكال في ثبوت العدالة بالشياع المفيد للعلم و بشهادة العدلين، و الاشكال في حجية البينة في مثل الاجتهاد، و الأعلمية و العدالة و نحوهما من الأمور غير المحسوسة غير وجيه لما أشرنا انها قريبة من الحس.

مضافا الى دلالة النص على ثبوت خصوص العدالة بشهادة العدلين ففي خبر علقمة عن الصادق عليه السّلام:

فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر.

ثبوت العدالة بحسن الظاهر
اشارة

لا ينبغي الإشكال كما لا خلاف في ثبوت العدالة بحسن الظاهر في الجملة و لكن وقع الكلام في اماريته عرفا عن العدالة، و في اعتباره مطلقا و لو لم يفد الظن الفعلي تنقيح المقال فيه يستدعي البحث فيه من جهة أمارية حسن الظاهر عن العدالة أولا ثم في اعتباره مطلقا و ان لم يفد الظن الفعلي، أو مشروط بإفادته الظن الفعلي، أو الوثوق، أو العلم فالكلام يقع في جهتين.

الجهة الاولى في أمارية حسن الظاهر

المعروف بل المتسالم عليه بين الأصحاب كاشفية حسن الظاهر عن العدالة و

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 124

..........

______________________________

انه لو لا ذلك لم يمكن إحراز العدالة و لو بالمعاشرة لاحتمال ان يكون الاتى بالواجبات غير قاصد لكونها للّه تعالى بل غير ناولها، فلا يمكن الحكم بان المكلف آت بالواجبات الأمن جهة الظاهر.

يشهد لاعتبار حسن الظاهر و كفايته لترتب آثار العدالة غير واحد من الاخبار، و سند بعضها و ان كان لا يخلو عن مناقشة و لعل دلالة بعضها أيضا كذلك، الا انها من حيث كثرتها بمثابة يتعاضد بعضها ببعض بحيث لا نحتاج إلى ملاحظة سندها و لا يضر ضعف دلالة بعضها بعد وضوح دلالة جملة منها و رفع الإجمال بها.

و إليك بعض اخبار الباب.

منها: صحيح ابن ابى يعفور عن ابى عبد اللّه عليه السّلام المتقدم ذكره مفصلا، و فيه:

و الدلالة على ذلك كله ان يكون ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه و تفتيش ما وراء ذلك و يجب عليهم تزكيته و إظهار عدالته في الناس و يكون منه التعاهد لصلوات الخمس إذا واظب عليهن و حفظ مواقيتهن بحضور جماعة المسلمين و ان لا

يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم الأمن علة فإذا كان لازما مصلاه عند حضور الصلوات الخمس فإذا سئل عنه في قبيلته و محلته قالوا ما رأينا منه الا خيرا مواظبا على الصلوات متعاهدا لأوقاتها في مصلاه فان ذلك يجيز شهادته و عدالته بين المسلمين الخبر «1».

دلالته على أمارية حسن الظاهر واضحة بل صريحة.

ان قلت: اعتبر فيه عدم التخلف عن جماعة المسلمين و هو غير معتبر قطعا.

قلت: انه عليه السّلام علل ذلك في ذيل الخبر بأنه:

ليس يمكن الشهادة على الرجل بأنه يصلى إذا كان لا يحضر

______________________________

(1) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 1

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 125

..........

______________________________

الصلاة و يتعاهد جماعة المصلين و انما جعل الجماعة و الاجتماع إلى الصلاة لكي يعرف من يصلى ممن لا يصلى الخبر «1».

فإن أحرز بأي طريق إتيانه الصلاة فلا يحتاج الى حضور الجماعة لذلك.

و في خبر إبراهيم الكرخي عن الصادق عليه السّلام:

ان من صلى خمس صلوات في اليوم و الليلة في جماعة فظنوا به خيرا و أجيزوا شهادته «2».

و منها: خبر الخصال عن الرضا عليه السّلام: عن آبائه عن على عليه السّلام:

من عامل الناس فلم يظلمهم و حدثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم فهو من ممن كملت مروته و ظهرت عدالته و وجب اخوته و حرمت غيبته «3».

و لا يخفى ان دلالة قوله عليه السّلام ظهرت عدالته على أمارية حسن الظاهر و ان العدالة أمر آخر واضحة.

و منها: خبر ابن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال:

ثلاث من كن فيه أوجبت له أربعا على الناس من إذا حدثهم لم يكذبهم، و إذا وعدهم لم يخلفهم، و إذا خالطهم لم يظلمهم وجب

ان يظهروا في الناس عدالته و يظهر فيهم مروته، و ان يحرم عليه غيبته، و ان يجب عليهم اخوته «4».

دلالته على أمارية حسن الظاهر واضحة.

و منهم: مرسل يونس بن عبد الرحمن عليه السّلام و فيه:

فاذا كان ظاهر الرجل ظاهرا مأمونا جازت شهادته و لا يسئل عن باطنه «5».

و منها: خبر عبد اللّه بن مغيرة قال قلت للرضا عليه السّلام.

______________________________

(1) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 1

(2) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 12

(3) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 15

(4) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 16

(5) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 3

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 126

..........

______________________________

رجل طلق امرأته و اشهد شاهدين قال كل من ولد على الفطرة و عرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته «1».

و منها: خبر ابى بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام:

لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفا صائنا الخبر «2».

و منها: خبر عبد الكريم بن ابى يعفور عن ابى جعفر عليه السّلام قال:

تقبل شهادة المرية و النسوة إذا كن مستورات من أهل البيوتات معروفات بالستر و العفاف مطيعات للأزواج تاركات للبذاء و التبرج الى الرجال في أنديتهم «3».

و منها: خبر علقمة و فيه:

فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر «4».

و منها: خبر حريز عن ابى عبد اللّه عليه السّلام:

________________________________________

لنگرودى، سيد محمد حسن مرتضوى، الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، 2 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، اول، 1412 ه ق

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد؛ ج 2، ص: 126

في أربعة شهدوا على

رجل محصن بالزنا فعدل منهم اثنان و لم يعدل الآخران فقال إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور أجيزت شهادتهم جميعا و أقيم الحد على الذي شهدوا عليه «5».

و منها غير ذلك.

و لا يخفى ان بعض هذه الاخبار و ان كان توهم كون حسن الظاهر نفس العدالة الا ان التأمل فيه و ملاحظة سائر الأخبار الظاهرة بل الصريحة يعطي بأن حسن الظاهر أمارة كاشفة عن العدالة.

______________________________

(1) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 5- 21

(2) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 10

(3) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 20

(4) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 13

(5) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 18

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 127

الجهة الثانية
اشارة

______________________________

في ان كاشفية حسن الظاهر هل تكون مشروطة بحصول الظن الفعلي أو منوطة بإفادة الوثوق، أو لا يعتبر فيه شي ء من ذلك.

الإشكال في أمارية حسن الظاهر و دفعه

ربما يشكل في أمارية حسن الظاهر و جعله ضابطا لتحقق العدالة بمالها من المعنى بما أشار إليه شيخنا العلامة الأنصاري (قدس) من جهة ان مراتب الظهور مختلفة لأن الظاهر و الباطن إضافيان فالظاهر لأهل البلد باطن بالنسبة إلى غيرهم، و الظاهر لأهل المحلة باطن لباقي أهل البلد، و الظاهر للجيران باطن لباقي أهل البلد، و الظاهر لأهل البيت باطن للجيران، و الظاهر لزوجة الشخص باطن لغيرها، و قد تكون السلسلة بالعكس فلا يظهر لزوجته ما يظهر لغيرها و لا يظهر لأهل بلده ما يظهر لغيرهم «1».

و بالجملة حسن الظن ذات مراتب متفاوتة و له عرض عريض لا يكاد يحصل الظن ببعض مراتبه و يحصل الظن ببعض مراتبه و قد تحصل مرتبة قوية منه، بل العلم بالعدالة ببعض مراتبه الأخرى.

و لكن يجاب عن الإشكال: بأن الضابط و المعيار لذلك ما يستفاد من الاخبار كقوله عليه السّلام في خبر ابن ابى يعفور و الدلالة على ذلك ان يكون سائرا إلخ «2» و حاصله ان الشخص إذا كان بالإضافة الى من عاشره و خالطه بالنسبة الى غير ما يكون التفتيش عنه منهيا فاعلا لما وجب عليه و تاركا لما نهى عنه فهو حسن الظاهر.

و قوله في مرسل يونس إذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت شهاته و لا يسئل عن باطنه «3».

______________________________

(1) رسالة العدالة/ 332

(2) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 1

(3) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 3

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 128

..........

______________________________

و قوله في خبر علقمة: فمن

لم تره بعينك يرتكب معصية و لم يشهد عليه شاهدان فهو من أهل الستر و العدالة، بناءا على ان المراد عدم رؤية المعصية بعد المعاشرة «1».

و قوله عليه السّلام: في خبر ابن سنان إذا حدثهم فلم يكذبهم و إذا وعدهم لم يخلفهم و إذا خالطهم لم يظلمهم «2».

الى غير ذلك من الاخبار التي أشرنا إليها أنفا.

و قد عبر عن هذه المرتبة في الاخبار تارة بكونه ساترا لعيوبه من جهة انه لم يظهر منه لمن عاشره عيب شرعي و اخرى يكون ظاهره ظاهرا مأمونا من جهة انه لم يظهر منه لمن عاشره عيب شرعي و اخرى يكون ظاهره ظاهرا مأمونا من جهة انه لم يظهر منه لمعاشرته خيانة شرعية و ثالثة بأنه إذا عاملهم فلم يظلمهم، و إذا حدثهم فلم يكذبهم، و إذا وعدهم فلم يخلفهم، و رابعة بمواظبته للجماعات و خامسة بغير ذلك

إشكال في تحديد حسن الظاهر و دفعه

و قد يقع الاشكال من جهة أخرى في تحديد الحسن الظاهر و هو اختلاف لسان الاخبار المومى إليها من حيث السعة و الضيق فلسان بعضها ضيق كما ان لسان بعض أخر أوسع منه، و لسان الثالث أوسع منهما و هكذا.

و لكن يمكن الجواب عنه بان الاختلاف بينها حيث يكون بالإطلاق و التقييد فيحمل مطلقاتها على مقيداتها و يؤخذ بالمحصل من حمل كل أوسع الى الأضيق منه حتى ينتهي إلى مالا مقيد له: و لا يبعد ان يكون الجامع لحسن الظاهر هو ان يكون الشخص بحيث يظهر من المراودة معه في معاملاته و معاشراته ان له لجام الهى في أفعاله و حركاته و سكناته و رادع رباني موجب لصرفه عن الاقتحام فيما يقتضيه شهواته بحسب العادة و ان كان ينبعث عن اقتضاء

الشهوة نادرا فيما إذا كانت باعثية الشهوة خارجة عن العادة و هذا المعنى في حسن الظاهر ينبغي الاخذ به.

______________________________

(1) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 13

(2) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 16

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 129

..........

______________________________

فبعد ما عرفت: الميعار في حسن الظاهر يقع الكلام في انه هل يكفى مجرد حسن الظاهر و لو لم يفد الظن الفعلي بالعدالة، أو يعتبر حصول الظن الفعلي بها، أو لا يكفى ذلك أيضا بل لا بد من حصول الوثوق بها؟ وجوه بل أقوال.

و لا يخفى ان فيما ذكرناه في معيار حسن الظاهر إشارة الى ما هو موقف حسن الظاهر، و مع ذلك ينبغي الإشارة الى ما قيل في موقف حسن الظاهر توضيحا للمقال فنقول:

اعتبار الظن الفعلي في حسن الظاهر

نسب الى المشهور اعتبار حصول الظن الفعلي من حسن الظاهر صرح بذلك شيخنا العلامة الأنصاري (قدس) لأنه بعد ان ذكر المعيار الذي حكينا عنه في أمارية حسن الظاهر قال تعرف العدالة بالصحبة المتأكدة الموجبة للاطلاع على سريرته و لا يعتبر حصول العلم لتعسره بل لتعذره، فلو لم يكتف فيه بالظن لزم تعطيل الشهادات و الجماعات، و ما قام للمسلمين سوق مع ما علم من الشارع من تسهيل الأمر فيها، و الأمر باستخلاف أحد من المأمومين عند حصول عذر للإمام، و ما مر من أدلة القائلين بحسن الظاهر من الاكتفاء بأدنى أمارة مثل ان يعرف منه خير، و ان يصلى الخمس في جماعة، و ان يعامل الناس، و يعدهم و يحدثهم فلا يظلمهم، و لا يخلفهم و لا يكذبهم و كون ظاهره ظاهرا مأمونا.

و بالجملة مقتضى القاعدة و ان كانت اعتبار القطع بالعدالة الا انه حيث

دلت الأخبار الكثيرة على كفاية حسن الظاهر في الشهادة مع ما علم من اعتبار العدالة فيما استفيد منها كون حسن الظاهر طريقا ظنيا كافيا في الحكم بالعدالة في مرحلة الظاهر ما لم يعلم الخلاف الى ان قال:

ثم الظاهر انه لا يكفي في الطريق إفادتها الظن بالذات بحيث لو لا بعض الموانع لإفادة فعلا فالمعاشرة التي توجب الاطلاع على أحوال تفيد الظن بالعدالة

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 130

..........

______________________________

لو لا بعض الموانع الخارجية الموهنة لا يكفى بل يعتبر الظن الفعلي بالملكة «1».

وجهان لاعتبار الظن الفعلي في حسن الظاهر

و كيف كان يستدل لاعتبار حصول الظن الفعلي من حسن الظاهر بوجهين.

الوجه الأول: انصراف النصوص التي اعتبر حسن الظاهر بأنها منصرفة إلى صورة افادة الظن الشخصي بالعدالة فإنه الغالب من مواردها.

الوجه الثاني: قول الصادق عليه السّلام في خبر الكرخي.

من صلى خمس صلوات في اليوم و الليلة في جماعة فظنوا به خيرا، و أجيزوا شهادته «2».

بتقريب انه يستفاد منه ان ظن الخير بالمصلي جماعة ظن في موقعه، و المقصود الأصلي ليس مجرد ظن الخير و انما هو بلحاظ ترتب آثار الخير بعد الظن به.

و يؤكد ذلك ما في ذيله و أجيزوا شهادته فان الظاهر من العطف يعطي انه من قبيل عطف العلة الغائية على معلولها كما هو شائع و ذائع في الأمثلة العرفية و الآيات و الاخبار، فدلالته على ترتب قبول الشهادة على ظن الخير واضحة غاية الوضوح.

و لكن نوقش: في الوجهين اما الوجه الأول فبمنع غلبة حصول الظن الفعلي من موارد حسن الظاهر، و غاية ما يستفاد منها حصول الظن النوعي من حضور الشخص في جماعة المسلمين و كون ظاهره ظاهرا مأمونا نعم دعوى حصول الظن الفعلي في

بعض الأحيان واضحة فدعوى الانصراف ممنوعة.

مضافا الى ما قرر في محله ان الانصراف الناشي عن غلبة الوجود لا يصلح لتقييد الإطلاق و انما ينفع إذا كان ناشيا عن غلبة الاستعمال.

و اما الوجه الثاني: فلان امره عليه السّلام بترتيب الأثر بلسان الأمر بتحصيل الظن بقوله: «فظنوا به خيرا» دليل على عدم اعتبار حصول الظن و الا فالظن عند حصول

______________________________

(1) كتاب الصلاة/ 267

(2) الوسائل باب 41 من أبواب الشهادات ح/ 12

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 131

..........

______________________________

سببه ليس امرا اختياريا قابلًا لتعلق التكليف به.

و ان شئت قلت ان الخبر يدل على ان حضور الشخص في جماعة في الصلوات الخمس بمنزلة الظن و يكون طريقا إلى العدالة لا ان طريقيته منوطة بحصول الظن الفعلي.

و لكن الإنصاف يقتضي القول باعتبار حصول الظن الفعلي من حسن الظاهر لأنه بعد ما ذكرنا في معيار حسن الظاهر ان ما كان يحصل بالمعاشرة و المخالطة مثلا قوله عليه السّلام من لم تره بعينك يرتكب ذنبا إلخ ظاهر في عدم الروية بعد المعاشرة، و كذا قوله عليه السّلام ساترا لجميع عيوبه بالإضافة الى من خالطه، و قوله عليه السّلام إذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا بعد المعاشرة.

و من الواضح انه بعد المعاشرة مع الشخص إذا لم ير منه الذنب، أو كان ساترا لجميع عيوبه، أو كان ظاهره ظاهرا مأمونا يحصل للإنسان وثوق بسلامة الشخص و عدالته لو لم يكن ذهنه مشوبا بالأوهام و الوساوس الشيطانية و لا أقل من حصول الظن.

و لعل المراد من كون الغالب من موارد الاخبار هو حصول الظن الشخص هو ما ذكرنا.

و بالجملة يمكن ان يقال ان مراد قوله عليه السّلام فظنوا به خيرا هو

التنبيه إلى أمر عرفي ارتكازي و هو حصول الظن بالخير و العدالة لغالب الناس بالنسبة الى من واظب الجماعة في خمس صلوات في اليوم و الليلة في الشتاء و الصيف فمن واظب الجماعة خمس مرات في اليوم و الليلة في الحر و البرد يكون حاله مكشوفا لدى المسلمين و يكون بحيث يظن كل من اطلع على حاله ان لم يكن ذهنه مشوبا بل ربما يوجب الاطمئنان بذلك.

و بعد ما عرفت حصول الظن الفعلي من حسن الظاهر يقع الكلام في انه هل يكفى ذلك أو لا بد من اعتبار الوثوق فمطلق الظن لا يكفى ما لم يفد الوثوق بالعدالة

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 132

الوجوه التي يستدل بها لاعتبار الوثوق في حسن الظاهر و دفعها
اشارة

______________________________

يظهر من جماعة منهم الشيخ اعتبار الوثوق.

يستدل لذلك بوجوه.

الأول: انصراف اخبار اعتبار حسن الظاهر الى ما يوجب الوثوق

و لا أقل غالب موارد حسن الظاهر مما يوجب الاطمئنان بالعدالة.

و فيه: انه قد تقدم ضعف دعوى انصراف الاخبار الى صورة الظن الفعلي فما ظنك باعتبار الوثاقة فيه، و قد تقدم ان غاية ما يمكن ان يقال ان مورد الاخبار حصول الظن الفعلي من حسن الظاهر، و اما حصول الوثوق فلا.

الثاني: مرسل يونس

فان المراد بقوله عليه السّلام إذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا هو كون ظاهره بحيث يوجب الوثوق بباطنه.

و بالجملة يعتبر ان يكون ظاهره موجبا لحصول الأمن الفعلي بوجود الملكة و هذا مساوق للوثوق بباطنه.

و فيه: ان غاية ما يقتضيه المرسل حيث جعل الموصوف بالمأمونية هو ظاهر الرجل دون باطنه هي عدم ظهور الخيانة منه عند المعاشرة فإذا كانت أفعاله الظاهرة منه غير موصوفة بالخيانة بل بضدها يكفي في ذلك و لا يحتاج الى اعتبار كون ظاهره بحيث يوجب الوثوق.

و بالجملة ظاهر المرسل هو كون غيره في أمن من ظاهره لا في أمن من باطنه لان الموصوف بالمأمونية هو الظاهر دون الباطن، و معنى مأمونية ظاهره عدم ظهور الخيانة منه فأفعاله الظاهرة أفعال غير موصوفة بالخيانة بل بضدها لا ان المراد كون ظاهره موجبا للوثوق بباطنه لان الباطن حينئذ مأمون لا الظاهر.

و بالجملة فغاية ما يستفاد منه هو انه في حال من ظاهره بحيث يوجب الظن الفعلي بالعدالة.

الثالث: خبر ابن ابى يعفور

فان قوله عليه السّلام ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين التفتيش عما وراء ذلك من عثراته و عيوبه إلخ بدعوى ان المستفاد منه ان

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 133

..........

______________________________

ساترية الرجل لعيوبه لا بد و ان يكون بحد يفيد الوثوق بعدم العيب في الباطن.

و فيه: ان الإنصاف ان دعوى ذلك خلاف الظاهر و غاية ما يستفاد منه هي ان يكون ان ظاهره في حد و حال يظن بباطنه بلا تجشم و لا تفتيش حال باطنه بل يحرم عليه ذلك.

الرابع: انه على تقدير الإطلاق لاعتبار حسن الظاهر

و لكن يمكن تقييده بما دل على اعتبار الوثاقة و الورع في إمام الجماعة.

كقول ابى جعفر عليه السّلام: في خبر ابن راشد.

لا تصل الا خلف من تثق بدينه و أمانته «1».

و قول ابى الحسن عليه السّلام ليزيد بن حماد:

لا تصل الا خلف من تثق بدينه «2».

و ما عن الصادق عليه السّلام:

ممن ترضون من الشهداء عن أمير المؤمنين عليه السّلام: انه لا يجيز في الطلاق الا شاهدين عدلين «3».

و يمكن ان يقال ان ظاهر أدلة اعتبار الوثوق من باب الموضوعية لا من باب الطريقية و الكاشفية فإذا كان كذلك فلا ينفع الطريق غير المفيد للوثوق فيخصص به كل ما دل على اعتبار طريق إلى العدالة.

و فيه: انه بعد قيام الدليل على أمارية حسن الظاهر كما تقدم و انه طريق معتبر يكون حاكما على اعتبار الوثاقة و يفسر المراد بالوثاقة.

نعم غاية ما يمكن ان يقال ان ما دل على اعتبار حسن الظاهر منصرف الى ما هو الغالب منه و هو ما إذا أفاد الظن بالدين و الأمانة.

______________________________

(1) الوسائل باب 11 من أبواب صلاة الجماعة ح/ 2

(2) الوسائل باب 2 من أبواب

صلاة الجماعة ح/ 1

(3) تفسير نور الثقلين ح/ 300

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 134

..........

______________________________

و قد دفع الشيخ حديث اعتبار الوثاقة من باب الموضوعية: «بان الإنصاف أن الوثوق انما اعتبر في المقام من باب الطريقية نظير اعتبار العلم في كثير من الموضوعات» «1».

و بالجملة أدلة حسن الظاهر حاكمة عليها كحكومة سائر أدلة الطرق و الأمارات كالبينة و غيرها عليها.

مع انه لو التزمنا بأخذ الوثاقة من باب الموضوعية فحيث ان الدليل مختص بالايتمام فيكون هذا شرط آخر في الجماعة و يكون خارجا عن محل الكلام.

فتحصل: مما تقدم اعتبار الظن الفعلي في حسن الظاهر لأنه المنصرف اليه من اخبار اعتبار حسن الظاهر و اما اعتبار الوثاقة فلا، نعم اعتباره أحوط فالأحوط الأولى حصول هذه المرتبة من الظن و اللّه العالم بأحكامه.

و حيث ان المعروف ان العدالة تزول بارتكاب الكبيرة و تعود بالتوبة فلا بأس بالإشارة الإجمالية إلى حقيقة التوبة و ما يتعلق بها تتميما للبحث عن العدالة فنجعلها خاتمة لها فنقول.

______________________________

(1) رسالة العدالة/ 358

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 135

خاتمة في الإشارة الإجمالية إلى حقيقة التوبة،

اشارة

______________________________

و قابليتها للتجزية بالنسبة الى بعض المعاصي دون بعض، و حكمها، و حال الشخص بعد التوبة فالكلام يقع في موارد

المورد الأول في حقيقة التوبة
اشارة

التوبة لغة بمعنى الرجوع، تضاف الى اللّه تعالى، و الى العبد، فتوبة العبد رجوعه من الذنب الى ربه، و من البعد عنه الى قربه تعالى.

و بالجملة توبة العبد رجوعه اليه تعالى بعد الاعراض عنه بمخالفته، و الرجوع الى الصراط المستقيم بعد الانحراف عنه.

و توبة اللّه تعالى رجوعه بالمغفرة و الرحمة على عبده و لذا لا تتعدى التوبة المضافة إليه تعالى الا بحرف الاستعلاء لتضمنه الرحمة و ما يقاربها معنى، فتوبته تعالى رجوعه عن العقوبة و المؤاخذة الى اللطف و التفضل.

و كيف كان حقيقة التوبة كما في جملة من الكتب «1» عبارة عن معنى تنتضم و تلتئم من ثلاثة أمور مرتبة أولها: العلم، و ثانيها: الحال، و ثالثها: الفعل، و الأول

______________________________

(1) لاحظ المحجة البيضاء ج 7/ 5 الحق اليقين للعلامة الشبر ج 2/ 195، و رسالة الأخلاق له/ 27، و رسالة العدالة للعلامة الأنصاري/ 36، رسالة الاجتهاد و التقليد للعلامة الأصفهاني/ 85 و قريب منها غيرها.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 136

..........

______________________________

موجب للثاني، و الثاني موجب للثالث، و الكل نحو من الرجوع، فتارة تطلق التوبة على الكل، و اخرى على بعض مراتبها، و يختص بعضها الأخر باسم الاستغفار.

و المراد بالمرتبة الأولى معرفة أن العصيان انحراف و خسران و ان الذنوب سموم مهلكة مفوتة للحيوة الأبدية و حاجبة للعبد عن محبوبه من السعادة الأبدية.

فإذا حصل له ذلك و عرف من نفسه ذلك بحقيقة اليقين يحصل له تألم و حالة للقلب بسبب ما فعله فيندم على ما فعله و تتأسف عليه

فيرجع من الفرح بالظفر بالمعصية الى التحزن و التأسف على صدورها منه، فاذا غلب هذا الألم على القلب و استولى عليه ينبعث من هذا الألم في القلب و التأثر و الندامة حالة اخرى، تسمى ارادة و قصد الى فعل له تعلق بالحال، و الماضي، و الاستقبال.

اما تعلقه بالحال فبترك الذنب الذي كان ملابسا له، و اما بالاستقبال فبالعزم على ترك الذنب المفوت للسعادة الى أخر العمر.

و اما بالماضي فبتلافي ما فات بالجبر، و القضاء ان كان قابلًا له.

و بالجملة لا بد له من تدارك ما فات من قضاء إيفاء حق لما مضى، و ترك لما في الحال، و عزم بالنسبة إلى الاستقبال.

و كثيرا ما يطلق اسم التوبة على معنى الندم وحده و يجعل المرتبة الاولى و الرجوع العلمي كالمقدمة لها، و العزم و الرجوع العملي كالثمرة لها.

و بهذا الاعتبار ورد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:

كما في خبر ابن ابى عمير: كفى بالندم توبة «1».

و في خبر عن الأحمسي (الجهضمي) عن ابى جعفر عليه السّلام كفى بالندم توبة «2».

و قال الصدوق: من ألفاظ رسول اللّه الندامة توبة «3».

______________________________

(1) الوسائل باب 47 من أبواب جهاد النفس ح/ 11

(2) الوسائل باب 82- 83 من أبواب جهاد النفس ح/ 1- 6

(3) الوسائل باب 83 من أبواب جهاد النفس ح/ 5

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 137

..........

______________________________

و في خبر ابان بن تغلب قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ما من عبد أذنب ذنبا فندم عليه الا غفر اللّه له قبل يستغفر الخبر «1».

و قول الامام السجاد عليه السّلام:

«ان يكن الندم توبة إليك فانا الندم النادمين» «2».

و في خبر الربعي عن ابى

عبد اللّه عليه السّلام قال:

قال أمير المؤمنين: ان الندم على الشر يدعوا الى تركه «3» الى غير ذلك من الاخبار.

و السر في ذلك هو انه لا تخلو الندم عن علم أوجبه و اثمره، و عن عزم يتبعه و يتلوه فيكون الندم محفوفا بطرفيه- اعنى ثمرته و مثمرة.

و لا يبعد القول بذلك و ان حقيقة التوبة هي الندامة و التأسف على ما اتى كما عرفت شهادة النصوص على ذلك نعم هي أدنى المراتب.

فاذا يكون الرجوع العلمي من مقدمات التوبة المسقطة لعقوبة ما صدر منه و يكون من توابع الايمان باللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله.

و في خبر ابن ابى عمير عن موسى بن جعفر عليهما السّلام قال:

ما من مؤمن يذنب ذنبا الا اسائه ذلك و ندم عليه، و من سرته حسنته و سائته سيئته فهو مؤمن فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن «4».

و في خبر ابى العباس قال:

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام من سرته حسنته و سائته سيئته فهو

______________________________

(1) الوسائل باب 83 من أبواب جهاد النفس ح/ 11

(2) الصحيفة الكاملة السجادية دعائه بالتوبة/ 4- 31

(3) الوسائل باب 83 من أبواب جهاد النفس ح/ 3

(4) الوسائل باب 47 من أبواب جهاد النفس ح/ 11

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 138

..........

______________________________

مؤمن «1».

و اما الرجوع العملي فهو من ثمرات التوبة.

حكم العزم على عدم العود في التوبة

بقي الكلام في اعتبار العزم على عدم العود و الاستغفار في التوبة و عدمهما.

اما اعتبار العزم فعن ظاهر الأكثر اعتباره في حقيقة التوبة، و قد يقال بعدم الاعتبار.

قال شيخنا الأعظم (قدس) الأقوى انه ان كان المراد بالعزم القصد الذي لا يتحقق الا بعد الوثوق بحصول ما عزم عليه

فاعتباره مما لا دليل عليه، و انه يستلزم امتناع التوبة ممن لا يثق من نفسه بترك المعصية عند الابتلاء بها كسيّئ الخلق الذي لا يثق من نفسه و لا يأمن من وقوعه مكررا من شتم من يتعرض له، و كالجبان الذي لا يأمن من وقوعه في الفرار عن الزحف و نحو ذلك فيبقى إطلاق قوله صلّى اللّه عليه و آله كفى بالندم توبة، و قوله عليه السّلام ان كان الندم من الذنب توبة فانا اندم للنادمين سليما عن المقيد.

و ان أريد تحقق إرادته بعدم عوده إلى المعصية و ان لم يثق بحصول مراده فهو مما لا ينفك عن الندم اه «2».

و لكن يظهر من المحقق الأصفهاني (قدس): اعتبار العزم على عدم العود حيث قال ان العزم و البناء على عدم المعصية غير القصد و الإرادة التي لا يتحقق الا بعد إجماع الرأي و الوثوق بعدم صدور الفعل لئلا يقال ان الوثوق ربما لا يحصل له لمكان غلبة الشهوة و المعصية فلا يثق من نفسه حتى يعزم على عدم العود و استند في ذلك بقوله عليه السّلام في التوبة النصوح:

هو ان يتوب الرجل من ذنب و ينوي ان لا يعود عليه أبدا «3».

______________________________

(1) الوسائل باب 83 من أبواب جهاد النفس ح/ 1

(2) رسالة العدالة/ 335

(3) الوسائل باب 87 من أبواب جهاد النفس ح/ 3- 4

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 139

..........

______________________________

و في خبر أخر في مقام بيان حقيقة التوبة: قال عليه السّلام:

تصديق القلب و إضمار ان لا يعود الى الذنب الذي استغفر منه «1» «2».

قلت: و لا يخفى ان العزم و ان كان غير القصد الا ان الظاهر ان المراد منه

البناء على ترك المعصية الملائم أحيانا مع عدم الوثوق، و العزم على عدم العود ابدا و ان كان معتبرا في توبة النصوح- و هي المرتبة العالية من التوبة- و لكن لا دليل على اعتباره في تمام مراتبها، و لعله الى هذا يشير ما افاده الشيخ (قدس)، فيمكن التوفيق بين النظرين، فيقال غاية ما يعتبر في أصل التوبة هو البناء على ترك المعصية، و اما العزم و التصميم على ترك المعصية ابدأ فغير معتبر فيها و ان كان معتبرا في المرتبة العالية منها و هي التوبة النصوح.

و لعله بما ذكرنا يمكن ان يوجه ما أفاده العلامة الحلي (قدس) «من ان التوبة هي الندم على المعصية لكونها معصية و العزم على ترك المعاودة في المستقبل لان ترك العزم يكشف عن نفى الندم» «3».

فان العزم و البناء على ترك المعاودة كاف في تحقق أصل التوبة، و اما العزم على ترك المعاودة ابدا فغير دخيلة في ذلك و ان كان معتبرا في المرتبة العالية منها فتدبر.

حكم الاستغفار في التوبة

و اما اعتبار الاستغفار فينبغي التنبيه أولا إلى مغايرة التوبة مع الاستغفار لأنه ان كان الاستغفار مأخوذا فيها فيسقط البحث و هو واضح.

ربما يستظهر من بعض الآيات و الاخبار و الأدعية مغايرة التوبة للاستغفار.

اما الآيات فكقوله تعالى وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتٰاعاً حَسَناً

______________________________

(1) الوسائل باب 87 من أبواب جهاد النفس ح/ 5

(2) رسالة الاجتهاد و التقليد/ 85

(3) كشف المراد/ 263 ط صيدا

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 140

..........

______________________________

«1». و قوله تعالى وَ يٰا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ «2».

و قوله عز من قائل وَ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ

«3».

و قوله تبارك أَ فَلٰا يَتُوبُونَ إِلَى اللّٰهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَهُ وَ اللّٰهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «4».

و اما الاخبار و الأدعية فكخبر ابان بن تغلب قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول ما من عبد أذنب ذنبا فندم عليه الا غفر اللّه له قبل ان يستغفر «5».

و قول الصادق عليه السّلام في الحديث المشهور في تعداد جنود العقل و الجهل:

ان التوبة و ضدها الإصرار و الاستغفار و ضدها الاغترار «6» و قوله الامام السجاد عليه السّلام.

اللهم ان يكن الندم توبة إليك فانا اندم النادمين، و ان يكن الترك لمعصيتك اتابة فانا أول المنيبين، و ان يكن الاستغفار حطة للذنوب فانى لك من المستغفرين «7».

و في المناجاة الاولى من مناجاة الخمسة عشر.

الهى ان كان الندم على الذنب توبة فإني و عزتك من النادمين و ان كان الاستغفار من الخطيئة حطة فانى لك من المستغفرين «8».

و يؤيد ذلك ظاهر عطف التوبة على الاستغفار في الصيغة المكررة في الأدعية

______________________________

(1) هود: 11/ 3- 52- 90

(2) هود: 11/ 3- 52- 90

(3) هود: 11/ 3- 52- 90

(4) المائدة: 5/ 76

(5) الوسائل باب 83 من أبواب جهاد النفس ح/ 40

(6) أصول الكافي ج 1/ 22

(7) الصحيفة الكاملة السجادية دعائه بالتوبة/ 31

(8) مفاتيح الجنان/ 118

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 141

..........

______________________________

و الألسنة و هي استغفر اللّه ربي و أتوب إليه.

تقريب الاستدلال بالآيات و الاخبار لمغايرة الاستغفار مع التوبة واضح.

و مما يستظهر منه اتحاد التوبة و الاستغفار الجمع بين ما دل على ان دواء الذنوب الاستغفار.

كما في خبر السكوني عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:

لكل داء دواء، و دواء الذنوب الاستغفار «1» و ما ورد ان التائب

من الذنب يغفر له، و انه لا ذنب له، و انه كفى بالندم توبة الى غير ذلك.

و يوجه حمل التوبة المعطونة على الاستغفار بان المراد منها الإنابة- يعنى التوجه الى اللّه تعالى بعد طلب العفو عما سلف- و هذا متأخر عن الندم الذي هو التوجه اليه تعالى لكونه رجوعا من طريق الباطل و عودا الى الطريق المستقيم الموصل الى جناب الحق تعالى فهي كلها توجهات و اقبالات اليه تعالى فصح إطلاق التوبة التي هي لغة الرجوع، على كل منها.

و قد يطلق على المجموع اسم الاستغفار كقوله أمير المؤمنين عليه السّلام في تفسير الاستغفار قاله في إرشاد من قال بحضرته استغفر اللّه:

«ثكلتك أمك أ تدري ما الاستغفار؟! الاستغفار درجة العليين، و هو اسم واقع على ستة معان: أولها: الندم على ما مضى، و الثاني: العزم على ترك العود إليه أبدا، و الثالث: ان تؤدى الى المخلوقين حقوقهم حتى تلق اللّه عز و جل أملس ليس عليك تبعة، و الرابع ان تعمد الى كل فريضة عليك ضيعتها فتعدى حقها، و الخامس: ان تعمد الى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى يلصق الجلد بالعظم و ينشو بينهما لحم

______________________________

(1) الوسائل باب 85 من أبواب جهاد النفس ح/ 11

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 142

..........

______________________________

جديد، و السادس: ان تزيق الجسم الم الطاعة كما اذقنه حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول استغفر اللّه «1».

فظهر ان لفظة كل من التوبة و الاستغفار ربما تطلق على الأخر بعناية، و ربما تطلق أحدهما على معنى غير ما للآخر.

فبعد ما عرفت ذلك ينبغي ذكر ما افاده شيخنا الأعظم في اعتبار الاستغفار في الفرض و لقد أجاد فيما أفاد

فقال «: ان التحقيق يقتضي ان يقال انه ان أريد بالاستغفار حب المغفرة، و شوق النفس الى ان يغفر اللّه له فالظاهر انه لا ينفك عن الندم، و ان أريد به الدعاء للمغفرة الذي هو نوع من الطلب الإنشائي، ففي اعتباره وجهان، مقتضى إطلاقات الندم عدم الاعتبار لصدقه على غير صورة الاستغفار أيضا كما ان ظاهر قوله صلّى اللّه عليه و آله: لا كبيرة مع الاستغفار «2»، و قوله صلّى اللّه عليه و آله دواء الذنوب الاستغفار «3» و قوله ما أصر من استغفر «4» و نحو ذلك، اعتباره «5».

المورد الثاني في تجزئة التوبة و تبعيضها

اختلف شيوخ المعتزلة في جوار التجزئة في التوبة و صحتها من بعض المعاصي و عدمه.

فعن ابى هاشم الجبائي إن الندم لا يصح من قبيح دون قبيح، و استدل لمقالة بأنه يجب الندم على القبيح لقبحه و لو لا ذلك لم تكن مقبولة، و القبيح حاصل في الجميع فاذا اشترك جميع المعاصي في القبيح فلو تاب من قبيح دون قبيح كشف ذلك عن كونه تائبا عنه لا لقبحه، بل لأمر آخر يوجد في ذلك دون هذا.

______________________________

(1) نهج البلاغة قصار الحكم/ 417

(2) الوسائل باب 48 من أبواب جهاد النفس ح/ 3

(3) الوسائل باب 85 من أبواب جهاد النفس ح/ 11

(4) الوسائل باب 85 من أبواب جهاد النفس ح/ 11

(5) رسالة العدالة/ 335

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 143

..........

______________________________

و عن ابى على جواز ذلك قاس ذلك بفعل الواجب و قال في تقريبه انه لو لم تصح التوبة عن قبيح دون قبيح لم يصح الإتيان بواجب دون واجب، و التالي باطل فالمقدم مثله، بيان الملازمة انه كما يجب عليه ترك القبيح لقبحه كذلك يجب

عليه فعل الواجب لوجوبه فلو لزم من اشتراك القبائح في قبح عدم التوبة في بعض القبائح دون بعض لزم من اشتراك الواجبات في الوجوب عدم صحة الإتيان بواجب دون واجب آخر.

و اما بطلان التالي فبالإجماع إذ لا خلاف في صحة الصلاة ممن أخل بالصوم اه «1».

و الحق جواز التبعيض و التجزئة في التوبة و قد صرح بذلك شيخنا المفيد (قدس) في أوائل المقالات، و قال ان هذا مذهب جميع أهل التوحيد سوى ابى هاشم الجبائي «2».

و قال العلامة الحلي (قدس) في بيانه انه يجوز ان يرجع فاعل القبائح داعيه الى الندم عن بعض القبائح دون بعض و ان كان القبائح مشتركة في الداعي الذي يدعوا الى الندم عليها و ذلك بان يقترن ببعض القبائح قرائن زائدة كعظم الذنب أو كثرة الزواجر عنه، أو التسامح عند العقلاء عند فعله و لا يقترن هذه القرائن ببعض القبائح فلا يندم عليها، و هذا كما في دواعي الفعل فإن الأفعال الكثيرة قد تشترك في الدواعي ثم يؤثر صاحب الدواعي بعض تلك الأفعال على بعض بان يترجح دواعيه الى ذلك الفعل بما يقترن به من زيادة الدواعي فلا استبعاد في كون قبح الفعل داعيا الى الندم ثم يقترن ببعض القبائح زيادة الدواعي إلى الندم عليه فيترجح لأجلها الداعي إلى الندم على ذلك البعض دون الأخر اه «3».

______________________________

(1) كشف المراد/ 264

(2) أوائل المقالات/ 62

(3) كشف المراد/ 265

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 144

..........

______________________________

و بعبارة أخرى أفاده العلامة الشبّر (قدس) ان التوبة عن بعض الذنوب اما ان يكون عن الكبائر دون الصغائر أو بالعكس أو عن كبيرة دون كبيرة، و الكل جائز و ممكن.

اما الأول: فبعد العلم

بأن الكبائر أعظم عند اللّه و أجلب لسخطه و مقته، و الصغائر أقرب الى تطرق العفو فيترك الكبائر دون الصغائر، و ذلك كالطبيب قد يحذر المريض العسل تحذرا شديدا و تحذره السكّر تحذيرا أخف منه على وجه يظهر منه عدم ظهور آثاره.

و اما الثاني: فهو أيضا ممكن لأن المؤمن و ان كان خائفا على معاصيه و نادما على المعاصي التي يفعله الا ان ذلك منه تختلف قوة و ضعفا فيترك النظر إلى الأجنبية أو معصية صغيرة و لكنه لا يمكن ترك معصية كبيرة كشرب الخمر، و السر في ذلك غلبة الهوى بالنسبة إلى شرب الخمر و عدمها بالنسبة إلى الأجنبية.

و اما الثالث: فهو أيضا بمكان من الإمكان لاعتقاده ان بعض الكبائر أشد و أغلظ عند اللّه من بعض أخر فيتوب عن معصية النهب، و قتل النفس و الظلم، و اما البعض الأخر فلا اه ملخصا «1».

و مقتضى إطلاق النصوص و عمومها صحة ما ذكرنا لأن إطلاق قوله صلّى اللّه عليه و آله (الندم توبة) يصدق على الندامة على ذنب مع عدم الندامة على سائر الذنوب، و كذا قوله صلّى اللّه عليه و آله التائب من الذنب كمن لا ذنب له يصدق على من تاب عن ذنب و لم يتب بعد عن سائر الذنوب.

و مما يدل على تجزئة التوبة ان الكافر إذا تاب عن كفر و أسلم: و هو مقيم على الكذب اما ان يحكم بقبول توبته و إسلامه أم لا؟ و الثاني خرق للإجماع لاتفاق المسلمين على اجراء حكم المسلم عليهم و الأول هو المعلوم.

و قد أول المحقق الطوسي و العلامة (قدس سرهما) ما ورد عن أمير المؤمنين

______________________________

(1) الحق اليقين ج 2/ 208

الدر النضيد

في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 145

..........

______________________________

و أولاده المعصومين عليهم السّلام من نفى تصحيح التوبة عن بعض القبائح دون بعض، بان مرادهم اشتراك جميع القبائح في الداعي الذي يدعوا الى الندم عليها و ان كان يجوز ان يرجح فاعل القبائح داعيه الى الندم عن بعض القبائح دون بعض فقال في وجهه انه لو لا ذلك لزم الحكم ببقاء الكفر على التائب منه المقيم على الكذب مع اتفاق المسلمين على إجراء أحكام المسلمين عليه اه «1».

قلت: و يمكن حمل كلامهم عليهم السّلام على ان مرادهم بذلك التوبة الكاملة فتدبر.

المورد الثالث في حكم التوبة
اشارة

كما لا ينبغي الارتياب في حسن الاحتراز عن الأمراض و المهالك المفوتة لحياة الجسد عقلا و شرعا، بل وجوبه، فكذلك لا ينبغي الارتياب في حسن الاحتراز عن امراض الذنوب و مهلكات المعاصي المفوتة لحياة الأبد و وجوبه عقلا و شرعا بل يمكن استفادة وجوب ذلك بالطريق الاولى.

الوجوه التي يستدل بها لوجوب التوبة
اشارة

و مع ذلك يستدل لوجوب التوبة بوجوه.

منها: دليل العقل

قال شيخنا الأعظم (قدس) الظاهر انه حكم بوجوبها كل من قال بالحسن و القبح العقليين.

و قد أشار المحقق الطوسي (قدس) في التجريد الى دليل العقل و قرره العلامة (قدس) في الشرح بوجهين «2».

الأول: ان التوبة دافعة للضرر الذي هو العقاب، أو الخوف و دفع الضرر واجب و لا يخفى ان هذا قياس من الشكل الأول الذي يكون بديهي الإنتاج ضرورة

______________________________

(1) كشف المراد/ 266

(2) كشف المراد/ 264

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 146

..........

______________________________

ان التوبة دافعة للضرر المحتمل الذي هو العقاب، أو دافعة لخوف ذلك العقاب المحتمل و كل دافع لذلك واجب بحكم العقل، و ليس ذلك إلا التوبة فتجب.

الثاني: انا نعلم قطعا وجوب الندم على القبيح و الإخلال بالواجب.

و قد يقرر ذلك بالشكل الأول أيضا و هو ان التوبة ندم على القبيح أو الإخلال بالواجب، و الندم على ذلك واجب عند كل من قال بالحسن و القبح العقليين.

و قد يناقش: بان الندم على القبيح أو الإخلال بالواجب من لوازم الإسلام و الايمان فمن كان مسلما و مؤمنا يقبح القبيح و يكرهه فاذا اتى بالقبيح و ترك الحسن ليسوئه ذلك و يتأسف عليه فالندم أمر قهري من لوازم الايمان فلا يتعلق به التكليف حتى يقال بأنه واجب و تركه قبيح فالأولى ان يقال انا نعلم قطعا وجوب العزم على ترك معاودة القبيح أو الإخلال بالواجب لقبح عدم العزم على ذلك و الإصرار على ذلك.

و منها: الآيات

كقوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّٰهِ تَوْبَةً نَصُوحاً «1».

و قوله عز من قائل تُوبُوا إِلَى اللّٰهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «2».

و قوله تعالى يٰا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمٰاءَ عَلَيْكُمْ

مِدْرٰاراً «3».

و قوله عز من قال وَ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ «4».

الى غير ذلك من الآيات.

و منها: الاخبار ربما يستدل لوجوب التوبة بالأخبار، و هي على كثرتها خالية عن الأمر بالتوبة الا نادرا فإنها متعرضة لتفسير الآيات الإمرة بالتوبة، و بيان محبوبية التوبة في الشريعة و بيان فوائدها، و ثمراتها و قد عقد في الوسائل بابا سماه باب وجوب التوبة من جميع الذنوب و العزم على ترك العود أبدا فأورد فيه 16 حديثا و لكن لا يتضمن شي ء منها الأمر

______________________________

(1) التحريم: 66/ 8

(2) النور: 24/ 31

(3) هود: 11/ 31

(4) هود: 11/ 90

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 147

..........

______________________________

بالتوبة إلا ما رواه عن ابن طاوس عن مهج الدعوات عن الرضا عن آبائه عليهم السّلام قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اعترفوا بنعم اللّه ربكم و توبوا الى اللّه من جميع ذنوبكم فان اللّه يحب الشاكرين من عباده «1».

فينبغي الإشارة إلى جملة من الاخبار المتضمنة للأمر بالتوبة مما وجدناه في الأبواب المتفرقة خصوصا من جامع أحاديث الشيعة الذي أمر بتأليفه أستاذنا العلامة البروجردي (قدس).

كخبر على بن الحسن بن فضال عن أبيه عن الرضا عن آبائه عن على عليهم السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و فيه:

توبوا الى اللّه من ذنوبكم و ارفعوا أيديكم بالدعاء الخبر «2».

و خبر على بن على أخ دعبل بن على عن على بن موسى الرضا عن أمير المؤمنين عليه السّلام انه قال:

تعطروا بالاستغفار لا تفضحنكم روائح الذنوب «3».

و خبر سماعة قال:

دخلت على ابى عبد اللّه عليه السّلام فقال مبتدئا: يا سماعة ما هذا الذي كان بينك و بين جمالك؟! إياك ان

تكون فحاشا أو صخابا «4» أو لعانا فقلت و اللّه لقد كان ذلك انه ظلمني فقال ان كان ظلمك لقد أربيت عليه «5» ان هذا ليس من فعالي و لا آمر به شيعتي استغفر ربك و لا تعد قلت استغفر اللّه و لا أعوده «6».

______________________________

(1) الوسائل باب 86 من أبواب جهاد النفس ح/ 6

(2) الوسائل باب 18 من أحكام شهر رمضان ج/ 20

(3) الوسائل باب 85 من أبواب جهاد النفس ح/ 17

(4) الصخاب: بالصاد و السين! الشديد الصوت

(5) أربيت: إذا أخذت أكثر مما أعطيت

(6) جامع أحاديث الشيعة باب 21 من أبواب جهاد النفس ح/ 15 ج: 13/ 431

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 148

..........

______________________________

و خبر أبي حمزة عن على بن الحسين و فيه:.

و استغفروا اللّه و توبوا إليه فإنه يقبل التوبة، و يعفوا عن السيئة «1».

و عن قطب الراوندي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و فيه:.

قال صلّى اللّه عليه و آله لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة و قال صلّى اللّه عليه و آله نعم الوسيلة الاستغفار «2».

الى غير ذلك من الاخبار.

و منها: الإجماع

قال العلامة الحلي (قدس): ان التوبة واجبة بإجماع المسلمين «3» و قال شيخنا العلامة الأنصاري (قدس) ادعى غير واحد كصاحب الذخيرة و شارح أصول الكافي الإجماع عليه بل ادعى هو إجماع الأمة عليه «4».

قلت: يظهر حال الإجماع و موقفه مما ذكرناه غير مرة ان الإجماع في مسئلة تكون عليها وجوه من العقل و النقل لا يكاد يفيد و لا يستكشف به عن رأى المعصوم عليه السّلام.

حكم وجوب التوبة من حيث كونه عقليا أو شرعيا

فبعد ما عرفت وجوب التوبة يقع الكلام في ان وجوبها هل شرعي نفسي أو إرشادي نظير وجوب الإطاعة و حرمة المخالفة؟

قال الشيخ (قدس): «ان وجوب التوبة عقلي محض بمعنى كونه للإرشاد، و ان أمر به الشارع أيضا في الكتاب و السنة، و لكن أو أمرها إرشادية لرفع مفسدة

______________________________

(1) جامع أحاديث الشيعة باب 44 من أبواب جهاد النفس/ 56. ج: 14/ 44

(2) جامع أحاديث الشيعة باب 75 من أبواب جهاد النفس/ 57. ج 14/ 335

(3) كشف المراد/ 263

(4) رسالة العدالة/ 135

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 149

..........

______________________________

المعصية السابقة و لا يترتب على تركها عقاب أخر «1».

و بالجملة كما قاله المحقق الأصفهاني (قدس): «حيث ان التوبة لدفع عقاب المعصية الصادرة فهي بهذا العنوان لا معنى لان يكون لها وجوب شرعي مولوي» «2».

و بعبارة اخرى انما وجبت التوبة للتخلص عن المعصية السابقة و وجوب التخلص عن المعصية ليس واجبا شرعيا يترتب على تركها عقاب أخر غير العقاب الذي لم يتخلص منه فهي من قبيل معالجة المريض الذي يأمرها الطبيب فلا يترتب على مخالفتها أمر سوى ما يقتضيه ترك المأمور به مع قطع النظر عن الأمر فإنا لا نعني بالأمر الإرشادي إلا ما لا يترتب على مخالفته

سوى ما تقتضيه نفس ترك المأمور به مع قطع النظر عن تعلق الأمر، و لا على موافقته الا ما يقتضيه فعله كذلك، و ليس من قبيل الأوامر التعبدية التي يأمر بها المولى عبده في مقام الاستعباد، و التعبد ليترتب على مخالفته ثواب الإطاعة زائدا عما تقتضيه نفس ترك المأمور به لذلك فترك التوبة ليس من المعاصي التي توجب العقاب فلا يدخل في المعاصي الشرعية المنقسمة إلى الصغيرة و الكبيرة و ان كان قبح تركها من حيث انه اقامة على العقاب و بقاء عليه قد يصل اليه بحسب قبح المعصية التي يقع عليها.

فتحصل: ان وزان وجوب التوبة وزان لزوم الإطاعة فكما يحكم العقل بوجوب الإطاعة فكذلك يحكم بلزوم الخروج عن تبعة المعاصي الصادرة، فكما لا يكون الحكم بوجوب الإطاعة حكما شرعيا مع قوله تعالى أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ فكذلك أوامر التوبة.

نعم ان كان البقاء على المعصية و عدم التوبة أحيانا مستلزما لاندراجه تحت الأمن من مكر اللّه فيكون محرما شرعيا بطرو ذاك العنوان.

ثم انه على القول بوجوب التوبة شرعا يمكن ان يقال انه بالنسبة إلى المعاصي التي لم يكفر عنها كالكبائر، أو الصغائر التي أصر عليها، أو الصغيرة من غير المجتنب

______________________________

(1) رسالة العدالة/ 360

(2) رسالة الاجتهاد و التقليد/ 87

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 150

..........

______________________________

من الكبائر أو غير المبتلى بها، و اما المجتنب للكبائر إذا لم يصر على الصغائر فحيث تكون مكفرة فلا يجب التوبة عنها شرعا.

المورد الرابع في حال الشخص بعد التوبة

الظاهر ان التوبة عن المعصية و الرجوع عنها تزيل حكم المعصية و يبطلها فمن كانت له حالة و كيفية باعثة لترك المعاصي و إتيان الواجبات إذا اتى بكبيرة يمنع عن قبول الشهادة

و ما يجرى مجراه من عدم صحة الاقتداء به في الصلاة الى غير ذلك فاذا تاب عنها تزيل حكم المعصية و تقبل شهادته و يصح الاقتداء به الى غير ذلك من الأحكام.

يشهد لذلك مضافا الى الإجماع و تسالم الأصحاب جملة من الاخبار:

كخبر جابر عن ابى جعفر عليه السّلام قال:

سمعته يقول التائب من الذنب كمن لا ذنب له، و المقيم على الذنب و هو مستغفر منه كالمستهزئ «1».

و خبر داود بن قبيصة عن الرضا عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: التائب من الذنب كمن لا ذنب له «2» الى غير ذلك.

و لكن وقع الخلاف بين المسلمين في قبول شهادة القاذف إذا أكذب نفسه و تاب صلح فذهبت الإمامية إلى قبول شهادته، و عن الشعبي، و الزهري، و الربيعة، و مالك، و الشافعي، و الأوزاعي و غيرهم انه يقبل اللّه توبته، و لا نقبل نحن شهادته.

و عن طائفة منهم حسن البصري، و شريح، و النخعي، و الثوري و ابى حنيفة و أصحابه انه يسقط فلا تقبل توبته ابدا.

______________________________

(1) الوسائل باب 86 من أبواب جهاد النفس ح/ 8

(2) الوسائل باب 86 من أبواب جهاد النفس ح/ 14

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 151

..........

______________________________

و منشأ الخلاف قوله تعالى وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً وَ لٰا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهٰادَةً أَبَداً «1».

و الحق ما عليه الإمامية من ان القاذف إذا تاب و صلح، قبلت توبته و زال فسقه بلا خلاف و قبلت شهادته حكى الشيخ في الخلاف موافقة الصحابة و جملة من التابعين و الفقهاء على ذلك.

يشهد لذلك الكتاب و السنة

المستفيضة و الإجماع بقسميه.

اما الكتاب فذيل الآية المتقدمة حيث قال تعالى: بعد قوله لٰا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهٰادَةً- إِلَّا الَّذِينَ تٰابُوا مِنْ بَعْدِ ذٰلِكَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «2» فإنه يدل على ان القاذف إذا تاب و أصلح يخرج عن الفسق و يجوز شهادته حسبما فصل في محله.

و اما السنة فكخبر ابى الصباح الكناني قال:

سئلت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن القاذف بعد ما يقام عليه الحد ما توبته؟ قال يكذب نفسه قلت أ رأيت ان أكذب نفسه و تاب أ تقبل شهادته؟ قال نعم «3».

و خبر قاسم بن سليمان قال:

سئلت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقذف الرجل فيجلد حدا ثم يتوب و لا يعلم منه الا خيرا ا تجوز شهادته؟ قال نعم ما يقال عندكم قلت: يقولون توبته فيما بينه و بين اللّه و لا تقبل شهادته ابدا فقال بئس ما قالوا كان ابى يقول إذا تاب و لم يعلم منه الأخير جازت شهادته «4».

و خبر يونس عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السّلام قال:

سئلته عن الذي يقذف المحصنات تقبل شهادته بعد الحد

______________________________

(1) النور: 14/ 4

(2) النور: 14/ 5

(3) الوسائل باب 36 من أبواب الشهادات ح/ 1

(4) الوسائل باب 36 من أبواب الشهادات ح/ 2

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 152

..........

______________________________

إذا تاب؟ قال: نعم قلت و ما توبته؟ قال يجي ء فيكذب نفسه عند الامام و يقول قد افتريت على فلان و يتوب مما قال «1».

الى غير ذلك من الاخبار.

نعم في خبر السكوني ما ينافي ما ذكرنا فروى عن على عليه السّلام:

ليس أحد يصيب حدا فيقام عليه ثم يتوب الاجازت شهادته الا القاذف فإنه لا تقبل

شهادته، ان توبته فيما كان بينه و بين اللّه تعالى «2».

و لكنه حمل على التقية، و في خبر سليمان بن قاسم شهادة عليه.

فلا اشكال عندنا في قبول شهادة القاذف إذا تاب و أكذب نفسه و ظهر منه العمل الصالح إذا كان له حالة و كيفية باعثة لترك المحرمات و فعل الواجبات.

و سنتعرض المراد بإكذاب النفس فيما يلي و تفصيل المقال يطلب من باب الشهادات.

المورد الخامس في عدم كفاية الندم عن المعصية و البناء و العزم على عدمها في جميع الموارد

و ليعلم ان التوبة كما ذكرنا و ان كانت عبارة عن الندم عن المعصية لكونها معصية و العزم و البناء على عدمها في المستقبل و يسقط العقاب بذلك في الجملة الا انه لا يكتفى بذلك في جميع الموارد فالحقيق بنا الإشارة إلى تبعات المعاصي فنقول:

التوبة تنقسم الى ما هي بين العبد و بين اللّه تعالى خاصة، أو يتعلق به حق الآدمي اما ما يتعلق بحقوقه تعالى فقد لا يستلزم امرا أخر يلزم الإتيان به شرعا كلبس

______________________________

(1) الوسائل باب 36 من أبواب الشهادات ح/ 4

(2) الوسائل باب 36 من أبواب الشهادات ح/ 5

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 153

..........

______________________________

الحرير مثلا فيكفي في توبته الندم عليه و العزم على عدم العود اليه و لا يجب عليه سوى ذلك.

و قد يستلزم ذلك حقا منه تعالى فتارة يكون امرا ماليا- كالعتق في الكفارة- فيجب الإتيان به مع القدرة و يمكن إدخال الزكاة و الخمس فيه من جهة و ان كان يمكن إدخالهما في حقوق الناس من جهة أخرى فيجب أدائهما مع القدرة أو يصالح عليهما مع حاكم المسلمين حسب ما يراه.

و اخرى يكون امرا غير مالي، فإما يكون غير حد كقضاء الفوائت مثل قضاء صلوات اليومية، و قضاء صوم

رمضان، و الواجب عليه بالكفارة، أو نذر، أو شبهه، فيجب عليه القضاء و إتيان ما وجب عليه، أو يكون حدا كما إذا زنى أو شرب الخمر فقد لا يظهر منه فيجوز للمكلف ان يظهره و يقربه عند الحاكم ليقام عليه الحد، و يجوز ان يستره و يكتفى بالتوبة فلا حد عليه، قال صاحب الجواهر (قدس) انه الاولى.

و اما ان ظهر فان تاب قبل قيام البينة عند الحاكم فيسقط الحد، و الا فيجرى عليه الحد.

و اما ما يتعلق بحقوق الناس فلا بد له مع الندم و العزم على ان يخرج من حق المستحق بنحو.

ففي موارد القصاص فبالنسبة إلى قتل نفس محترمة لا بد و ان يخرج الى المستحق و يمكنه من الاستيفاء، فان لم يعلم المستحق فلا بد و ان يخبر ولى المقتول و يقول له: انا الذي قتلت أباك مثلا و لزمني القصاص فاما ان يقتله أو يعفو عنه بأخذ الدية أو بدونها.

و اما بالنسبة إلى قطع الأعضاء فكذلك فيجب تسليم نفسه للمستحق من المجني عليه أو ورثته ليقتص منه في ذلك العضو أو يعفوا عنه بأخذ الدية أو بدونها.

و في موارد غصب الأموال و نحوها فيردها ان بقيت و يغرم بدلها ان لم تبق أو يستحل من المستحق ذمته منها، و لو كان مصرا نوى الغرامة له إذا قدر.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 154

..........

______________________________

و ان لم يخرج من حق المستحق الى ان مات فينتقل الى ورثته فلا بد له من دفعها إليهم، أو إبرائهم منها، و هكذا ينتقل من وارث إلى أخر، فمتى دفع هو، أو أحد ورثته، أو بعض المتبرعين إلى الورثة في بعض الطبقات برء منه.

و

ان بقي إلى يوم القيمة فاختلف الفقهاء في مستحقه على وجوه.

الأول انه لصاحبه الأول، و الثاني انه يكتب لكل وارث مدة عمره، أو عوض الظلمة ثم يكون لآخر وارث و لو بالعموم كالإمام عليه السّلام لان ذلك قضية التوارث لما يترك الميت لعموم الكتاب و السنة، و الثالث انه ينتقل بعد موت الكل الى اللّه تعالى لأنه الباقي بعد فناء كل شي ء و هو يرث الأرض و من عليها.

يرجح الأول لقول الصادق عليه السّلام في خبر عمر بن يزيد:

إذا كان للرجل على الرجل دين فمطله حتى مات ثم صالح ورثته على شي ء فالذي أخذ الورثة لهم و ما بقي فللميت حتى يستوفيه منه في الآخرة و ان هو لم يصالح على شي ء حتى مات و لم يقض عنه فهو كله للميت يأخذه به «1».

قد يقال ان المراد بالصلح على شي ء في الأول اما على بعض الحق مع إبقاء البعض منه في ذمته، أو الصلح على وجه غير لازم اما لاستلزامه الرباء أو لعدم العلم بالمستحق بمقدار الحق مع علم من عليه الحق به أو نحو ذلك، و الا فلو وقع على الجميع برء منه و ان كان بأقل و هو صلح الحطيطة.

و اما بالنسبة إلى إضلاله فيجب إرشاد من أضله و إرجاعه عما اعتقده بسببه من الباطل إلى الحق ان أمكن.

و اما بالنسبة إلى القذف، و الغيبة فالكلام فيهما يقع تارة في حد توبتهما من حيث أنفسهما و اخرى بالنسبة إلى المقذوف و المغتاب.

اما بالنسبة إلى القاذف فاختلفوا في ذلك فقيل انه لا بد و ان يكذب نفسه فيما قذف سواء كان صادقا في قذفه أم كاذبا، فان كان كاذبا فتكذيبه نفسه مطابق للواقع،

______________________________

(1) باب

5 من أبواب أحكام الصلح ح/ 4

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 155

..........

______________________________

و ان كان صادقا ورى باطنا بما يخرجه عن الكذب في تكذيبه نفسه لعدم كونه كاذبا في نفس الأمر.

و عن المبسوط و السرائر ان حد توبته ان يكذب نفسه إن كان كاذبا و يعترف بالخطاء ان كان صادقا لان تكذيب نفسه مع عدم كونه كاذبا في نفس الأمر قبيح فيكفيه الاعتراف بالخطاء.

يوجه لزوم تكذيب نفسه مطلقا بقوله تعالى الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ الى قوله أُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ «1» فسمى القاذف فاسقا متى لم يأت بالشهداء على ما قذف به، و للأخبار التي أشرنا إلى بعضها أنفا.

و اما بالنسبة إلى الغيبة فتوبته الندم و التأسف على ما تحمله من الوزر و الاستغفار و لمن اغتابه.

هذا حال القذف و الغيبة من أنفسهما و اما بالنسبة إلى المقذوف و المغتاب، فان بلغهما فلا بد في تفريغ ذمته من تمكين نفسه لهما ليستوفيا حقهما، و ان لم يبلغهما فان أمكنهما الخروج عما ارتكبه بنحو من الأنحاء من دون إيثار الفتنة فلا يبعد لزومه و إلا ففى وجوبه وجهان: من انه حق آدمى فلا يزول الأمن جهته، و في المسالك و اليه ذهب المشهور، و من استلزامه زيادة الأذى و إثارة الفتنة فيكفي البراءة و الاستغفار لنفسه و للمغتاب.

و على الأول فلو تعذر الاستحلال منه بموته، أو امتناعه فليكثر من الاستغفار، و الأعمال الصالحة عسى ان يكون عوضا عما يأخذه يوم القيمة من حسناته ان لم يعوضه اللّه تعالى عنه، و لا اعتبار فيه بتحليل الورثة و ان ورثوا حد القذف.

و ليعلم ان ما ذكرناه في هذا المورد نتيجة

ما استفدناه مما أفاده العلامة الحلي في كشف المراد، و الشهيد الثاني في المسالك، و شيخنا البهائى في الأربعين، و صاحب الجواهر في جواهره و غيرهم مع تغيير و تصرف شكر اللّه مساعيهم الجميلة

______________________________

(1) النور: 24/ 4

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 156

المورد السادس في حال الخلوص من تبعات المعاصي في التوبة

______________________________

بقي الكلام في ان ما ذكرناه من تبعات بعض المعاصي هل هي دخيلة في التوبة شرطا أو جزءا بحيث لو لم يأت بها لما تحقق التوبة، أو ان حقيقة التوبة تتحقق و تصح بالندم عن المعصية و البناء و العزم على عدم عوده و الخلوص من تبعات الذنب ليست دخيلة في ماهيتها و ان كانت معتبرة في كمالها فمن ترك تبعاتها يكون بمنزلة ارتكاب ذنوب مستأنفة؟! وجهان.

ربما يستظهر من بعضهم دخالتها في التوبة و انها من تبعاتها بحيث لو لا الخلوص من تبعات الذنب لما تحققت التوبة فالتوبة عن ذنب خاص لا تتحقق الا بالخروج من تبعاته المخصوصة.

و لكن دقيق النظر يقضى بعدم دخولها في حقيقة التوبة لما عرفت ان حقيقة التوبة هي الندم عن الذنب و البقاء على عدمه و المفروض تحققه فبعد ذلك تسقط العقاب المترتب على ترك واجب أو فعل حرام فتبعات الذنب بمنزلة ذنوب مستقلة يلزم التوبة منها.

فمن تاب عن قتل النفس مثلا فتوبته هي الندم عنه و البناء على عدمه، و ان قصر ببذل القصاص من نفسه إذ هو ذنب أخر، و قد عرفت منا قبول التوبة للتجزية.

نعم كما أفيد: «لو فرض كون التابع من إفراد الذنب الذي فرض التوبة عنه لكان لما ذكر وجه لعدم التوبة حينئذ بدونه كما لو تاب عن ظلم الناس مع وجود ما لهم عنده، فلا

توبة له عن الظلم الا بالخروج عما في يده و إرجاعه إليهم بطريق شرعي و الا فهو باق بعد على الظلم و لعله يمكن تنزيل إطلاق من قال بدخالة الخلوص عن تبعات الذنب على مثل ذلك» «1».

______________________________

(1) الجواهر ج 41/ 112.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 157

..........

______________________________

و بالجملة ما ذكرناه واضح لا سترة فيه و قد صرح بذلك شيخنا البهائي (قدس) في أربعينه حيث قال: «اعلم ان الإتيان بما يستتبعه الذنوب من قضاء الفوائت و أداء الحقوق، و التمكين من القصاص، و الحد و نحو ذلك ليس شرطا في صحة التوبة بل هذه واجبات برأسها، و التوبة صحيحة بدونها و بها تصير أكمل و أتم» «1».

نعم إذا لم يقم بتبعات الذنب بعد إظهار التوبة فلعله يكون ذلك قرينة على عدم تحقق الندم كما انه إذا فعلها بعد ذلك يكون دليلا على تحقق التوبة و صحتها فتدبر.

و ربما يتوهم خلاف ما ذكرنا مما ورد في بعض الاخبار.

كخبر المروي عن أمير المؤمنين عليه السّلام.

في تفسير قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّٰهِ تَوْبَةً نَصُوحاً «2» ان التوبة يجمعها ستة أشياء على الماضي من الذنوب الندامة، و للفرائض الإعادة، ورد المظالم، و استحلال الخصوم، و ان تعزم على ان لا تعود، و ان تذيب نفسك في طاعة اللّه كما ربيتها في المعصية، و ان تذيقها مرارة الطاعات كما أذقتها حلاوة المعاصي.

و قريب منه ما في نهج البلاغة و قد سمع عليه السّلام قائلًا يقول استغفر اللّه قال ثكلتك أمك أ تدري ما الاستغفار الخبر «3» و قد ذكرنا الخبر بتمامه/ 141.

حيث يستفاد منهما دخالة الخلوص من تبعات الذنوب في تحقق التوبة،

و نحوهما غيرهما.

و لكن فيه: ان المراد منهما ارادة الفرد الكامل من التوبة لا أصل تحقق التوبة ضرورة ان مجرد الندم و العزم على العدم لا يكفي في جلاء القلب من ظلمات المعاصي

______________________________

(1) الأربعين/ 248

(2) التحريم: 66/ 8

(3) الوسائل باب 87 من أبواب جهاد النفس ح/ 3

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 158

..........

______________________________

و كدورتها بل يلزم محو آثار تلك الظلمات و الكدورات و لا يكاد يحصل الا بمثل ما فيهما، و قد ورد انه ينظر التائب الى سيئاته مفصلة و يطلب لكل سيئة منها حسنة تقابلها فيأتي بتلك الحسنة على قدر ما اتى بتلك السيئة فيكف حضور مجالس المعصية و استماع الملاهي و الأباطيل بالحضور في مجالس الوعظ، و النصيحة و تعلم معالم الدين و استماع القران و الأحاديث و المسائل الدينية، مع وضوح عدم اعتبارها في تحقق التوبة، كما انه لا يعتبر في تحقق التوبة اذابة لحم البدن الذي نبت على السحت، و أذاقه الجسم الم الطاعة كما اذاقته حلاوة المعصية.

و بالجملة هذه الأمور غير دخيلة في تحقق أصل التوبة و ان كانت دخيلة في تحقق مراتبها العالية.

هذا بعض الكلام في التوبة و حكمها و حكم الشخص بعد التوبة، و حال تبعات بعض المعاصي و لها بعض أحكام أخرى مذكورة في كتب الأخلاق طوينا عنها كشحا لئلا يوجب ملال حضار البحث و من يلاحظ رسالتنا هذه، و لئلا يخرج البحث عن طور المسائل الفقهية، و ان أردت تفصيل المقام فعليك بمراجعة الجوامع الحديثية المفصلة، و الكتب الكلامية و الأخلاقية و باللّه الاعتصام.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 159

[مسئلة 24- إذا عرض للمجتهد ما يوجب فقده للشرائط]

اشارة

مسئلة 24- إذا عرض للمجتهد

ما يوجب فقده للشرائط (1) يجب على المقلد العدول الى غيره.

______________________________

(1) يعني الشرائط المعتبرة في المجتهد حدوثا و بقاءا لا مثل الحيوة التي عرفت حالها.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 160

..........

______________________________

أقول: المعروف ان حكم صيرورة المجتهد فاسقا، أو كافرا، أو مجنونا، أو عاميا، حكم موته في وجوب العدول عنه.

صرح بذلك شيخنا الأعظم (قدس) في الرسالة و حكى ذلك عن المحقق الثاني في حاشية الشرائع انه لو عرض للفقيه- العياذ باللّه- فسق، أو جنون، أو طعن في السن كثيرا بحيث اختل فهمه امتنع تقليده لوجود المانع، و لو كان قد قلده مقلد قبل ذلك يبطل حكم تقليده لان العمل بقوله في مستقبل الزمان يقتضي الاستناد إليه حينئذ و قد خرج عن الأهلية لذلك و كان تقليده باطلا بالنسبة إلى مستقبل الزمان اه «1» يستدل لذلك مضافا الى ظهور الإجماع المركب، بل البسيط بإطلاق معاقد الإجماعات في اعتبار العلم، و العدالة عند العمل من غير فرق بين الابتداء، و الاستدامة و بما أفيد «ان الأمر بتقليد الفقيه العادل مثلا ظاهر في ثبوت الرأي المضاف الى الفقيه العادل حال تعلق العمل، أو الالتزام به و الا كان عملا بغير الرأي، أو برأى غير الفقيه، أو برأى الفقيه غير العادل، و مثله غير قابل للإطلاق لصورة زوال الرأي بالموت، أو الجنون، أو اختلال الفهم، أو لصورة زوال الايمان و العدالة ضرورة ان المطلق لا بد من ثبوته في مراتب الإطلاق و المفروض ان رأى الفقيه العادل هو مورد الأمر بالعمل أو بالالتزام» «2».

و بما روى عن ابى عبد اللّه الكوفي خادم الشيخ ابى القاسم بن روح انه سئل

______________________________

(1) رسالة التقليد/ 73

(2) رسالة الاجتهاد

و التقليد للمحقق الأصفهاني/ 29

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 161

..........

______________________________

الشيخ «1» عن كتب ابن ابى العذافر «2» بعد ما خرجت اللعنة في حقه فقال الشيخ أقول فيها ما قاله العسكري عليه السّلام حيث سئل عن كتب بنى فضال فقيل ما نصنع يكتبه و بيوتنا منه ملاء؟ فقال عليه السّلام: خذوا ما رووا و ذروا ما رأوا «3».

فإن أمر الشيخ رضي اللّه عنه بترك رأى ابن ابى العذافر يشمل الفتوى المأخوذة منه المعمولة حال استقامته، و حجية قول الشيخ يعلم بالتتبع في أحواله و فيما ورد في حقه.

ربما يناقش: في الإجماع بأن تحصيل الإجماع التعبدي في أمثال المقام ضعيف جدا خصوصا مع وجود المخالف «4».

و لكنه: قد يقال ان ظاهر الأصحاب أنهم تسالموا على ان المجتهد لو زالت ملكته بجنون أو هرم، أو نسيان لا يجوز تقليده، و كذا لو عرض له كفر أو فسق أو نحوهما لا يجوز تقليده و لم نظفر بمن خالف في ذلك عدا صاحب الفصول فصح القول بان المسئلة اجماعية لان خروج الواحد لا يضر بالإجماع على مبني المتأخرين «5» و كيف كان توضيح المقال يستدعي البحث في مقامين الأول فيما تقتضيه القاعدة و الاعتبار، و الثاني فيما يقتضيه مذاق الشريعة المقدسة.

المقام الأول في مقتضى القاعدة عند فقد المجتهد للشرائط

لا يخفى ان فقد الشرائط على نحوين:

فتارة يكون موجبا لزوال الرأي الموجب لزوال العنوان كزوال العقل، و قوة الاجتهاد، فان المجنون و من زال عنه قوة الاجتهاد لطعن في السن مثلا بحيث

______________________________

(1) الشيخ الجليل الثبت حسين بن روح أحد النواب الناحية المقدسة.

(2) هو كنية محمد بن على الشلمغاني

(3) تنقيح المقال ج 3/ 157

(4) الدروس ج 1/ 168

(5) مدارك العروة الوثقى ج 1/

98

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 162

..........

______________________________

اختل فهمه لا يصدق عليه عنوان الفقيه.

و اخرى يكون موجبا لزوال الوصف مع بقاء الرأي كزوال الايمان، و العدالة.

و مقتضى الأصل العملي في كلا القسمين عدم الحجية لاحتمال دخل الشروط المذكورة في صحة التقليد استدامة كدخلها فيه ابتداء.

و قد أشرنا ان ظاهر الأمر المتعلق بتقليد الفقيه العادل ثبوت الرأي المضاف الى الفقيه العادل حال تعلق العمل و الا كان عملا بغير الرأي أو برأى غير الفقيه، و مثله غير قابل للإطلاق لصورة زوال الرأي بالموت، و الجنون، أو اختلال الفهم، ضرورة ان المطلق لا بد من ثبوته في مراتب الإطلاق، و المفروض ان رأى الفقيه العادل هو مورد الأمر بالعمل.

و لكن ناقش: بعض الأساطين دام ظله: «بان المستفاد مما دل على وجوب الرجوع الى الفقيه، و السؤال من أهل الذكر هو لزوم صدق العنوان عليه حال تعلم الأحكام منه لا حال العمل بفتواه و من هنا قلنا بان جواز البقاء على تقليد الميت هو مقتضى الأدلة اللفظية، و انه لا يحتاج فيه الى الاستصحاب.

و مع قطع النظر عن الإطلاقات يكفينا السيرة العقلائية على العمل بالرأي السابق فيأخذ بها فلا بد من ملاحظة الأدلة المعتبرة الدالة على اعتبار الشرائط المذكورة من العقل و الاجتهاد و الايمان و العدالة فإن كان لها إطلاق يشمل صورة الاستدامة يكون مقيدا للإطلاق و رادعة عن السيرة» «1».

قلت: و لا يخفى انه لا يبعد ان يكون قوله عليه السّلام خذوا ما رووا و ذروا ما رأوا رادعا عن العمل بفتوى من صار مخالفا و منحرفا.

و من العجيب قوله دام ظله: «ان قوله عليه السّلام ذلك لا يصلح ان يكون رادعا

عن العمل بفتوى من صار مخالفا إذ المراد ان سوء عقيدتهم في أصول الدين لا يضر بأخذ رواياتهم التي رووها حال الاستقامة» «2».

______________________________

(1) الدروس ج 1/ 169

(2) الدروس ج 1/ 169

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 163

..........

______________________________

بداهة انه كما يستفاد ذلك فكذلك يستفاد منه عدم جواز العمل بارائهم المعمولة عليها حال استقامتهم أيضا و لعله واضح فتدبر.

المقام الثاني في مقتضى مذاق الشريعة المقدسة عند فقد الشرائط

و لقد أجاد بعض الأساطين دام ظله حيث قال:

«ان المعلوم من مذاق الشرع ان من زال عقله، أو علمه، أو عدالته، أو ايمانه المستلزم ذلك نقصه، و تزول مقامه، لا يليق بمنصب الزعامة و المرجعية في الدين، و لا يقاس شي ء من ذلك بالموت فإنه كمال للمؤمن من ورقي له من عالم الى عالم آخر فجواز البقاء على تقليد الميت لا يلازم جواز البقاء على تقليد المجنون، و العامي، أو الفاسق، أو المخالف، و هذا الوجه هو العمدة في اعتبار هذه الشروط حدوثا و بقاءا» «1» فتحصل ان ما افاده الماتن في المسئلة لا غبار عليه بالنسبة الى غير الموت.

______________________________

(1) الدروس ج 1/ 170

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 165

[مسئلة 25- إذا قلد من لم يكن جامعا]

مسئلة 25- إذا قلد من لم يكن جامعا و مضى عليه برهة من الزمان كان كمن لم يقلد أصلا (1) فحاله حال الجاهل القاصر أو المقصر.

______________________________

(1) حسب ما فصلناه في المسئلة السادسة عشر، و تطبيقه على المقام هو انه ان كان تقليده على الموازين المقررة شرعا، فان كان عمله مطابقا للواقع، أو لفتوى من يجب تقليده فعلا فيصح، و لا شي ء عليه، و الا فعليه الإعادة، أو القضاء، إلا إذا قام الدليل على الاجتزاء به كما في غير الخمسة المستثناة من حديث لا تعاد في باب الصلاة بناءا على عدم اختصاصه بالسهو و النسيان- كما لا يبعد- و كذا إذا لم يكن عمله على الموازين و لكن وافق الواقع أو من يجب عليه تقليده فعلا.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 166

..........

______________________________

أقول: لا يخفى ان تقليد من لم يكن واجدا للشرائط بمنزلة من لم يقلد لبطلان

المشروط بشي ء بفقدان شرطه، بل لعله من مصاديق عدم التقليد، فعليه يكون حاله حال الجاهل القاصر، أو المقصر، فان كان تقليده لغير الواجد للشرائط عن حجة و دليل- بان علم واجديته للشرائط، أو قامت البينة مثلا عليه- فانكشف خلافه فيكون بحكم الجاهل القاصر و الا فيكون بحكم الجاهل المقصر.

فاذا قول الماتن (قدس) ان حاله حال الجاهل القاصر، أو المقصر إشارة الى ان تقليد غير الواجد على نحوين فتارة يكون عن قصور في ذلك، و اخرى يكون عن تقصير، فلفظة (أو) العاطفة في قوله: كجاهل القاصر أو المقصر للتقسيم، لا للترديد كما لعله ربما توهم.

و قد عرفت في ذيل مسئلة 16 ما هو المختار في اعمال الجاهل بقسميه، و لا بأس بالإشارة الى ما هو المتحصل مما ذكرناه، و هو انه ان كان معذورا في تقليد غير الواجد فان كانت اعماله مطابقة للواقع، أو لفتوى من تكون وظيفته المراجعة إليه فعلا فتصح اعماله و لا شي ء عليه، بل و كذا لو لم يكن معذورا يكتفى بإعماله في الصورتين و لا شي ء عليه.

و اما في صورة عدم المطابقة فتكون اعماله باطلة إلا إذا قام الدليل على الاجتزاء بما اتى به كحديث لا تعاد في باب الصلاة حيث دل قول ابى جعفر عليه السّلام كما في صحيح زرارة لا تعاد الصلاء الأمن خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع و السجود «1»

______________________________

(1) الوسائل باب 9 من أبواب القبلة ح/ 1

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 167

..........

______________________________

على عدم إعادة الصلاة إذا أخل بغير الخمسة المستثناة، إذا لم نقل باختصاصه بصورتي السهو و النسيان، فان كان تقليده لغير الواجد مستلزما لترك جزء أو شرط

غير الخمسة المستثناة فلا يحتاج إلى الإعادة في الوقت و القضاء خارجه، و ان كان الإخلال بالخمسة المستثناة فيحب الإعادة أو القضاء على تفصيل مقرر في محله.

و اما ان قلنا اختصاص لا تعاد بصورتي السهو و النسيان كما ينسب الى المشهور فتجب الإعادة أو القضاء في المفروض.

تفصيله يطلب من غير المقام، و سنتعرض بمناسبة تعرض الماتن (قدس) لمسائل ترتبط باعمال صدرت من المكلف لاعن تقليد، أو لاعن تقليد صحيح، أو عند تبدل التقليد، أو تبدل الرأي و الاجتهاد الى غير ذلك- بعض ماله نفع للمقام فارتقب.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 169

[مسئلة 26- إذا قلد من يحرم البقاء على تقليد الميت فمات]

مسئلة 26- إذا قلد من يحرم البقاء على تقليد الميت فمات و قلد من يجوز البقاء (1) له ان يبقى على تقليد الأول في جميع المسائل (2) إلا مسئلة حرمة البقاء.

______________________________

(1) بالمعنى الأعم الشامل لوجوب البقاء إذا كان الميت اعلم، و وجوب العدول إذا كان الحي اعلم.

(2) بل في جميع المسائل التي عمل بها كما تقدم.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 170

..........

______________________________

أقول: تقدم ان المراد بجواز البقاء: الجواز بالمعنى الأعم الشامل للوجوب فان قلنا بوجوب تقليد الأعلم و كان الميت اعلم يجب البقاء، و ان كان الحي اعلم يجب العدول و الا يكون مخيرا.

و قد تقدم أيضا انه بطرو الموت على المجتهد يسقط آرائه عن درجة الاعتبار و لا يتكون صالحة للاحتجاج من غير فرق في ذلك بالنسبة إلى سائر المسائل التي افتى بها أو خصوص مسئلة حرمة البقاء فلا بد للعامي بعد موت مقلده ان يرجع الى الحي الواجد للشرائط فان افتى بجواز البقاء على تقليد الميت فيصح البقاء في جميع المسائل

غير مسئلة حرمة البقاء.

اما صحة البقاء في سائر المسائل فواضحة، و اما عدم الصحة بالنسبة إلى مسئلة حرمة البقاء فلاستحالة شمول فتوى الحي بجواز البقاء لمسئلة حرمة البقاء.

و ذلك لان البقاء على تقليد اما يكون محرما في الشريعة، أو يكون جائزا، و لا ثالث لهما.

فان كان محرما في الشريعة فتكون فتوى الحي بجواز البقاء على تقليد الميت غير حجة فكيف يمكن إثبات حجية فتوى الميت بها، و ان كان البقاء جائزا فيها ففتوى الميت بحرمة البقاء غير حجة.

و المتحصل من ذلك ان فتوى الميت بحرمة البقاء لا يحتمل ان تكون حجة في الواقع حتى يثبت حجيتها بفتوى الحي فلا يعقل شمول فتوى الحي بالجواز بفتوى الميت بالحرمة و مع عدم شمول فتوى الحي بالجواز لمسئلة حرمة البقاء يتعين ان تكون شاملة لسائر المسائل الفرعية من دون تزاحم.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 171

[مسئلة 27- يجب على المكلف العلم باجزاء العبادات]

مسئلة 27- يجب على المكلف العلم باجزاء العبادات و شرائطها، و موانعها، و مقدماتها، و لو لم يعلمها لكن علم إجمالا ان عمله واجد لجميع الاجزاء و الشرائط، و فاقد للموانع صح (1) و ان لم يعلمها تفصيلا.

______________________________

(1) يعني في مقام الإحراز و لا ثالث لهما فلا ينافي هذا ما تقدم من الصحة بمجرد تطابق العمل للواقع، أو الطريق المتعين عليه أخذه و ان لم يعلم ذلك تفصيلا أو إجمالا فما علق في المقام خارج عن مفروض المتن

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 172

..........

______________________________

أقول: تقدم في أوائل الجزء الأول من الكتاب: ان لنا علما إجماليا بوجود أحكام إلزامية في الشريعة المقدسة، و تلك الأحكام منجزة علينا، و مقتضى ذلك لزوم تحصيل

العلم بالفراغ منها، و لا يكاد يحصل ذلك الا بالعلم بإجزاء العبادة، و غيرها من الأمور المعتبرة فيها و لولاه لم يحصل له الأمن من احتمال العقاب، و العقل يلزمه بذلك الوجوب: اما لدفع الضرر المحتمل، أو وجوب شكر المنعم حسبما فصلناه فلاحظ و ليعلم انه بعد تمامية البيان من قبل الشريعة و استقلال العقل بلزوم تعلم اجزاء الواجب من باب المقدمة لامتثال التكليف المنجز، و عدم جريان البرائه العقلية أو النقلية لا يكاد يفرق العقل بين كون التعلم مقدمة علمية لامتثال التكليف المنجز، أو مقدمة وجودية له بحيث لا يمكنه الإتيان بالواجب الا بالتعلم، و ذلك كما في الجاهل باللغة العربية فإنه لا يتمكن من الإتيان بالقراءة الا بتعلم اللغة، فالتعلم عند ذلك من المقدمات الوجودية.

و ذلك اما إذا كان التعلم و المعرفة مقدمة علمية لامتثال التكليف فلانة لا إشكال في حكم العقل بلزوم التعلم بعد صيرورة الواجب مطلقا بشرائطه العامة و الخاصة و ذلك واضح.

بل يجب ذلك قبل تحقق الشرط أو الوقت إذا كان المكلف عالما من نفسه عدم التمكن من التعلم بعد الوقت أو بعد تحقق الشرط.

نعم إذا كان بحيث يمكنه التعلم بعد الوقت أو بعد تحقق الشرط فلا يجب التعلم قبلهما، و من هنا لا يتعلم بعض الحجاج واجباتهم في الحج قبل الاستطاعة بل قبل الاشتغال بالمناسك لإمكان تعلمهم حال إتيانهم المناسك فيحصل لهم بذلك العلم

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 173

..........

______________________________

بالامتثال.

و حيث ان معرفة الواجب على نحوين فتارة يكون بالعرفان التفصيلي، و اخرى بالعرفان الإجمالي، و غاية ما يقتضيه حكم العقل هو لزوم المعرفة بالأعم من التفصيلي و الإجمالي، و قد تقدم صحة الامتثال

الإجمالي مع التمكن من التفصيلي منه خلافا لمن أبطل عمل تاركي طريقي الاجتهاد و التقليد، و قلنا انه لا يعتبر في العبادة سوى الإتيان بالعمل مضافا اليه تعالى و واضح ان هذا المعنى متحقق في موارد العمل بالاحتياط.

فاذا فرض ان المكلف لو لم يحصل له العلم بإجزاء العبادة و شرائطها يتمكن من الاحتياط و الإتيان بالعمل واجدا لجميع اجزائه و شرائطه و فاقدا لموانعه على وجه يقطع بحصول الامتثال فيصح الاكتفاء بذلك و الى ما ما ذكرنا أشار الماتن (قدس) بقوله (و لو لم يعلمها تفصيلا).

و اما إذا لم يتمكن من الاحتياط اما لضيق الوقت أو لدوران الواجب بين أمرين لا يمكن جمعها في زمان واحد- كما إذا علم إجمالا بوجوب الوقوف في زمان معين في العرفات أو المشعر الحرام- فيجب عليه التعلم قبل وقت الواجب.

هذا إذا كان التعلم و المعرفة مقدمة علمية لامتثال التكاليف.

و كذا إذا كان مقدمة وجودية لذات الواجب كما أشرنا في مسئلة تعلم القراءة فإنه إذا لم يتمكن من الإتيان بالقرائه الا بتعلم اللغة فلا إشكال في وجوبه بعد دخول وقت الصلاة الواجبة عقلا بل شرعا على القول بوجوب المقدمة.

و اما قبل وقت الواجب فان علم بعدم التمكن من التعلم بعد الوقت فيجب قبله أيضا لئلا يستلزم ترك الواجب في وقته مع ان أدلة وجوب التعلم مطلقة غير مشروطة بدخول وقت الواجب أو تحقق شرطه و يستحق العقاب بتركه من غير فرق في ذلك بين كون التعلم واجبا نفسيا أو طريقيا.

اما على الأول: فواضح ضرورة ان العقل يحكم بلزوم التحفظ على التكليف

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 174

..........

______________________________

الفعلي فيجب التعلم نفسا و ان لم تجب

الصلاة بعد.

و اما على الثاني: فكذلك لان العقل كما يستقل بلزوم التحفظ على التكليف الفعلي فكذلك يستقل بلزوم التحفظ على ملاك الحكم الملزم في وقته لان تفويت ملاك الحكم كتفويت التكليف قبيح لدى حكم العقل و موجب لاستحقاق العقاب لما ذكرنا غير مرة ان ملاك الحكم روحه، و ما به قوامه فمعه لا يسوغ له ترك التعلم قبل الوقت أو قبل تحقق الشرط.

و بالجملة مقتضى إطلاق أدلة وجوب التعلم وجوبه سواء كان بعد فعلية الواجب و تحقق شرطه أو قبل ذلك و لكن كان بحيث يستند ترك الواجب في ظرفه الى ترك التعلم من غير فرق في ذلك بين كون التعلم واجبا نفسيا، أو طريقيا.

و قد تقدم بعض الكلام فيما هو الظاهر من الأدلة في وجوب التعلم فلاحظ هذا كله إذا علم المكلف ابتلائه بالواجب بعد فعليته و تحقق شرطه.

و اما من احتمل الابتلاء بذلك قبل ذلك فيجب عليه التعلم، أو يجري في حقه البراءة بقسميها أو خصوص العقلي منها؟ وجوه.

و الأوجه: الوجوب و عدم جريان البراءة بقسميه إذا كان الابتلاء احتمالا عقلائيا و ذلك لما أفيد بأنه لا يكاد يفرق العقل بين صورة العلم بالابتلاء في المستقبل أو احتماله لوحدة الملاك في الجميع و هو وجوب دفع الضرر المحتمل مع عدم الأمن من العقاب على مخالفة التكليف المنجز في ظرفه بتركه التعلم ان لم نقل بعقاب المتجزى و الا فمعاقب على كل تقدير.

و بالجملة كلما وصلت النوبة إلى وظيفة العبد بعد تمامية وظيفة المولى لا سبيل الى البراءة العقلية و في المقام تم نظام الوظيفة من قبل المولى ببيان أحكامه و جعلها في مورد لو فحص المكلف عنها لظفر بها فاذا لا بد للعبد

من القيام بوظيفته في الخروج عن عهدة التكاليف المتوجهة اليه، و ذلك بالفحص عنها في مظانه فلا مجال للبراءة العقلية مع احتمال الابتلاء في المستقبل، و كذا البراءة الشرعية فإن

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 175

..........

______________________________

مقتضى إطلاق قوله عليه السّلام: رفع ما لا يعلمون شموله للمقام الا انه لا يكاد يقاوم مع ما دل على وجوب التعلم، و استحقاق العقاب على مخالفة التكليف الواقعي إذا كانت مستندة الى ترك التعلم.

فتحصل: انه فيما إذا احتمل المكلف احتمالا عقلائيا ابتلائه بحكم أو أحكام في المستقبل لا سبيل إلى شي ء من البرائتين، فمقتضى إطلاق الأدلة وجوب التعلم مطلقا بعد دخول الوقت و تحقق الشرط أو قبلهما سواء علم بابتلائه بالواجب في المستقبل أم لا.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 177

[مسئلة 28-: يجب تعلم مسائل الشك و السهو بالمقدار الذى هو محل الابتلاء غالبا]

اشارة

مسئلة 28-: يجب تعلم مسائل الشك و السهو بالمقدار الذي هو محل الابتلاء غالبا (1) نعم لو اطمأن من نفسه انه لا يبتلى بالشك و السهو صح عمله (2) و ان لم يحصل العلم بأحكامها.

______________________________

(1) بل يجب تعلم مسائلها و ان لم يكن ابتلائه بها غالبا.

(2) بل يصح و لو لم يطمئن بعدم الابتلاء بهما فاتفق عدم الابتلاء، أو ابتلى فعمل على أحد المحتملات رجاء فاتفق مطابقته للوظيفة المقررة

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 178

حكم تعلم مسائل الشك و السهو المبتلى بها

______________________________

أقول: حكى عن شيخنا العلامة الأنصاري (قدس) في رسالته العملية: انه حكم بفسق تارك تعلم مسائل الشك و السهو فيما يبتلى به عامة المكلفين.

و لعل الوجه في حكمه بفسقه اما لكون التعلم واجبا نفسيا عنده- و قد نسب اليه (قدس): انه يرى ان التعلم واجب نفسي تهيئي- أو لحرمة التجري بداهة ان تارك التعلم لا يطمأن من نفسه الخروج عن عهدة التكليف بالصلاة مثلا مع مالها من أحكام الشك و السهو مع العلم إجمالا بابتلائه بها عادة.

فمن ترك التعلم يكون متجريا و متهتكا لأمر المولى بترك تعلمه، و ان لم يطرء عليه الشك و السهو لما تقرر في محله ان من أقدم على المعصية يحكم بفسقه و ان لم يصادف الواقع.

و لكن أشرنا فيما تقدم ان وجوب التعلم طريقي لا يترتب على مخالفته غير ما يترتب على نفس التكاليف المقررة، و قد عرفت في المسئلة المتقدمة ما هو الملاك، في تعلم مسائل الشك و السهو و ان حكم العقل بدفع الضرر المحتمل أو شكر المنعم يقضى بالخروج عن عهدة التكليف المتعلق بالصلاة.

و لا يخفى ان وجوب التعلم بعنوان المقدمية لإحراز صحة الصلاة- على القول

بحرمة قطع الصلاة عمدا كما هو المعروف بينهم- واضح لان الخروج عن التكليف بها يتوقف على تعلم مسائل الشك و السهو لعدم تمكنه من قطع الصلاة و استينافها، و لا يجوز له البقاء على أحد طرفي الشك و إتمامها مع الإعادة لاحتمال ان يكون المتعين في حقه هو البناء على الطرف الأخر و قد قطعها بالبناء على عكس ذلك.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 179

..........

______________________________

و بالجملة يحتمل ان يكون ما اتى به ناقصا عن الواجب، أو زائدا عليه و يكون مع الإتيان به قد نقص عن صلاته أو زاد فيها متعمدا و هو موجب للبطلان.

و اما على جواز قطع الصلاة كما ذهب اليه بعض فمقتضى ما تقدم من صحة الامتثال الإجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي عدم وجوب تعلم مسائل الشك و السهو، ضرورة أنه يمكنه الامتثال الإجمالي، و الاحتياط بالبناء على أحد طرفي الشك ثم يأتي بها على الطرف الأخر، أو يقطع صلاته و يستأنفها من الابتداء.

نعم في بعض الموارد يتعين عليه التعلم و ذلك فيما إذا لم يمكنه الاحتياط لضيق الوقت و غيره.

ثم ان وجه تقييد الماتن (قدس) وجوب التعلم بالمقدار الذي هو محل الابتلاء غالبا لعله لاستصحاب عدم الابتلاء بها في الأزمنة المستقبلة فينتج عدم وجوب تعلم المسائل المذكورة عليه.

و لكن: يمكن ان يقال بوجوب تعلم المسائل و لو لم نقل بجريان الاستصحاب المذكور بلحاظ اختصاص جريان الاستصحاب في الأمور الماضية، لدلالة الأخبار الدالة على وجوب التعلم- وجوبا طريقيا- ففي كل مورد استند ترك الواجب الى ترك التعلم فيستحق العقاب بذلك على ترك الواجب فلا مناص من الحكم بوجوب تعلم مسائل الشك و السهو حتى مع احتمال

الابتلاء.

فظهران تقييد وجوب التعلم بصورة الابتلاء كما في المتن كأنه غير وجيه.

فتحصل: انه يجب تعلم مسائل الشك و السهو اما لدفع الضرر المحتمل و ذلك في موارد العلم الإجمالي بالابتلاء، أو لإطلاقات أدلة وجوب تعلم مسائلهما لوجوبه في صورة العلم الإجمالي بالابتلاء أو احتمال الابتلاء.

حكم طرو ما لم يبتلى بالشك و السهو

بقي الكلام في قوله (قدس): نعم لو اطمأن من نفسه انه لا يبتلى بالشك، و السهو صح عمله و ان لم يحصل العلم بأحكامها.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 180

..........

______________________________

و لا يخفى ما فيه لان وجوب التعلم و استحقاق العقاب على ترك الواجب في أدائه مستندا الى ترك التعلم لا يستلزم ان تكون صحة العمل المأتي به مشروطه بصورة الاطمئنان ضرورة أنه في صورة عدم الاطمئنان إذا اتى بالعمل فاتفق عدم الابتلاء بمسائل الشك و السهو إذا ابتلى بهما فعمل على أحد الاحتمالات فاتفق كونه مطابقا للواقع، أو للحجة يكون صحيحا لما عرفت من الاجتزاء عقلا بالعمل المعلوم كونه مطابقا للواقع أو قامت الحجة على ذلك.

فتحصل: أن الاطمئنان بعدم الابتلاء لا اثر له في الصحة كما تقدم نعم له أثر في نفى العقاب فتدبر.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 181

[مسئلة 29- كما يجب التقليد في الواجبات و المحرمات]

اشارة

مسئلة 29- كما يجب التقليد في الواجبات و المحرمات (1) يجب في المستحبات و المكروهات و المباحات (2) بل يجب تعلم حكم كل فعل (3) يصدر منه سواء كان من العبادات، أو المعاملات (4) أو العاديات.

______________________________

(1) في غير الضروريات، و اليقينيات منهما.

________________________________________

لنگرودى، سيد محمد حسن مرتضوى، الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، 2 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، اول، 1412 ه ق

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد؛ ج 2، ص: 181

(2) يعني في الحكم بكونه مستحبا، أو مكروها، أو مباحا فالادعية و الأوراد المنقولة في كتب الأدعية المتداولة، إذا لم يعلم باستحبابها فلا بد لغير المجتهد التقليد في الحكم بالاستحباب، و الا يلزم التشريع المحرم.

نعم لا بأس بالإتيان بها برجاء

المطلوبية.

(3) وجوب تقليد حكم ما يصدر منه بعد العلم بعدم وجوبه، و حرمته غير ظاهر كما سيجي ء منه (قدس) في المسئلة الاتية.

(4) بالمعنى الشامل للسياسيات.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 182

لزوم التقليد في كل فعل يصدر من المكلف

______________________________

أقول: لا بد للعامي و من لم يبلغ رتبة الاجتهاد في غير الضروريات و اليقينيات في الحكم بوجوب شي ء أو حرمته أو استحبابه، أو كراهته، أو إباحته من الاستناد إلى الحجة و هي ليست الا فتوى مقلده و مرجع فتواه و الا يكون تخرصا بلغيب بل يكون تشريعا محرما.

و مقتضى العلم الإجمالي بوجود تكاليف إلزامية في الشريعة هو لزوم الاستناد إلى الحجة في فعل ما يحتمل حرمته و ترك ما يحتمل وجوبه دفعا للضرر المحتمل فلا يجوز له العمل في الصورة الاولى و لا الترك في الصورة الثانية إلا بالتقليد و الاستناد الى فتوى من يكون حجة في حقه.

و كذا يجب عليه الاستناد إلى الحجة و فتوى مقلده في ترك ما يحتمل شرطية شي ء في المعاملة أو فعل ما يحتمل مانعيته.

فاذا علم بعدم حكم إلزامي في البين كما إذا دار أمر فعل بين الاستحباب و و الإباحة، و الكراهة و لم يحتمل الوجوب أو الحرمة فلا يجب التقليد الأمن جهة التشريع و بالجملة إذا احتمل ان يكون ما هو المستحب واجبا واقعا، أو ما هو المكروه أو المباح حراما كذلك فلا بد له من تحصيل المؤمن على ترك ما يحتمل وجوبه أو ارتكاب ما يحتمل حرمته، و واضح انه لا مؤمن لمن لم يبلغ مرتبة الاجتهاد عند ذلك الا بالتقليد.

و اما إذا جزم بجواز فعل و ان لم يعلم كونه مباحا أو مستحبا، أو مكروها

الدر النضيد في الاجتهاد

و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 183

..........

______________________________

فلا يلزمه التقليد إلا إذا أراد الإتيان به بعنوان الاستحباب، أو الكراهة، أو الإباحة فيجب عليه التقليد و الا يكون الإتيان به بذلك العنوان من التشريع المحرم.

نعم إذا احتمل الوجوب، و حكما من الأحكام غير الإلزامية- كما إذا احتمل استحبابه، أو إباحته، أو كراهته- مع القطع بعدم الحرمة فحيث انه يمكنه الاحتياط و إتيان العمل برجاء الوجوب فلا يتعين عليه التقليد في مقام العمل.

كما انه لو احتمل الحرمة و شيئا من الأحكام الثلاثة مع القطع بعدم الوجوب فحيث انه يتمكن من الاحتياط لا يتعين عليه التقليد في مقام العمل.

نعم فيما إذا احتمل وجوب شي ء أو حرمته، أو إباحته، أو هما و كراهته، أو استحبابه فحيث لا يكون المورد قابلًا للاحتياط يتعين عليه التقليد.

فعلى هذا الأدعية و الأوراد المنقولة في كتب الأدعية المتداولة بين العباد ان علم كونها مستحبة يجوز ان يأتي بها بعنوان كونها مستحبة مستندة اليه تعالى و الا فلا بد من التقليد فيها ممن يصح تقليده و الا يكون من التشريع المحرم نعم لا بأس بالإتيان بها رجاء كما لا يخفى تدبر و اغتنم.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 185

[مسئلة 30- إذا علم ان الشي ء الفلاني ليس حراما]

مسئلة 30- إذا علم ان الشي ء الفلاني ليس حراما و لم يعلم انه واجب أو مباح، أو مستحب، أو مكروه يجوز له ان يأتي به لاحتمال كونه مطلوبا و رجاء الثواب، و إذا علم انه ليس بواجب و لم يعلم انه حرام أو مكروه أو مباح له ان يتركها لاحتمال كونه مبغوضا

[مسئلة 31- إذا تبدل رأى المجتهد]

اشارة

مسئلة 31- إذا تبدل رأى المجتهد لا يجوز للمقلد البناء على رأيه الأول. (1)

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 186

..........

______________________________

(1) أقول: يظهر الحال في مسئلة الثلاثين مما ذكرناه في المسئلة المتقدمة عليها فلا نحتاج إلى الإعادة أو ما يقرب منها فلاحظ.

وظيفة العامي بعد تبدل رأى مجتهده

و اما ما يتعلق بمسئلة 31 فنقول الكلام في تبدل رأى المجتهد تارة بالنسبة إلى وظيفة العامي بعد تبدل رأى مجتهده بالنسبة الى ما اتى به على رأيه السابق من حيث الإعادة أو القضاء الى غير ذلك.

و اخرى بالنسبة إلى وظيفته بالنسبة الى ما يأتي به في مستقبل الأمر.

سيأتي الكلام في الجهة الاولى في ذيل المسئلة الثالثة و الخمسين.

و اما وظيفته في الجهة الأخرى فواضح انه لا يجوز البقاء على رأيه السابق بعد انكشاف خطأ رأيه الأول بالرأي الثاني على خلافه فلا تشمله أدلة الحجية بقاءا.

و بالجملة بعد عدم بقاء الرأي السابق و انكشاف الخلاف لا يصلح للاحتجاج لوضوح اختصاص دليل رجوع الجاهل الى العالم بصورة عدم اعترافه بخطائه للواقع.

و بعبارة أوضح بعد تبدل رأى المجتهد يسقط رأيه عن الحجية و لا يصلح للاستناد اليه لا لنفسه و لا لمقلده، و رأيه السابق و ان لم يثبت خطائه للواقع للمقلد كما لم يثبت لديه موافقة رأيه اللاحق له الا انه لا يرى حجية لرأيه السابق و هو واضح.

فاذا يكون رأيه السابق المتبدل، نظير ما إذا أخبر العادل بخبر ثم بعد ذلك قال انى أخطأت في إخباري فكما لا شبهة في عدم شمول دليل حجية خبر الواحد لخبره فكذلك لا تشمل أدلة حجية الفتوى لفتواه السابقة.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 187

[مسئلة 32- إذا عدل المجتهد عن الفتوى الى التوقف و التردد]

اشارة

مسئلة 32- إذا عدل المجتهد عن الفتوى الى التوقف و التردد يجب على المقلد الاحتياط، و العدول إلى الأعلم (1) بعد ذلك المجتهد.

______________________________

(1) و قد أشرنا في المسئلة الرابعة عشر تعين الاحتياط في بعض صور المسئلة كما انه يظهر مما علقنا على المسئلة الثانية عشر عدم تعين المراجعة إلى

الأعلم بعد ذلك المجتهد إلا في بعض الموارد.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 188

وظيفة المقلد عند تبدل رأى مجتهده الى التوقف

______________________________

أقول: قد أشرنا في ذيل المسئلة الرابعة عشر تعين الاحتياط في بعض صور المسئلة، كما انه يظهر مما علقناه على المسئلة الثانية عشر عدم تعين المراجعة إلى الأعلم عند ذلك إلا في بعض الموارد.

و لا يخفى ان هذه المسئلة مع المسئلة المتقدمة ترتضعان من ثدي واحد، لاعتراف المجتهد بخطاء فتواه السابقة، و انما تفترقان في انه في المسئلة السابقة بعد تبدل رأيه يعترف بمخالفة رأيه السابق للواقع بالفتوى الثانية، و اما في هذه المسئلة و ان كان يعترف بخطاء المستند الا انه لا يعترف بمخالفة الواقع لفرض توقفه في المسئلة و ذلك واضح، فيظهر حال هذه المسئلة مما ذكرناه في المسئلة المتقدمة فلاحظ.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 189

[مسئلة 33- إذا كان هناك مجتهدان متساويان في العلم]

اشارة

مسئلة 33- إذا كان هناك مجتهدان متساويان في العلم كان للمقلد تقليد أيهما شاء (1) و يجوز التبعيض في المسائل (2) و إذا كان أحدهما أرجح من الأخر (3) في العدالة أو الورع أو نحو ذلك فالأولى بل الأحوط اختياره.

______________________________

(1) تقدم الكلام فيه في المسئلة الثالثة عشر.

(2) و لا يخفى ان التبعيض بعد القول بالتخيير انما هو إذا لم يستلزم التبعيض في العمل الواحد، أو العملين المرتبطين بطلان عمله في نظر كلا المجتهدين، و الا فلا يجوز، كما في مثل ما إذا أفتى أحدهما بوجوب السورة في الصلاة، و كفاية التسبيحات الأربعة مرة واحدة، و افتى الأخر بعدم وجوب السورة، و اعتبار التسبيحات ثلاث مرات، فصلى المقلد بلا سورة مع الاكتفاء بالتسبيحات مرة واحدة فهذه الصلاة باطلة في نظر كلا المجتهدين.

(3) مر الكلام فيه في ذيل المسئلة الثالثة عشر، و لا يخفى ان ما اختاره (قدس) هنا و ما افاده هناك

نحو تخالف.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 190

حكم صور تقليد المجتهدين المتساويين في الفضيلة

اشارة

______________________________

أقول: تقدم شقص وافر حول المسئلة ذيل المسئلة الثالثة عشر لا بأس بالإشارة هنا الى المتحصل منه فنقول: المجتهدان المتساويان في الفضيلة اما يتوافقان في الفتوى أو يختلفان فيها سواء وافقت أحدهما للاحتياط المطلق دون الأخرى أو كلتاهما موافقتان للاحتياط أو مخالفتان له.

ثم ان التبعيض في المسائل تارة يكون في أول الأمر- بمعنى انه بعد ما كان مخيرا في تقليد أيهما شاء قبل ان يقلد واحدا منهما- بين ان يكون مقلدا لواحد منهما في العبادات و للآخر في المعاملات، و اخرى عند الأخذ بآراء أحدهما في العبادات و العمل بها لم يكن المعاملات مثلا محل ابتلائه ثم صارت محل ابتلائه، و ثالثة في المسئلة الواحدة- بأن قلد أحدهما فيها تارة و قلد الأخر أخرى- أو في المسئلتين المرتبطتين.

ثم انه على القول بالتخيير في المتساويين في الفضيلة ففي صورة الرجحان لأحدهما هل يتعين الأخذ بفتواه، أولا لكنه حسن، أو يفصل بين المرجحات فكل ما يكون مثل الأورعية في الفتوى يتعين الأخذ به، و اما غيره فالأخذ به حسن فالبحث يقع في جهات.

الجهة الأولى حكم صورة توافق المجتهدين في الفتوى

يجوز تقليدهما معا كما يجوز تقليد أحدهما بعينه- اى يجوز الاستناد إليهما

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 191

..........

______________________________

كما يجوز الاستناد إلى أحدهما- سواء كانت فتواهما موافقتين للاحتياط أو مخالفتين له- لإطلاق الأدلة و ذلك واضح، و في الحقيقة تكون فتواهما كخبرين موافقي المضمون في مورد فكما يصح الاستناد إلى أحدهما يصح الاستناد إليهما.

و اما إذا اختلفا من حيث الفتوى فحيث قلنا ان الأصل الاولى و القاعدة الأولية في تعارض الخبرين هو الحكم بتساقطهما و لكن بملاحظة اخبار العلاجية و التسالم بين الأصحاب هو الحكم بالتخيير بين المتعارضين و

بعد إلحاق الفتوى بالخبر للتسالم المذكور يثبت التخيير في الأخذ بأيهما شاء، و لم يفرقوا في التخيير في ذلك بين موافقة أحدهما للاحتياط المطلق دون الأخر أو عدمها.

و ان شئت قلت كما أفيد: لا مجال لإنكار شمول إطلاقات أدلة التقليد للمتعارضين اقتضاء و الا لم يبق تحت إطلاقاتها الا أفراد نادرة لا ينبغي ان تكون هذه الإطلاقات مسوقة لها، فيكون شمول إطلاقات أدلة التقليد لهما نظير إطلاق أدلة حجية خبر الواحد، فان الخبرين المتعارضين مشمولان في حد أنفسهما لأدلة حجية الخبر اقتضاء لا فعلا و لكن يرفع تعارضهما المانع عن فعلية الشمول بالأخبار العلاجية فكذلك هنا إطلاق أدلة حجية الفتوى يشمل الفتوايين المتعارضتين اقتضاء و بضميمة الإجماع و التسالم على التخيير يحكم بالحجة الفعلية لهما على نحو التخيير.

الجهة الثانية حكم التبعيض في المسائل في الأخذ بأيهما شاء

لا يخفى انه عند عدم العلم بمخالفة المجتهدين في الفتوى يجوز للمقلد التبعيض في المسائل بأن يقلد أحدهما في مسئلة و الأخر في مسئلة اخرى فيستند في مسئلة بفتوى مجتهد، و في أخرى بفتوى مجتهد أخر، بل يجوز التبعيض في التقليد في اجزاء عمل واحد، و شرائطه- بأن يقلد أحدهما في عدم وجوب السورة في الصلاة مثلا، و يقلد الأخر في الاكتفاء بالتسبيحات الأربعة مرة واحدة- و هكذا.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 192

..........

______________________________

و السر في ذلك هو ان فتوى كلا المجتهدين حجة معتبرة فله ان يستند في اعماله إلى أيهما شاء.

و اما عند العلم بمخالفتهما في الفتوى تفصيلا، أو إجمالا فيما يعم به البلوى فبعد ما عرفت شمول إطلاق دليل التخيير للفتويين المتعارضتين فان كان التبعيض في المسائل في أول الأمر بمعنى انه بعد ما كان مخيرا في تقليد أيهما شاء

فقلد أحدهما في باب العبادات و في عرضه قلد الأخر في باب المعاملات فالظاهر انه لا مانع منه إذا المفروض حجية رأيهما له في عرض واحد و اما إذا كان التبعيض بعد الأخذ بفتوى أحدهما في العبادات مثلا و العمل بها و لم تكن المعاملات عند ذلك محل ابتلائه، ثم صارت محل ابتلائه فربما يشكل التبعيض في مثل ذلك بتوهم ان جواز التبعيض فيه مبني على كون التخيير استمراريا- و هو في حيز المنع- لأنه وظيفة من ليس له حجة و من كان متحيرا فبعد الأخذ بفتوى أحدهما خرج عن التحير فلا معنى لدعوى التخيير الاستمراري، و لا مجال لاستصحاب التخيير أيضا لانتفاء موضوعه.

و بالجملة كما عن شيخنا العلامة الأنصاري (قدس) موضوع التخيير في الخبرين المتعارضين هو المتحير و لا تحير بعد اختيار أحد الخبرين فلا استصحاب لارتفاع موضوعه.

و لكن فيه: ان مقتضى القاعدة بعد شمول إطلاق دليل التخيير لصورة العلم بالمخالفة هو جواز التبعيض في الفرض لان موضوع التخيير هو من قامت عنده الخبران أو الفتويان المتعارضتان و هو بعد الاستناد بأحدهما باق.

و بالجملة مقتضى إطلاق دليل التخيير من حيث الزمان استمرارية التخيير فإنه كما يقتضي ثبوت التخيير في الزمان الأول يقتضي التخيير في الزمان الثاني بلا فرق بين الزمانين.

و لقد أجاد المحقق الخراساني (قدس) حيث قال: «ان قضية الاستصحاب

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 193

..........

______________________________

لو لم نقل بأنه قضية الإطلاقات أيضا كون التخيير استمراريا.

و توهم ان المتحير كان محكوما بالتخيير، و لا تحير له بعد الاختيار، فلا يكون الإطلاق و لا الاستصحاب مقتضيا للاستمرار لاختلاف الموضوع فيهما فاسد فان التحير بمعنى تعارض الخبرين باق على حاله و

بمعنى أخر لم يقع في خطاب موضوعا للتخيير أصلا كما لا يخفى «1».

و قال العلامة المشكيني (ره) في التعليقة بأنه لو كان المراد من المتحير هو من قام عنده المتعارضان فهو محفوظ، و ان كان المراد المتحير في الحكم الواقعي ففيه:

أولا: منع كونه موضوعا في أدلة التخيير.

و ثانيا: انه باق بعد الاختيار أيضا و ان كان المتحير في الوظيفة الظاهرية ففيه.

أولا: منع كونه موضوعا.

و ثانيا: منع كونه قادحا في الاستصحاب بعد كون مبناه على العرف لأعلى لسان الدليل، و لأعلى الدقة و انما يقدح في الإطلاق.

و ثالثا: انه موجود بالنسبة إلى الواقعة البعدية كما لا يخفى» «2».

و اما التبعيض في مسئلة واحدة أو في مسئلتين مرتبطتين فاذا استلزم بطلان عمله في نظر كلا المجتهدين فلا يجوز ذلك كما إذا أفتى أحدهما بوجوب السورة في الصلاة و كفاية التسبيحات الأربع مرة واحدة في الركعتين الأخيرتين و افتى الأخر بعكس ذلك فأفتى بعدم وجوب السورة و اعتبار التسبيحات ثلاث مرات فصلى المقلد بلا سورة مع الاكتفاء بالمرة الواحدة من التسبيحات فهذه الصلاة باطلة في نظر كلا المجتهدين.

و بالجملة كما أفيد: «لا يتمكن من التبعيض في التقليد بالنسبة إلى مركب واحد بان يقلد أحدهما في بعض اجزائه أو شرائطه و يقلد الأخر في بعض أخر كما في

______________________________

(1) كفاية الأصول و هامشها ج 2/ 397

(2) كفاية الأصول و هامشها ج 2/ 397

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 194

..........

______________________________

المثال المفروض.

و الوجه في ذلك ان صحة كل جزء من الاجزاء الارتباطية مقيدة بما إذا اتى بالجزء الأخر صحيحا فمع بطلان جزء من الاجزاء الارتباطية تبطل الاجزاء بأسرها.

و ان شئت قلت كما أفيد: ان صحة الارتباطية

ارتباطية فاذا اتى بالصلاة فاقدة للسورة مع الاكتفاء بالمرة الواحدة في التسبيحات الأربع و احتمل بعد ذلك بطلان ما اتى به لعلمه بأنه خالف أحد المجتهدين في عدم إتيانه بالسورة كما خالف الأخر في اكتفائه بالمرة الواحدة في التسبيحات فلا محالة يشك في صحة صلاته و فسادها فلا مناص من ان يحرز صحتها و يستند في عدم إعادتها إلى الحجة المعتبرة لان مقتضى قاعدة الاشتغال لزوم الإعادة و بقاء ذمته مشتغلة بالمأموربه، و لا مجتهد يفتي بصحتها لبطلانها عند كليهما و ان كان مختلفين في مستند الحكم بالبطلان لاستناده عند أحدهما إلى ترك السورة متعمدا و يراه الأخر مستندا الى تركه التسبيحات ثلاثا و مع بطلانها عند كلا المجتهدين و عدم افتائهما بصحة الصلاة لا بد للمكلف من إعادتها و هو معنى بطلانها» «1».

الجهة الثالثة في انه على القول بالتخيير في المتساويين في الفضيلة إذا كان لأحدهما مزية هل يتعين الأخذ بفتواه أم لا؟

قد تقدم عدم وجوب تقليد الأعلم مع عدم العلم بالمخالفة في الفتوى بينه و بين غير الأعلم بل يجوز عند ذلك تقليد أيهما شاء فما ظنك في صورة تساويهما في الفضيلة.

و السر في ذلك هو ان بناء العقلاء غير المردوع عنه على مراجعة أحد المجتهدين

______________________________

(1) التنقيح ج 1/ 306

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 195

..........

______________________________

المتساويين في الفضيلة و لا يقدمون أحدهما على الأخر بمجرد كونه أورع بعد اشتمال كل منهما على ما هو الملاك في رجوع الجاهل الى العالم عندهم بل مقتضى الأدلة اللفظية من الآيات و الاخبار ذلك و لا موجب لتقييدها بالاورعية.

و اما مع العلم بمخالفتهما في الفتوى فاختلفت فتوى الماتن (قدس) في ذلك فأفتى في ذيل المسئلة الثالثة عشر باختيار الأورع، و قال هنا: ان الاولى بل الأحوط اختياره.

و قد تقدم ان

ما يستدل لترجيح الأورعية أمران:

أحدهما: مقبولة عمر بن حنظلة و غيرها من الروايات المشتملة على الترجيح بالاورعية في باب القضاء بدعوى دلالتها على ان اللازم عند المعارضة هو الأخذ بما يقوله أورعهما.

و الثاني: الإجماع على انه عند دوران الأمر في الحجة بين التعيين و التخيير يجب الأخذ بما يحتمل تعينه للقطع بحجيته و الشك في الحجية مساوق للقطع بعدمها فاذا كان أحدهما أورع فحيث يحتمل تعيين الأخذ بفتواه فيجب الأخذ به.

و لكن نوقش الاستدلال بالمقبولة و غيرها بأنها واردة في مورد القضاء و المرجح في باب القضاء لا يلزم ان يكون مرجحا في باب التقليد، و التسرية نحو قياس بل قياس نفسه كما نوقش الاستدلال بالإجماع بعدم ثبوته.

و فيه انه يدفع الأول بما يدعى ان كل ما ثبت في باب القضاء يثبت في باب الفتوى فتدبر.

و يدفع الثاني بثبوت الإجماع في كل ما دار الامر بين التعيين و التخيير بل العقل يحكم بذلك.

فاذا كلما شككنا في مدخلية شي ء في الحجية فلا بد من دخالته فيها.

و لكن الذي يسهل الخطب أن الأورعية ليست كذلك لأنه لا مدخلية لها في حجية الفتوى.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 196

..........

______________________________

نعم الأورعية إذا كانت من حيث الفتوى فلا بد من الحكم به فالأقوى التفصيل بين الأورعية حيث الفتوى و بين الأورعية في مقام العمل.

الا ان يقال ان الأورعية في مقام العمل غالبا ملازم للاورعية في مقام الفتوى فالأحوط الأخذ بما هو الأورع مطلقا و اللّه العالم.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 197

[مسئلة 34- إذا قلد من يقول بحرمة العدول حتى إلى الأعلم]

اشارة

مسئلة 34- إذا قلد من يقول بحرمة العدول حتى إلى الأعلم ثم وجد اعلم من ذلك المجتهد فالأحوط

(1) العدول الى ذلك الأعلم، و ان قال الأول بعدم جوازه.

______________________________

(1) بل الأقوى مع العلم بمخالفتهما في الفتوى ان كانت فتوى الأعلم وجوب العدول، و ان كانت فتواه حرمة العدول فلا يجوز له العدول.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 198

حكم من أفتى بحرمة العدول ثم وجد من هو اعلم منه

______________________________

أقول: تقدم منا شقص من الكلام حول مسئلة العدول ذيل مسئلتي العاشرة و الحادية عشر فلاحظ.

ربما يستظهر من المتن انه بصدد بيان ان المكلف إذا قلد مجتهدا يفتي بحرمة العدول مطلقا حتى إلى الأعلم في نفس مسئلة حرمة العدول، و تصويره على مبني الماتن (قدس) في معنى التقليد واضح حيث انه يرى ان التقليد عبارة عن الالتزام بالعمل بقول مجتهد معين، و ان لم يعمل بعد فالالتزام بالعمل بما فيه يكفى عنه في تحقق التقليد فالمعنى ان من قلد و التزم بالعمل بفتاوى مجتهد يرى حرمة العدول مطلقا فهو مقلد إياه في نفس المسئلة.

و لكن الظاهر انه (قدس) بصدد بيان انه إذا كان مجتهد يفتي بحرمة العدول و لم يكن فيه تعرض للتقليد في نفس مسئلة حرمة العدول فالمكلف حيث كان وظيفته تقليد المجتهد الجامع للشرائط فكما يجب تقليده في سائر اعماله و شئونه فكذلك في نفس مسئلة حرمة العدول، و معنى تقليده فيها هو عدم جواز العدول عنه الى غيره ما دام يكون المجتهد واجدا للشرائط فاعتبار فتاويه و من جملتها- فتواه بحرمة العدول- رهين حجية فتواه.

و حيث ان الماتن (قدس) لم يفتي بلزوم تقليده الأعلم بل احتاط فيه و لا فرق في ذلك عنده حدوثا و بقاءا فبعد مضى برهة من الزمان من تقليد المجتهد الكذائي إذا وجد من هو اعلم منه فحيث ان وظيفته تقليد الأعلم و

لو استدامة فيحتاط بالمراجعة إلى الأعلم لعدم حجية فتوى الأول عند وجدان الأعلم.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 199

..........

______________________________

و اما على ما استظهرناه من لزوم تقليد الأعلم في صورة العلم بالمخالفة فيجب عليه العدول إلى الأعلم.

و السر في ذلك كما أشرنا غير مرة هو استقلال عقل العامي في كل ما دار الأمر عنده بين التعيين و التخيير في مقام الاحتجاج بالأخذ بالتعيين فهذا الارتكاز منه يدعوه الى لزوم دق باب الأعلم و العمل بفتياه فما دام يرى العامي لزوم تقليد الأعلم ابتداء و استدامة يجب عليه العدول في المفروض، فكما لا يجوز تقليد غير الأعلم القائل بحرمة العدول ابتداء فكذلك لا يجوز البقاء عليه عند وجدان من هو اعلم منه.

نعم لو تردد العامي في لزوم تقليد الأعلم بقاءا- بان احتمل تعين البقاء- بحيث احتمل الفرق بين تقليد الأعلم ابتداء و العدول اليه من غير الأعلم فيدور الأمر عنده بين تعينين لأنه في المفروض كما يحتمل تعين الرجوع الى الأعلم يحتمل تعين البقاء على المجتهد الأول فالواجب عليه الاستناد الى كلا المجتهدين مع موافقتهما في الفتوى و العمل بأحوط القولين مع مخالفتهما فيها لاستقلال عقله بان في الاحتياط أمنا من العقاب على كل حال.

فتحصل ان الأقوى هو العدول إلى الأعلم مع العلم بالمخالفة و لكن المتردد لا مناص له الا الأخذ بأحوط القولين.

هذا إذا كانت فتوى الأعلم وجوب العدول.

و اما إذا كانت فتواه عدم جواز العدول فلا يجوز العدول من الأول بل يجب على العامي البقاء على تقليده بمقتضى فتوى الأعلم و لا بد من مراعاتها سعة و ضيقا فقد يعتبر الأعلم في حرمة العدول: العمل بالفتوى، و قد يعتبر فيها

التعلم، و قد يكتفى فيها مجرد الالتزام، فالعبرة بفتواه سعة و ضيقا لا بفتوى غير الأعلم.

هذا ما يقتضيه الاعتبار في المسئلة، و اما ما أفاده العلامة الحكيم (قدس) فغير ظاهر كما ان تشقيقه للمسئلة صورتين كأنه لا يثمر ثمرة و لا يغني من جوع فلاحظ «1»

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى ج 1/ 63

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 201

[مسئلة 35- إذا قلد شخصا بتخيل انه زيد فبان عمرا]

اشارة

مسئلة 35- إذا قلد شخصا بتخيل انه زيد فبان عمرا، فان كانا متساويين في الفضيلة، و لم يكن على وجه التقيد صح (1) و الا فمشكل.

______________________________

(1) في صورة عدم العلم بالمخالفة و لو إجمالا، و ان كان على وجه التقييد، بل يصح في صورة العلم بالمخالفة، و لكن إذا كان عمله مطابقا لأحوط القولين، أو تبين كون المبان اعلم.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 202

حكم من قلد شخصا ثم تبين خلافه

______________________________

أقول: اختلف انظار الأصحاب في المسئلة فمنهم من يرى صحة التقليد و ان كان على وجه التقييد، و منهم من فصل بين صورتي التقييد و عدمه فيرى انه في صورة التقييد كمن لم يقلد، و بعضهم كالماتن (قدس) أشكل في صورة التقييد، و منهم من يرى عدم الإشكال في عمله إذا ظهر اعلمية عمرو مطلقا و ان كان على وجه التقييد.

و يظهر من العلامة الحكيم (قدس) الإشكال في فرض التقييد ان كان التقليد هو العمل و قد كان المجتهدان متفقين في الفتوى نعم مع الاختلاف فيها، أو القول بان التقليد هو الالتزام يكون الفرض ظاهرا «1».

و لعل وجه الاشكال كما أفيد هو ان العمل عند ذلك يكون مطابقا لفتوى كليهما و لا اثر للتقييد في حقيقة التقليد على هذا المبنى فيكون تقليد عمرو بعينه تقليدا لزيد.

و لكنه: يندفع بان التقليد على المبنى ليس مجرد العمل بل العمل عن استناد الى فتوى المجتهد و الاستناد فعل اختياري قائم بالنفس فان كان للتقليد أثر في المقام فلا فرق فيه بين ان يكون التقليد هو العمل، أو الالتزام و بين ان يتفقا في الفتوى أو يختلفا فيها و ان لم يكن له اثر- كما هو الصحيح- فكذلك على

جميع التقادير اه «2».

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى ج/ 46

(2) الدروس ج 1/ 18

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 203

..........

______________________________

و ليعلم ان معنى تقليد شخص على نحو التقييد معناه انه لا يريد كما في المثال الا تقليد زيد بخصوصه و لا يقصد تقليد عمرو بوجه، كما ان معنى تقليده على نحو الداعي هو انه إذا كان بحيث لو علم ان من قلده عمرو كان يقلده أيضا و لكن تخيل انه زيد.

و لا يخفى ان تحقق العناوين على ضربين فتارة لا يكاد يتحقق العنوان و المأمور به في الخارج الا بقصده فلو قصد الخلاف يكون مخلا بتحقق العنوان كعنوان الأدائية و القضائية فمن صلى أداء بتخيل دخول الوقت بحيث لو كان عالما بعدم دخول الوقت لما صلاها أو صلاها قضا فاذا انكشف وقوع الصلاة قبل الوقت بطلت صلاته لان الميز بين الصلاتين- الأدائية و القضائية- بالقصد فما وقع لم يقصد و ما قصد لم يقع.

و اخرى لا يكون قصد الخلاف مخلا بتحقق المأمور به كما إذا صلى صلاة الظهر في ساعة معينة من يوم بقيد انه يوم الجمعة بحيث لو لم يكن يوم الجمعة لم يصلى في تلك الساعة فلا يوجب انكشاف الخلاف بطلان الصلاة إذا لا يعتبر في حد المأمور به سوى تحقق عنوان الظهر مستندا اليه تعالى، المفروض تحققه.

و التقليد من قبيل الثاني لأن تحقق عنوان التقليد هو الاستناد الى فتوى المجتهد في مقام العمل و اما قصد انه زيد فلا دخل له في تحققه انما هو في أمر خارج عن ذلك.

ففي صورة تساوى زيد و عمرو في الفضيلة حيث تكون فتوى كل منهما حجة في حقه فبأيهما استند في

مقام العمل يكفي في تحقق عنوان التقليد فيكون التقييد في أمر خارج عن تحقق العنوان.

نعم إذا كان تقليده عمرو بتخيل انه زيد مع العلم باعلمية زيد و العلم بمخالفتهما من حيث الفتوى تفصيلا أو إجمالا فلا يكون تقليده صحيحا و ان كان بنحو الداعي لعدم

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 204

..........

______________________________

حجية قول عمرو في هذا الحال و يكون كمن لم يقلد.

فالحقيق: التفصيل بين كون زيد اعلم من عمرو مع بمخالفتهما من حيث الفتوى تفصيلا أو إجمالا و بين تساويه معه في الفضيلة ففي صورة الثاني يصح و ان كان على وجه التقييد و لا يصح في الصورة الاولى و ان كان على وجه الداعي.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 205

[مسئلة 36- فتوى المجتهد يعلم بأمور]

اشارة

مسئلة 36- فتوى المجتهد يعلم (1) بأمور (2) الأول ان يسمع منه شفاها الثاني ان يخبر بها عدلان. الثالث إخبار عدل واحد بل يكفي إخبار شخص موثق يوجب قوله الاطمئنان (3) و ان لم يكن عادلا الرابع الوجدان في رسالته (4) و لا بد و ان تكون مأمونة من الغلط.

______________________________

(1) اى يثبت

(2) و من طرق ثبوتها العلم، أو الاطمئنان الحاصل من إخبار جماعة و ان لم يكونوا عدولا، و لا ثقاة، أو غيره.

(3) بل تثبت و ان لم يوجب إخبار الثقة الاطمئنان كما انه تثبت بالاطمينان و ان لم يكن حاصلا من إخبار الثقة.

(4) المؤلفة من شخص نفسه، أو غيره لكن لاحظها المجتهد و أمضاها أو كان المؤلف ثقة مأمونا و ان لم يلاحظها المجتهد و لم يمضها.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 206

طرق إثبات الفتوى

اشارة

______________________________

أقول: ذكر (قدس) طرقا لإثبات فتوى المجتهد، و ينبغي ان يضاف إليها طريقا خامسا، و هو الاطمئنان الحاصل بالشياع بين أنديه المتشرعين و غيره.

و كيف كان:

ثبوت الفتوى بالسماع من المجتهد

اما ثبوت الفتوى بالسماع من المجتهد شفاها فواضح لتطابق بناء العقلاء و الآيات، و الأخبار على ذلك بداهة ان بنائهم على ان الطبيب مثلا إذا قال شيئا في علاج مريض لا يسئل عن الدليل على ان ما أخبر به مطابق لتشخيصه و نظره أم لا.

و بالجملة بعد حجية قول الخبير لا يتوقفون في العمل بما يسمعون منه في حكاية ما يخبر به عما يعتقد به.

و كذا قوله تعالى فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ان كان من أدلة المقام يدل على حجية قول أهل الذكر و كذا غيره من الآيات.

و كذا الأخبار الواردة في الإرجاع إلى روات الأحاديث و فقهائهم، و الأخبار الواردة في الارجاعات الخاصة مثل الإرجاع إلى زرارة، و يونس بن عبد الرحمن، و زكريا بن أدم و نظرائهم فإنها تدل بوضوح على حجية الأجوبة الصادرة منهم.

و لا يخفى ان كلام الفقيه المسموع منه حجة بظواهر كلامه و ان لم يفد الظن الشخصي بمراده فضلا عن الوثوق و الاطمئنان به بل يكون ظاهر مقاله حجة و لو مع

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 207

..........

______________________________

الشك في المراد بل يمكن القول بحجيته و لو مع الظن غير المعتبر بخلافه.

و السر في ذلك كله هو حجية الظواهر مطلقا- ظن فعلا بالمراد أم لم يظن- ظن بالخلاف بالظن غير المعتبر أم لا.

ثبوت الفتوى بإخبار العدلين

و اما ثبوت الفتوى بإخبار العدلين فلما تقدم مفصلا من عموم حجية البينة في جميع أبواب الفقه إلا في موارد خاصة لم تتجاوز عن عدد رءوس الأصابع كما في موارد الشهادة بالزنا و اللواط فاعتبر شهادة أربع رجال عدول، و الشهادة على الميت فاعتبر ضم اليمين بالبينة الى غير ذلك و ما

نحن فيه لم يكن من موارد المستثناة و هو واضح.

ثبوت الفتوى بإخبار العدل الواحد

و اما ثبوته بإخبار العدل الواحد فان قلنا بثبوت الموضوعات كالأحكام بإخبار العدل الواحد فواضح، و اما على المختار من عدم ثبوتها بإخباره فيمكن إثبات الفتوى به و ذلك لان الإخبار عن الفتوى إخبار عما هو من شئون الأحكام الشرعية لأنه في الحقيقة إخبار عن قول الامام عليه السّلام مع الواسطة، و لا فرق في ذلك بين ان يتضمن نقل قول المعصوم عليه السّلام ابتداء و بين ان يتضمن نقل الفتوى التي هي الإخبار عن قوله عليه السّلام لان ما دل على حجية إخبار العدل عن الامام عليه السّلام غير قاصر الشمول للإخبار عنهم مع الواسطة.

و بالجملة الإخبار عن الفتوى داخل في عنوان الإخبار عن الحكم حيث لا فرق فيه بين ان يكون إخبارا عن الحكم الواقعي كما هو شأن الإخبار عن المعصومين عليهم السّلام أو عن الحكم الظاهري المستنبط من الأدلة فتشمله أدلة حجية خبر العادل.

و مقتضى أدلة حجية خبر الواحد عدم اعتبار العدالة في المخبر بل يكفي الوثاقة فخبر الثقة حجة و ان لم يكن المخبر به عادلا بل و ان لم يوجب إخباره الظن الفعلي فضلا عن الاطمئنان لما تقرر في محله ان حجية خبر الثقة بلحاظ افادته الظن النوعي فتقييد الماتن (قدس) اعتبار خبر الثقة بما إذا أوجب الاطمئنان غير وجيه الا ان يراد

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 208

..........

______________________________

بالاطمينان الاطمئنان النوعي فيكون تقييد اعتبار إخبار الموثق بإيجاب قوله الاطمئنان تفسيرا للموثق.

و بالجملة أدلة حجية خبر الواحد تدل على حجية خبر الثقة المفيد للظن و الاطمئنان نوعا أفاد الظن الشخصي فضلا عن الوثوق أم لا

فيثبت فتوى المجتهد بإخبار الثقة مطلقا.

نعم قد تثبت الفتوى بالاطمينان إذا لم يكن من جهة خبر الثقة كما إذا حصل من الشياع أو غيره.

ثبوت الفتوى بالوجدان في الرسالة

و اما ثبوت الفتوى بالوجدان في الرسالة فنقول الرسالة ان كانت بخط المجتهد فيكون وزانه وزان السماع منه شفاها بل اثبت منه كما لا يخفى.

و كذا إذا جمع الرسالة غيره و لكن المجتهد لاحظها و أمضاها.

و السر في ذلك هو عدم الفرق في إخبار الفقيه عما يعتقده و تعلق به رأيه بين ان يتلفظ به، أو يصدق ما يخبر به، أو يكتب به، أو يصدق ما يكتب به و ذلك واضح و كذا إذا جمع الثقة فتاوى المجتهد و دوّنها في موضع لأنه من باب إخبار الثقة و قد تقدم حجية إخبار الثقة و لا فرق في حجية إخباراته بين ان تكون باللفظ أو بالكتابة.

و بالجملة إذا لم تكن الرسالة بخطه و لا بإمضائه يكون من قبل إخبار العدل أو الثقة فلا بد و ان يكون الكاتب موثوقا به، أو يخبر ثقة فإن المكتوب موافق لفتوى المجتهد.

و عند ذلك يكون المكتوب حجة و ان لم يوجب الوثوق الشخصي لما تقدم من ان حجية إخبار الثقة انما هي للظن النوعي لا الشخصي منه فإن الكتابة نوع من الخبر و المناط في اعتبار خبر الثقة هو الظن النوعي.

هذا إذا لم يعلم باشتمالها على الغلط غير المغير للمعنى و لو إجمالا.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 209

..........

______________________________

و اما لو علم ذلك إجمالا فإن كانت الأطراف غير محصورة أو كان بعض أطرافها خارجا عن مورد الابتلاء فلا مانع من جريان الأصول و العمل بما فيها، و الا فلا يجوز العمل

بما في الرسالة ما لم ينحل العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي بمقدار من الغلط بحيث يكون الزائد عنه مشكوكا فيه من أول الأمر.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 211

[مسئلة 37- إذا قلد من ليس له أهلية الفتوى ثم التفت]

اشارة

مسئلة 37- إذا قلد من ليس له أهلية الفتوى ثم التفت وجب عليه العدول، و حال الأعمال السابقة حال عمل الجاهل غير المقلد (1) و كذا إذا قلد غير الأعلم وجب على الأحوط (2) العدول إلى الأعلم، و إذا قلد الأعلم ثم صار بعد ذلك غيره اعلم وجوب العدول الى الثاني على الأحوط.

______________________________

(1) حسب ما علقناه في المسئلة الخامسة و العشرين.

(2) بل على الأقوى فيها و في الصورة التالية حسب ما فصلنا في المسئلة الثانية عشر.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 212

حكم صور العدول من مرجع الفتوى الى غيره

اشارة

______________________________

أقول: ذكر (قدس) في المسئلة صور ثلاث للعدول، و لا يخفى ان التقليد الأول في الصورتين الأوليتين إما يكون على طبق الموازين المقررة في الشريعة- بأن علم، أو قامت البينة مثلا- على أهليته للفتوى، أو انه اعلم فانكشف عدم أهليته لذلك أو انه غير أعلم، أو لم يكن على الموازين.

الصورة الأولى حكم تقليد من لم يكن أهلا للتقليد بعد انكشاف الخلاف

إذا قلد من ليس له أهلية الفتوى في برهة من الزمان ثم التفت الى عدم أهليته لذلك يجب عليه العدول الى من يكون أهلا لذلك، و يكون حال اعماله السابقة حال عمل الجاهل غير المقلد من غير فرق بين كون تقليده السابق على الموازين المقررة أم لا.

و السر في ذلك بعد وضوح بطلان تقليده في الصورتين لعدم وقوع التقليد موقعه نعم فرق بينهما من جهة انه في صورة ما إذا كان تقليده السابق على الموازين كان تقليده محكوما بالصحة ظاهرا و معذورا بخلاف ما إذا لم يكن على طبق الموازين حيث يكون باطلا ظاهرا و واقعا، و غير معذور فحال اعماله السابقة حال عمل الجاهل القاصر في الصورة الاولى، و حال الجاهل المقصر في الصورة الثانية، و قد تقدم حكم عمل الجاهل بقسميه فيما تقدم فلاحظ.

و بالجملة لا يترتب اثر على تقليده السابق في كلتا الصورتين و ان كان في إحديهما

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 213

..........

______________________________

مستندا الى معذر شرعي دون الأخرى.

و التعبير بالعدول في المتن بلحاظ الاستناد في مقام العمل الذي رفع منه قصورا أو تقصيرا ضرورة أنه تحقق منه التقليد الا انه لم يقع محله.

فما في المستمسك «من انه تقليد ابتدائي لا عدول» «1» كأنه غير وجيه كما ان ما في التنقيح «من انه في صورة عدم

كون الاستناد الى معذر شرعي يكون من التقليد الابتدائي دون العدول» «2» غير مفيد.

و بما ذكرنا يظهر ضعف ما في الدروس «من حمل ما في المتن- في كون اعماله السابقة حال عمل الجاهل غير المقلد- على ما إذا لم يكن تقليده السابق على الموازين الشرعية، و الا فيدخل في كبرى مسئلة البحث عن اجزاء الحكم الظاهري إذا انكشف خلافه» «3».

توضيح الضعف هو عدم دخول المفروض في مسئلة اجزاء الحكم الظاهري عن الحكم الواقعي لأن ذلك فيما إذا كان العمل على طبق ما يكون حجة في نفسه بان كان عمله مثلا مطابقا لفتوى المجتهد الجامع لشرائط الفتوى و لكن كانت فتواه مخالفة للواقع فعند كشف الخلاف تجري مسئلة الاجزاء و عدمه و انى له؟! في المفروض الذي لم يكن المقلد أهلا للفتوى فلم يقع تقليد العامي موقعه غاية الأمر كان معذورا في تقليده السابق إذا كان على الموازين فيكون حاله حال الجاهل القاصر كما انه غير معذور فيما لم يكن على الموازين فيكون حاله حال الجاهل المقصر و بما ذكرنا يظهر ما في التنقيح أيضا فإنه و ان نفى أولا كون المفروض من كبرى مسئلة الاجزاء «4» الا ان مآل كلامه الى كونه منها فلاحظ و تدبر.

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى ج 1/ 66

(2) التنقيح ج 1/ 317

(3) الدروس ج 1/ 183

(4) التنقيح ج 1/ 316

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 214

الصورة الثانية حكم تقليد من لم يكن اعلم فانكشف الخلاف

______________________________

إذا قلد غير الأعلم فانكشف الخلاف فقال (قدس) في المتن الأحوط العدول إلى الأعلم، و نقول ان تقليده السابق ان كان على طبق الموازين المقررة أولا، فإن قلنا باشتراط تقليد الأعلم- اما فتوى أو احتياطا- فيكون وزان هذه الصورة وزان

الصورة المتقدمة لأن غير الأعلم حسب الفرض ليس واجدا لصحة التقليد. فمن احتاط في مسئلة تقليد الأعلم كالماتن لا بد و ان يحتاط بالعدول إلى الأعلم، و من افتى بلزوم تقليده يفتي بلزوم العدول، و حيث قلنا باللزوم عند المخالفة في الفتوى فنقول بوجوب العدول عند العلم بالمخالفة.

و اما اعماله السابقة فتختلف حسب المشارب في تقليد الأعلم فعلى المختار يعيد الأعمال السابقة المعلوم مخالفتها للأعلم و اما غيرها فلا يجب.

و اما على اشتراط تقليد الأعلم فتوى و احتياطا فيعيد اعماله السابقة لذلك.

الصورة الثالثة حكم من قلد الأعلم ثم صار غيره اعلم منه

إذا قلد الأعلم ثم صار بعد ذلك غيره اعلم منه فاحتاط الماتن (قدس) بلزوم العدول الى الثاني على مبناه في تقليد الأعلم، و على المختار في ذلك يجب العدول عند العلم بالمخالفة في الفتوى بينه و بين من صار اعلم.

و اما اعماله السابقة فصحيح نعم يجرى فيها حديث الاجزاء و عدمه في المسائل التي تخالفها فتوى من صار اعلم من حيث كشف الخلاف الظني.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 215

[مسئلة 38- ان كان الأعلم منحصرا في شخصين و لم يمكن التعيين]

اشارة

مسئلة 38- ان كان الأعلم منحصرا في شخصين و لم يمكن التعيين (1). فإن أمكن الاحتياط بين القولين فهو الأحوط (2) و الا كان مخيرا بينهما

______________________________

(1) و لم يظن، أو لم يحتمل اعلمية أحدهما المعين و الا يتعين الأخذ به

(2) بل هو الأقوى

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 216

حكم انحصار الأعلم في شخصين

______________________________

أقول: مقتضى القاعدة على المختار- من لزوم تقليد الأعلم في صورة العلم بالمخالفة بين الأعلم و غيره تفصيلا، أو إجمالا- هي انه كما يجب تقليد الأعلم ان كان معلوما شخصا، فكذلك عند تردده بين شخصين مثلا، و لم يمكن التعيين فإن أمكن الاحتياط فلا بد من الأخذ بأحوط القولين قضاءا للعلم الإجمالي، و ان لم يتمكن منه اما لدوران الأمر بين المحذورين- بان كانت فتوى أحدهما وجوب شي ء و فتوى الأخر حرمته- أو لعدم سعة الوقت للجمع بينهما- كما إذا أفتى أحدهما بوجوب قصر الصلاة و الأخر بوجوب إتمامها و لم يسع الوقت لهما- فلا مناص من التخيير حينئذ إذا لم يكن لأحدهما ترجيح على الأخر للعلم بوجوب تقليد الأعلم و هو مردد بين شخصين من غير ترجيح لأحدهما على الأخر فإن كان هناك مرجح لأحدهما للظن باعلميته دون الأخر فالمتعين في حقه الأخذ بفتوى من يظن باعلميته.

هذا ما تقتضيه القاعدة.

و لكن قال سيد مشايخنا (قدس): «ان ظاهر الأصحاب الاتفاق على عدم وجوب الاحتياط على العامي من دون فرق بين ان يتردد الأعلم- بين اثنين أو عشرة مثلا- و بين غيره من الفروض، و لا تبعد دعوى السيرة على ذلك لندرة تساوى المجتهدين و غلبة حصول التفاوت بينهم و لو يسيرا و شيوع الجهل بالأفضل و فقد أهل الخبرة

في أكثر البلاد و كون بنائهم على الاحتياط في مثل ذلك بعيد جدا» «1».

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى ج 1/ 63

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 217

..........

______________________________

و لكن ناقش بعض الأساطين دام ظله فيما أفاده بأن الإجماع التعبدي خصوصا في صورة العلم بالمخالفة و الأعلمية ممنوع، و هكذا السيرة، إذ المورد من الموارد النادرة التي لا يمكن تحصيل السيرة فيها إذا الغالب هو التمكن من تعيين الأعلم و لو بالأمارات الشرعية، كما عليه عمل الأصحاب في عصرنا و ما سبقه من الأعصار «1».

قلت: و الإنصاف ان الاعتبار يساعد ما ذهب اليه دام ظله و اللّه العالم.

______________________________

(1) الدروس ج 1/ 185

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 219

[مسئلة 39- إذا شك في موت المجتهد، أو في تبدل رأيه]

اشارة

مسئلة 39- إذا شك في موت المجتهد، أو في تبدل رأيه أو عروض ما يوجب عدم جواز تقليده يجوز له البقاء الى ان يتبين الحال.

مسئلة 40- إذا علم انه كان في عباداته بلا تقليد مدة من الزمان و لم يعلم مقداره، فان علم بكيفيتها و موافقتها للواقع (1)، أو لفتوى المجتهد الذي يكون مكلفا بالرجوع اليه (2)، فهو، و الا فيقضى المقدار الذي يعلم معه البراءة على الأحوط و ان كان لا يبعد جواز الاكتفاء بالقدر المتيقن.

______________________________

(1) و كذا في صورة احتمال مطابقة الواقع، أو ما بحكمه مع تمشي قصد القربة لعدم إحراز عنوان الفوت حينئذ فيكون شكافى تكليف زائد و الأصل عدمه، نعم في صورة العلم بالمخالفة كذلك إجمالا يتم ما افاده (قدس) من الاكتفاء بالقدر المتيقن، و الأحوط مع ذلك في جميع الصور الإتيان بمقدار يقطع بالبراءة.

(2) فعلا.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 220

حكم الشك في موت المجتهد أو تبدل رأيه أو عروض ما يوجب عدم جواز تقليده

______________________________

أقول: المدرك الوحيد في الفروع الثلاثة من المسئلة التاسع و الثلاثين هو الاستصحاب و لا يجب الفحص عما احتمل، لعدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية.

حكم من علم انه كان في عباداته بلا تقليد في مده و لم يعلم مقدارها

اشارة

اما توضيح الحال في مسئلة الأربعين فيستدعي البحث في مقامين: الأول في أصل وجوب القضاء على من كان حاله ذلك، و الثاني في مقدار الواجب منه على تقدير وجوب القضاء.

المقام الأول في حكم القضاء على من كان في عباداته بلا تقليد
اشارة

إذا علم انه كان في عباداته بلا تقليد في مدة من الزمان و لم يعلم مقداره فله صور ثلاث. لأنه اما يعلم كيفية اعماله السابقة، أولا، و على الأول اما يعلم موافقة اعماله للواقع، أو لما هو في حكمه، أو يعلم مخالفتها له كذلك.

الصورة الأولى حكم ما إذا علم موافقة اعماله السابقة للواقع أو ما بحكمه
اشارة

إذا علم ان إعماله السابقة موافقة للواقع أو ما بحكمه فلا يجب عليه الإعادة في الوقت، أو القضاء خارجه و ذلك واضح لأنه اتى بالواجب الواقعي، أو ما بحكمه من دون نقص- حسب الفرض- و قد حصل منه قصد القربة، و لا موضوعية للتقليد،

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 221

..........

______________________________

و المدار تحصيل الأمن من تبعات التكليف الواقعي فإن طابق المأتي به للمأمور به الواقعي، أو ما بحكمه، فيكتفى به.

و بالجملة لا يعتبر في صحة الإتيان سوى الإتيان بالعمل مضافا اليه تعالى و المفروض تحققه فلا تجب الإعادة، أو القضاء.

تبصرة في المراد بما هو بحكم الواقع

اختلف المراد بما بحكم الواقع الذي يلاحظ مطابقة المأتي به إياه فقال بعض منهم أستاذنا العلامة البروجردي (قدس) هو فتوى المجتهد الذي كان مرجعا حين العمل، و قال بعض أخر منهم الماتن (قدس) هو فتوى المجتهد الذي يكون مكلفا بالرجوع اليه فعلا، و قال ثالث منهم أستاذنا العلامة الخمينى دام ظله هو فتوى اى واحد من الفتويين (فتوى من يكون مكلفا بالرجوع اليه حين العمل أو فعلا).

و لكل منهم و جهة هو موليها و قد تقدم شقص من الكلام حوله فيما تقدم في ذيل مسئلة السادسة عشر و قد تقدم: ان المختار في المسئلة على القول بالطريقية و عدم القول بالاجزاء هو كون المدار في الحكم بصحة العمل و فساده انما هو مطابقة العمل لفتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده عند الالتفات دون المجتهد الذي كان يجب تقليده في زمان العمل- إذا كان مغايرا لفتوى من يجب تقليده فعلا- لسقوط فتواه عن الحجية بالموت أو بغيره من الأسباب فمع مطابقة عمله لما افتى به المجتهد الفعلي عند الالتفات يحكم بصحته

كما انه يحكم ببطلانه إذا خالفه.

الصورة الثانية حكم ما إذا علم مخالفة اعماله للواقع أو ما بحكمه

مقتضى القاعدة الأولوية بعد عدم مطابقة المأتي به لما هو المأمور به الواقعي أو ما بحكمه عدم الاجتزاء بما اتى به، فيلزم الإعادة لو علم بذلك في الوقت و القضاء

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 222

..........

______________________________

لو التفت به بعد الوقت كما هو الشأن في صورة تبدل الاجتهاد و العدول عن الرأي فإن القاعدة الأولوية فيها عدم الأجزاء فيلزم الإعادة، أو القضاء، و ان كان بين البابين فرق بلحاظ انه في صورة العدول حيث كانت اعماله السابقة مستندة الى الحجة غاية الأمر انكشف خلافه فيمكن القول بالاجتزاء بما اتى به للإجماع و غيره- و ان لم يتم عندنا- بخلاف المفروض حيث انه لم تكن اعماله عن حجة فلا ينبغي الإشكال في لزوم الإعادة أو القضاء.

و بالجملة مقتضى القاعدة الأولية في صورة عدم مطابقة المأتي به للمأمور به و ان كان لزوم الإعادة أو القضاء الا انه ورد في بعض المقامات ما يستفاد منه خلاف القاعدة لقول ابى جعفر عليه السّلام.

لا تعاد الصلاة الأمن خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة و الركوع، و السجود «1».

فقد دل على انه إذا فات من المصلى غير الخمسة المستثناة فلا يجب عليه إعادة الصلاة، و مقتضى إطلاقه شموله للجاهل القاصر، و المقصر غير الملتفت فيشمل المفروض، فمن لم يكن مقلدا في برهة من الزمان و كانت صلواته السالفة على خلاف الواقع، أو ما بحكمه بالنسبة الى غير الخمسة المستثناة فلا يجب عليه الإعادة، أو القضاء.

و لكن هذا على خلاف مذاق المشهور حيث خصوا الحديث بالناسي و الساهي و لكل من المذهبين و جهة هو موليها و لعلنا نشير الى

ما هو المختار في المحمل المناسب فارتقب.

الصورة الثالثة حكم ما إذا لم يعلم مخالفة اعماله السابقة للواقع أو ما بحكمه

يمكن فرض ذلك فيما إذا نسي صورة اعماله و لكن احتمل مطابقتها لأحدهما

______________________________

(1) الوسائل باب 9 من أبواب القبلة ح/ 1

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 223

..........

______________________________

مقتضى القاعدة الأولية هو التفرقة بين الإعادة و القضاء بلزوم الإعادة في الوقت و عدم وجوب القضاء بناءا على كون القضاء بأمر جديد و موضوعه الفوت و هو أمر وجودي- كما هو المختار- و سيجي ء إن شاء اللّه بيانه في محله.

و ذلك اما لزوم الإعادة في الوقت فلقاعدة الاشتغال للعلم باشتغال ذمته بالصلاة فلا بد من الخروج عن عهدة امتثاله لا محالة و حيث لم يحرز بعد فراغ ذمته عما اشغلت به فلا بد من إعادتها حتى يقطع بفراغ ذمته.

و اما عدم وجوب القضاء فلانة حيث يحتمل مطابقة اعماله للواقع أو ما بحكمه و لو من باب الصدفة، و الاتفاق فلم يحرز عنوان الفوت الذي يكون امرا وجوديا الذي يعبر عنه- بالذهاب عن الكيس.

و بالجملة حيث يحتمل ان يكون المأتي به في الوقت مطابقا للمأمور به فلم يقطع بموضوع دليل القضاء و هو فوت الفريضة في الوقت فلا يجب القضاء.

و استصحاب عدم إتيانه في الوقت لا يثبت عنوان الفوت الذي يكون ملازما لعدم الإتيان لان الفوت عبارة عن الذهاب، لا مجرد عدم الإتيان به فإثبات الفوت باستصحاب العدم مثبت.

هذا على المختار من ان القضاء بأمر جديد و كان موضوعه عنوان وجودي و هو الفوت.

و اما لو قلنا بان القضاء بالأمر الأول و ان لزوم الإتيان بالعمل في الوقت من باب تعدد المطلوب فيكفي في وجوب القضاء استصحاب التكليف.

أو قلنا بان الفوت أمر عدمي فيثبت باستصحاب عدم

إتيان الواجب في الوقت فيحرز موضوع دليل القضاء، و ان قلنا بان القضاء بأمر جديد فيثبت أيضا وجوب القضاء.

كما انه إذا فرض الكلام في غير العبادات الموقتة كالحج فيجب إتيانه.

هذا ما تقتضيه القاعدة الأولية من حيث الإعادة و القضاء على المبنيين من كون وجوب القضاء بأمر جديد أو بالأمر الأول و ان عنوان الفوت أمر وجودي أو غيره

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 224

..........

______________________________

و لكن ربما يصحح الأعمال السابقة بقاعدة الفراغ كما عن المحقق النائيني (قدس) بدعوى ان القاعدة تصحح الأعمال التي اتى بها، أو شك في مطابقتها للمأمور به من غير فرق بين كون منشأ الشك الغفلة عن الجزء أو الشرط حين الشروع جهلا بوجوبها بحيث لو فرض مطابقة المأتي به للمأمور به كان ذلك امرا اتفاقيا حصل بغير اختيار المكلف و إرادته كما في مفروض المقام، أو كان نسيانا للجزء أو الشرط بعد ما كان المكلف ملتفتا حين الشروع الى جميع الاجزاء و الشرائط المحتملة و كان بانيا على الإتيان بالعبادة حسبما هو المفروض في الشريعة.

و حاصل الوجه في مختاره (قدس) هو إطلاق أخبار قاعدة الفراغ و عدم اختصاصها بصورة ما إذا كان ملتفتا حين العمل، و يرى ان الاذكرية الواردة في بعض أخبار القاعدة- بأنه حين يتوضأ اذكر منه حين يشك- انما ذكرت حكمة للتشريع لا علة للحكم بالمضي حتى يدور الحكم مداره ليخرج صورة الجهل بوجوب الاجزاء و الشرائط.

و لكن الإنصاف: عدم استفادة الإطلاق من اخبار القاعدة لظهورها في كونها امضاء لما عليه العقلاء في أعمالهم لا تأسيس قاعدة تعبدية كما يرشد اليه قول الصادق عليه السلام:

في خبر ابن بكير: قال:

قلت له الرجل يشك بعد

ما يتوضأ قال هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك «1».

لأن في التعليل بالاذكرية إشارة إلى انه عليه السّلام ليس بصدد تأسيس قاعدة تعبدية ليؤخذ بإطلاق مقاله بل بصدد إمضاء ما عليه العقلاء في أعمالهم.

و كذا قوله عليه السّلام في خبر محمد بن مسلم:

إذا شك الرجل بعد ما صلى فلم يدر ثلاثا صلى أم أربعا

______________________________

(1) الوسائل باب 42 من أبواب الوضوء ح/ 7

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 225

..........

______________________________

و كان يقينه حين انصرف انه كان قد أتم، لم يعد الصلاة و كان حين انصرف أقرب الى الحق منه بعد ذلك «1».

فاذا لا يصح الأخذ بالإطلاق بل اللازم الاقتصار على موارد بناء العقلاء على عدم الالتفات بالشك و هي ما إذا كان منشأ الشك طرو الغفلة عن إتيان الجزء أو الشرط في الحكم بعد الالتفات بذلك حين العمل. هذا أولا:

و ثانيا: ان ظاهر قوله عليه السّلام (حين يتوضأ إلخ) و قوله (حين انصرف أقرب الى الحق منه بعد ذلك) يعطي بأن الاذكرية و الأقربية إلى الحق علة لعدم وجوب الاعتناء بالشك بعد الفراغ، فيدور مدارها وجودا و عدما لا انها حكمة فلا مجال للأخذ بالإطلاق و بما ذكرنا نقيد إطلاق بعض اخبار المقام لو كان له إطلاق كخبر حسين بن ابى العلاء قال.

سئلت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخاتم إذا اغتسلت قال حوله من مكانه، و قال في الوضوء تديره فان نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا أمرك أن تعيد الصلاة «2».

و خبر محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام قال:

كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو «3».

و خبره الأخر قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام

يقول كلما مضى من صلاتك و طهورك فذكرته تذكرا فامضه و لا اعادة عليك «4».

هذا إجمال المقال في القاعدة و تفصيله يطلب من غير المقام.

______________________________

(1) الوسائل باب 27 من أبواب الخلل في الصلاة ح/ 3

(2) الوسائل باب 41 من أبواب الوضوء ح/ 3

(3) الوسائل باب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح/ 3

(4) الوسائل باب 42 من أبواب الوضوء ح/ 6

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 226

المقام الثاني في مقدار الواجب من القضاء على تقدير وجوبه
اشارة

______________________________

فلا بد من فرض البحث فيما إذا علم بالتكليف المنجز في زمان و شك في مقداره من حيث دورانه بين الأقل و الأكثر و الا فإن رجع الشك إلى أصل ثبوت التكليف فلا اشكال و لا خلاف في ان القاعدة تقتضي البراءة.

و ذلك فيما إذا علم بأنه لم يأت بالصلاة الصحيحة طيلة زمان تكليفه الى اليوم و لكن لم يدرانه مضى من بلوغه شهر واحد أو شهران فالشك في مثله يرجع الى أصل توجه التكليف فالزائد على قضاء صلوات شهر واحد يكون مورد البراءة.

فمحط البحث ما إذا علم في المفروض انه مضى عليه شهر و كان مكلفا في تلك المدة بالصلاة و قد فاتت منه جملة من صلواتها، أو انه قد أتى بالصلاة فيها عن تقليد غير صحيح مثلا و هي مرددة بين الأقل و الأكثر فهل الواجب وجوب قضاء الفوائت بمقدار يعلم معه بالبراءة أو يكفي الإتيان بمقدار يظن معه بالبراءة، أو لا يجب ذلك أيضا بل يجوز الاكتفاء بالمقدار المتيقن؟ وجوه بل أقوال.

نسب الأول إلى المحقق صاحب الحاشية، و الثاني إلى المشهور و ربما ينسب إليهم ذلك إذا كان الإتيان بمقدار يعلم بالفراغ حرجيا، و الثالث الى ثلة من الفقهاء

و هو الحق.

وجوب الإتيان بالقضاء بمقدار يعلم معه بالبراءة و دفعه
اشارة

يستدل للقول الأول بوجهين.

الوجه الأول:

ان مقتضى القاعدة في دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الاستقلاليين و ان كانت البراءة عن وجوب الزائد عن المقدار المتيقن، الا انه محكوم باستصحاب عدم الإتيان بالفرائض المشكوك فواتها في الوقت و مقتضى ذلك لزوم الإتيان بمقدار يقطع معه بفراغ الذمة.

و لكن فيه انه كما أشرنا إليه أنفا ان القضاء بأمر جديد و موضوعه الفوت

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 227

..........

______________________________

و هو أمر وجودي، و لا يكاد يثبت ذلك بالاستصحاب إلا بالأصل المثبت.

الوجه الثاني:

ان مقتضى القاعدة في الدوران و ان كانت البراءة عن الزائد الا ان ذلك فيما إذا تعلق الشك بثبوت تكليف واقعي زائد على المقدار المتيقن و اما إذا كان الشك في وجوب تكليف منجز واصل للمكلف زائدا على القدر المتيقن كما في المقام فهو مورد الاحتياط.

و ذلك لان احتمال التكليف المنجز منجز لأنه مساوق لاحتمال الضرر، و العقل مستقل بدفع الضرر المحتمل- بمعنى العقاب.

و بالجملة الشك في المقام قد تعلق بالتكليف المنجز على تقدير ثبوته لان التكليف كما في مورد الشبهة قبل الفحص و مورد العلم الإجمالي بين المتباينين لان المكلف عند تركه للصلاة، أو إتيانها بغير الوجه الصحيح يحصل له العلم بالفوات فيتنجز عليه التكليف بالقضاء، فاذا شك بعد ذلك في المقدار الزائد يكون شكه في سقوط التكليف المنجز و هو مورد الاشتغال و الاحتياط.

و الحاصل ان من ترك الصلوات و لم يأت بها حسب ما قرر في الشريعة في يوم مثلا يعلم بفوت فرائض ذاك اليوم منه و لزم قضائها فإذا كرر منه ذلك في أيام يعلم بفوات صلوات أيام منه و لزوم قضاء تلك الفوائت، فإذا شك بعد ذلك في ان القضاء

المنجز وجوبه عليه في كل يوم- بعلمه و التفاته- هو المقدار الأقل أو الأكثر فلا بد و ان يحتاط لأن الزائد المشكوك فيه انما هو احتمال تكليف منجز أخر و قد أشرنا ان احتماله مساوق لاحتمال العقاب نظير الشبهة قبل الفحص.

و نوقش أولا: ان بقاء التكليف على صفة التنجيز مشروط بقاء موضوعه و هو العلم فاذا زال يزول التنجز لا محالة كما في الشك الساري و المفروض في المقام زوال العلم و الشك في المقدار فتجري البراءة عن المشكوك فيه «1».

و بالجملة التنجز يدور مدار المنجز حدوثا بقاءا فيحدث بحدوثه كما انه يرتفع

______________________________

(1) الدروس ج 1/ 191

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 228

..........

______________________________

بارتفاعه كما في الشك الساري لزوال اليقين بالشك الساري و مع زواله يرتفع التنجز و لذا إذا علم بنجاسة شي ء ثم شك في مطابقة علمه و مخالفته للواقع جرت قاعدة الطهارة و لا تعامل معه معاملة النجاسة بوجه إذ لا منجز لها بقاءا.

ففي المقام و المثال المفروض و ان كان علم بوجوب فوات الصلوات في اليوم الأول و لأجله تنجز عليه وجوب القضاء الا انه عند الشك و التردد بين الأقل و الأكثر لا علم له بما فاته من الصلوات و إذا زال العلم زال التنجز لا محالة.

و من ثمة حكموا بالبراءة في رد الأكثر إذا استدان من زيد مكررا و تردد في انه عشرة دراهم أو عشرون مع العلم بتنجز وجوب رد الدين حين استدانته من الدائن و انما تردد بعد وجوبه و تنجز الأمر بالأداء.

و ثانيا: لو سلم و تم ما أفاده في المثال فهو أخص من المدعى لاختصاصه فيما إذا كان التنجز سابقا على

زمان الشك و التردد و لا يجرى فيما إذا كان في زمان التنجز منجزا مع زمان الشك و التردد، كما إذا نام و حينما استيقظ شك في ان نومه استمر يوما واحدا أو انه طال يومين فان وجوب القضاء لم يتنجز عليه الا في زمان الشك و التردد.

و المقام من هذا القبيل لان المفروض انه اتى باعمال عبادي و غير ملتفت بفسادها في ظرف الإتيان بها و انما علم بالمخالفة بعد صدورها و في الوقت نفسه يتنجز عليه وجوب القضاء مرددا بين الأقل و الأكثر.

و بالجملة العلم بوجوب القضاء انما حصل بعد العلم بالمخالفة بفتوى المجتهد فليس التكليف المحتمل مسبوقا بالعلم كي يجري فيه التوهم المزبور.

فتحصل عدم استقامة القول بلزوم الإتيان بالأكثر.

وجوب الاتيان بالقضاء بمقدار يظن معه بالبراءة و دفعه

و اما حديث الاكتفاء بالمقدار المظنون المنسوب الى المشهور فلعله لم يركن الى ركن وثيق لان المقام اما يكون داخلا في الشك في التكليف كما أشرنا أو الشك

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 229

..........

______________________________

في المكلف به، أو بما بحكمه كما استظهره المحقق صاحب الحاشية.

و على الأول لا يجب سوى القضاء بالمقدار المتيقن، و على الثاني يجب القضاء بمقدار يقطع معه فراغ الذمة، فلا موجب للعمل بالظن بعد ما لم يثبت حجيته، و الظن غير المعتبر لا ينجز الواقع مع فرض جريان البراءة كما انه لا يعذر عن مخالفته مع جريان قاعدة الاشتغال.

و بما ذكرنا يظهر ضعف ما ربما ينسب الى المشهور من لزوم ذلك بعد حرجية الإتيان بمقدار يقطع بفراغ الذمة، لأنه إن بنينا على لزوم تحصيل الفراغ اليقيني و عدم جواز الرجوع الى البراءة فالواجب عند استلزام ذلك الحرج الشخصي لزوم الاكتفاء بما لا يكون حرجيا

لا الاكتفاء بالظن فلا عبرة بالظن على هذا التقدير أيضا فتدبر.

و قد يوجه مقال المشهور بان المقام و ان كان من موارد جريان البراءة في نفسها الا انه حيث يكون اجراء البراءة عن الزائد يستلزم كثيرا ما وقوع المكلف في خلاف الواقع فالتزموا بالاشتغال و كم له من نظير، و قد صرحوا بذلك في موارد.

مثل ما إذا شك في الاستطاعة، أو في بلوغ المال حد النصاب في الزكاة، أو شك في أصل الربح، أو الزيادة على المؤنة في الخمس الى غير ذلك، فرأوا ان اجراء البراءة فيها قبل الفحص يستلزم الوقوع في خلاف الواقع كثيرا بالنسبة إلى غالب المكلفين لان موضوعاتها مما لا يحصل العلم بها بغير الفحص- فأوجبوا الفحص فيها.

فلعل المشهور ألحقوا المقام بتلك الموارد نظرا الى ان الرجوع الى البراءة عن الزائد يستتبع فوات القضاء عن جملة ممن هو مكلف به واقعا فالتزموا بالاشتغال فيه.

و لا يخفى ان مقتضى ذلك و ان كان لزوم القضاء بمقدار يتيقن معه بالفراغ لا الاكتفاء بالظن كما هو المشهور الا ان إيجاب ذلك حيث يستلزم العسر و الحرج

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 230

..........

______________________________

فاكتفوا بالظن بالفراغ، و العقل يرى ذلك في كل مورد يعذر فيه الامتثال اليقيني فيحكم بكفاية الامتثال الظني، كما انه إذا تعذر الامتثال الظني يحكم بكفاية الامتثال الاحتمالى.

فتحصل انه يمكن ان يوجه مقال المشهور بأنه مقتضى الجمع بين قاعدتي الاشتغال و نفى الحرج هذا غاية ما يمكن ان يوجه مقالهم.

و لكنه يندفع: بان المدار في قاعدة نفى الحرج هو الحرج الشخصي دون النوعي كما قرر في محله فمتى استلزم الحرج رفع التكليف يرتفع و قد لا يكون الإتيان

بالأكثر الى ان يقطع بالفراغ حرجيا على الشخص كما إذا دار أمر الفائت بين صلوات غير كثيرة لا حرج على المكلف في الإتيان بالأكثر.

و إذا استلزم الإتيان بالأكثر حرجا على المكلف وجب الإتيان به الى ان يكون الزائد حرجيا في حقه.

فالتنزل الى الامتثال الظني بمجرد استلزام الإتيان بالأكثر العسر و الحرج غالبا لا يرجع الى ركن وثيق، و ترك الفحص في الموارد المذكورة ان كان مقرونا بالعلم بالوقوع في خلاف الواقع فيجب و الا فلا دليل على لزوم الفحص و ان وقع في خلاف الواقع.

فبعد ما أحطت خبرا بما ذكرنا تعرف ان الصحيح ان يقال ان القاعدة الأولية فيه من حيث دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الاستقلاليين هو البراءة عن وجوب الزائد على القدر المتيقن فيجوز الاقتصار في قضائها بالقدر المتيقن، و يدع قضاء ما شك في فوته و بطلانه.

فظهر مما ذكرنا ان المختار في المسئلة هو انه إذا كانت عباداته بلا تقليد، فان علم كيفيتها، أو احتمل موافقتها للواقع أو ما بحكمه و قد كانت صدرت منه مع قصد القربة- بأن كان غافلا عن التقليد حين العمل- فلا يجب القضاء، و الا فيقضى القدر المتيقن- و هو الأقل- و إن كان الأحوط القضاء بمقدار يعلم معه البراءة

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 231

[مسئلة 41- إذا علم ان أعماله السابقة كانت مع التقليد]

اشارة

مسئلة 41- إذا علم ان أعماله السابقة كانت مع التقليد لكن لا يعلم انها كانت عن تقليد صحيح أم لا بنى على الصحة (1)

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 232

حكم الأعمال التي لم يعلم انها عن تقليد صحيح

______________________________

(1) أقول: ظاهر العنوان يعطي بأن منشأ الشك في أعماله السابقة بلحاظ صحة التقليد لا في أعماله بعد فرض صحة التقليد.

و الشك في صحة التقليد تارة من ناحية نفس المكلف، و ان تقليده المجتهد الجامع لشرائط الفتوى هل كان بحجة شرعية أم كان بأهواء نفسانية.

و اخرى من جهة الشك في واجدية المجتهد الذي قلده لشرائط الفتوى و عدمه فان كان الشك في الجهة الأولى فالكلام تارة في نفس التقليد، و اخرى في أعماله السابقة.

اما في نفس التقليد بما انه عمل صدر منه و تصرم فتجري أصالة الصحة في نفس التقليد و يتفرع عليها حرمة العدول منه الى غيره على تقدير حياة المجتهد السابق و جواز البقاء و مشروعيته بعد موته، و يتفرع عليها صحة الأعمال السابقة.

بل الأعمال السابقة مجرى أصالة الصحة و ان لم تكن نفس التقليد مجريها و ذلك واضح.

بل يمكن ان يقال بأنه لا أثر لأصالة الصحة في الأعمال السابقة بعد مطابقتها للحجة المعتبرة حسب الفرض- سواء كان عن استناد إليها أم لا.

فالأعمال السابقة حسب الفرض محرز الصحة وجدانا فلا أثر لأصالة الصحة بالنسبة إليها فيحكم بصحتها، و ان علم بكون استناده الى فتوى المجتهد لم يكن مطابقا للموازين.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 233

..........

______________________________

و ان كان الشك من الجهة الأخرى- أي إذا كان الشك في ان المجتهد الذي قلده مستجمع لشرائط أو غير مستجمع لها للشك في اجتهاده، أو ورعه، و عدالته

أو غيرهما من الشرائط فلا مناص فيها من الفحص عن استجماعه للشرائط، و لا يجوز فيها البقاء على تقليده حتى فيما قلده على طبق الموازين الشرعية، كما إذا قطع باجتهاده، أو شهد عليه شاهدان، الا انه بعد ذلك شك شكا ساريا في اجتهاده، و احتمل ان يكون علمه السابق جهلا مركبا أو ظهر له فسق الشاهدين واقعا.

و السر في لزوم الفحص هو الشك في حجية نظر المجتهد و فتواه و مع الشك كذلك لا يحرم العدول كما انه لا يجوز البقاء، فإن أحرز واجديته للشرائط فتصح الأعمال السابقة بلحاظ مطابقتها إياه، و ان أحرز عدمه فلا يقاس به الأعمال السابقة فيدخل في المسئلة المتقدمة من حيث انه تارة يعلم بمطابقه أعماله للواقع، أو ما بحكمه، أو يعلم بمخالفتها إياه، أو يشك فلا يحتاج إلى الإعادة فراجع و لاحظ، و سيجي ء بعض الكلام فيه في المسئلة الاتية.

و بما ذكرنا يظهر ان ما افاده سيد مشايخنا «ان صحة التقليد و فساده انما يكون مجرى للأصول الشرعية إذا كان موردا لأثر عملي و لا يتضح ذلك إلا في فرض عدول العامي عن المجتهد الى غيره مع اختلافهما في الفتوى إلخ» «1» ففي غير محله.

لما أشرنا من جريان أصالة الصحة في نفس التقليد و يتفرع عليه حرمة العدول حال حياة المجتهد السابق، و جواز البقاء، و مشروعيته بعد موته، و يتفرع عليها صحة الأعمال السابقة، بل أعماله السابقة مجرى لأصالة الصحة و ان لم يكن نفس التقليد مجريها فلاحظ.

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى ج 1/ 68

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 235

[مسئلة 42- إذا قلد مجتهدا ثم شك في انه جامع للشرائط أم لا]

اشارة

مسئلة 42- إذا قلد مجتهدا ثم شك في انه جامع للشرائط أم لا

وجب عليه الفحص (1)

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 236

حكم من قلد مجتهدا ثم شك في جامعيته للشرائط

______________________________

(1) أقول: الشك في جامعية المجتهد للشرائط يتصور تارة مع عدم العلم بسبق اجتماعه للشرائط و ذلك بان قلد مجتهدا حال كونه غافلا عن اجتماعه للشرائط ثم تنبه بعد ذلك فشك في جامعيته لها.

و اخرى مع العلم بتحققها من أول الأمر بحيث كان الشك ساريا.

و ثالثة بعد العلم بتحققها يشك في بقائها فيه.

و في التنقيح تصور صورة رابعة من جهة انه قد يحرز استجماعه للشرائط حدوثا الا انه يقطع بارتفاعها، و عدم استجماعه لها بقاءا لزوال عدالته، أو اجتهاده، أو غيرهما من الأمور المعتبرة في المقلد «1».

و لكنها كما ترى أجنبية عن مفروض المسئلة و قد تقدم ذكرها و ليت شعري ما وجه ارتباطها بمفروض المسئلة الا ان يكون مراده دام ظله عنوان المسئلة بنحو أوسع و ان لم يكن مرتبطا بمفروض المتن فله وجه و يكون حاصله ان من أحرز واجدية مجتهده للشرائط فتارة يشك في جامعيته لها على نحو الشك الساري و اخرى من حيث البقاء و ثالثة يقطع بارتفاعها عنه و لا يخفى ان ظاهر عنوان المسئلة يعطى بإرادة الصورة الثانية و يمكن إدراج الصورة الاولى.

و كيف كان يجب الفحص في الصورتين الأوليتين و اما في الصورة الأخيرة فغير واجب.

اما لزوم الفحص في الصورة الاولى- و هي ما إذا قلد المجتهد غافلا في

______________________________

(1) التنقيح ج 1/ 345

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 237

..........

______________________________

جامعيته للشرائط بحيث لم يحرز حال التقليد اجتماعه للشرائط ثم تنبه و شك فيها- فواضح لأنه لم يكن في تقليده السابق مستندا الى ركن وثيق و حجة مقبولة فهو

و غير المقلد في رتبة واحدة فيجب عليه الفحص بالنسبة إلى أعماله اللاحقة، و اما وظيفته بالنسبة إلى أعماله السابقة الناشئة عن التقليد الكذائي فإن علم مخالفتها للواقع، أو ما بحكمه فيجب عليه قضائها، و الا فعلى ما فصلناه في ذيل مسئلة الأربعين فراجع.

و اما لزوم الفحص في الصورة الثانية- و هي ما إذا قلد مع قيام الحجة على جامعيته للشرائط لكن بعد ذلك شك في استجماعه لها من الابتداء لاحتمال الخطاء في علمه أو لعلمه بفسق الشاهدين- فلانة بطرو الشك يسقط عن الحجية بقاءا لزوال العلم، أو سقوط البينة حسب الفرض عن الاعتبار، و المقلد كما يحتاج إلى الحجة، و المؤمن من العقاب المحتمل حدوثا كذلك يحتاج إليها بقاءا و بعد سقوط المؤمن الحدوثى ليس له الاعتماد عليه بل لا بد له من تحصيل المؤمن.

و لا يخفى ان ما ذكرناه مبني على عدم الدليل على اعتبار قاعدة اليقين، و الشك الساري كما هو المعروف بين الأصحاب- و هو المختار- و اما لو قلنا باعتبار قاعدة اليقين و الشك الساري فيكون حال هذه الصورة حال الصورة الثالثة من حيث عدم لزوم الفحص كما لا يخفى.

و اما عدم لزوم الفحص في الصورة الثالثة، و جواز البقاء له على تقليد من قلده من الابتداء، فللاستصحاب، و ذلك لأنه بعد قيام الحجة على استجماعه للشرائط لو شك في طرو ما يوجب زوالها عنه فيستصحب جواز تقليده الى ان يحرز الخلاف.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 239

[مسئلة 43- من ليس أهلا للفتوى يحرم عليه الإفتاء]

اشارة

مسئلة 43- من ليس أهلا للفتوى يحرم عليه الإفتاء (1)، و كذا من ليس أهلا للقضاء يحرم عليه القضاء بين الناس، و حكمه ليس بنافذ، و لا

يجوز الترافع اليه، و لا الشهادة عنده (2)، و المال الذي يؤخذ بحكمه حرام (3)، و ان كان الأخذ محقا

______________________________

(1) حرمة الإفتاء من غير الأهل إذا كانت له قوة الاستنباط انما هي إذا وقعت مقدمة لعمل الغير، و الا فمجرد الإفتاء، و الاخبار عن الرأي على الموازين المقررة من المجتهد الفاسق، أو غيره فلا حرمة فيه.

(2) للتوصل بها الى فصل الخصومة.

(3) ان لم يكن المأخوذ شخص ماله، بان كان حقه كليا و كان تعيينه في المأخوذ بحكم الحاكم، و إعطائه، و الا فنفس الترافع اليه، و الأخذ بحكمه حرام دون شخص ماله المأخوذ منه، و لا يبعدان يلحق بالعين الشخصية ما إذا كان المال دينا لا يجوز للمديون تأخيره- بأن كان الدين معجلا، أو مؤجلا حل أجله- إذا كان الدائن مباشرا لذلك، و ان كان مستندا الى حكم

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 240

إلا إذا انحصر (4) استنقاذ حقه بالترافع عنده

______________________________

من ليس له أهلية الحكم، فيحل له التصرف في المأخوذ كما يجوز أخذه و تملكه تقاصا بشرائطه التي منها امتناع الغريم عن الأداء، نعم حيث انه لم ينحصر إنقاذ حقه بالاستناد الى حكمه يكون الترافع لديه محرما.

(4) فيما إذا كان المال معتنى به بحيث يكون الصبر عليه حرجيا و ضررا عليه، و الظاهر انه لا فرق في ذلك بين أنحاء الانحصار: من عدم وجدان الشرعي، أو تعذر الوصول اليه، أو تعسره، أو عدم إمكان الإثبات عنده، أو عدم نفوذ حكمه أو نحو ذلك من الضرورات المبيحة للمحذورات

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 241

..........

______________________________

أقول: تعرض المصنف (قدس) في هذه المسئلة أحكاما خمسة في موضوع

من ليس أهلا للفتوى، أو القضاء:

أحدها: حرمة الإفتاء.

ثانيها: حرمة القضاء بين الناس.

ثالثها: عدم نفوذ حكمه.

رابعها: عدم جواز الترافع و الشهادة عنده.

خامسها: حرمة أخذ المال بحكمه، و ان كان محقا إلا إذا انحصر استنقاذ حقه بالترافع عنده.

تحقيق الحال يستدعي إفراد البحث في كل منها فالكلام يقع في طي مباحث

المبحث الأول في حرمة إفتاء من ليس له أهلية للفتوى

اشارة

عدم أهلية المفتي للفتوى تارة بلحاظ عدم صلاحية علمية له بان لم تكن له ملكة الاجتهاد، و ان كان من أهل العلم، و كان واجدا لسائر الشرائط، و اخرى بلحاظ عدم واجديته لسائر الشرائط- بأن كان فاسقا مثلا- و ان كان له ملكة الاجتهاد

حرمة إفتاء من ليست له ملكة الاجتهاد
اشارة

اما حرمة إفتاء من ليست له ملكة الاجتهاد فيستدل لذلك بوجوه.

الوجه الأول:

أنها قول بغير علم و اسناد للحكم اليه تعالى من غير حجة و دليل و حرمته غنية عن البيان و قد دلت الآيات و الاخبار المتظافرة على ذلك.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 242

..........

______________________________

فمن الآيات قوله تعالى آللّٰهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّٰهِ تَفْتَرُونَ «1».

فقد حصر الأمر في شيئين: ما اذن به: و ما هو افتراء، و واضح ان غير الأهل غير مأذون بذلك منه تعالى فلا محال تكون فتواه افتراء منه على اللّه تعالى فيحرم.

و منها قوله تعالى وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنٰا بَعْضَ الْأَقٰاوِيلِ لَأَخَذْنٰا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنٰا مِنْهُ الْوَتِينَ «2».

فاذا كان هذا حاله تعالى مع أشرف بريته إذا تقول عليه- و العياذ باللّه- و قال بما لا يعلم فما ظنك بتقول غيره عليه.

و اما الاخبار فهي من الكثرة بمكان قد عقد لها في الوسائل بابا و اسماه عدم جواز القضاء و الإفتاء بغير علم نشير الى بعضها و نحيل الطالب لجميعها الى الباب المومى إليه.

ففي خبر ابى عبيدة قال:

قال أبو جعفر عليه السّلام من افتى الناس بغير علم و لا هدى من اللّه لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب و لحقه وزر من عمل بفتياه «3».

و في خبر مفضل بن يزيد (زيد) قال:

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أنهاك عن خصلتين فيهما هلك الرجال أنهاك أن تدين اللّه بالباطل و تفتي الناس بما لا تعلم «4».

و قريب منه خبر عبد الرحمن بن حجاج قال:

سئلت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مجالسة أصحاب الرأي فقال جالسهم و إياك عن خصلتين فهلك فيما الرجال ان تدين اللّه بشي ء

من رأيك أو تفتي الناس بغير علم «5».

______________________________

(1) يونس: 10/ 59

(2) الحاقة: 69/ 42- 43

(3) الوسائل باب 4 من أبواب صفات القاضي ح/ 1

(4) الوسائل باب 4 من أبواب صفات القاضي ح/ 2

(5) الوسائل باب 4 من أبواب صفات القاضي ح/ 29

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 243

..........

______________________________

و في خبر موسى بن بكير قال:

قال أبو الحسن عليه السّلام من افتى الناس بغير علم لعنته ملائكة الأرض و ملائكة السماء «1».

و قريب منه خبر إسماعيل بن ابى زياد عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من افتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السماء و الأرض «2».

و في خبر حسن بن أبي شعبة في تحف العقول عن النبي صلّى اللّه عليه و آله:

من افتى الناس بغير علم فليتبوء معقده من النار «3».

الى غير ذلك من الاخبار.

الوجه الثاني:

ان الإفتاء حيث انها اخبار عن الرأي المتعلق بالحكم الشرعي فإذا افتى و لم يكن له رأى واقعا فيحرم اما من جهة الكذب، و اما من جهة اخباره بالالتزام عن الحكم الشرعي إذا لم يكن عنده حجة عليه، فاذا كان له رأى و كان رأيه مستندا الى ما ليس بحجة في حقه شرعا- كالقياس و الاستحسان و نحوهما- فيحرم أيضا لاخباره بالالتزام عن الحكم الشرعي.

الوجه الثالث:

ان الإفتاء من غير الأهل إغواء و إضلال لأدائه إلى وقوع المقلد في خلاف الواقع بالعمل بفتياه.

و لكن فيه: ان مجرد ذلك لا يستلزم ذلك لأنه قد تكون فتواه موافقة لفتوى المجتهد الجامع للشرائط فلا يكون عند ذاك إغواء و ضلالة خصوصا إذا صرح للعامي بان فتواي ليست حجة و انما عليك العمل بفتوى فلان فالدليل أخص من المدعى.

الوجه الرابع:

ان الإفتاء من المناصب المختصة بالمعصوم عليه السّلام فلا يجوز إلا باذنه و واضح ان فاقد الملكة غير مأذون فيحرم عليه.

______________________________

(1) الوسائل باب 4 من أبواب صفات القاضي ح/ 31

(2) الوسائل باب 4 من أبواب صفات القاضي ح/ 32

(3) الوسائل باب 4 من أبواب صفات القاضي ح/ 33

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 244

..........

______________________________

و فيه: بأنه لم يثبت كون الإفتاء من المناصب المختصة بالمعصوم عليه السّلام حتى يحتاج الى الاذن بل مقتضى أدلة اعتبار الأمارات و الأصول عدم كون الإفتاء من المناصب المختصة، بداهة اعتبارها لكل من ورد عليها فكل من ورد عليها و فهم مغزاها يصح الاتكال عليها و الإفتاء بمضمونها و الا فلا.

و ما تقدم من اعتبار بعض الشرائط فإنما هو في حجية فتواه و صحة الاستناد إليها في مقام العمل لا في جواز الإفتاء تكليفا و لأعلى كونها من المناصب المختصة بالمعصوم.

الوجه الخامس:

حكى الإجماع على عدم جواز الإفتاء له عن ظاهر المسالك و جماعة، و قال سيد مشايخنا: «صرح بذلك جماعة من الأعيان مرسلين له إرسال المسلمات» «1».

و ادعى بعضهم الإجماع بقسميه عليه و حكاه عن جماعة كثيره.

و فيه: ان المنقول منه غير حجة و المحصل منه غير ثابت و على تقدير الثبوت يشكل الاستناد اليه مع وجود مدارك أخر في المسئلة فيكون الإجماع مظنون المدرك أو محتمله.

و بالجملة الإجماع الكذائي لا يكون كاشفا عن حجة معتبرة.

فتحصل انه لا إشكال في ان إفتاء من ليس له ملكة الاجتهاد حرام و هو الظاهر من الآيات و الاخبار بل و كلمات الأصحاب بل حرمة إفتائه و ان طابقت رأى المجتهد الجامع للشرائط لان صرف المطابقة لا يخرج فتوى عن

الفتوى بغير العلم فيعمه ما دل على حرمة القول على اللّه سبحانه بغير علم.

حرمة إفتاء من لم يكن واجدا لسائر الشرائط غير ملكة الاجتهاد

و اما حرمة إفتاء من لم يكن واجدا لسائر الشرائط و ان كان له ملكة الاجتهاد.

فربما يستدل لها بالوجوه المتقدمة.

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى ج 1/ 69

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 245

..........

______________________________

و قد عرفت عدم تمامية بعضها للاستدلال به في غير المجتهد، و بعض منها و ان صح الاستدلال به هناك و لكن لا يتم الاستدلال به للحرمة في المقام لان المجتهد غير الواجد للشرائط بما انه مجتهد يجوز اخباره عن نظره و فتواه لعدم كونه كذبا على الفرض و تكون فتواه مما اذن اللّه به لان ما افتى به حسب نظره و اجتهاده حكم اللّه سبحانه في حقه فلا افتراء في إسناده الحكم الى اللّه تعالى غاية الأمر لا يجوز تقليده و ربما يستشكل في جواز إفتائه فيما إذا علم المجتهد غير الواجد رجوع الغير إليه لأنه إغراء بالجهل و إضلال للسائل فيحرم.

و لكنه يندفع بأنه بعد قيام الحجة لدى المجتهد غير الواجد لا إغراء للجهل بل يرى خلافه جهلا و ضلالة.

نعم ان لم يعرف السائل حكم المسئلة مع العلم بموضوعه (اعنى مع علم السائل بفسق المجتهد المزبور لو جهل ان اعتبار فتوى المجتهد و حجيته مشروط بشرائط منها عدالته) ففي هذه الصورة يجب على المجتهد أعلامه بعدم حجية رأيه لما تقرر في محله من وجوب تبليغ الأحكام للجاهلين.

و بالجملة لا بد له و ان يبين للسائل في الفرض ان الحجة في حقه هي فتوى المجتهد الجامع للشرائط التي منها العدالة إذ لو لا ذلك لكان إفتائه إغراء و إضلال و هو حرام.

و اما إذا

كان السائل عالما بحكم المسئلة بأنه لا يجوز تقليد المجتهد الفاسق مثلا الا انه قامت البينة عنده بعدالة المجتهد المزبور ففتوى من يرى نفسه فاسقا و ان لم تكن حجة واقعا في حق الغير الا انه لا مانع من اخباره بفتواه و نظره و لا يجب عليه ان ينبه السائل بنفسه.

نعم ان كان التصدي للإفتاء ظاهرا في الإنباء عن عدالته كما قد يتفق في بعض المقامات بحيث لو افتى المجتهد بعد السؤال عن مسئلة لكان ظاهره الاخبار عن عدالته و استجماعه الشرائط فيحرم من جهة الكذب لأنه من قبيل إظهار العدالة ممن لا عدالة له.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 246

..........

______________________________

و من ذلك ما يقال انه لا يجوز للفاسقين ان يشهدا الطلاق و ان اعتقد مجرى الطلاق، أو الزوجان عدالتهما لان المرية بحضورهما ترتب على نفسها آثار الطلاق الصحيح و ترى بعد انقضاء العدة انها مخلاة عن الزوج فتزوج نفسها من غيره مع أنها أمرية ذات بعل لبطلان الطلاق.

و لكن ربما يفرق بين المقام و بين الشهادة للطلاق بأنه لا محذور في المقام في اخبار المجتهد الفاسق عن نظره و إفتائه عند علم السائل بحكم المسئلة و ان اعتقد عدالة المفتي لعدم إغراء و إضلال و لا كذب في إفتائه حسب الفرض و لا يجب إرشاد الجاهل بالموضوع بتبليغه.

و اما في باب الطلاق فلا يجوز للفاسقين ان يشهدا بالطلاق و ان اعتقد مجرى الصيغة أو الزوجين عدالتهما.

و لعل السر في ذلك هو ان العدالة المعتبرة في باب الطلاق العدالة الواقعية و المفروض عدمها فلم يكن طلاق صحيح في المفروض، و قد أشرنا أن المرية بحضور الفاسقين عند إجراء صيغة الطلاق

ترتب على نفسها آثار الطلاق الصحيح و بعد انقضاء العدة لعلها تزوج نفسها من غيره مع أنها أمرية ذات بعل، و لعل زوجها بعد طلاقها تزوج أمرية مع ان المطلقة بعد زوجته فيجتمع عنده خمس زوجات، أو كانت المرية أخت المطلقة فيجتمع عنده الأختان، و التفصيل يطلب من مظانه.

المبحث الثاني في حرمة قضاء من ليس له أهلية للقضاء

اشارة

مقتضى الأصل الاولى في جواز القضاء بين الناس و عدمه لمن لا أهلية له في القضاء بما انه فعل من أفعال الشخص هو الجواز و الإباحة لما تقرر في محله ان الأصل في الأشياء الإباحة خلافا لبعضهم حيث يرون ان الأصل فيها الحظر.

و لكن انقلب هذا الأصل إلى حرمة صدور القضاء من كل أحد الا من اذن له فغير المأذون و من شك في مأذونيته لا يجوز له تصدى القضاء.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 247

..........

______________________________

تشهد لذلك جملة من الاخبار الدالة على ان الولاية على القضاء من المناصب المختصة بالنبي و أوصيائه الكرام صلوات إله عليهم أجمعين.

كقول ابى عبد اللّه عليه السّلام في خبر سليمان بن خالد:

اتقوا الحكومة فإن الحكومة انما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين كنبي (لنبي) أو وصى نبي «1».

و قوله عليه السّلام في خبر إسحاق بن عمار عن أمير المؤمنين عليه السّلام انه قال لشريح:

يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه (ما جلسه) الا نبى أو وصى نبي، أو شقي «2».

و قوله عليه السّلام في خبر ابى خديجة:

إياكم ان يحاكم بعضكم الى أهل الجور لكن انظروا الى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا (قضائنا) فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا اليه «3».

و قوله عليه السّلام في خبر ابن الحنظلة:

من تحاكم الى الطاغوت فحكم فإنما يأخذه سحتا و

ان كان حقه ثابتا الى ان قال ابن الحنظلة؟ فكيف يصنعان قال عليه السّلام ينظران من كان منكم ممن روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فليرضوا به حكما فانى قد جعلته عليكم حاكما فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم اللّه و علينا رد، و الراد علينا الراد على اللّه و هو على حد الشرك باللّه «4».

______________________________

(1) الوسائل باب 3 من أبواب صفات القاضي ح/ 3.

(2) الوسائل باب 3 من أبواب صفات القاضي ح/ 3.

(3) الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح/ 4

(4) الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي ح/ 1

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 248

..........

______________________________

الى غير ذلك من الاخبار.

و مقتضى هذه الاخبار خصوصا صحيح ابن خالد هو ان القضاء من المناصب المختصة بالنبي أو الوصي (صلوات اللّه عليهم) و لا تشرع لغيرهم، و حيث انه لا يمكنهم التصدي بأنفاسهم المقدسة للقضاء، و فصل خصومات ربع المسكون بل لم يتصدوا قضاء بلدة واحدة الا و قد نصوا لذلك قاضيا أو قضاة حسب احتياج البلدة، فإذا يكون المراد باختصاص القضاء بهم صلوات اللّه عليهم هو انه لا يجوز تصدى القضاء إلا أنفسهم المقدسة أو من يكون بإذن منهم خصوصا أو عموما، و غير المأذون لا أهلية له للقضاء فيحرم عليه ذلك.

و بما ذكرنا يندفع توهم ان ظاهر صحيح سليمان بن خالد على خلاف ضرورة الفقه لدلالته على اختصاص منصب القضاء للنبي و الوصي مع انه لا ينبغي الإشكال في جواز التصدي لغيرهما في الجملة، و المتيقن منه ما إذا كان المتصدي مجتهدا مطلقا جامعا لجميع الشرائط المعتبرة، توضيح الاندفاع لائح مما

ذكرنا.

و ان أبيت عن ذلك فنقول ان ظاهر الصحيح هو ان ولاية القضاء لم يثبت لغيرهما في عرضهما، لا انه لم يثبت لغيرهما حتى مع إذنهما، و المأذون من قبلهما في طول قضائهما، متفرع على ولايتهما في القضاء فتدبر.

أضف الى ذلك كله دعوى عدم الاشكال و الخلاف في حرمة تصدى قضاء من ليس أهلا له كما في المستمسك و عن المسالك انه موضع وفاق بين أصحابنا، و قد صرحوا بكونه إجماعيا.

يؤيد ما ذكرنا بل يدل عليه أصالة عدم نفوذ حكم أحد و ان بلغ من الكمالات ما بلغ في قوتي العلمية و العملية بالنسبة إلى غيره، الا إذا انتهى اليه تعالى، و واضح ان غير الأهل لم يكن مأذونا منه تعالى.

و يقرر ذلك بان العقل لا يحكم بلزوم اتباع حكم أحد بما انه حكمه و ان بلغ من الكمالات في قوتي العلمية و العملية ما بلغ، نبيا كان أو غيره بالنسبة إلى غيره.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 249

..........

______________________________

و بعبارة أخرى لا ولاية لأحد على أحد و لا نفوذ لحكمه فيه لأن أفراد الناس خلقوا بحسب الطبع أحرارا مستقلين و هم بحسب الخلقة، و الفطرة مسلطون على أنفسهم، و على ما اكتسبوه من أموالهم باعمال الفكر، و صرف القوى بالتصرف في شئونهم، و أموالهم، و التحميل عليهم ظلم، و تعد عليهم.

و مجرد اختلاف إفراد الناس بحسب الاستعداد و الفضيلة لا يوجب ولاية بعضهم على بعض و تسلطه عليه، و لزوم تسليم هذا البعض له.

نعم يحكم العقل بولاية اللّه تعالى، و سلطنة التامة في جميع شئون الناس لأنه تعالى خالقهم و مالكهم و له السلطنة الكلية الحقة على جميع الخلائق، لان

أزمة الأمور كلا بيده و الكل مستمدة من مدده.

فلله تعالى الخلق و الأمر قال إِنِ الْحُكْمُ إِلّٰا لِلّٰهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَ هُوَ خَيْرُ الْفٰاصِلِينَ «1» و قال عز من قائل أَلٰا لَهُ الْحُكْمُ وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحٰاسِبِينَ «2».

و قال تبارك وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْ ءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللّٰهِ «3».

و قال تعالى فَالْحُكْمُ لِلّٰهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ «4».

الى غير ذلك من الآيات.

فلله تعالى الولاية التكوينية و التشريعية فسلطنة غيره تعالى و نفوذ حكمه يحتاج الى جعله تعالى، و قد نصب النبي صلّى اللّه عليه و آله للخلافة و الحكومة مطلقا قضاءا كانت أو غيره بقوله تعالى النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ «5».

______________________________

(1) الانعام: 6/ 57

(2) الانعام: 6/ 62

(3) الشورى: 42/ 26

(4) الغافر: 40/ 12

(5) الأحزاب: 33/ 62

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 250

..........

______________________________

و قوله عز من قائل وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ رَسُولٍ إِلّٰا لِيُطٰاعَ بِإِذْنِ اللّٰهِ «1».

و قال تعالى فَلٰا وَ رَبِّكَ لٰا يُؤْمِنُونَ حَتّٰى يُحَكِّمُوكَ فِيمٰا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لٰا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّٰا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً «2».

و قال تبارك يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنٰازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّٰهِ وَ الرَّسُولِ «3».

الى غير ذلك من الآيات.

ثم بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله كان الأئمة المعصومون عليهم السّلام واحدا بعد واحد سلطانا و حاكما على العباد و يكون نفوذ حكمهم من قبل نصب اللّه تعالى و نصب النبي الأعظم بمقتضى الآية المتقدمة، و الاخبار المتواترة بين الفريقين عن النبي المعتضدة بأصول المذهب، و هذا مما لا اشكال فيه.

فعلى هذا لا بد و ان يكون نفوذ قضاء كل

أحد بإذن من الرسول أو الوصي أو و الأئمة صلوات اللّه عليهم و واضح ان المأذون هو الأهل للقضاء و غير المأذون غير أهل لذلك.

فتحصل مما ذكرنا انه لا يجوز لغير النبي و الأئمة المعصومين صلوات اللّه عليهم تصدى منصب القضاء الأمن كان من ناحيتهم و مأذونا من قبلهم، و واضح ان المأذون من قبلهم بحكمهم في جواز تولى القضاء «4».

فلا بد من ملاحظة أدلة الأذن ليعرف نطاق دلالتها سعة و ضيقا، و ان الاذن هل ثابت المطلق العالم بالقضاء و ان كان علمه مستندا الى التقليد، أو يعتبر الاجتهاد في الأهلية للقضاء وجهان بل قولان.

______________________________

(1) النساء: 4/ 64

(2) النساء: 4/ 68

(3) النساء: 4/ 2

(4) و ليعلم انه يعتبر في القاضي، و المأذون من قبلهم في القضاء أمورا و شرائط، كالبلوغ، و العقل، و العلم، و الايمان، و طهارة المولد، و العدالة، و الذكورة الى غير ذلك من الشرائط، و الذي نحن نتعرضه هنا اشتراط علم القاضي، و الجهات المربوطة بعلمه و اما اعتبار بقية الشرائط فيطلب من كتاب القضاء

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 251

..........

______________________________

فعن المحقق القمي (قدس) جواز قضاء المقلد إذا كان عالما بجميع ماله ربط بمسائل القضاء بتقليد صحيح، و عن العلامة النراقي في المستند، و صاحب الجواهر في جواهره موافقته في ذلك بل في الجواهر جواز القضاء من كل مؤمن يحكم بالعدل و القسط، و ان لم يكن عالما بالنحو و غيره.

و لكن عن المشهور اعتبار الاجتهاد في القاضي بل ادعى عليه الإجماع في كلام جماعة من الأساطين منهم الشهيد الثاني من غير فرق بين حالتي الاختيار و الاضطرار.

و القائلون باعتبار الاجتهاد في القاضي اختلفوا في

اعتبار الإطلاق في الاجتهاد، فذهب بعضهم إلى كفاية التجزي في ذلك، كما ذهب بعض أخر إلى اعتبار الإطلاق فلا يجزى قضاء المتجزى.

و قبل ذكر أدلة الأطراف ينبغي التنبيه على أمر و هو ان قضاء المجتهد المطلق الجامع للشرائط في عصر الغيبة متيقن الاعتبار و انه الأهل للقضاء بعد الأئمة المعصومين عليهم السّلام فيصح قضائه و ينفذ حكمه من غير نكير، و اما غيره من المجتهد المتجزى، أو مطلق المؤمن العارف بموازين القضاء و لو عن تقليد صحيح فمشكوك فيه فان كان لأدلة اعتبار القضاء إطلاق أو عموم فينفذ قضاء الجميع، و الا فإن كان لها إجمال، أو إهمال فيؤخذ بما هو المتيقن.

الوجوه التي يستدل لجواز تصدى مطلق العارف للقضاء و دفعها
اشارة

إذا عرفت ذلك فنقول يستدل لجواز تصدى مطلق العارف للقضاء و ان كان غير مجتهد بوجوه من الأدلة.

الوجه الأول: الآيات المباركات

منها: قوله تعالى إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا وَ إِذٰا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّٰاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّٰهَ نِعِمّٰا يَعِظُكُمْ بِهِ «1».

فإن إطلاقه يشمل العامي الذي لم يبلغ مرتبة الاجتهاد، فإذا أوجب اللّه الحكم بالعدل بين الناس فلا بد من نفوذه فيهم و وجوب قبولهم و الإصار لغوا.

______________________________

(1) النساء: 4/ 6

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 252

..........

______________________________

و فيه كما أفاده أستاذنا العلامة الخمينى دام ظله ان الخطاب في صدر الآية متوجه الى من عنده الامانة لا مطلق الناس و في ذيلها الى من له الحكم فله منصب القضاء و الحكومة لا مطلق الناس أيضا كما هو ظاهر بأدنى تأمل فحينئذ يكون المراد ان من له الحكم بين الناس يجب عليه ان يحكم بينهم بالعدل هذا.

مضافا الى انها في مقام بيان وجوب العدل في الحكم لا وجوب الحكم فلا إطلاق لها من هذه الحيثية.

________________________________________

لنگرودى، سيد محمد حسن مرتضوى، الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، 2 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، اول، 1412 ه ق

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد؛ ج 2، ص: 252

و يدل على ان الأمر متوجه الى من له الأمر مضافا الى ظهور الآية ما رواه الصدوق بإسناده عن المعلى بن خنيس عن الصادق عليه السّلام قال:

قلت له قول اللّه عز و جل إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا وَ إِذٰا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّٰاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ فقال عليه السّلام:

عدل الامام ان يدفع ما عنده الى الامام الذي بعده و أمر

الأئمة ان يحكموا بالعدل و أمر الناس ان يتبعوهم «1».

و ليس هذا تفسيرا تعبديا خلاف ظاهر الآية، بل هو ظاهرها لأن الحكومة بين الناس لما كانت في جميع الطوائف شأن الأمراء و السلاطين لا يفهم العرف من الآية الا كون الخطاب متوجها إليهم لا إلى الرعية الذين ليس لهم أمر و حكم «2».

و بالجملة الآية وردت في بيان حكم أخر و هو لزوم الحكم بالعدل في القضاء لا بيان صفة الحاكم حتى يؤخذ بإطلاقها فتدبر.

مع انه لو سلم الإطلاق لها فبلحاظ عدم تصدى القضاء و الحكم من كل أحد فتنصرف الآية الى من كان صاحب الأمر و الحكم و هو غير العامي.

و منها قوله تعالى وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْكٰافِرُونَ «3» و

______________________________

(1) الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح/ 6

(2) رسالة الاجتهاد و التقليد/ 114

(3) المائدة: 5/ 44

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 253

..........

______________________________

في أية اخرى هُمُ الظّٰالِمُونَ «1» و في ثالثة هُمُ الْفٰاسِقُونَ «2».

تقريب الدلالة أنها بمفهومها تدل على وجوب الحكم بما انزل اللّه و إطلاقها يشمل العامي الذي لم يبلغ مرتبة الاجتهاد.

و فيه أولا: ان الآيات واردة في شأن التوراة و الإنجيل و ذم علماء اليهود و النصارى بأنهم لا يحكمون بأحكام أنزل اللّه إليهم بل يخفونها عن الناس و يكتمونها عنهم و يحكمون بخلاف ما انزل اللّه إليهم و هذا غير حكم الحاكم و القاضي الذي موضوع للبحث.

و بالجملة الآيات بصدد ذم علماء اليهود و النصارى لإخفائهم أحكام اللّه الواقعية و هذا غير حكم الحاكم الذي محط البحث فغاية ما يستفاد منها هي انه يجب على العلماء تبين الأحكام الواقعية

الكلية للناس و لا يكتمونها عنهم كما كتموها علماء أهل الكتاب و انى له و للمقام.

و ثانيا: لو سلم فالآيات بصدد بيان حرمة الحكم بغير ما انزل اللّه لا بيان جواز الحكم أو وجوبه لكل أحد.

و بالجملة لم تكن الآيات بصدد تجويز المراجعة الى كل أحد حتى يؤخذ بإطلاقها و غاية ما يستفاد منها ان من يصلح للحكم و القضاء لو لم يحكم بما انزل اللّه فهو كافر، أو ظالم، أو فاسق.

و ثالثا: لو كان لها إطلاق لو خليت و نفسها و لكن بلحاظ عدم معهودية تصدى القضاء و الحكم في الرعية من كل أحد تنصرف الى من كان صاحب الحكم دون غيره.

مع انه يمكن تقييدها بما سيمر بك من دلالة الاخبار على اعتبار الاجتهاد.

و منها: قوله تعالى:

______________________________

(1) المائدة: 5/ 45- 48

(2) المائدة: 5/ 45- 48

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 254

..........

______________________________

يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّٰامِينَ لِلّٰهِ شُهَدٰاءَ بِالْقِسْطِ وَ لٰا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلىٰ أَلّٰا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا «1».

تقريب الدلالة انه يدل على لزوم القيام بالقسط و لزوم الحكم بالعدل و إطلاقه يقتضي عدم الفرق بين المجتهد و من لم يبلغ مرتبة الاجتهاد.

يظهر حال الاستدلال بهذه الآية الشريفة مما ذكرناه في الآيات المتقدمة كما يظهر الحال في سائر الآيات التي استدل بها صاحب الجواهر (قدس) ففيما ذكرناه كفاية فلاحظ و تأمل.

و الإنصاف: أن الآيات التي استدل بها صاحب الجواهر (قدس) و غيره اما لا دلالة لها على الحكم و القضاء بين الناس، أو لا إطلاق لها بحيث يمكن الاستدلال بها للمقام، و لو فرض إطلاق لها في حد نفسها لكنها ينصرف الى من كان صاحب الأمر و الحكم بعد

عدم كون القضاء و الحكم في الشريعة من كل أحد، و لو سلم جميع ذلك فيكفي في تقيدها و رفع اليد عن إطلاقها ما سيجي ء مما يدل بوضوح- كمقبولة كمقبولة عمر بن حنظلة و غيرها- على اعتبار النظر و الاجتهاد في القاضي و الحاكم فارتقب.

الوجه الثاني: الاخبار الواردة

منها: خبر ابى خديجة عن الصادق عليه السّلام قال:

إياكم ان يحاكم بعضكم بعضا الى أهل الجور و لكن انظروا الى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا (قضائنا) فاجعلوه بينكم فانى قد جعلته قاضيا فتحاكوا اليه «2».

تقريب الدلالة انه عليه السّلام جعل من كان من شيعتهم عالما من قضاياهم أو من قضائهم، و واضح ان المراد بالعلم ليس خصوص العلم الوجداني بأحكامهم بل ما يعم الحجة عليها و الا يلزم عدم صحة قضاء المجتهد بداهة ان أكثر استنباطاته ظنية و لذا

______________________________

(1) المائدة: 5/ 7

(2) الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح/ 5

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 255

..........

______________________________

قد يقال ان العلماء في الحقيقة ظنناء، و المقلد عالم بالحكم بهذا المعنى فيشمله إطلاق الخبر، بل ذكر صاحب الجواهر (قدس) لعل ذلك اولى من الأحكام الاجتهادية الظنية.

و فيه أولا: ان الظاهر من قوله عليه السّلام يعلم شيئا من قضايانا هو العلم بالأحكام الكلية الإلهية و وجه الاستناد إليهم عليهم السّلام مع انه مستند اليه تعالى بلحاظ انهم وسائط في وصول الأحكام الكلية الإلهية إلينا لا الأحكام الجزئية و القضايا الشخصية و القضايا الجزئية التي وقعت بين أيديهم عليهم السّلام لعدم معودية القضاء لغير أمير المؤمنين و السبط الأكبر عليهما السّلام في برهة قليلة، و واضح ان فهم القضايا و الأحكام الكلية الواردة عنهم لم يكن شأن

العامي المقلد كما هو ظاهر.

و ثانيا: ان العامي المتكل الى فتوى الفقيه في مسائل القضاء لا يصدق عليه عرفا انه عالم بقضائهم بل يصدق عليه انه عالم بفتوى الفقيه بقضائهم بلحاظ انها طريق إلى قضائهم.

يظهر هذا بوضوح من مراجعة العرف في سائر موارد استعمال هذه اللفظة فإنهم لا يطلقون العالم بالطب مثلا و الطيب على من سمع جملة من المسائل الطبية من طبب تقليدا، و انما يطلقونه على من علم بها استدلا لا فتدبر.

و ثالثا: بأنه لو سلم فغايته الإطلاق و يكفي في تقيده كما أشرنا ما يدل بوضوح على اعتبار النظر و الاجتهاد كما سيمر بك مفصلا.

و منها: خبر الحلبي قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ربما كان بين الرجلين من أصحابنا المنازعة في الشي ء فيتراضيان برجل منا فقال ليس هو ذاك و انما هو الذي يجبر الناس على حكمه بالسيف و السوط «1».

تقريب الدلالة من وجهين:

______________________________

(1) الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح/ 8

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 256

..........

______________________________

الأول: إطلاق قوله رجل منا فإنه يشمل المقلد و ترك الاستفصال دليل العموم و الثاني: حصر عدم الجواز فيمن يجبر الناس بسيفه وسوطه دليل على جواز الرجوع الى غيرهم مطلقا.

نوقش أولا: بأن الظاهر من قوله عليه السّلام ليس هو ذاك هو كون الكلام مسبوقا بسابقة بين المتخاصمين غير منقولة إلينا فلعله كان الخبر مسبوقا بأمر لو كان مذكورا لما فهمنا منه ما يفهم منه فعلا و كلما كان الكلام محفوفا بما يصلح للقرينية يشكل بل لا يصح الاحتجاج و الاعتماد عليه، و كذا لا يكون الظاهر حجة إذا احتف الكلام بما يحتمل صرف الظاهر عن ظهوره.

و بالجملة يشكل

الاعتماد على الإطلاق و ترك الاستفصال بعد احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية.

و ثانيا: انه لم يكن الكلام مسوقا لبيان الترافع الى قضاة المؤمنين ليصح التمسك بإطلاقه بل المتراءى من الخبر النهى عن المراجعة إلى قضاة العامة فلا يصح التمسك بالإطلاق.

و ثالثا: ان الحصر في الخبر إضافي لعدم تمامية الحصر في طرفي القضية لأن مفاد الحصر ان كل من لم يجبر الناس بالسيف و السوط يجوز له الحكم و القضاء، لوضوح ان المخالفين و الفاسقين و من يحذو حذوهم و ان لم يجبروا بالسيف و السوط لا يجوز الترافع عندهم، و ان امام العدل مثل أمير المؤمنين عليه السّلام ان قام بالسيف و السوط يجب إتيانه.

و المترائى من قوله عليه السّلام (ليس هو ذاك و انما هو الذي يجبر الناس إلخ) كناية عن نهى المراجعة إلى قضاة العامة، لا بصدد بيان صحة الترافع و المراجعة الى كل أحد من المؤمنين فلا يستفاد من قوله رجل منا، و لا من الحصر قضية مطلقة، و هو جواز تصدى كل مؤمن لمنصب القضاء، و ان لم يكن مجتهدا عالما.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 257

..........

______________________________

و رابعا: انه لو أغمض عما ذكرنا فغايته الاستدلال بالإطلاق و يكفي في تقييده كما أشرنا و سيمر بك بوضوح مقبولة عمر بن حنظلة و غيرها.

و منها: غير ذلك من الاخبار.

الوجه الثالث: الأمر الاعتباري و قد أشار إليه صاحب الجواهر (قدس) و أومى إليه في بعض الكتب و استفدناه من بحث أستاذنا العلامة الخمينى (دام ظله) و حاصله.

هو انه يستدل لصحة الرجوع الى المقلد بان الاجتهاد بهذا المعنى المتعارف- من لدن شيخ الطائفة (قدس) الى زماننا هذا- لم يكن في

الصدر الأول بل المحدثون في الصدر الأول مثل المقلدين الآخذين أحكام اللّه من الفقهاء فهم كانوا يسمعون الأحاديث و الحلال و الحرام من صراح الوحي و يكون قوله عليه السّلام حجة لهم كما هو الشأن في حال أكثر المحدثين في زماننا هذا.

فعلى هذا يكون المتبادر من قوله عليه السّلام ممن روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا، و عرف أحكامنا غير ما هو المتبادر منها في زماننا و الملاك ملاحظة ذلك الزمان.

و بالجملة ليس المراد مما في المقبولة من كان له قوة الاستنباط بالمعنى المعهود في زماننا بل المراد منه من علم الأحكام بأخذ المسائل من لفظ الامام عليه السّلام أو الفقيه كما هو الشأن في تلك الأزمنة.

و فيه أولا: انه كما يساعده الشواهد و الأدلة و قد أشرنا إلى بعضها فيما تقدم و لعله يأتي بعضها الأخر هو وجود الاجتهاد و الاستنباط في الصدر الأول و كان في ذلك العصر لمثل زرارة بن أعين، و محمد بن مسلم، و يونس بن عبد الرحمن و نظرائهم موقف عظيم و قد كانوا يميزون الاخبار الغث عن السمين و يعرفون مذاق أئمة أهل البيت عليهم السّلام و يميزون الأخبار الصادرة لبيان الأحكام الواقعية عما صدرت تقية و قضية قول زرارة لمن نقل قول المعصوم:- أعطاه من جراب النورة- شاهد صدق للمقال.

و قد ذكرنا مقال الشيخ الكبير كاشف الغطاء (قدس) «انه كان في زمان

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 258

..........

______________________________

أئمتنا عليهم السّلام: الزرارية و اليونسية و نحوهم و قد أمروا صلوات اللّه عليهم بالرجوع الى بعض أصحابهم كما أمروا بالرجوع الى يونس بن عبد الرحمن و يحيى بن زكريا و نحوهما

و الظاهر ان المراد الرجوع في الفتوى دون الرواية» «1».

و مما يدل على وجود الاجتهاد في الصدر الأول: ان المنصوبين للقضاء من قبل خلفاء الجور كانوا من الفقهاء الواجدين لقوة الاستنباط كشريح القاضي المنصوب من قبل أمير المؤمنين بقاءا، و ابن ابى ليلى، و ابن شبرمة، و قتادة و أضرابهم.

و بالجملة من تفحص و سبر حال أجلاء الرواة في الصدر الأول يجد ما ذكرناه بل يطمئن انه كان في ذلك العصر فقهاء عارفون بأحكامهم و ناظرون في حلالهم، و حرامهم.

نعم لم تكن مؤنة الاجتهاد لهم بهذه الصعوبة التي بلينا في الأعصار المتأخرة بل كانت سهلة، فهم بلحاظ كونهم عند صراح الوحي و كثير منهم كانوا أهل اللسان يسهل عليهم معرفة الأحكام و النظر فيها من دون احتياج الى كثير من مقدمات الاجتهاد و عدم احتياجهم الى التكلف و بذل الجهد الشديد مما يحتاج إليها في هذه الأعصار مما هي غير دخيلة في تقوم الموضوع و انما هي دخيلة في تحققه، فقيود الموضوع و هي ما عينه المقبولة من الأوصاف كانت حاصلة لكبار محدثي الصدر الأول من غير مشقة، و لفقهائنا مع تحمل المشاق.

و بالجملة العناوين المأخوذة في المقبولة و غيرها: من النظر في حلالهم و حرامهم و عرفان أحكامهم و غير ذلك منطبقة على هؤلاء المحدثين و الرواة كما تكون منطبقة على المجتهدين و الفقهاء من هذه الأعصار فهم مشتركون معهم فيما هو مناط النصب و امتياز المجتهدين في زماننا عنهم انما هو في أمر خارج عما يعتبر في النصب و هو تحصيل قوة الاستنباط بالمشقة و بذل الجهد و تحمل الكلفة في معرفة الأحكام مما لم يكن في الصدر الأول.

______________________________

(1) الحق المبين في تصويب

المجتهدين و تخطئة الأخباريين/ 61

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 259

..........

______________________________

فالقول بأنه لم يكن في الصدر الأول أهل النظر و الاجتهاد موجود و جميعهم نقلة الحديث و الرواية فقط ناش عن قلة الاطلاع بأحوالهم، و اسائة الأدب بساحتهم.

فتحصل: ان قيود الموضوع المذكورة في المقبولة دخيلة في المتصف بالقضاء و هي حاصلة لهؤلاء الرواة و المحدثين من غير مشقة، أو مع مشقة قليلة، و لفقهائنا مع تحمل المشاق و الزحمات الأكيدة، و اما المقلد فخارج عن الموضوع رأسا لعدم صدق الأوصاف عليه، فكما انها غير منطبقة على من لم يطلع على الأحكام الصادرة من قبلهم إلا بالمراجعة إلى الرسالة العملية للمجتهد فكذلك غير منطبقة على من حفظ الأحاديث الصادرة عن أئمة أهل البيت عليهم السّلام و لكن غير واقفين بمراداتهم غير مائزين غثها عن سمينها غير متمكنين من الجمع بين متعارضاتها و غير قادرين على التوفيق العرفي بين مطلقاتها و مقيداتها و عموماتها و خصوصاتها.

و ثانيا: لو سلم عدم وجود فقيه ناظر في الحلال و الحرام، عارف بالأحكام في الصدر الأول و في عصرهم عليهم السّلام لكن لا يضر بما نحن بصدد إثباته لأن جواز تصدى منصب القضاوة و الحكومة في المقبولة علق على من كان عارفا بأحكامهم و ناظرا في حلالهم و حرامهم على سبيل القضية الحقيقية، أو الطبيعية فمن اتصف بالعنوان في أي عصر و زمان يصح له ذلك و الا فلا و واضح ان العامي و من لم يبلغ مرتبة الاجتهاد لم يكن ينطبق عليه ذلك.

فظهر انه لم يوجد لنا دليل يصح الركون اليه لما ذهب اليه الفقيه الماهر صاحب الجواهر (قدس) من جواز تصدي المؤمن العارف بموازين

القضاء و ان كان عن تقليد بل أشرنا كما سيظهر لك عن قريب جليا قيام الدليل على اعتبار النظر و العرفان في متصديه فارتقب.

و قد عرفت دعوى الإجماع على اعتبار الاجتهاد في القاضي عن جماعة من الأساطين منهم الشهيد الثاني في المسالك.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 260

..........

______________________________

و مما يؤيد ما ذكرنا ما أشار الماتن (قدس) في كتاب القضاء من ان البحث في صلاحية العامي لمنصب القضاء بحث علمي مدرسي لا خارجية له بلحاظ ان التفات المقلد الى جميع المزايا و الدقائق و الخصوصيات المتعلقة بالوقائع و ما فيها من الأحكام في غاية البعد بل قريب من المحال «1».

بل لو خلينا و أنفسنا و لاحظنا الخارج نرى انه لا يمكن ان يتصديها كل مجتهد و عارف بالأحكام بل لا بد و ان يكون الأوحدي منهم و قد سمعنا و شاهدنا إن القضاة من الصدر الأول إلى زماننا هذا كان شأن طائفة مخصوصة من العلماء كما هو المسموع و المشاهد من سائر الدول الراقية و الممالك المتمدنة اصطلاحا و اسما.

و لو شك في شمول أدلة النصب للعامي للشك في اعتبار الاجتهاد في صدق عنوان الناظر في الحلال و الحرام، و العارف بأحكامهم و نحو ذلك بلحاظ صدقه على من عرفها و ان كان من طريق التقليد، أو لأجل أن الآيات المباركات ليست بصدد تعيين الحاكم و انما هي بصدد بيان ان القضاوة لا بد و ان تكون بالعدل و القسط فلا مجال للمتمسك بإطلاقها.

أو لأجل ان الاخبار انما وردت في قبال المخالفين للدلالة على عدم جواز الترافع الى أهل الجور و الفسوق، و ان الايمان معتبر في القضاء و اما ان

القاضي يعتبر ان يكون مجتهدا أو يكفي كونه عالما بالقضاء بالتقليد الصحيح أو يعتبر ان يكون رجلا الى غير ذلك من الأمور فليست الاخبار بصدد بيانها بوجه صحيح.

فاذا القدر المتيقن من دليل النصب من قبلهم هو المجتهد دون من لم يبلغ مرتبة الاجتهاد و هو الخارج عن الأصل الذي أسسناه.

فبما ذكرنا كله ينقدح ضعف رد صاحب الجواهر (قدس) الإجماع المدعى في دليلهم بقوله: «و اما دعوى الإجماع التي قد سمعتها فلم أتحققه بل لعل المحقق

______________________________

(1) ملحقات العروة الوثقى ج 2/ 7

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 261

..........

______________________________

عندنا خلافه» «1».

حكم اعتبار مطلق الاجتهاد في منصب القضاء

ثم انه بعد الفراغ عن اعتبار الاجتهاد في منصب القضاء يقع الكلام في كفاية مطلق الاجتهاد فيه حتى يصح تصدى المتجزى لمنصب القضاء، أو يعتبر الاجتهاد المطلق وجهان بل قولان.

و ليعلم أولا ان الاجتهاد قد يطلق و يراد منه استنباط الحكم من أدلته، و قد يطلق و يراد قوة منه الاستنباط و ملكة رد الفروع إلى الأصول فالمجتهد المطلق على الأول هو الذي استنبط جميع الأحكام من أدلتها فعلا، و المتجزي في قباله من استنبط بعض الأحكام من أدلتها فعلا فقط.

كما ان المجتهد المطلق على الإطلاق الثاني هو الذي يكون له ملكة استنباط جميع الأحكام و لو لم يستنبط جميعها و مقابله المتجزى و هو الذي لم تكن له قوة كذلك.

عدم كفاية ملكة الاجتهاد في القضاء

ثم لا يخفى انه لم يوجد في الروايات ما يستفاد منه صلاحية الواجد لملكة الاجتهاد فقط لإشغال منصب القضاء، لان عمدة روايات الباب هي مقبولة عمر بن حنظلة، و روايتا ابى خديجة، و التوقيع الشريف، و واضح ان قوله عليه السّلام: (عرف أحكامنا) في المقبولة، و قوله عليه السّلام: (يعلم شيئا من قضايانا- قضائنا) في رواية ابى خديجة، و قوله: عليه السّلام (و عرف حلالنا و حرامنا) في روايته الأخرى، يدل بوضوح على اعتبار العلم و العرفان الفعلي بالأحكام فلا يصلح للقضاء من له قوة الاستنباط فقط فتدبر.

______________________________

(1) جواهر الكلام ج 40/ 19

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 262

الإجماع و الاخبار التي استدل بها لاعتبار الاجتهاد المطلق في القضاء
اشارة

______________________________

إذا أتمهد لك هذا فنقول يستدل لاعتبار الاجتهاد المطلق في القاضي مضافا الى الإجماع المدّعى في كلام بعضهم بجملة من الاخبار التي عمدتها قوله عليه السّلام في المقبولة:

ينظران الى من كان منكم ممن قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا «1».

فان المصدر المضاف في الفقرتين الأوليتين، و الجمع المضاف في الفقرة الأخيرة يفيدان العموم فمن كان راويا لجميع أحاديثهم و ناظرا في كل ما يكون حلالا و حراما عندهم و عارفا بجميع أحكامهم يكون منصوبا للقضاء.

و قوله عليه السّلام في مشهورة ابى خديجة.

اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا و حرامنا فانى قد جعلته عليكم قاضيا، و إياكم ان يحاكم بعضكم بعضا الى السلطان الجائر «2».

تقريب الدلالة ظاهر مما ذكرناه في المقبولة فإن المفرد المضاف يفيد العموم و بما ذكرنا يظهر دلالة قول مولانا الصاحب جعلني اللّه من كل مكروه فداه في التوقيع الشريف:

و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم و انا

حجة اللّه «3».

فالمتصدى لمنصب القضاء، و المنصوب للقضاء لا بد و ان يكون راويا لأحاديثهم في جميع الأحكام بواسطة الروايات المأثورة عنهم و ناظرا في مداليلها و رفع معارضاتها، أو الجمع بينها عارفا بجميع ما يكون حلالا و حراما لديهم، و لا أقل جل ذلك هذا.

______________________________

(1) الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي ح/ 1

(2) الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي ح/ 6

(3) الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي ح/ 9

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 263

المناقشة في الإجماع و الاخبار

______________________________

قلت: قد يناقش فيما ذكر.

اما في الإجماع فلو سلم تحققه فلا يكاد ينفع في مثل المقام الذي يستدل له ببعض الوجوه لاحتمال ان يكون ذلك مدرك المجمعين فلا يكاد يستكشف رأى المعصوم به.

و اما الاستدلال بفقرات المقبولة فحاصل ما استفدناه من أستاذنا العلامة الخمينى دام ظله هو ان وقوع الفقرات في مقابل المنع عن الرجوع الى حكام الجور و قضاتهم يمنع عن استفادة العموم لعدم معرفتهم جميع الأحكام بل قلما يوجد له مصداق في الخارج ضرورة انه لو كان فينا، أو فيهم فقيه بارع فإنما استنبط أو يستنبط أكثر المسائل التي يبتلى بها نفسه أو مقلديه و اما استنباط جميع المسائل و الفروع من جميع الأبواب فلا الا من كان له قوة قدسية.

و بالجملة الظاهر من قوله عليه السّلام عرف أحكامنا إلخ المعرفة و النظر الفعليين بأحكامهم و هي غير حاصلة لغير أئمة أهل البيت عليهم السّلام بل غير ممكن حصولها عادة الأمن كانت له قوة قدسية فيكون جعل منصب القضاء لمن عرف، أو يعرف جميع الأحكام لغوا فتكون ذلك قرينة على ان المراد منها عرفان جملة معتدا بها من أحكامهم

هذا أولا:

و ثانيا: لو فرض إمكان المعرفة الفعلية لجميع أحكامهم و وجوده خارجا فلا طريق لنا لتشخيصه بداهة انه لا يمكن الاطلاع على حاله الأمن كان في رتبته أو أعلم منه فلا معنى للأمر بالرجوع اليه.

فلا بد و ان يراد منها غير ما هو المترائى منها بدوا و لكن يجب ان يكون بحيث يصدق عليه انه راو لأحاديثهم، و عارف بأحكامهم، و ناظر في حلالهم و حرامهم، و من تحصل له مقدارا معتدا به منها يصدق عليه انه راو لأحاديثهم و عارف بأحكامهم و ناظر في حلالهم و حرامهم.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 264

..........

______________________________

نعم بمناسبة الحكم و الموضوع لا بد و ان يكون عالما بجميع ما وليه لأنه بعد تصديه للقضاء يراجع اليه من جميع النواحي و الأطراف التي يتعارف المراجعة فيها اليه، و واضح انه لم تكن منازعاتهم و مرافعاتهم من سنخ واحد، و نسق فأرد، فلو لم يكن القاضي عارفا بجميع موازين القضاء يلزم الهرج و المرج، و تضييع شئونه و سقوطه بين الناس.

و بما ذكرنا يظهر حال ما في مشهورة ابى خديجة و التوقيع الشريف.

و على هذا يحمل قوله عليه السّلام في صحيحة ابى خديجة قال:

قال أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليهما السّلام: إياكم ان يحاكم بعضكم بعضا الى أهل الجور و لكن انظروا الى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا (قضائنا) فاجعلوه بينكم قاضيا فانى قد جعلته قاضيا فتحاكوا إليه «1».

فإن ظاهرها ان من استنبط قليلا من قضاياهم الصادق على معرفة مسئلة أو مسئلتين مثلا يجوز له تصدى القضاء خصوصا على نسخة (قضائنا) لصدقه على من عرف بعض القضايا الصادرة عنهم في فصل

الخصومات.

المراد بالمتجزى المنصوب للقضاء
اشارة

و قد عرفت انه لا يمكن الالتزام به لما أشرنا أن منازعات الأمة الإسلامية ليست على نسق واحد، فلو لم يكن القاضي عارفا بجميع موازين القضاء يلزم الهرج و المرج و سقوط القاضي من بين الناس.

أضف الى ذلك كما أشرنا أن الأئمة المعصومين عليهم السّلام غير أمير المؤمنين و الامام المجتبى في برهة من الزمان لم يكن لهم بسط يد و خلافة ظاهرية فلم يكن لهم قضاؤه كما كان لهما عليهما السّلام فالمراد بالقضايا بهذه القرينة الأحكام الشرعية الصادرة عنهم فمن عرف و استنبط جملة من الأحكام بحيث يصدق انه عارف بقضاياهم فيجوز

______________________________

(1) الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح/ 5

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 265

..........

______________________________

له تصديه للقضاء مع عرفانه بجميع ما وليه.

فظهر و تحقق مما ذكرنا جواز تصدى المجتهد المتجزى العالم بموازين القضاء لمنصب القضاء و يصح له فصل الخصومة و هو المنصوب من قبلهم للقضاء فاذا منصب القضاء مختص بالفقهاء و لاحظ للعامي منه.

فبعد ما تمهد لك ما ذكرنا و عرفت ان العامي غير منصوب من قبلهم صلوات اللّه عليه للقضاء فحان التنبيه على جهتين مترتبتين الاولى في انه هل يجوز للفقيه الجامع للشرائط نصب العامي العارف بمسائل القضاء تقليدا للقضاء أم لا؟ و الثانية في انه لو لم يجز ذلك أيضا فهل يجوز توكيل الفقيه مقلده العارف للقضاء أم لا؟ فالكلام يقع في جهتين.

الجهة الاولى في انه هل يجوز للفقيه نصب العامي العارف بمسائل القضاء تقليدا للقضاء أم لا؟
اشارة

قد يقال بجواز نصب الفقيه الجامع للشرائط: العامي العارف بمسائل القضاء تقليدا للقضاء مستدلا بعموم أدلة ولاية الفقيه.

بتقريب أن للنبي و الوصي صلوات عليهما نصب كل أحد للقضاء مجتهدا كان أو مقلدا إذا كان عارفا بالمسائل بمقتضى سلطنتهما و ولايتهما

المطلقة على الأمة، فكل ما كان لهما يكون للفقيه الجامع بمقتضى عموم ولاية الفقيه.

و بالجملة كما كان للنبي أو الإمام صلوات اللّه عليهما نصب الفقيه الجامع للقضاء يصح لهما نصب العامي العارف بمسائل القضاء و كلما صح لهما صح للمجتهد الجامع، فيصح للفقيه الجامع نصب العامي العارف لذلك بحيث ينفذ حكمه لكل أحد حتى بالنسبة إلى الفقيه الذي نصبه، و يحرم مخالفته.

ذكر ما يوجه لجواز نصب العامي للقضاء و دفعه

و لا يخفى ان هذا الاستدلال يلتئم من مقدمتين لا بد من إثباتهما أما الأولى

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 266

..........

______________________________

فهي إثبات انه يجوز للنبي و الأئمة المعصومين صلوات اللّه عليهم بسبب الولاية العامة الثابتة لهم بالآيات و الاخبار و ضرورة المذهب نصب كل أحد لمنصب القضاء، و اما الثانية فهي ان كل ما ثبت لهما فهو ثابت للفقيه بأدلة عموم الولاية.

فإذا تمت هاتان المقدمتان فينفذ حكم العامي العارف المنصوب للقضاء من قبل الفقيه الجامع بالنسبة الى كل أحد.

و لكن ردت: المقدمة الأولى بأن مقتضى مقبولة عمر بن حنظلة هو ان منصب القضاء انما هو للفقيه الواجد لصفات مخصوصة فيستفاد منها انه حكم الهى لا يجوز التعدي عنها.

و بالجملة ارجع الامام عليه السّلام فيها هذا المنصب الى من كان واجدا لصفات مخصوصة فلو كان تصح المراجعة إلى غيره لوجب عليه ان يعينه لأنه عليه السّلام في مقام بيان من يرجع اليه.

و لكن نوقش في دلالة المقبولة بأنها لا تدل الأعلى نصب الامام عليه السّلام الفقيه العادل و اما كون ذلك بإلزام شرعي حتى يستفاد منها ان الفقاهة من الشرائط الشرعية للقضاوة فلا.

و بالجملة النصب فيها و ان كان للفقيه العادل الا انه لا يستفاد منها انحصار المتصف

به فلعل ذلك بلحاظ كونه فردا جليا لا لكونه كذلك شرعا حتى لا يجوز لغيره تصدى القضاء.

و لكن يمكن الاستدلال لذلك بقوله عليه السّلام في صحيح سليمان بن خالد المتقدم:

اتقوا الحكومة فإن الحكومة انما هي للإمام العادل بالقضاء العادل في المسلمين لنبي أو وصي نبي «1».

فإن الظاهر منه انها مختصة بهما من قبل اللّه و لا يكون لغيرهما أهلية لها غاية الأمر أدلة نصب الفقهاء لذلك يكون مخرجة إياهم عن الحصر فيبقى الباقي.

______________________________

(1) الوسائل باب 2 من أبواب صفات القاضي ح/ 3

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 267

..........

______________________________

بل يمكن ان يقال ان الفقهاء بوجه أوصياء لكونهم الخلفاء من قبلهم فيكون خروجهم عنه موضوعا فيصح ان يقال ان الحكومة منحصرة بالنبي، أو الوصي، و يراد منه ما يعم الفقهاء.

و بالجملة حصر الحكومة و القضاء بالنبي، و الوصي يسلب أهلية غيرهما لهما و خروج الفقهاء اما موضوعا أو حكما فيبقى الباقي.

و لك ان تقول انه لم يثبت للنبي، و لا للوصي مع ما لهما من الولاية المطلقة جعل منصب القضاء لكل أحد و ان لم يكن له أهلية لذلك لأدائه إلى الظلم و الجور الى مخالفة اللّه و رسوله.

و ذلك لأنه لو صح لهما جعل منصب القضاء لمن ليس له أهلية لذلك فحيث انه يجب اتباع آراء المنصوب من قبلهم لقوله تعالى أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «1».

و حكم القاضي غير الأهل قد لا يكون عن منهاج صحيح، بل على غير موازين الشرع، و الشريعة فيؤيد الى مخالفة اللّه و رسوله، و هو فاسد، فيكون وزان نصبهم غير الأهل وزان قوله تعالى لَوْ كٰانَ فِيهِمٰا آلِهَةٌ إِلَّا اللّٰهُ

لَفَسَدَتٰا «2» فكما ان وجود الهين في الخارج محال و لكن لو فرض وجودهما فيه لفسدت السموات و الأرض فكذلك لا يجوز للرسول و الوصي نصب غير الأهل للقضاء لأدائه إلى مخالفتهما.

أضف الى ذلك عدم معهودية تصدى العامي للقضاء من لدن زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله الى زماننا هذا بل المعهود بينهم هو تصدى المجتهدين له و ناهيك في ذلك بعض الاخبار كقوله عليه السّلام لشريح: جلست مجلسا لا يجلسه الا نبى أو وصى نبي أو شقي «3» و قوله صلّى اللّه عليه و آله انهم خليفتي الى غير ذلك، فإنه يفهم من ذلك ان هذا حكم الهى مخصوص

______________________________

(1) النساء: 4/ 59

(2) الأنبياء: 21/ 22

(3) الوسائل باب 2 من أبواب صفات القاضي ح/ 2

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 268

..........

______________________________

بالنبي أو الوصي غاية الأمر قام الدليل على جواز تصديه للفقيه فلا يجوز للعامي تصديه و لو شك في أهلية العامي للقضاء لاحتمال شرطية الفقاهة في النصب فتكون شبهة مصداقية لقوله تعالى أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ فلا ينفذ حكمه و لا يجب اتباعه هذا كله في المقدمة الاولى.

و اما المقدمة الثانية فقد يقال بعدم تماميتها أيضا لأنه لم يثبت ان كل ما كان للرسول أو الإمام صلوات اللّه عليهما فهو للفقيه ضرورة أنه للنبي صفات و خصائص و أحكام لا يوجد في غيره، و قد تعرضها العلامة الحلي (قدس) في مقدمات نكاح التذكرة فذكر من ذلك ما يقرب ستين امرا مختصة بالنبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله «1»، و كذا للأئمة أهل البيت عليهم السّلام خصائص لا يوجد في غيرهم فلم يثبت عموم ولاية الفقيه بمثل

ما كان لهما صلوات اللّه عليهما.

أضف الى ذلك ان المتأمل في المقبولة صدرا و ذيلا يرى بأنها في مقام بيان وظيفة الفقهاء من حيث بيان الأحكام الشرعية عن مداركها و خصوص القضاء و الحكومة.

و لو سلم دلالتها على عموم ولايتهم فلا بد و ان يحتمل على ذلك احترازا عن التخصيص الأكثر المستهجن لان ما كان للنبي أو الإمام (صلوات اللّه عليهما) غير ثابتة للفقهاء كأمر بالجهاد الابتدائي، و تجهيز الجند لذلك، و الولاية على أموال الناس و أنفسهم، و جواز تطليق المرية المزوجة و تغيير بعض الأحكام الى غير ذلك، فلا يجوز التمسك بإطلاقها لما نحن فيه الا بعد تمسك جماعة معتد بها من الأصحاب و لم يتمسك بها في المقام الا بعض المتأخرين ا ه.

و لكن يمكن ان يقال ان خصائص النبي صلوات اللّه عليه و آله و ان كانت كثيرة الا ان أكثرها ليست من شئون الحكومة و سلطنتها على الأمة و ما يكون مرتبطا بسلطنتهم و حكومتهم ليس بكثير بحيث يستلزم التخصيص المستهجن.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء ج 2/ 565

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 269

..........

______________________________

و اما المقبولة فالإنصاف ان القول بأنها في مقام بيان وظيفة الفقهاء من حيث بيان الأحكام الشرعية و القضاة فقط غير وجيه بداهة ان بيان الأحكام ليس من المناصب و لا معنى لجعله، و تخصيصها بالقضاء و الحكم بين الناس لا وجه له، بعد قوله عليه السّلام فتحاكما الى السلطان أو القضاء فإنه شاهد صدق على أعمية المورد لما يكون مربوطا بالحكومة لأن ما يرجع الى السلطان و الولي غير ما يرجع الى القضاة نوعا.

و المنازعة في الدين أو الميراث قد ترجع إلى القاضي

كدعوى ان فلانا مديون و إنكار الطرف، أو دعوى انه وارث و نحو ذلك، و قد ترجع إلى الولاة، و الأمراء كالتنازع الحاصل بينهما لأجل عدم أداء دينه أو إرثه بعد معلوميته و مرجع هذا النحو من المنازعات الأمراء، فإذا قتل ظالم شخصا من طائفة مثلا و وقع النزاع و التشاجر بين طائفتين فالمرجع لرفع النزاع و التشاجر، و رفع الغائلة هو الولاة و لذا قال عليه السّلام فتحاكما الى السلطان أو القضاة و من الواضح عدم تدخل الخلفاء في ذلك العصر بل مطلقا في المرافعات التي ترجع إلى القضاة و كذلك العكس.

فعلى ما ذكرنا كل منازعة يرجع الى القاضي ليحكم بما هو الحق بينهما فاذا تراضيا و أخذا بحكم القاضي فهو و الا فيرجع الأمر إلى الحاكم لإجراء هذا الحكم و إنجازه ففي كل منازعة شخصية جهتان جهة قضائية و جهة حكومية غير ان الثانية في طول الاولى غالبا من غير فرق بين كون المتنازع فيه امرا ماليا أو حقوقيا أو غيرهما.

فظهران السؤال عن مسئلة الدين أو الميراث لا يوجب اختصاص المقبولة بمسئلة قضائية، و قوله عليه السّلام بعد ذلك فتحاكما الى السلطان، أو القضاة شاهد صدق على ما ذكرناه.

و لك ان تفطن مما ذكرناه ان انطباق قول الصادق عليه السّلام: (من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم الى الطاغوت) على الولاة أوضح منه على القضاة بل لو لا القرائن لكان الظاهر منه خصوص الولاة لدخول القضاة من الولاة فيه سيما مع

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 270

..........

______________________________

مناسبة الحكم و الموضوع و مع استشهاده عليه السلام بالاية التي هي ظاهرة فيهم في نفسها.

فعلى ما ذكرنا يصح

ان يقال ان مقتضى إطلاق المقبولة انه عليه السّلام بصدد جعل مطلق الحكومة سياسية كانت أو قضائية للفقيه الجامع للشرائط.

شبهة في دلالة المقبولة لنصب الولاية و الحكومة من قبل الامام عليه السلام و دفعها

بقيت هنا شبهة أشار إليها و الى دفعها أستاذنا العلامة الخمينى دام ظله.

أما الشبهة فهي ان الامام عليه السّلام و ان كان خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ولى الأمر و له نصب الولاة و القضاة لكن لم تكن يده مبسوطة بل كان في سيطرة خلفاء الجور فلا اثر لجعل منصب الولاية لأشخاص لا يمكن لهم القيام بأمرها، و اما نصب القضاة فله أثر في الجملة كما لا يخفى.

و اما دفعها فلوجود أثر في الجملة لجعل الولاية عند ذاك لان جعل المرجع للشيعة يوجب رجوعهم اليه و لو سرا في كثير من الأمور- كما نشاهد بالضرورة- هذا أولا.

و ثانيا: ان لهذا الجعل سرا سياسيا عميقا و هو طرح حكومة عادلة إلهية و تهيئة بعض أسبابها حتى لا يتحير المتفكرون لو وفقهم اللّه لتشكيل حكومة إلهية بل هو زائد على الطرح بعث لهم الى ذلك كما هو واضح.

و الغالب في العظماء من الأنبياء و غيرهم الشروع في الطرح أو العمل من الصفر تقريبا.

فهذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد قام بأعباء الرسالة و لم يؤمن به في أول تبليغة الأعلى بن أبي طالب و زوجته الجليلة فنشر الدعوة عن عزم راسخ و ارادة قوية قدسية، و تحمل المشاق طيلة حياته حتى بلغ الى نشر الإسلام في ارجاء العالم و بلغت عدد المسلمين في الحال أكثر من الميليارد نسمة و سيزيد إن شاء اللّه.

و قد عين صلّى اللّه عليه و آله خلفاء بخصوصهم، و هم أئمة أهل البيت عليهم السّلام و في

طليعتهم

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 271

..........

______________________________

على بن أبي طالب عليه السّلام و لكن لم يقبلوا منه الا إفراد لا تتجاوز عددهم عن عدد رؤس الأصابع و كان في نصبهم و تعيينهم مصالح، منها تحقق امة عظيمة بلغت في الحال شيعة أئمة أهل البيت عليهم السّلام أكثر من مأتي ميليون و سيزيد إن شاء اللّه بحيث تفوق جميع فرق المسلمين بل جميع الأديان و يكون جميع العالم تحت راية بقية اللّه الأعظم حجة بن الحسن العسكري جعلني اللّه من كل مكروه فداء اللهم عجل فرجه، و اجعلنا من اتباعه و أنصاره و الذابين عنه.

و بالجملة قد أسس الامام الصادق عليه السّلام بهذا الجعل أساسا قويما للأّمة و المذهب بحيث لو نشر هذا الطرح و التأسيس في جامعة التشيع و أبلغه الفقهاء، و المتفكرون الى الناس و لا سيما الجوامع العلمية و ذوي الأفكار الراقية لصار ذلك موجبا لانتباه الأمم خصوصا الأمة الإسلامية و التفاتهم اليه.

و لو سلم عدم دلالة المقبولة و غيرها على ثبوت الولاية للفقيه الجامع الا انه يكفى لإثباتها من باب كون الحكومة من الأمور الحسبية التي لا يرضى الشارع بتركها كما سنشير إليه إجمالا و المتيقن منها في عصر الغيبة الفقيه الجامع.

فتحصل مما ذكرنا ثبوت الولاية للفقيه الجامع للشرائط في إدارة شئون المجتمع، و لكن لا يتم الأمر بهذه المقدمة لجواز جعل الفقيه منصب القضاء للعامي و غير الأهل للقضاء ما لم تنظم إليها المقدمة الاولى و قد عرفت عدم ثبوت ولاية للإمام عليه السّلام نصب غير الأهل للقضاء فما ظنك للفقيه.

فظهر انه لا يصح للفقيه الجامع للشرائط نصب العامي العارف بمسائل القضاء تقليدا للقضاء.

و ليعلم

ان ما ذكرناه في هذه الجهة مقتبس و متخذ مما استفدناه من مجلس درس أستاذنا العلامة الخمينى دام ظله و ما أورده في الرسائل «1» و كتاب البيع «2»

______________________________

(1) الرسائل/ 117

(2) كتاب البيع ج 2/ 148 إلى 182

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 272

الجهة الثانية في انه هل يجوز توكيل الفقيه مقلده العارف للقضاوة أم لا الفرق بين نصب العامي للقضاء من قبل الامام و بين نصبه من قبل الفقيه و بين وكالته عن الفقيه
اشارة

______________________________

الفرق بين هذا البحث و البحثين المتقدمين في العامي العارف هو ان النظر في البحث الأول هو انه هل يشترط في القاضي الاجتهاد أو يكفي عرفانه بمسائل القضاء و لو تقليدا؟ و مقتضاه على تقدير الثبوت هو ان العامي في عرض المجتهد ينال منصب القضاء.

كما ان النظر في المبحث الثاني هو انه بعد عدم ثبوت منصب القضاء للعامي العارف من قبل الامام عليه السّلام هل يمكن للفقيه الجامع للشرائط جعله له؟ بحيث يستقل العامي بعد جعله في أمر القضاء و له الحكم بما يراء بحيث يجب على الفقيه اتباعه أو لا يمكنه ذلك؟.

و بعد عدم ثبوت النصب له من قبل الامام عليه السّلام و لا من قبل الفقيه يقع الكلام في انه هل يجوز توليه للقضاء من قبل الفقيه وكالة و نيابة عنه؟ بحيث يكون نفوذ حكم العامي الوكيل لكونه حكم الفقيه، و بإجازة منه و بالجملة يكون حكمت و قضيت الذي يقوله العامي هو حكم الفقيه و قضائه الذي وكله.

الاختلاف في جواز وكالة العامي من قبل الفقيه للقضاء
اشارة

و كيف كان اختلفوا في جواز تولى العامي العارف من قبل الفقيه وكالة فقال بعض بالجواز، و ذهب ثلة من الأصحاب إلى العدم و عمدة مستند القولين وجود الإطلاق أو العموم لأدلة الوكالة و عدمه فان كان لها إطلاق أو عموم تعتبر الوكالة في كل شي ء و لا شي ء فتصح وكالة العامي العارف من قبل الفقيه و الا فلا.

و غاية ما يتمسك لذلك أحد أمرين على سبيل منع الخلو.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 273

الأمر الأول بناء العقلاء

______________________________

يقرر ذلك ان الوكالة كالبيع و الصلح و نحوهما من الأمور العقلائية التي استقر بنائهم عليها و تدور معاشهم عليها، و كلما كان كذلك يترتب عليه الآثار المطلوبة منه و لا يحتاج الى شمول إطلاق أو عموم إياه.

نعم لا بد و ان لم يردع عنه الشارع فان ردع الشارع عن طريقة معهودة بينهم كالرباء و القمار و نحوهما فيترك ما بنو عليه و الا فيتبع.

و بالجملة إذا استقر بنائهم على عمل يتبع ما لم يردع عنه الشارع من دون احتياج لترتب الأثر عليه على دليل خاص و بناء العقلاء استقر على توكيل الفقيه مقلده العارف بموازين القضاء، للقضاء و لم يردع عنه فيستكشف رضاه به.

و فيه أولا: انه كما أشرنا ان الأصل عدم نفوذ حكم أحد في حق غيره الا ما دل الدليل عليه و قد تقدم ان المستفاد من الأدلة هو ان القضاء حق للنبي، أو الوصي و الفقيه الجامع للشرائط قائم مقام الوصي أو ما بحكمه.

فاذا يمكن ان يقال ان اخبار الباب و في طليعتها صحيح سليمان بن خالد المتقدم/ 266- تدل على عدم جواز تصدى غير الفقيه للقضاء.

و توهم ان غاية ما

يستفاد من اخبار الباب خصوصا صحيح سليمان بن خالد هي عدم جواز تصدي القضاوة أصالة لغير هؤلاء، و اما تصديه عن قبل من قام مقام الوصي أو بحكمه فلا.

مدفوع بان الظاهر منها ان القضاوة لا بد و ان يكون فعل أحد من هؤلاء مباشرة و واضح ان فعل الوكيل لم ينزل منزلة فعل الموكل حتى يقال ان قضاء الوكيل قضاء موكله بل الفعل حقيقة فعل الوكيل فوض سلطنته اليه.

ان قلت فان لم تصح وكالة العامي عن قبل الفقيه فليجز نيابته عنه و واضح ان اعتبار عنوان النيابة عند العقلاء غير اعتبار عنوان الوكالة، و النيابة هي تنزيل

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 274

..........

______________________________

النائب منزلة المنوب عنه فيكون فعل النائب فعل المنوب عنه.

قلت: نعم فرق بينهما لكن من القريب جدا ان يكون مباشرة النبي، و الوصي و الفقيه دخيلة في العمل فيشك في نفوذ قضاء العامي النائب، و الشك في صلاحيته يكفى لعدم نفوذ حكمه.

و ثانيا: انه لم يثبت بناء منهم في تصدى كل أحد و لو كان عاميا للقضاء، و لو ثبت فإنما يصلح دليلا لو ثبت البناء المذكور في عصر الأئمة عليهم السّلام لما أشرنا غير مرة انه لم تدل آية و لا رواية معتبرة على حجية بناء العقلاء حتى يؤخذ بإطلاقها أو عمومها فلا بد في كل مورد من إحراز رضي الإمام المعصوم عليه السّلام به و لو بعدم الردع، و واضح انه يستكشف رضاه إذا كان البناء بمرئي منه و مسمع فالدليل في الحقيقة هو رضي المعصوم عليه السّلام فلا بد من إحراز وجود هذا البناء في عصره عليه السّلام فلو لم يحرز البناء أو ثبت

خلافه فلا يتم الاستدلال.

و من الواضح لدى الخبير ان متصدي القضاء من لدن صدر الإسلام إلى زماننا لم يكن الا طوائف و اشخاص معينين واجدين لبعض المزايا و الخصوصيات و لو ادعى السيرة و البناء على عدم تصدى العامي لمنصب القضاء لم يكن جزافا.

و ان أبيت عن ذلك فلا أقل من عدم إحراز قيام السيرة على تصدى العامي.

فتحصل مما ذكرنا ان التمسك ببناء العقلاء لجواز تصدى العامي لمنصب القضاء دون إثباته خرط القتاد.

الأمر الثاني السنة

و ما يمكن ان يستدل منها خبران.

أحدهما: صحيح معاوية بن وهب و جابر بن يزيد جميعا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال:

من و كل رجلا على إمضاء أمر من اللامور فالوكالة ثابتة

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 275

..........

______________________________

أبدا حتى يعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها «1».

و الثاني: صحيح هشام بن سالم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام:

في رجل و كل أخر على وكالة في أمر من الأمور و اشهد له بذلك الشاهدين فقام الوكيل فخرج لإمضاء الأمر قال اشهدوا انى عزلت فلانا عن الوكالة فقال عليه السّلام ان كان الوكيل أمضى الأمر الذي و كل فيه قبل العزل فإن الأمر واقع ماض على ما أمضاه الوكيل كره الموكل أم رضي فإن الوكيل أمضى الأمر قبل ان يعلم العزل أو يبلغه انه قد عزل عن الوكالة فالأمر على ما إمضاء «2».

أقول: الخبران متوافقان من حيث المضمون و غاية ما يستظهر منهما انهما بصدد بيان ان الوكالة فيما يصح فيه الوكالة لو ثبت و تحققت لا تزول و لا ترتفع حتى يعلمه بالخروج منها، و لم يكونا بصدد بيان ان الوكالة جارية في جميع الأمور.

هذا أولا:

و

ثانيا: لو سلم دلالتهما على سريان الوكالة في جميع الأمور فإنما هي بالعموم أو الإطلاق، و صحيح سليمان بن خالد المتقدم مخصص أو مقيد لها، لان الوكيل كما أشرنا يباشر القضاوة و الخبر نهى عنها لغير النبي أو الوصي الشامل للفقيه اما موضوعا أو حكما كما تقدم، و حديث النيابة عن الفقيه قد عرفت حاله.

فتحصل مما ذكرنا في هذا المقام ان القضاوة شأن ثابت للفقيه و المجتهد الجامع للشرائط سواء كان مجتهدا مطلقا، أو متجزيا إذا صدق عليه العارف بالأحكام و الناظر في الحلال و الحرام و نحوهما.

و لا يجوز للعامي العارف بموازين القضاء تصدى القضاء لا أصالة في عرض

______________________________

(1) الوسائل باب 1 من أبواب الوكالة ح/ 1

(2) الوسائل باب 2 من أبواب الوكالة ح/ 1

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 276

..........

______________________________

الفقيه و لا نيابة عنه بحيث يكون منصوبا عاما من قبل المجتهد كما كان المجتهد منصوبا من قبل الامام عليه السّلام بل و لا وكالة عن المجتهد في مورد خاص «1».

المبحث الثالث في عدم نفوذ حكم من لم يكن أهلا للقضاء

قال الماتن (قدس): و حكمه ليس بنافذ.

يدل على ذلك الأخبار المتقدمة الدالة على عدم جواز تصدى غير المجتهد للقضاء فإنها بلازمها تدل على انه لو حكم غير الأهل فحكمه غير نافذ بل يكون حكمه كلاحكم.

و بالجملة قوله عليه السلام في صحيح سليمان بن خالد مثلا: انما هي لنبي أو وصى نبي يدل بأوضح دلالة على انه لو تصداها غير الأهل و حكم بحكم لا يكون حكمه نافذا.

مضافا الى ان مقتضى الأصل الذي أسسناه من قبل هو عدم نفوذ حكم أحد كائنا من كان بالنسبة الى أحد إلا ما دل الدليل على ذلك و هو انما يكون فيما

إذا كان القاضي أهلا للقضاء فغير الأهل باق تحت الأصل.

المبحث الرابع في حكم الترافع لدى غير الأهل للقضاء

اشارة

قال (قدس): لا يجوز الترافع إليه.

أقول: الترافع الى غير الأهل تارة لا يكون لفصل الخصومة شرعا و لزوم التعبد بحكمه بل من جهة تراضى المتحاكمين بقول غير الأهل بحيث لو صدق القاضي المدعى تنازل المنكر عما أنكره كما انه لو صدق المنكر تنازل المدعى عما ادعاه مع بقاء حق الدعوى للمدعي لعدم تحقق الفيصلة، و اخرى يكون الترافع لغاية

______________________________

(1) انتهى ما أوردنا نقله من رسالتنا المسماة بالدرر الملتقاط فيما يتعلق بالتقليد و الاجتهاد تقرير ما أفاده أستاذنا العلامة الخمينى دام ظله مخطوط.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 277

..........

______________________________

فصل الخصومة و لزوم التعبد بحكمه بحيث لم يكن للمدعي بعد ذلك حق الدعوى و على الثاني فغير الأهل تارة يكون من الشيعة الا انه غير واجد لشرط الاجتهاد أو العدالة مثلا، و اخرى يكون من قضاة الجور أو من قضاة العامة.

توضيح الحال يستدعي البحث من جهات.

الجهة الاولى في الترافع الى غير الأهل إذا لم يكن الترافع لفصل الخصومة

ربما يقال- و لا يبعد- جواز الترافع الى غير الأهل إذا لم يكن الترافع لفصل الخصومة و لزوم التعبد بحكمه بل من جهة تراضى المتخاصمين مع بقاء حق الدعوى للمدعي.

و الوجه فيه هو انه خارج عن موضوع القضاء و مندرج تحت موضوع المصالحة فمجرد الترافع كذلك لو خليت و نفسه جائز الا ان يترتب عليه عنوان محرم مثل الركون الى الظلمة و قد نهى الركون إليهم في قوله تعالى لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ الاية «1» أو تقوية الظلم، أو صيرورته من أعوان الظلمة الى غير ذلك.

الجهة الثانية في حكم الترافع لدى قاضي الشيعة غير المجتهد أو غير العادل

ربما يقال بعدم ثبوت الحرمة الذاتية للترافع اليه بعنوانه الاولى و غاية ما تقتضيه أدلة اعتبار الاجتهاد أو العدالة أو غيرها هو عدم نفوذ حكمه و قضائه و لا ملازمة بين حرمة القضاء على شخص و بين حرمة الترافع اليه و كم له نظير.

و بالجملة الأدلة الخاصة إنما دلت على حرمة القضاء للشيعة غير الواجد لشرائط القضاء، و اما الترافع لديه فلا، خصوصا إذا لم يجعل الحكم و القضاء منصبا و شغلا لنفسه بل تصدى لهما أحيانا.

______________________________

(1) هود: 11/ 113

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 278

..........

______________________________

و لكن يمكن ان يقال: انه يحرم ذلك لكونه من التشريع المحرم لان الترافع لديه إمضاء عملي لقضاوة من تصدى لها ممن لا أهلية له للقضاء، مع انه يصدق عليه اعانة على الإثم.

هذا إذا لم يصدق عليه الركون الى الظلمة كما لعله كذلك في بعض الموارد و اما إذا كان غير الأهل من أعوان الظلمة فالترافع لديه يكون من مصاديق الركون الى الظلمة و هو حرام، مع انه إعانة للظالم في ظلمة، بل لعله يصدق عند

ذاك التحاكم الى الطاغوت الذي أمرنا أن نكفر به لأنه بتصديه منصبا خطيرا ليس أهلا له يكون طاغيا خصوصا إذا تكرر منه القضاء.

فلا فرق بين طواغيت المخالفين و الموافقين من جهة حرمة الترافع إليهم.

و ربما يصدق على الترافع لديه بعض العناوين المحرمة الواردة في حديث تحف العقول، كترويج الباطل، و توهين الحق، و تقوية الظلم و سدّ أبواب الأئمة و غيرها «1» كما لا يخفى.

الجهة الثالثة في الترافع الى قضاة الجور أو قضاة العامة

حكى نفى الاشكال في حرمة الترافع الى حكام الجور و قضاة العامة و ان كان في حق للنهى عنه في اخبار مستفيضة و حكى عن المسالك انه كبيرة عندنا.

و بالجملة تدل على عدم جواز الترافع إليهم مضافا الى الوجوه التي تقدم ذكرها في الترافع إلى قاضي الشيعة غير الأهل، الأخبار الناهية عن التحاكم الى حكام الجور و قضاة العامة و قد عقد لها بابا في الوسائل و هو الباب الأول من أبواب صفات القاضي نشير الى بعضها:

ففي خبر ابى خديجة عن الصادق عليه السّلام:

إياكم ان يحاكم بعضكم بعضا الى أهل الجور و لكن

______________________________

(1) تحف العقول

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 279

..........

______________________________

انظروا الخبر «1».

و في خبر أخر له قال بعثني أبو عبد اللّه عليه السّلام الى أصحابنا فقال:

قل لهم: إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شي ء من الأخذ و العطاء ان تحاكموا الى أحد من هؤلاء الفساق اجعلوا الخبر «2».

و في مقبول عمر بن حنظلة:

من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم الى الطاغوت و ما يحكم له فإنما يأخذ سحتا و ان كان حقه ثابتا الخبر «3».

و في خبر ابى بصير قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عز

و جل في كتابه وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ وَ تُدْلُوا بِهٰا إِلَى الْحُكّٰامِ فقال يا أبا بصير ان اللّه عز و جل قد علم ان في الأمة حكاما يجورون اما انه لم يعن حكام أهل العدل و لكنه عنى حكام أهل الجور يا أبا محمد انه لو كان لك على رجل حق فدعوته الى حكام أهل العدل فأبى عليك الا ان يرافعك الى حكام أهل الجور ليقضوا له لكان ممن تحاكم الى الطاغوت الخبر «4».

و في بعض الاخبار النهي عن مجالسة قضاة الجور كما في خبر محمد بن مسلم قال:

مربي أبو جعفر أو أبو عبد اللّه عليهما السّلام و انا جالس عند قاضٍ بالمدينة فدخلت عليه من الغد فقال لي ما مجلس رأيتك فيه أمس قال جعلت فداك: ان هذا القاضي لي مكرم فربما جلست اليه فقال لي: و ما يؤمنك أن تتزل اللعنة فتعم من في المجلس «5».

______________________________

(1) الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح/ 5

(2) الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي ح/ 6

(3) الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح/ 4

(4) الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح/ 3

(5) الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح/ 10

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 280

المبحث الخامس في حكم الشهادة عند القاضي غير الأهل

______________________________

لا ينبغي الإشكال في حرمة الشهادة عند قاضي غير الأهل إذا كانت الشهادة بقصد فصل الخصومة: اما لكونها معاونة على الإثم و هي حرام على المختار المشهور بين الأصحاب، و لو نوقشت حرمة المعاونة فلا إشكال في انها إمضاء عملي و رضاء بفعل القاضي المفروض حرمة قضائه فتكون الشهادة محرمة بعنوان أخر غير عنوان الإعانة بل ربما تكون

الشهادة إعانة للظالم في ظلمة و هي محرمة بلا اشكال و لا خلاف، بل ربما تكون الشهادة عنده ركونا إلى الظلمة إذا كان القاضي منصوبا من قبل ولاة الجور، بل كما أشرنا ربما يصدق على الشهادة عنده بعض العناوين المحرمة كترويج الباطل، و توهين الحق، و تقوية الظلم، و سد أبواب الأئمة عليهم السّلام و غيرها، بل قد يقال ان الشهادة عنده تشريع عملي و هو حرام.

هذا إذا كانت الشهادة عنده بقصد فصل الخصومة.

و اما إذا لم تكن بقصده فناقش سيد مشايخنا (قدس) أولا في صدق المعاونة عليه بل قال لا يبعد عدمه فأشكل تحريمها الا من باب الأمر بالمعروف على تقدير اجتماع شرائطه «1».

و لكن فيه: انه لو لم يصدق على شهادته عنوان المعاونة على الإثم الا انه لا إشكال في انها إمضاء و رضاء لعمل القاضي المجرم و قد قرر (قدس) لزوم النهى عنه على تقدير اجتماع شرائطه، بل ربما ينطبق عليه بعض العناوين المحرمة التي أشرنا إليها فيما إذا كانت الشهادة لفصل الخصومة فلاحظ و تدبر.

المبحث السادس في المال الذي يؤخذ بحكمه

اشارة

قال الماتن (قدس) هنا: المال الذي يؤخذ بحكمه حرام و ان كان الأخذ محقا

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى ج 1/ 71

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 281

..........

______________________________

إلا إذا انحصر استنقاذ حقه بالترافع عنده اه.

و لكن يظهر منه (قدس) في كتاب القضاء خلاف ذلك لأنه قال لا يجوز الترافع الى قضاة الجور اختيارا و لا يحل ما أخذه بحكمهم إذا لم يعلم بكونه محقا الا من طرف حكمهم، و اما إذا علم بكونه محقا واقعا فيحتمل حليته و يحتمل الفرق بين العين، و الدين حيث ان الدين كلي في الذمة و يحتاج

في صيرورة المأخوذ ملكا له الى تشخيص المديون بخلاف العين إلخ ما ذكره «1».

حكم القاضي بالحق ليس محللا للحرام واقعا و لا محرما للحلال كذلك

قلت و ليعلم أولا ان النص و الفتوى متطابقان ظاهرا على انه إذا حكم القاضي بالحق على موازين القضاء (بالبينات و الايمان) و لكن لم يكن المحكوم له محقا واقعا لا يحل له ذلك فليس حكم الحاكم بالحق محللا للحرام، أو محرما للحلال.

و إليك بعض اخبار الباب.

ففي صحيح هشام بن الحكم عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنما أقضي بينكم بالبينات و الايمان و بعضكم ألحن بحجيته من بعض فأيّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنما قطعت له به قطعة من النار «2».

و عن تفسير العسكري عليه السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام:

قال كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يحكم بين الناس بالبينات و الايمان في الدعاوي فكثرت المطالبات و المظالم فقال صلّى اللّه عليه و آله ايها الناس انما أنا بشر و أنتم تختصمون و لعل بعضكم ألحن بحجته من بعض و انما أقضي على نحو ما اسمع منه فمن قضيت له من حق أخيه بشي ء فلا يأخذ به فإنما اقطع له قطعة من النار «3».

______________________________

(1) ملحقات العروة الوثقى ج 2 مسئلة 2/ 9

(2) الوسائل باب 2 من أبواب الكيفية الحكم و أحكام الدعوى ح/ 1

(3) الوسائل باب 2 من أبواب الكيفية الحكم و أحكام الدعوى ح/ 2

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 282

أنحاء المال المأخوذ بحكم الحاكم غير الأهل و حكمها

______________________________

إذا تمهد ذلك لك فنقول: المال الذي يؤخذ بحكم من ليس أهلا للقضاء اما يكون عينا شخصيا أو كليا، و على الأول اما يكون المحكوم له محقا أو لا.

قد عرفت في حكم الحاكم بالحق ان حكمه لم يكن محللا للحرام، و لا محرما

للحلال فما ظنك في حكم غير الأهل للمحكوم له مع عدم كونه محقا سواء كان المتنازع فيه عينا شخصيا، أو كليا، أو دينا و لعله واضح.

و اما في صورة محقية المحكوم له و الأخذ للمال فهل المحرم هو الأخذ بحكمه تكليفيا فقط مع حلية التصرف بحكمه مطلقا، أو مع حرمة التصرف فيه مطلقا، أو يفصل بين كون المتنازع فيه العين الشخصي فالأول و بين كونه دينا فالثاني، أو يفصل بين ما إذا انحصر استنقاذ حقه بالترافع الى غير الأهل، و بين عدم الانحصار فيحرم في الثاني دون الأول؟ وجوه بل أقوال.

مقتضى القاعدة فيما إذا كان المتنازع فيه عينا شخصيا كما إذا غصبها أحد، أو أخذها بالعناوين المسوغة كالإجارة و العارية ثم أنكرها هو عدم حرمته و جواز التصرف فيه لأنه بعينه و خصوصياته ماله و ملكه و قد تقرر في محله انه يجوز للمالك أخذ ماله ممن هو عنده بأي وسيلة ممكنة و لو كانت بالحيلة، أو بالقهر و الغلبة، و من تلك الوسائل حكم ذاك الحاكم.

نعم إذا لم ينحصر إنقاذ ماله بالترافع الى من لا أهلية للقضاء يكون الترافع لديه محرما، و لا ملازمة بين حرمة الترافع و حرمة المال المأخوذ بحكمه، ففي صورة عدم انحصار إنقاذ الحق بالترافع اليه و ان كان الترافع لديه محرما، و لكن لا يوجب ذلك حرمة التصرف في عين ماله المغصوب المردود اليه بحكم الحاكم.

و توهم ان رد المدعى عليه المال بحكم الحاكم فهو مكره عليه فيشمله حديث رفع الإكراه عنه.

مدفوع بما تقرر في محله ان حديث الرفع امتنانى فلا يكاد يشمل المقام لان

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 283

..........

______________________________

شموله على خلاف

الامتنان لاستلزامه الضرر على صاحب المال و لعله واضح.

و يلحق بالعين الشخصية صورة ما إذا كان المال دينا لا يجوز للمديون حق التأخير بأن كان الدين معجلا أو مؤجلا حل أجله إذا كان الدائن مباشرا لذلك و ان كان مستندا الى حكم من ليست له أهلية لذلك فيحل له التصرف في المأخوذ كما كان يجوز أخذه و تملكه تقاصا بشرائطه التي منها امتناع الغريم عن الأداء و المفروض أحد أنحاء التقاص.

و حيث انه لم ينحصر إنفاذ حقه بالمراجعة إلى الحاكم المذكور يكون الترافع لديه محرما.

نعم لو كان المتصدي لتعيين الدين في ملك المديون هو الحاكم مباشرة، أو تسبيبا- بأن يأمر الدائن بالتعيين- يشكل الحكم بحلية المأخوذ لعدم نفوذ حكمه و عدم انحصار إنقاذ الحق بالترافع لديه هذا ما تقتضيه القاعدة.

استظهار من المقبولة في حرمة المأخوذ بحكم غير الأهل مطلقا حتى في العين الشخصية و دفعه من وجوه

و لكن ربما يقال ان ظاهر مقبولة إن حنظلة هو حرمة المأخوذ في العين الشخصية فضلا عما الحق بها فما ظنك في الدين غير المعجل فان الموصول في قوله عليه السّلام:

و ما يحكم له فإنما يأخذه سحتا و ان كان حقه ثابتا «1» ظاهر في نفس المال و حمله على الأخذ خلاف الظاهر.

أضف الى ذلك ما في صدر المقبولة حيث فرض التنازع في الدين أو الميراث فالميراث المقابل للدين ظاهر في العين و حمله على الدين بعيد جدا فتكون حرمة المأخوذة مع كونه مالا له من قبيل الحرمة بالعنوان الثاني.

و مقتضى إطلاق قوله عليه السّلام: و ما يحكم له إلخ عدم الفرق بين كون المأخوذ

______________________________

(1) هكذا في الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح/ 4 و اما عن الكافي فالعبارة هكذا من تحاكم الى الطاغوت فحكم له فإنما يأخذ سحتا.

الدر النضيد في الاجتهاد

و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 284

..........

______________________________

عينا أو دينا (سواء كان قوله سحتا مفعولا ثانيا لقوله يأخذه، أو حالا لضمير المفعول المستند الراجع الى لفظة (ما) الشامل للدين و العين).

و مورد المقبولة و ان كان المأخوذ بحكم السلطان و القضاة فلا يعم المأخوذ بحكم غيرهم من فاقدي الشرائط.

الا انه يمكن استفادة التعميم من التعليل فيها بقوله عليه السّلام: لأنه أخذه بحكم الطاغوت و قد أمر اللّه ان يكفروا به إلخ فإن الظاهر شمول الطاغوت لكل من تصدى القضاء على الوجه المحرم خصوصا إذا تكرر منه القضاء.

و بالجملة تشمل الطاغوت كل طاغ و من لم يكن مأذونا و لو كان من الشيعة غير الواجد للشرائط.

و لكن فيه أولا: ان للسحت كما أفيد و يظهر من مراجعة كتب اللغة «1» إطلاقين في اللغة و العرف.

أحدهما: كل ما لا يحل كسبه كما لعله الشائع من معناه فلا يطلق الا على ما انتقل اليه من الغير على وجه محرم.

و الثاني: ما هو خبيث الذات من المحرمات كالخمر و لحم الخنزير، و اما المحرم الذي لم يكن خبيث الذات فليس بسحت و ان حرم بطرو عنوان عرضي عليه و لذا لا يطلق السحت على الطعام المحلل الذي يفطر به الصائم في شهر رمضان و ان كان إفطاره هذا محرما.

فاذا مال نفسه لا يكون خبيثا و ان حرم أخذه بحكم غير الأهل عند عدم الانحصار و بالجملة لا يصدق السحت بمعنييه على مال نفسه، و مجرد كونه موردا لحكم الجائر بالرد اليه لا يحتمل ان يكون مستلزما لخروجه عن ملكه فلا يكون أخذه من الانتقال المحرم كما انه ليس محرما خبيث الذات و هو واضح.

فعلى هذا لا محذور في الالتزام

بحرمة الترافع إلى أحكام الجور مطلقا في

______________________________

(1) لاحظ لسان العرب ج 2/ 41 و المصباح، و القاموس، و مجمع البحرين و غيرها

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 285

..........

______________________________

الدين و العين كما هي مدلول صدر المقبولة، و بحرمة المأخوذ في الدين و نحوه دون العين الشخصية و ما بحكمها لو عصى و ترافع إليهم بمقتضى هذه الجملة لما أشرنا انه لا ملازمة بين حرمة الترافع و حرمة المأخوذ فلاحظ.

و ثانيا: انه كما أفيد أن شمول الميراث للعين الشخصية انما يكون بالإطلاق و من الجائز حمله على العين المشتركة التي هي في حكم الدين لتوقف الحلية فيها على رضاء الطرفين بالقسمة فلو باشر الحاكم الجائر قسمة الميراث بينهم، أو أمر الغير بذلك لا تنقسم العين بذلك و لا يحل له التصرف في قدر سهمه لخروجها عن الاشتراك بذلك فيكون المأخوذ بحكمه كما في الدين سحتا.

و ثالثا: ان مورد المقبولة هي الشبهة الحكمية و اختلاف الحكمين في حديثهم عليهم السّلام و لذا قال عليه السّلام: الحكم ما حكم به أعدلهما إلخ فلا اثر لدعوى كون مورد المنازعة عينا شخصيا.

أضف الى ذلك ما قد يقال: بأني لم أجد من يفتي صريحا بان المال الذي يؤخذ بحكمه حرام مطلقا حتى فيما إذا كان الأخذ محقا الا الماتن (قدس) في المقام مع انه (قدس) في قضائه في ملحقات العروة ذهب الى تفصيل في الحقيقة أو إشكال فيما كان محقا الى ان تعجب من سيدنا الحكيم (قدس) في المستمسك حيث جعل حرمة المال المأخوذ بحكمه معروفا من مذهب الأصحاب بل لم يكتف به حتى ادعى فيه الإجماع فيا ليت صرح بفتوى الاثنين ليدلنا على إجماعهم اه

«1».

توهم معارضة المقبولة مع موثقة ابن فضال و دفعه

و قد ظهر لك حال دلالة المقبولة على حرمة المأخوذ بحكمهم و لو سلم دلالتها على حرمة المأخوذ فربما يتوهم معارضتها مع موثقة ابن فضال قال.

قرأت في كتاب أبي الأسد الى ابى الحسن الثاني عليه السّلام و قرأته بخطه سئله ما في تفسير قوله تعالى:

______________________________

(1) معالم الزلفى/ 77

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 286

..........

______________________________

لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ وَ تُدْلُوا بِهٰا إِلَى الْحُكّٰامِ «1» فكتب بخطه: الحكام القضاة ثم كتب تحته هو ان يعلم الرجل انه ظالم فيحكم له القاضي فهو غير معذور في أخذه ذلك الذي قد حكم له إذا كان قد علم انه ظالم «2».

و ذلك لأنه يستفاد منها ان الحرام و الباطل هو ما إذا كان المحكوم له بحكمهم ظالما غير محق واقعا فاذا كان محقا فلا يكون المأخوذ بحكمهم باطلا و حراما.

و لكن يجاب عنه: بأن الرواية إنما وردت في تفسير الآية الشريفة الواردة في حرمة أكل مال الغير على وجه الظلم و العدوان لا في بيان موضوع الحرمة مطلقا، و لا مانع من اعتبار الظلم في صدق الباطل دون صدق الحرمة و لو بعنوان أخر فيمكن ان يكون حراما بلحاظ كونه مأخوذا بحكمهم و لو كان محقا.

و قد يقال في رفع المعارضة بينهما بحمل الرواية على حكام العدل.

و لكن يجاب عنه بأنه خلاف ظاهر الآية الشريفة في نفسها و خلاف ما ورد في تفسيرها من ان المراد بالحكام فيها قضاة الجور، و قد تقدّم ذكره في الجهة الثالثة من المبحث الرابع/ 276 فلاحظ.

هذا كله إذا كان المال المتنازع فيه عينا شخصيا أو دينا معجلا، أو مؤجلا حل اجله.

و اما إذا كان المتنازع فيه دينا

مؤجلا قبل حلول اجله فادعاه أحدهما و أنكره الأخر فتحاكما عند من لا أهلية له للقضاء و حكم للمدعي و كان محقا في الواقع فالمال المأخوذ بحكه حرام لان المال الذي اشتغلت به ذمة المنكر بالاستدانة كلي لا يتشخص الا بتشخيص المديون نفسه، و تشخيصه بتشخيص الحاكم الجائر أو الدائن قبل حول اجله تشخيص غير شرعي فليس للدائن أن يتصرف فيه.

______________________________

(1) البقرة: 2/ 188

(2) الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح/ 9

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 287

..........

______________________________

و بالجملة بعد ما كان للمديون حق التأخير و لا يكاد يتعين الدين بإجبار الحاكم بالتعجيل في الأداء الحديث رفع الإكراه فلم يطرء عليه ما يوجب دخوله في ملك الدائن.

هذا كله فيما إذا لم ينحصر إنقاذ حقه بالترافع الى غير الأهل من قضاة الجور أو غيرهم.

حكم انحصار إنقاذ الحق بالترافع الى غير الأهل

و اما إذا انحصر إنقاذ حقه بالترافع الى غير الأهل اما لعدم رضي الطرف المقابل الا بالترافع اليه، أو لعدم وجود الحاكم الشرعي، أو لعدم إمكان إثبات الحق عنده الى غير ذلك من الموارد التي لو لم يترافع عند من لا أهلية له لذهب حقه أو ماله فهل يجوز الترافع عنده و يجوز ان يتصرف في المال المأخوذ بحكمه أم لا؟

وجهان بل قولان.

ربما يحكى المنع عن الترافع لديهم و في المستمسك حكايته عن الأكثر بل عن الروضة الإجماع عليه.

و يوجه مقالهم بإطلاق النصوص الناهية عن الترافع لديه و ان الترافع إليه اعانة على الإثم كما عن الكفاية بل طلب المنكر و هو حرام.

و لكن الظاهر جواز المراجعة عند ذاك و حلية المأخوذ بحكمه و حكى عن المستند نسبته الى جمع من الأصحاب.

و الدليل على ذلك حكومة

قاعدة نفى الحرج على جميع ما يتوهم كونه دليلا على الحرمة من إطلاق الاخبار الناهية عن الرجوع الى غير الأهل و عموم حرمة الإعانة على الإثم و طلب المنكر.

مضافا الى ضعف كثير منها لانصراف الاخبار الى صورة التمكن من الحاكم بالحق كما هو ظاهر المقبولة، و رواية ابى خديجة و غيرهما لو لم يكن صريحها، و منع صدق الإعانة و طلب المنكر في المفروض.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 288

..........

______________________________

فحينئذ إذا أجبر الحاكم المديون على الأداء حل للدائن أخذه كما يحل له التصرف فيه و لا يشمله حديث نفى الإكراه لأنه خلاف الامتنان على الدائن.

جواز الحلف كاذبا لحفظ مال نفسه أو غيره

يؤيد ما ذكرنا الأخبار الدالة على جواز الحلف كاذبا لحفظ مال نفسه أو غيره و قد أشار إليها الماتن (قدس) في كتاب القضاء «1».

كخبر زرارة قال:

قلت لأبي جعفر عليه السّلام نمر بالمال على العشار فيطلبون منا ان نحلف لهم و يخلون سبيلنا و لا يرضون منا الا بذلك قال فاحلف لهم فهو أحل (أحلى) من التمر و الزبد «2».

و قريب منه أخبار الحلبي، و معمر بن يحيى، و إسماعيل الجعفي، و ابى بكر الحضرمي «3».

و مرسل يونس عن أحدهما عليهما السّلام:

في رجل حلف تقية فقال ان خفت على مالك و دمك فاحلف ترده بيمينك فان لم تر ان ذلك يرد شيئا فلا تحلف لهم «4».

و خبر محمد بن ابى الصباح قال:

قلت لأبي الحسن عليه السّلام ان أمي تصدقت على بنصيب لها في دار فقلت إن القضاة لا يجيزون هذا و لكن اكتبيه شراء فقالت اصنع من ذلك ما بدا لك و ما ترى انه يسوغ لك فتوثقت فأراد بعض الورثة ان يستحلفني انى قد نقدتها

الثمن و لم أنقدها شيئا فما ترى؟ قال احلف له «5».

______________________________

(1) ملحقات العروة الوثقى ح 2/ 10

(2) الوسائل باب 12 من أبواب كتاب الايمان ح/ 1 الزبد: ما يستخرج بالمخض من لبن البقر و الغنم.

(3) الوسائل باب 12 من أبواب كتاب الايمان ح/ 8- 16- 17- 19- 3

(4) الوسائل باب 12 من أبواب كتاب الايمان ح/ 8- 16- 17- 19- 3

(5) الوسائل باب 43 من أبواب كتاب الايمان ح/ 1

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 289

..........

______________________________

الى غير ذلك من الاخبار.

و بالجملة لا ينبغي الإشكال في جواز المراجعة إلى قضاة الجور و حلية ما يؤخذ بحكمهم إذا توقف استنقاذ حقه على الترافع لديه خصوصا إذا كان الخصم منهم.

و لا يخفى ان هذا إذا كان الحق معلوما واقعا، و مثله ما إذا كان معلوما في ظاهر الشرع كما إذا شهدت البينة مثلا بأن أباه كان له على فلان كذا، أو مقتضى فتوى مقلده كونه ذا حق، و اما مع عدم العلم واقعا و لا ظاهرا فلا يجوز الترافع إليهم و على فرضه و حكمهم فلا يجوز الأخذ بحكمهم.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 291

[مسئلة 44- يجب في المفتي و القاضي العدالة]

اشارة

______________________________

قال العلامة الطباطبائي (قدس): مسئلة 44- يجب في المفتي (1) و القاضي العدالة، و تثبت العدالة بشهادة عدلين، و بالمعاشرة المفيدة للعلم بالملكة، أو الاطمئنان منها و بالشياع المفيد للعلم (2).

(1) قد عرفت ان الأحوط اعتبار المرتبة العالية من العدالة في مرجع الفتوى و يلحق به القاضي المتسع نطاق قضاوته.

(2) أو الاطمئنان، و قد مر ثبوتها بحسن الظاهر عنها علما أو ظنا بالغا حد الوثوق بها.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد،

ج 2، ص: 292

اعتبار العدالة في القاضي

______________________________

أقول: اما اعتبار العدالة في المفتي فقد مضى الكلام فيه مستوفى لاحظ ما ذكرناه في ذيل مسئلة الثانية و العشرين.

و اما اعتبارها في القاضي فقال الماتن (قدس) في كتاب القضاء للإجماع، و المنع من الركون الى الظالم «1» إذ هو ظالم لنفسه و لقصوره عن مرتبة الولاية على الصبي و المجنون فكيف بهذه المرتبة الجليلة اه «2».

نوقش: بإمكان تطرق المنع في الإجماع بدعوى ثبوت الاختلاف أولا، و بعدم الحجية ثانيا، و في الآية بأنه لو أريد من الظلم الظلم على النفس و لو في الجملة و لو في العمر مرة أو أكثر فأي عادل يخلو عن ذلك و غاية الأمر ان الفاسق أكثر ظلما منه، و لو أريد من عدم الظلم انتفائه بالمرة فليس هو الا المعصوم عليه السّلام.

نعم قد يقال ان المستفاد من النصوص اعتبار العدالة إذ قد ثبت اعتبارها في الشاهد فكيف بالقاضي، على ان قوله: الحكم ما حكم به أعدلهما مشعر بأن العدالة شرط في القضاء، و يؤيد ذلك ان المقصود من الترافع ليس الا قطع الخصومة و فصل الأمر و هما لا يجامعان بعدم الاطمئنان إلى المنصوب للقضاء اه «3».

قلت: أما المناقشة في الإجماع فالإنصاف انها في غير محله، و لم أجد مخالفا في المسئلة بل اكتفى في المستمسك لاعتبار العدالة بالإجماع فقط، و كيف لا و قد كان

______________________________

(1) يعنى قوله تعالى لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ. هود: 11/ 113

(2) ملحقات العروة الوثقى ج 2/ 5

(3) مرقاة التقي في شرح كتاب القضاء من العروة الوثقى/ 19

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 293

..........

______________________________

نقل الإجماع مستفيضا في كلمات الأصحاب.

فلا ينبغي الإشكال

في تحقق الإجماع في المسئلة نعم يقع الكلام في حجيته في المسئلة التي تجري فيها وجوه عقلية و نقلية، لاحتمال ان تكون تلك الوجوه أو بعضها مستندة الإجماع.

و اما المناقشة في الركون الى الظلمة ففيه ان العادل و من كان له حالة و ملكة نفسانية لاجتناب المعاصي إن ارتكب الذنب أحيانا لا يصدق عليه انه ظالم بل لا يصدق عليه الفاسق ان تاب و الظاهر ان المراد بالركون إلى الظلمة ليس الركون الى مجرد من ارتكب الفسق و المعصية بحيث يكون الاعتماد و الركون على الفاسق محرما بل المراد الركون الى من صار الظلم على الناس امرا عاديا أو غالبيا له فكأنه صار طبيعة ثانية له.

فمجرد التحاكم الى من ارتكب الفسق لا يعد ركونا الى الظالم.

نعم التحاكم الى الفاسق المنصوب من قبل الجائر بحيث صار من أعوانهم يعد من الركون الى الظلمة.

فما في التنقيح: من انه يمكن ان يقال ان التحاكم الى الفاسق من أظهر أنحاء الركون الى الظلمة و قد نهى عنه في الشريعة اه «1» غير مطرد في الترافع الى مطلق الفاسق كما لا يخفى فتدبر.

و كيف كان استدلال الماتن بأولوية مرتبة القضاء على ولاية الفاسق على الصبي و المجنون وجيه ضرورة ان الفاسق إذا قصر عن مرتبة الولاية على الصبي، أو المجنون فكيف بهذه المرتبة العظيمة.

موقف القضاء في الشريعة المقدسة

بل كما في التنقيح: ان القضاء من المناصب التي لها أهمية في الشريعة المقدسة بعد الولاية بل هو من المناصب المختصة بالنبي و أوصيائه صلوات اللّه عليهم

______________________________

(1) التنقيح ج 1/ 365

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 294

..........

______________________________

و هم قد ينصبون شخصا معينا للقضاء و قد ينصبون على نحو العموم، و

لا نحتمل ان يجعل الشارع الحكيم هذا المنصب العظيم لمن هو خارج عن طريقته، كيف و قد اعتبرت العدالة في إمام الجماعة و الشاهد فكيف بالقضاه الذي هواهم منهما هذا و قد ورد فيما رواه الصدوق بإسناده الصحيح عن سليمان بن خالد عن ابى عبد اللّه عليه السّلام اتقوا الحكومة فإن الحكومة انما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبي أو وصى نبي «1» و من الظاهر ان الفاسق لا يسمح ان يكون وصي نبي اه «2» و كقوله عليه السّلام فيما روى عن الخصال: اتقوا الفساق من العلماء «3».

فتحصل مما ذكرنا ان اعتبار العدالة في المفتي و القاضي مما لا ريب فيه.

كلمة من صاحب الحدائق في اعتبار المرتبة العالية من العدالة في الحاكم الشرعي

بل كما تقدم في ذيل مسئلة الثانية و العشرين مقالا نفسيا من صاحبي الحدائق و المستمسك في ان العدالة المعتبرة في الحاكم الشرعي هي المرتبة العالية فأوردنا ما افاده سيد مشايخنا (قدس) و لا بأس بذكر ما أفاده العلامة البحراني (قدس) هنا فلعله لا تخلو عن فائدة قال:

«العدالة المعتبرة في الحاكم الشرعي- من قاضٍ أو مفت- هي المرتبة العليا فلا يكفى فيهما ما يعتبر في إمام الجماعة، و الشاهد، أو غيرهما ممن يعتبر وجود العدالة فيه لأنه نائب عن الامام، و جالس في مجلس النبوة و الإمامة و متصدر للقيام بتلك الزعامة فلا بد فيه من مناسبة للمنوب عنه مما يستحق به النيابة بأن يكون متصفا بعلم الأخلاق الذي هو السبب الكلى للقرب من الملك الخلاق، و هو تحلية النفس بالفضائل و تخليتها من الرذائل الى ان قال و يكفيك في صحة ما ذكرنا قول أمير المؤمنين

______________________________

(1) الوسائل باب 3 من أبواب صفات القاضي ح/ 1

(2) التنقيح ج 1/ 364

(3)

بحار الأنوار الطبعة الحديثة ج 2/ 104

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 295

..........

______________________________

عليه السلام لشريح يا شريح جلست مجلسا لا يجلسه الا نبى أو وصى نبي، أو شقي «1» ثم ذكر و استشهد لإثبات مدعاه بجملة من الروايات التي يطول بنا ذكرها، و لعل التأمل فيها يقضى بعدم دلالتها على مدعاه بوضوح، و لكن ينبغي ملاحظتها و التسنن بها.

رواية جامعة لكون العلم ذو فضائل كثيرة

و لا بأس بذكر رواية منها للاتصاف بما فيها، و هي ما رواها عن الكافي عن ابى عبد اللّه عن أمير المؤمنين عليهما السّلام انه كان يقول:

يا طالب العلم ان العلم ذو فضائل كثيرة: (فراسة) التواضع (و عينه) البراءة من الحسد، (و أذنه) الفهم، (و لسانه) الصدق (و حفظه) الفحص، (و قلبه) حسن النية، (و عقله) معرفة الأشياء و الأمور، (و يده) الرحمة، (و رجله) زيارة العلماء، (و همته) السلامة، (و حكمته) الورع، (و مستقره) النجاة، (و قائده) العافية، (و مركبة) الوفاء، (و سلاحه) لين الكلام، (و سيفه) الرضا (و قوسه) المداراة، (و جيشه) مجاورة العلماء، (و مآله) الأدب (و ذخيرته) اجتناب الذنوب، (و زاده) المعروف، (و مأواه) الموادعة، (و دليله) الهدى، (و رفيقه) محبة الأخيار «2».

فتحصل أن القضاوة و مرجعية الفتوى ترتضعان من ثدي واحد فكلما كانت سعة المرجعية و القضاء كمية و كيفية أوسع ينبغي ان تكون العدالة المعتبرة فيها أعلى فظهر انه لا بد و ان يكون القاضي محرز العدالة فالمجهول حاله من حيث العدالة كالمعلوم فسقه غير صالح للقضاء هذا كله بالنسبة إلى اعتبار العدالة في القاضي

______________________________

(1) الوسائل باب 3 من أبواب صفات القاضي ح/ 2

(2) الحدائق الناضرة: ج 10/ 508

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط

و التقليد، ج 2، ص: 296

عدم انحصار طرق ثبوت العدالة بما ذكر في المتن

______________________________

اما طرق ثبوت العدالة فقد تقدم الكلام فيه مفصلا في ذيل المسئلة الثانية و العشرين فلا نعيده، و لكن نشير الى عدم انحصار ثبوت العدالة بما ذكر في المتن هنا لأنه كما تثبت: 1- بشهادة العدلين 2- و العلم الوجداني الحاصل من اى طريق بالشياع أو بالمعاشرة التامة 3- و الاطمئنان بها من طريق المعاشرة، فكذلك تثبت 4- بحسن الظاهر المفيد للظن البالغ حد الوثوق نوعا و لو لم يحصل فعلا و الاطمئنان الحاصل من المعاشرة و الشياع و ان لم يفد العلم.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 297

[مسئلة 45- إذا مضت مدة من بلوغه و شك بعد ذلك في ان أعماله كانت عن تقليد صحيح أم لا]

اشارة

______________________________

قال العلامة الطباطبائي (قدس): مسئلة 45- إذا مضت مدة من بلوغه و شك بعد ذلك في ان أعماله كانت عن تقليد صحيح أم لا، يجوز له البناء على الصحة في أعماله السابقة، و في الاحقة يجب عليه التصحيح فعلا.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 298

حكم الشك في ان أعماله السابقة كانت عن تقليد صحيح

______________________________

(1) أقول: الشك في صحة الأعمال تارة تكون ناشئا عن الشك في وجود تقليد صحيح بمفاد كان التامة، و اخرى يكون عن الشك في صحة التقليد مع العلم بوجوده بمفاد كان الناقصة.

ظاهر عبارة المتن هنا الأول، كما ان ظاهرها في مسألة 41 الثاني.

و لا يخفى انهما غير فارقين فيما هو المهم في تصحيح الأعمال السابقة فلا يلائم عنوانهما مستقلا، و قد أضاف هنا حكم الأعمال اللاحقة.

و كيف كان تقدم الكلام مفصلا في تصحيح الأعمال السابقة في مسألة 41، و إجماله أن تصحيح الأعمال السابقة- سواء كانت صلاة أو غيرها- انما هي أصالة الصحة، و قاعدة الفراغ- بناء على انها قاعدة أخرى- فإنهما تصححان أعماله التي اتى بهما لان ذات العمل و ان كانت معلومة الا انه يشك في كيفيتها، و انه اتى بها مستندة الى فتوى من يجب تقليده أم لا فيحكم بصحتها لهما.

و بالجملة كلما كان الشك في صحة المأتي به و مطابقته للمأمور به فأصالة الصحة، و قاعدة الفراغ تصححان العمل المأتي به فلا تجب الإعادة أو القضاء.

حكم الاكتفاء بأصالة الصحة و قاعدة الفراغ في الأعمال اللاحقة

و اما بالنسبة إلى الأعمال اللاحقة فهل يكتفى بهما في تصحيحها، أو لا بد لها من تقليد صحيح بالرجوع الى فقيه جامع للشرائط وجهان بل قولان.

قد يقال ان القولين مبنيان على ان أصالة الصحة أو قاعدة الفراغ امارة أو أصلا

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 299

نظرية المشهور في الفرق بين الامارة و الأصل في حجية اللوازم و الملزومات العقلية و العادية و المناقشة فيها

______________________________

فعلى الأول يكتفى بهما لتصحيحهما بخلاف الثاني و ذلك لما اشتهر بين المتأخرين خلافا لما يظهر من عبارات القدماء في الفرق بين الامارة و الأصل من حجية مثبتات الامارة دون الأصل، فإذا ثبت أمر بأمارة فكما يثبت نص المؤدى و الأحكام الشرعية المتعلقة بها فكذلك تثبت الآثار المترتبة عليها بواسطة اللوازم و الملزومات العقلية، و العادية، و اما إذا ثبت الشي ء بالأصل فلا يترتب عليه الاخصوص الآثار الشرعية المتعلقة به بلا واسطة.

و لهم في إثبات مقالهم تقاريب لا يسعه المقام.

و لكن الذي يقتضيه دقيق النظر هو عدم تمامية الفرق لأنه قد تعتبر امارة لإثبات أمر و لا يكون حجة بالنسبة إلى لوازمها كالظن بالقبلة مثلا حيث جعل الظن بها حجة لغير المتمكن من تحصيل العلم بها فتصح الصلاة نحو القبلة المظنونة فقط، و لكن لا يجوز له ان يحكم بتحقق الزوال إذا وصلت الشمس اليه مثلا الى غير ذلك من الآثار، و اللوازم العادية و العقلية.

نعم ربما تعتبر امارة و تكون حجة بالنسبة إلى لوازمها و ملازماتها كخبر الواحد، و البينة، و الإقرار و السوق، و اليد و نحوها.

بيان المختار في حجية الآثار بالنسبة إلى اللوازم و الملزومات

و الملاك كل الملاك ملاحظة دليل اعتبار الامارة فان كانت حجيتها بلحاظ حكايتها و كشفها عن الواقع فيكون لوازمها و ملازماتها حجة و ذلك مثل خبر الواحد فإن عمدة دليل اعتباره بناء العقلاء، و هم يرتبون عليه جميع الآثار من غير فرق بين الآثار الشرعية و غيرها- كانت مع الواسطة، أو لا مع الواسطة، كانت ملتفتة إليها، أو مغفولا عنها- و الشارع لم يردع عنها بل امضاهم على ما هم عليه فيكون حجة بالنسبة إليها فلذا إذا أقر أحد بإعطاء السم الى غيره و اشربه فلا

إشكال في حكم العقلاء بكونه قاتلا إياه،

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 300

..........

______________________________

و ان أنكره، أو ادعى عدم التفاته اليه.

و اما إذا كان نطاق حجية امارة التعبد بمضمونها و مفادها كأصالة الصحة و قاعدة الفراغ بناءا على كونهما أمارة فإن مقتضى اعتبارهما هو التعبد بمفادهما فلا يكون مثبتاتهما حجة.

فعلى هذا ان قلنا بامارية أصالة الصحة و قاعدة الفراغ فغاية مقتضاهما في مفروض المسألة تصحيح الأعمال السابقة و التعبد بذلك فلا يكتفى بذلك لتصحيح الأعمال اللاحقة فلا بد له فيها من تقليد صحيح.

فيكون جريانها في الأعمال السابقة وزان جريان قاعدة الفراغ في تصحيح الصلاة التي شك في صحتها من حيث الطهارة و غيرها فكما يحكم بصحة الصلاة المشكوكة فيها و لكن مع ذلك لا بد له من تحصيل الطهارة في الأعمال اللاحقة المعتبرة فيها الطهارة فكذلك في المقام.

هذا إجمال المقال و تفصيله يطلب من غير المقام.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 301

[مسئلة 46- يجب على العامي أن يقلد الأعلم في مسئلة وجوب تقليد الأعلم، أو عدم وجوبه]

اشارة

______________________________

قال العلامة الطباطبائي (قدس): مسئلة 46- يجب على العامي أن يقلد الأعلم في مسئلة وجوب تقليد الأعلم، أو عدم وجوبه، و لا يجوز ان يقلد غير الأعلم إذا أفتى بعدم وجوب تقليد الأعلم، بل لو أفتى الأعلم بعدم وجوب تقليد الأعلم يشكل جواز الاعتماد عليه (1).

فالقدر المتيقن للعامي تقليد الأعلم في الفرعيات.

(1) لا وجه للإشكال، و لا فرق بينه و بين ما تقدم في تقليد الحي في جواز البقاء على تقليد الميت، و قد جزم (قدس) بالجواز هناك و أشكل فيه هنا.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 302

حكم العقل بلزوم تقليد الأعلم ليس على وزان حكمه بأصل التقليد

______________________________

أقول: حكم العقل بتقليد الأعلم كحكمه بأصل التقليد فكما يحكم العقل بلزوم التقليد لمن لم يتمكن من الاجتهاد و الاحتياط فكذلك يحكم بلزوم تقليد الأعلم و لكن حكمه من الموردين ليس على وزان واحد و نسق فأرد لان حكمه في أصل التقليد انما هو لاستقلاله لذلك كما تقدم، و انه بحكم فطرته و بداهته فان من لم يتمكن من الاجتهاد و الاحتياط بعد العلم بثبوت أحكام في الشريعة يحكم جزما بالمراجعة الى من يكون خبيرا.

و اما حكمه في تقليد الأعلم فإنما هو من باب الاحتياط و الأخذ بالقدر المتيقن للشك في حجية فتوى غير الأعلم و قد قرر أن الشك في الحجية مساوق للقطع بعدم الحجية من حيث عدم الاعتبار فلا يكون حكم العقل بلزوم تقليد الأعلم نظير حكمه بلزوم أصل التقليد.

يجوز تقليد غير الأعلم إذا أفتى الأعلم بعدم وجوب تقليد الأعلم خلافا للماتن

فاذا كان حكمه بتقليد الأعلم من باب الأخذ بالقدر المتيقن فبعد المراجعة إلى الأعلم ان افتى بجواز تقليد غير الأعلم يصح للعامي تقليد غير الأعلم بل هو في الحقيقة تقليد للأعلم لان تقليد غير الأعلم كان بعد المراجعة إلى الأعلم و من ناحيته فيكون اتصاف فتوى غير الأعلم بالحجية بفتوى الأعلم.

و بالجملة العامي في رجوعه الى غير الأعلم بعد فتوى الأعلم بجواز تقليد غير

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 303

..........

______________________________

الأعلم استند الى ما يقطع بحجيته و هو فتوى الأعلم فلا وجه للإشكال فيه كما في المتن كما لا وجه لغيرها من المسائل الأصولية لعدم وقوعها في طريق استنباط الأحكام الكلية فهي كمسئلة جواز البقاء على تقليد الميت ترتضعان من ثدي واحد و كلتاهما من قبيل المسائل الفرعية.

فإشكال الماتن (قدس) هنا مع جزمه بجواز تقليد الحي في جواز

البقاء على تقليد الميت غير ظاهر.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 305

[مسئلة 47- إذا كان مجتهدان أحدهما أعلم في أحكام العبادات و الآخر أعلم في المعاملات]

مسئلة 47- إذا كان مجتهدان أحدهما أعلم في أحكام العبادات و الآخر أعلم في المعاملات فالأحوط (1) تبعيض التقليد و كذا إذا كان أحدهما أعلم في بعض العبادات مثلا و الآخر في البعض الأخر.

[مسئلة 48- إذا نقل شخص فتوى المجتهد خطأ]

اشارة

مسئلة 48- إذا نقل شخص فتوى المجتهد خطأ يجب عليه إعلام (2) من تعلم منه، و كذا إذا أخطأ المجتهد في بيان فتواه يجب عليه الإعلام.

______________________________

(1) بل الأقوى مع العلم بالمخالفة و لو إجمالا، و مخالفة فتوى غير الأعلم للاحتياط كما مر، و كذا الحال في الفرع الثاني.

(2) إذا كان المخطأ فيه حكما لزوميا- بان كان المنقول تجويز فعل الحرام، أو ترك الواجب مثلا، أو ما بحكمه من تصحيحه ما يكون فاسدا أو بالعكس- و اما إذا كان غير إلزامي، أو كان المنقول موافقا للاحتياط فلا يجب عليه الإعلام بمجرد ذلك إلا إذا طرء عليه بعض العناوين الموجبة لذلك. و كذلك الحال فيما إذا أخطأ المجتهد في بيان فتواه.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 306

حكم التبعيض في التقليد إذا كان كل واحد من المجتهدين أعلم من الآخر في باب و الآخر في باب آخر

______________________________

أقول: الفرعان اللذان تعرضهما الماتن (قدس) في مسئلة 47 يرتضعان، من ثدي واحد، و قد تقدم غير مرة ما هو الحق فيهما، و انه يجب على الأقوى تقليد الأعلم في المقامين إذا علم مخالفتهما من حيث الفتوى، و كانت فتوى الأعلم مخالفة للاحتياط.

الأقوال في وجوب إعلام خطإ ناقل الفتوى أو بيان الفتوى

أقول: اختلفوا في وجوب الإعلام و عدمه في مفروض مسئلة 48 على أقوال فعن جماعة وجوب الإعلام مطلقا و عن المحقق الأردبيلي (قدس) التفصيل بين ما إذا انكشف الخلاف قطعا و بين ما إذا انكشف ظنا فاختار الوجوب في الأول دون الثاني، و عن غير واحد التفصيل بين ما إذا كان المخطأ فيه حكما إلزاميا فأفتى خطأ بالاباجة أو نقل الفتوى كذلك، و بين ما إذا كان المخطأ فيه حكما غير إلزامي بان افتى أو أخبر عنه بالوجوب أو الحرمة فاختار وجوب الإعلام في الأول دون الثاني.

لزوم الإعلام إذا كان المخطأ فيه حكما إلزاميا فأفتى أو نقل الفتوى بالإباحة أو الاستحباب أو الكراهة بعض وجوه يستدل بهما للزوم الإعلام

لا يبعد القول الثالث لان الحكم المخطأ فيه ان كان واجبا في الواقع أو حراما كذلك فأفتى بإباحته أو استحبابه أو كراهته، أو نقل الفتوى بذلك خطأ فيكون من صغريات مسئلة تنبيه الغافل و إرشاد الجاهل و موردها كلما كان المكلف غافلا عن

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 307

..........

______________________________

الحكم الكلي أو قاطعاً بالخلاف أو غافلا مترددا على نحو يكون جهله عذرا- سنشير قريبا الى وجه تقييد الجهل بكونه عذرا فارتقب- فيجب عليه الإعلام برفع عذر الجاهل و إتمام الحجة عليه.

و هذا الحكم جار في جميع الأحكام الكلية و الموضوعات الخارجية التي علمت من الشرع مبغوضية فعلها أو تركها فيجب ردع فاعلها أو تاركها.

و لا يخفى انه لا يختص وجوب ذلك بخصوص المفتي أو ناقل الفتوى بل يجب الإعلام على كل أحد.

نعم يتأكد الوجوب في حقها بلحاظ صدق التسبيب بالنسبة إلى فعل الحرام أو ترك الواجب بالإضافة إليهما لاستناد العامي في فعله الحرام أو تركه الواجب الى فتوى المجتهد و حرمة التسبيب بالنسبة إليهما ثابتة بحكم العقل و النقل، و التسبيب بالنسبة إليهما

و ان كان بمجرد الإفتاء على خلاف الواقع أو نقله الا انه ما دام جهلهما بالحال يكونان معذورين فاذا ارتفع الجهل بظهور الخطاء يرتفع العذر بقاءا.

و هذا نظير ما إذا أقدم طعاما نجسا لضيف جاهلا بنجاسته ثم علم بالنجاسة حال أكل الضيف فإنه و ان كان معذورا حال تقديم الطعام الا انه حال علمه بنجاسته يرتفع عذره و يجب عليه أعلامه.

و قد يستدل لوجوب الإعلام بحكم العقل بوجوب إرشاد الجاهل و كان القائل به (ره) يترنم بهذا البيت:

اگر بينى كه نابينا و چاه است اگر خاموش بنشينى گناه است

بل قد يقال انه يمكن استفادة ذلك مما تضمن ان الغرض من إرسال الرسل و إنزال الكتب هو قطع اعذار المكلفين و اقامة الحجة عليهم مثل قوله تعالى رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ لِئَلّٰا يَكُونَ لِلنّٰاسِ عَلَى اللّٰهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ «1».

و يمكن الاستدلال لذلك بالأخبار الدالة على ان كل مفت ضامن و قد تقدم ذكر

______________________________

(1) النساء: 4/ 165

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 308

..........

______________________________

ثلة منها في الجز الأول من هذا الكتاب/ 206- 207 و المتحصل منها ضمان المفتي و عليه عقوبة من عمل بفتياه غاية الأمر انه في مفروض المقام حيث أخطأ في الفتوى من دون تقصير في المقدمات يكون معذورا فاذا علم بالخطإ وجب عليه الإعلام دفعا للعذاب عن نفسه.

و لا يخفى ان الظاهران موضوع هذه الاخبار و ان كان المجتهد و المفتي خلافا لما يظهر من التنقيح من ان المراد بالمفتى مطلق من ينقل الحكم فيشمل المجتهد و الناقل كليهما «1».

الا انه يمكن إلحاق ناقل الفتوى بالمجتهد لوحدة الملاك فمن أخطأ في نقل الفتوى من دون تقصير في

المقدمات يكون معذورا فاذا علم بخطاء نقله يجب عليه الإعلام دفعا للعذاب عن نفسه.

فما في الدروس: من اختصاص ما ذكر بالمفتى، و لا يصح استفادة حكم ناقل الحكم «2» غير واضح فتدبر و اغتنم.

أضف الى ذلك الأخبار الدالة على حرمة الفتوى بغير العلم كما تقدم ذكرها في الجزء الأول/ 158 فإن الفتوى بالإباحة في المقام أيضا من غير علم الا انه كان معذورا فاذا علم خطائه يجب عليه أعلامه.

و قد يذكر وجوه أخر لذلك. و فيما ذكرناه كفاية.

عدم وجوب الإعلام في الجهل غير العذري

و انما قيدنا جهل المكلف بنحو يكون معذورا فلأجل عدم وجوب الإعلام بالنسبة الى من لم يكن كذلك و ذلك فيما إذا كان الجهل مقرونا بالعلم الإجمالي و نحوه لوجوب الاحتياط بالنسبة اليه.

و كذا لو انحصر الإعلام بطريق الخبر الذي لا يكون حجة في نظر السامع فإنه

______________________________

(1) التنقيح ج 1/ 382

(2) الدروس ج 1/ 212

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 309

..........

______________________________

لا يجب الإعلام لعدم ترتب الأثر على أعلامه هذا كله إذا كان الحكم المخطأ فيه حكما إلزاميا- وجوبيا كان أو تحريميا.

عدم وجوب الإعلام إذا كان الحكم المخطأ فيه غير إلزامي

و اما إذا كان الحكم المخطأ فيه حكما غير إلزامي بان افتى المجتهد أو أخبر الناقل بوجوب أو حرمة المباح، أو المستحب أو الكراهة فيمكن ان يقال بعدم وجوب الإعلام بل صرح غير واحد من الأساطين بعدم الوجوب لعدم الدليل عليه عدا ما يتوهم من إطلاق أدلة وجوب تبليغ الأحكام و حفظها عن الاندراس، و لكن لا دلالة فيها الأعلى وجوب تبليغها بنحو يتمكن من الوصول إليها حتى لا يندرس الدين من غير فرق في ذلك بين المجتهد و غيره من المكلفين و اما إيصالها إلى آحاد المكلفين الذي هو المطلوب في المقام و لو بدق أبوابهم فلم يقم على وجوبه دليل و لم يلتزم أئمة أهل البيت عليهم السّلام بذلك فما ظنك بغيرهم لان التبليغ كذلك كان لازما على النبي صلّى اللّه عليه و آله بالمقدار المتمكن منه دون بقية المكلفين. هذا أولا.

و ثانيا: ان ما استدل به لوجوب تبليغ الأحكام من أية النفر «1» و أية الكتمان «2» و الاخبار الدالة على وجوب التبليغ قاصرة عن وجوب تعليم أحكام ترخيصية لان القدر المتيقن منها الأحكام الإلزامية

لو لم نقل اختصاصها بها لما تقدم ان تعلم الأحكام واجب طريقي و الحكمة في الوجوب الطريقي هو التحفظ على المصالح لئلا يفوت، و التجنب عن الوقوع في المفاسد.

فاذا التعليم الواجب انما هو خصوص الأحكام الإلزامية و اما الأحكام الترخيصية- من المباحات و المستحبات و المكروهات- فلا يجب فيها التعلم و التقليد بداهة انه لا مفسدة في ارتكابها أو تركها فاذا لم يجب تعلم أحكام غير إلزامي فلا معنى لوجوب

______________________________

(1) لوضوح عدم صدق الانذار و التخويف على غير الحكم الإلزامي.

(2) لأن الظاهر من أية الكتمان حرمة كتمان ما يكون هدى للناس عن الضلالة و الهلاكة لا مطلق ما أنزله اللّه و ما لم يكن في تركه جهالة و ضلالة كالأحكام غير الإلزامية.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 310

..........

______________________________

تعليمها نعم إذا احتمل الوجوب أو الحرمة يجب التعلم دفعا للضرر المحتمل.

تبصرة

يؤيد ما ذكرنا جريان سيرة الأصحاب الأخيار على عدم البحث و المذاكرة في الأحكام الترخيصية غالبا و عدم افتائهم بها كثيرا بل يشيرون بإتيانها رجاء و احتياطا في كثير من الموارد.

وجوب تعليم الأحكام و حفظها عن الاندراس و لو في غير الأحكام الإلزامية من كل مكلف

و ليعلم ان عدم وجوب الإعلام فيما إذا كان المخطأ فيه حكما غير إلزامي لمن وقع بفتواه أو نقله في خلاف الواقع لا يستلزم عدم وجوب تبليغ الأحكام حتى لا يجب حفظ تلك الأحكام عن الاندراس فإنه كما أفيد: لا يبعد ان يقال بوجوب تعليم الأحكام الشرعية و حفظها عن الاندراس و يتحقق ذلك ببيان الأحكام الشرعية على نحو يتمكن غير المجتهد من الوصول اليه من غير فرق في ذلك بين الواجبات و المحرمات و المكروهات و المستحبات و المباحات، و من غير فرق في ذلك بين المجتهد و غيره من المكلفين.

و اما إيصالها الى كل فرد فرد من آحاد المكلفين و لو بدق أبوابهم فلم يقم على وجوبه دليل و لم يلتزم به أئمة أهل البيت عليهم السّلام فما ظنك بغيرهم و قد أشرنا أن التبليغ كذلك كان لازما على النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله بالمقدار الممكن دون بقية المكلفين «1».

و يتحقق بيان الأحكام الشرعية على النحو المزبور على المجتهد بطبع رسالة عملية و نشرها بحيث يتمكن الناس الوصول اليه، أو بجلوسه في بيته و تهيئة للجواب عند السؤال عن الأحكام الشرعية.

فالمتحصل من وجوب الإعلام في هذه المسئلة هو ان يقال انه يجب الإعلام إذا كان المخطأ فيه حكما لزوميا بان نقل اباحة الواجب، أو الحرام مثلا و عند ذلك

________________________________________

لنگرودى، سيد محمد حسن مرتضوى، الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، 2 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، اول،

1412 ه ق

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد؛ ج 2، ص: 310

______________________________

(1) التنقيح ج 1/ 373

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 311

..........

______________________________

لا تختص الوجوب بالناقل فقط بل يجب على غيره أيضا و ان كان يتأكد الوجوب في حق الناقل.

و اما إذا كان المخطأ فيه حكما غير إلزامي بأن نقل وجوب المستحب، أو نقل ما هو موافق للاحتياط في المسئلة فلا يجب عليه الأعلام بمجرد ذلك إلا إذا طرء عليه بعض العناوين الموجبة.

هذا في نقل الفتوى خطأ، و كذلك الحال فيما أخطأ المجتهد في بيان فتواه فتدبر.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 313

[مسئلة 49- إذا اتفق في أثناء الصلاة مسئلة لا يعلم حكمها]

اشارة

مسئلة 49- إذا اتفق في أثناء الصلاة مسئلة لا يعلم حكمها يجوز له (1) ان يبنى على أحد الطرفين بقصد (2) ان يسئل عن الحكم بعد الصلاة، و انه إذا كان ما اتى به على خلاف الواقع (3) يعيد صلاته، فلو فعل ذلك و كان ما فعله مطابقا للواقع لا يجب عليه الإعادة

______________________________

(1) بل بناءا على حرمة قطع الصلاة يتعين عليه ذلك ان لم يعلم وجه الاحتياط. و الا فيتعين عليه الأخذ بما هو الأحوط.

(2) بل و ان لم يقصده إذا تمشي منه قصد القربة.

(3) أو فتوى من يقلده فعلا.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 314

..........

______________________________

أقول: الكلام في المسئلة طورا على ما نسب الى المشهور من حرمة قطع الصلاة و اخرى على عدمها.

استظهار بعض الأساطين من كلام الشيخ بأنه يرى حرمة قطع الصلاة و دفعه

استظهر بعض الأساطين دام ظله من حكم شيخنا العلامة الأنصاري (قدس) بفسق من ترك تعلم مسائل الشك و السهو بأنه لو جاز له قطع الصلاة يمكن المكلف حينما عرض الشك في صلاته- من ان يقطع ما بيده و يستأنفها ابتداء- و معه لماذا يجب عليه تعلم المسائل الراجعة إلى الشك و السهو و لما ذا يتصف المكلف بالفسق بترك تعلمهما «1».

و فيه: ان ظاهر فتوى الشيخ (قدس) بذلك بلحاظ انه يجب على عامة المكلفين معرفة أحكام الدين و منها الشكيات و السهويات في المسائل المبتلى بها، و قد أشرنا ان المشهور قائلون بكون وجوب معرفة الأحكام نفسيا، فاذا من ترك التعلم في المسائل المبتلى بها يكون فاسقا، فاستظهاره دام ظله من حكم الشيخ (قدس) بفسق تارك التعلم ان فتواه (قدس) لحرمة قطع الصلاة كأنه في غير محله، و ان كان لا يبعد ان تكون فتواه حرمة قطع

الصلاة لكنه بجهة أخرى فتدبر.

و كيف كان ان قلنا بحرمة قطع الصلاة فإن اتفق في أثناء الصلاة مسئلة لا يعلم حكمها فان علم وجه الاحتياط فيها- كما إذا شك في وجوب السورة في الصلاة مع علمه بأنها لا تضربها إذا اتى بها بقصد القربة رجاء فالظاهر تعين الأخذ بما هو الأحوط

______________________________

(1) التنقيح ج 1/ 377

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 315

..........

______________________________

ضرورة انه بذلك يمكن تصحيح الصلاة و الفراغ منها مع عدم ابتلائه بقطع الصلاة و إطلاق عبارة المتن يعم المفروض أيضا و لذا علق غير واحد من الأساطين على المتن- من جواز البناء على أحد الطرفين- بما إذا لم يكن أحد الطرفين موافقا للاحتياط و الا يتعين الأخذ بما هو الأحوط، فما في الدروس من ان الظاهر ان هذه الصورة خارجة عن مفروض المتن و ان المفروض فيه هو ما كان كل من الطرفين محتمل البطلان «1» غير ظاهر.

و اما ان لم يعلم وجه الاحتياط كما إذا شك حال النهوض الى القيام في انه سجد السجدة الثانية و لم يعلم ان الدخول في مقدمة الجزء المترتب على الجزء المترتب على الجزء المشكوك فيه محقق للتجاوز أو لا بد في صدقه من الدخول في نفس الجزء المترتب عليه فلا بد من البناء على أحد الطرفين و تتيمم الصلاة برجاء مطابقتها للواقع.

اما البناء على أحد الطرفين فواضح بعد حرمة قطع الصلاة و اما تتميمها برجاء المطلوبية فلأنه لو لا ذلك لزم التشريع المحرم.

عدم اشتراط قصد السؤال في البناء على أحد الطرفين

ثم انه هل يجب و يشترط في البناء على أحد الطرفين قصد السؤال عن الحكم بعد الصلاة كما هو ظاهر المتن و صريح بعض الأساطين دام ظله «2»

أم لا يجب كما هو صريح سيد مشايخنا (قدس) «3» قولان.

من حكم العقل بعدم حصول اليقين بالبرائه الا بذلك، و من انه كما تقدم يكفى مطابقة المأتي به للواقع و لو صدفة من غير قصد إذا اتى به بقصد القربة برجاء المطلوبية في خصوص العباديات و في غيرها يكفى مجرد المطابقة و لو لم يكن ملتفتا اليه فضلا عن كونه مقصودا.

______________________________

(1) الدروس ج 1/ 190.

(2) التنقيح ج 1/ 376

(3) مستمسك العروة الوثقى ج 1/ 17

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 316

..........

______________________________

و المترائى في النظر عدم لزوم ذلك في تصحيح البناء على أحد الطرفين لأن غاية ما يقتضيه العقل هي لزوم الإتيان بالمأمور به و مطابقة المأتي به للمأمور به فمن اتى بأحد الطرفين رجاء مضيفا له اليه تعالى غافلا عن ان يسئل عن حكم المسئلة، أو غير بان للسؤال عن حكم المسئلة بعد الصلاة بل يأتي به برجاء المطلوبية و في أثناء الصلاة «1» أو بعدها عرف وجه الحكم و ان ما اتى به موافق للواقع فالظاهر صحة المأتي به إذ الملاك كل الملاك في الصحة كما تقدم غير مرة مطابقة المأتي به للواقع، فما هو الظاهر من المتن و وافقه بعض الأساطين دام ظله- من لزوم قصد السؤال عن حكم المسئلة بعد الصلاة في الحكم بالصحة- غير ظاهر.

نعم القطع بفراغ الذمة حال الصلاة لا تكاد تحصل الا بذلك، فكم فرق بين حكم العقل بلحاظ الوظيفة العقلية حال الشك و بين حكمه في صحة العبادة فتدبر فقد ظهر انه يتعين عليه البناء على أحد الطرفين رجاء لئلا يرتكب قطع الفريضة المحتملة فما يظهر من المتن من جواز البناء على أحد

الطرفين الدال على ان له ان لا يبنى على أحدهما و إبطال الصلاة كأنه غير ظاهر.

هذا كله على القول بحرمة قطع الصلاة كما هو راى الماتن (قدس).

و ان قلنا بعدم حرمة قطع الصلاة فيجوز له البناء على أحد الطرفين سواء كان موافقا للاحتياط أو مخالفا له كما يجوز له قطع الصلاة و استينافها و ان كان الأحوط الأولى البناء على أحد الطرفين خروجا عن شبهة الخلاف.

يكفي في صحة العمل موافقة المأتي به لفتوى من يجوز تقليده

ثم انه يكفى في صحة العمل موافقة المأتي به لفتوى من يجوز تقليده فعلا و ان لم يحرز موافقة العمل للواقع.

______________________________

(1) افرض بأنه اتفاقا كان في المجلس واعظا فذكر المسئلة و بين حكمها فسمعها في أثناء الصلاة، أو تذكر نفسه حكم المسئلة.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 317

..........

______________________________

و بالجملة العبرة في الصحة مطابقة العمل للواقع، أو لفتوى من يجوز تقليده فلا تخلو عبارة المتن عن نحو قصور الا ان يراد بالواقع ما يعم الوظيفة الفعلية.

ثم انه على تقدير مخالفة المأتي به للمأمور به هل يجب إعادة الصلاة مطلقا أو يخص وجوب الإعادة بما إذا كان العمل المأتي به فاقدا لجزء أو شرط ركني

يجب إعادة الصلاة على تقدير مخالفة المأتي به للمأمور به مطلقا

لعل الظاهر لزوم الإعادة مطلقا و لا يكاد يصح تصحيحه بقاعدة لا تعاد كما لعله ربما يتوهم.

و السر في في ذلك هو نقصان المأمور به و عدم مطابقته للمأمور به، و مورد القاعدة كما تقدم مختلف فيه بين المشهور و غيرهم فخصه المشهور بالسهو و النسيان و المفروض خارج عنهما و هو واضح، و غيرهم كبعض الأساطين و بعض المشايخ و ان قالوا بالتعميم و لكن خصوها بما إذا كان العمل صحيحا عند الفاعل تقليدا أو اجتهادا بحيث لو لم ينكشف له الخلاف لم تجب عليه إعادته و ليس الأمر كذلك في المفروض لان المكلف يجب عليه الإعادة- انكشف له الخلاف، أو لم ينكشف- لقاعدة الشغل «1»

______________________________

(1) التنقيح ج 1/ 387

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 319

[مسئلة 50- يجب على العامي في زمان الفحص عن المجتهد، و عن الأعلم أن يحتاط]

اشارة

مسئلة 50- يجب على العامي (1) في زمان الفحص عن المجتهد، و عن الأعلم أن يحتاط في اعماله (2).

______________________________

(1) بحكم العقل الارتكازي.

(2) هذا في زمان الفحص عن المجتهد، و اما في زمان الفحص عن الأعلم فيكفي العمل بأحوط أقوال الموجودين، بل يكفي الأخذ بأحوط أقوال من يتردد الأعلم بينهم إذا علم وجود الأعلم، و تحقق المخالفة بين فتواه و فتوى غيره، و الا فيتخير بين الاحتياط و تقليد أيهما شاء.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 320

يجب على العامي في زمان الفحص عن المجتهد الاحتياط

______________________________

أقول: حكم العقل بوجوب الاحتياط في زمان الفحص عن المجتهد بلحاظ عدم حصول الأمن من العقاب الا به لعدم وجود طريق أخر هناك.

و بالجملة العقل بعد العلم الإجمال بأحكام إلزامية في الشريعة يستقل باشتغال الذمة و لزوم الخروج عن عهدتها و لا يحصل ذلك الا بالاحتياط ففي كل مورد احتمل حكما إلزاميا و وظيفة حتمية و لم يعرف المجتهد يستقل عقله باشتغال الذمة بها و لزوم الخروج عن عهدتها و لا يحصل ذلك حسب الفرض الا بالاحتياط تحصيلا للمؤمن من العقاب.

و لا يكفى هناك في الاحتياط الأخذ بأحوط القولين أو الأقوال و ان كان يكفى عند الفحص عن الأعلمية.

و ذلك للشك في اجتهادهم حسب الفرض فلعلهم غير مجتهدين و لم يكن في أقوالهم ما يحرز الواقع به.

فما يظهر من بعض الأعلام منهم سيد مشايخنا قدس «1» و بعض الأساطين دام ظله «2» من كفاية الأخذ بأحوط القولين أو الأقوال في الفرض لا يخلو من مناقشة نعم ان كان في أقوالهما أو أقوالهم ما يحرز به الواقع يجوز الاخد بما هو الأحوط، و لا يخفى ان هذا في الحقيقة احتياطا حقيقيا في المسئلة لا الأخذ

بالأحوط

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى ج 1/ 78.

(2) التنقيح ج 1/ 378

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 321

..........

______________________________

منهما أو منها كما لا يخفى فتدبر.

هذا كله في حكم الاحتياط في زمان الفحص عن المجتهد.

تخيير العامي في زمان الفحص عن الأعلم بين التقليد و الاحتياط

و اما وجوب الاحتياط متعينا في زمان الفحص عن الأعلم بالوجه المذكور في زمان الفحص عن المجتهد فمشكل لجواز التقليد في المفروض فهو مخير بين التقليد و الاحتياط، و قد تقدم ان لزوم تقليد الأعلم انما هو في ظرف العلم بمخالفة فتواه لفتوى غير الأعلم، و لم يحرز وجود الأعلم في بعض الصور، و لم يحرز المخالفة في الفتوى بعد.

فاذا يتخير في زمان الفحص عن الأعلم بين التقليد و الاحتياط الا ان تفرض المسئلة موردا يعلم وجود الأعلم في البين و يعلم وجود اختلاف الفتوى في البين فيتعين عليه الاحتياط عند ذاك فتدبر فيكفي هنا الأخذ بأحوط القولين، أو الأقوال، و لا يجب عليه الأخذ بأحوط الوجوه المحتملة في المسئلة لعلمه بحجية أحد ذينك القولين أو الأقوال في حقه فالعمل بأحوطهما، أو أحوطها مؤمن من العقاب.

ناقش سيد مشايخنا (قدس) بعدم وجوب الاحتياط على العامي في الفرض- و هو صورة الفحص عن الأعلم- و احتمل عموم دعوى الاتفاق على جواز التقليد للفرض اه «1».

قلت: قد عرفت حال لزوم الاحتياط و انه في مورد علم وجود الأعلم و علم مخالفة الفتوى في البين و اللّه العالم.

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى ج 1/ 78

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 323

[مسئلة 51- المأذون و الوكيل عن المجتهد في التصرف في الأوقاف]

اشارة

مسئلة 51- المأذون و الوكيل عن المجتهد في التصرف في الأوقاف، أو في أموال القصر ينعزل بموت المجتهد بخلاف المنصوب من قبله كما إذا نصبه متوليا للوقف، أو قيما على القصر فإنه لا تبطل توليته و قيمومته (1) على الأظهر.

______________________________

(1) لا ينبغي ترك الاحتياط بالاستيذان من الحي، أو انتصابه من قبله أيضا.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 324

أنحاء التصرف في الأوقاف و نحوها

______________________________

أقول: المجتهد و الفقيه تارة يأذن للشخص التصرف في أموال القصّر و الغيّب، أو التصرف في الأوقاف و بكلمة جامعة التصرف في الأمور الحسبة- و هي الأمور التي علم ارادة وجودها في الخارج و لا يرضى الشارع بتركها و لم يعلم وجوده من شخص خاصه.

و اخرى يوكله في ذلك بحيث يستنيبه في التصرف بحيث يكون فعل الوكيل فعلا للموكل.

و ثالثة ينصبه قيما في أموال القصر أو الغيب، أو ينصبه متوليا للوقف.

الفرق بين المأذون و الوكيل و المنصوب متوليا و قيما

و الفرق بينها هو ان المأذون و الوكيل بعد اشتراكهما في جواز التصرف في تلك الأموال كما هو الشأن في الثالث أيضا هو انه اعتبر في الوكالة تنزيل فعل الوكيل في التصرفات منزلة فعل الموكل و لم يعتبر في المأذون ذلك.

و اما الفرق بين الوكيل و المنصوب فهو ان الولاية و القيمومة هو جعل الولاية و السلطنة للولي، و متولي الوقف بحيث يكون بعد جعل الولاية له التصرف مهما رأى الغبطة و المصلحة، و لا يعد أفعاله أفعال المجتهد و ان كان بنصبه و تعيينه.

و بالجملة الوكالة الاستنابة في التصرف بحيث يكون فعل الوكيل فعل الموكل تنزيلا فتدور مدار قابلية الموكل للتصرف وجودا و عدما و لذا لا يتمكن الوكيل من التصرف فيما زاد على مقدار الوكالة بخلاف الولي فإن تصرفه يكون منوطا بالغبطة، و المصلحة في نظره فربما لا ينقدح في ذهن المجتهد ما يفعله الولي

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 325

..........

______________________________

و مع ذلك يصح منه ذلك.

هذا كله في الميز بين المأذون و الوكيل و متولي الوقف و القيم على الغيب و القصر.

و لا إشكال في جواز التصرفات منهم في الجملة و لكن الكلام في انه بعد

فوت المجتهد هل ينعزل المأذون أو الوكيل، أو المتولي أو القيم أولا؟

و الكلام تارة في إمكان بقاء ذلك بعد موت المجتهد و اخرى في الدليل على ذلك بعد إمكان البقاء.

إمكان بقاء الاذن و الوكالة و التولية بعد موت المجتهد

أما المأذون فتصوير الاذن في التصرف المستمر الى ما بعد موت المجتهد بمكان من الإمكان و لذا يستدل في مقام الإثبات لعدم بقاء الوكالة بموت الموكل كما سيجي ء بالإجماع و غيره و الا كان الحقيق ان يقال بارتفاعها بموت الموكل.

فما يظهر من سيد مشايخنا (قدس) من انه يرتفع الاذن بالموت «1» غير ظاهر الا ان يريد بذلك عدم دلالة الدليل على ذلك فتدبر.

و اما بقاء وكالة الوكيل فتدور مدار أهلية الموكل للتصرف فمهما جاز له التصرف جاز للوكيل ذلك، و من الواضح انه بالموت أو الجنون يخرج الوكيل عن أهلية التصرف فلا معنى للاستنابة عنه بعد ذلك.

و اما المتولي، و القيم فبما ان الولاية المذكورة نحو سلطنة مفوضة تكون قابلة للبقاء باستعداد ذاتها ما لم يرفعها رافع كعزل المجتهد إياه فمن الممكن بقائها بعد موت المجتهد.

هذا كله في مقام الثبوت.

عدم بقاء الاذن بعد موت المجتهد

و اما مقام الإثبات فقد أشرنا ان تصوير الاذن المستمر الى ما بعد الموت و ان

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى ج 1/ 78

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 326

..........

______________________________

كان ممكنا و لكن لا دليل على ذلك في مقام الإثبات و غاية ما يمكن إثباته هو ان نفوذ اذن المجتهد محدود بحياته.

و بالجملة الأمر في المأذون واضح لأنه بموت المجتهد اما ترتفع الاذن حقيقة كما قيل أو لا يمكن إثبات بقائه بالدليل.

الاختلاف في بقاء الوكالة بموت موكله و بيان المختار

اشارة

و اما الوكيل فيمكن توجيه ارتفاع الوكالة بموت موكله بوجهين.

الأول: الإجماع

قال الفقيه الماهر صاحب الجواهر: (قدس) ان العمدة في بطلان وكالة الوكيل بموت الموكل الإجماع، و قال بمثل ذلك في طرو الجنون و الإغماء له و قال بعدم الفرق عندنا بين طول زمان الإغماء، و قصره، و لا بين اطباق الجنون و أدواره و لا بين علم الوكيل بعروض المبطل و عدمه «1».

و وافقه في ذلك سيد مشايخنا (قدس) «2».

يمكن النقاش في ذلك بعد ثبوت إجماع تعبدي في ذلك بعد تطرق الوجه الأخر و لا أقل من الشك في ذلك فلا يكاد يستكشف من ذلك رأى المعصوم عليه السّلام.

الثاني:

ما أشرنا إليه من ان الوكالة تنزيل فعل الوكيل منزلة فعل الموكل و يكون تصرفاته في المال ببيع أو إجارة أو نحو ذلك منسوبا الى موكله، و من هنا يكون هو المخاطب بالوفاء بالعقد، و من المعلوم سقوطه عن أهلية التصرف بالموت أو الجنون فلا معنى للاستنابة عنه بعد موته و جنونه.

نعم في الإغماء يشكل دعوى خروج المغمى عليه عن أهلية التصرف عرفا فان وزان الإغماء وزان النوم و الغفلة، و لو شك في الأهلية عند الإغماء فيعمه إطلاق أدلة الوكالة ان كان لها إطلاق فيمكن إبقاء الوكالة بالإغماء بالاستصحاب بناء على جريانه في الشبهات الحكمية كما قرر في محله.

______________________________

(1) جواهر الكلام كتاب الوكالة ج 27/ 360- 362

(2) مستمسك العروة الوثقى ج 1/ 78

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 327

..........

______________________________

و اما المتولي و القيم فاختلف في بقائه بالموت فذهب جملة من الأعلام منهم الماتن (قدس) الى عدم بطلان التولية و القيمومة بالموت، و خالفهم في ذلك بعض و احتياط في ذلك ثالث.

الاختلاف في بقاء التولية و القيمومة بعد موت المجتهد توجيه بقائهما بعد موت المجتهد

اشارة

يوجه مقال الماتن (قدس) مضافا الى دعوى الإجماع عليه بقسيمه بوجهين.

الوجه الأول:

ان للمجتهد جعل الولاية لمن نصبه، و جعله متوليا و قيما فقد اعطى منصوبة منصب الولاية، و القيمومة، و المناصب إذا لم تكن مقيدة لا تزول الا بعد العزل كما هو الشأن في سائر مناصب الحكومة، و كما في إعطاء الواقف التولية لشخص فإن التولية و النظارة بعد موت الواقف باقية و الحاكم الشرعي له السلطنة، و الاقتدار على ذلك بمقتضى قوله عليه السّلام في مقبولة عمر بن حنظلة فإني جعلته حاكما «1» و بعبارة اخرى انه من باب إعطاء المنصب فلا وجه و لا معنى لزوال المنصب بموت معطيها و يكون وزانها وزان حكم الحاكم غير القابل للنقض بموته.

و بعبارة ثالثة ان الولاية- بما أنها سلطنة مفوضة- قابلة للبقاء باستعداد ذاتها ما لم يرفعها رافع كعزل المجتهد و اما موته فلا يكون رافعا و لا أقل من الشك فيستصحب

الوجه الثاني:
اشارة

ان المرتكز في أذهان المتشرعة- و يستفاد من النصوص- ان منصب القضاء منصب نيابي فجميع الوظائف التي يؤديها القاضي- من فصل الخصومة، و نصب القيم، و نحو ذلك- يؤديه نيابة عن الامام عليه السّلام فمنصوبه منصوب الامام و لازم ذلك البناء على عدم البطلان بالموت «2».

و ربما يناقش الوجهان.

لكن توضيح المقال يستدعي البحث في مقامين.

الأول: في انه هل للمجتهد جعل الولاية في تلك الأمور الحسبة لأحد

______________________________

(1) مدارك العروة ج 1/ 122.

(2) الدروس ج 1/ 219

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 328

..........

______________________________

بان يجعل التولية و النظارة لشخص على التصرف في الأوقاف، أو في أموال القصر أو الغيب أم لا؟.

الثاني: في انه على تقدير جواز النصب من المجتهد هل يشترط بقاء التولية و القيمومة بحياة المجتهد بحيث ينعزل بموته أو

يبقى بعد موته أيضا؟

و لبعض الأساطين دام ظله كما في تقريري بحثه كلام في كلا المقامين ينبغي ذكرهما و ملاحظتهما فنقول.

المقام الأول جواز نصب المجتهد التولية و القيمومة لأحد
اشارة

فلا يبعد دعوى ثبوت الولاية على النصب للمجتهد بالنسبة إلى تلك الأمور الحسبة كفاك جعل ما ورد في غير واحد من الروايات ان القضاوة و الحكومة للفقيه الجامع للشرائط كقوله عليه السّلام في مقبولة عمر بن حنظلة (فانى قد جعلته حاكما) و قوله عليه السلام في صحيحة أبي خديجة: (فإني قد جعلته عليكم قاضيا) الى غير ذلك من الروايات.

و مقتضى الإطلاق فيها هو ترتب الآثار المرغوبة من القضاء و الحكومة بأجمعهما، أو الظاهرة منهما على الرواة و القضاة و من تلك الآثار تصديهم لنصب القيم، و الولاية و النظارة على القصر، و الأوقاف التي لا متولي لها.

و لا شبهة في ان القضاة المنصوبين من قبل خلفاء الجور كانوا يتصدون لتلك الوظائف و المناصب كما لا يخفى على من لاحظ أحوالهم و سبر سيرهم و سلوكهم في كتب السير و الاخبار.

يشهد لذلك صحيح محمد بن إسماعيل قال:

قلت مات رجل من أصحابنا و لم يوص فوقع امره الى قاضي الكوفة فصير عبد الحميد القيم بماله و كان الرجل خلف ورثة صغارا، و متاعا، و جواري، فباع عبد الحميد المتاع فلما

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 329

..........

______________________________

أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهن إذ لم يكن الميت صير اليه وصيته، و كان قيامه فيها بأمر القاضي، لأنهن فروج قال فذكرت ذلك لأبي جعفر عليه السّلام و قلت له يموت الرجل من أصحابنا و لا يوصى الى أحد و يخلف جواري فيقيم القاضي رجلا منا فيبيعهن، أو قال يقوم بذلك رجل منا

فيضعف قلبه لأنهن فروج فما ترى في ذلك؟ فقال عليه السّلام إذا كان القيم به مثلك (أو يب) و مثل عبد الحميد فلا باس «1».

و ذلك لأنه شاهد صدق و صريح في ان القضاة كانوا يتصدون لنصب القيم و نحوه من المناصب.

فاذا ثبت ان المجتهد الجامع للشرائط منصوب للقضاء و الحكومة يد لنا ذلك بإطلاقه على ان الآثار الثابتة للقضاة و الحكام بأجمعها، أو الظاهرة منها ثابتة للفقيه الجامع للشرائط، و لو لا ذلك لكان الاولى ذكرها، و بيان الأمر فيها بأنها انما هو بإجازة المجتهد، أو توكيله، لا بالنصب أو الجعل.

فبالدلالة الالتزامية العرفية بعد ثبوت جعل هذه المناصب للقضاة و الحكام من قبل خلفاء الجور يستكشف جعله عليه السّلام هذه المناصب للمجتهد أيضا و الا كان عليه البيان.

و بالجملة ثبوت الولايات و المناصب لقضاة الجور و لو بزعمهم الفاسد يعطى ثبوت تلك المناصب للقاضي المنصوب من قبلهم عليهم السّلام للملازمة العرفية.

و ان أبيت عن ثبوت جميع تلك المناصب فلا أقل من ثبوت ما يبتلى به الشيعة غالبا و يحتاجون إليه في حياتهم الاجتماعية من نصب القيم و متولي الوقف و نحو ذلك من الأمور الحسبة التي لا يرضى الشارع بتركها.

بل يستفاد من صحيح ابن بزيع إمضاء نصب القيمومة لمثل عبد الحميد و لو كان

______________________________

(1) الوسائل باب 16 من أبواب عقد البيع و شروطه ح/ 2

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 330

..........

______________________________

الناصب من قضاة الجور و حكامهم فاذا صح ذلك من قضاة الجور فما ظنك من جعله من المجتهد الجامع للشرائط.

و لعل ثبوت هذا المقدار من المجتهد الجامع لا ينبغي الكلام فيه، و قد عرفت حكاية دعوى الإجماع بقسميه

عليه.

هذا ما يقتضيه الاعتبار في المقام الأول.

إشكال بعض الأساطين في ذلك و دفعه

و لكن مع ذلك ناقش بعض الأساطين دام ظله فقال ما حاصله:

ان غاية ما تقتضيه المقابلة بين قاضي الامام عليه السّلام و قضاة العامة انما هي جهة القضاء و الحكومة فقط دون غيرها و لو شك في التعميم فالأصل عدمه.

و بعبارة أوضح ليس غير القضاء و الحكومة من سائر المناصب التي منها منصب جعل القيمومة و الولاية على الصغير و الوقف داخلة في مفهوم القضاء أو لوازمها العقلية أو العادية و انما هي بجعل مستقل تحتاج في ثبوتها الى دليل مفقود بالنسبة إلى الفقيه، و هي و ان كانت ثابتة لقضاة العامة الا انه بجعل مستقل من خلفائهم، فقضية المقابلة قاصرة عن إثباتها للفقيه، و كذا قضية رفع الحاجة عنهم في سائر الجهات غير القضاء كنصب القيم على اليتيم لأنه يكفي فيها جواز تصدى الحاكم بنفسه أو تصدى غيره باذنه لما كان منها حسبة و هي تختلف باختلاف الموارد كما لا يخفى و ليس منها نصب القيم و المتولي لحصول الحسبة بالمباشرة أو التسبيب.

فتحصل انه ليس للفقيه الولاية على النصب لا من نفسه و لا من قبل الامام عليه السلام «1».

قلت: الظاهر ثبوت ذلك لقضاة العامة و قد اعترف بذلك دام ظله و لكنه ادعى ان ذلك منهم بجعل مستقل و ليس ذلك من شئون القضاوة و الحكومة و هو كما ترى و لم يعهد و لم يسمع ان خلفاء الجور جعلوا لقضاتهم و حكامهم مضافا الى جعل القضاوة

______________________________

(1) الدروس ج 1/ 222

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 331

..........

______________________________

و الحكومة هذه المناصب و قد عرفت من صحيح ابن بزيع استفادة جعل القيمومة

لمثل عبد الحميد، و لعل ذلك أمر لا سترة فيه و قد وافق دام ظله في التعليقة ما في المتن، و ان ناقش في بقاء التولية و القيمومة بعد موت المجتهد.

و لم اعرف من الأعلام المعلقين على المتن ما يوافقه و ليت شعري ما الوجه فيما أفاده في مجلسه الشريف.

هذا إجمال المقال في المقام الأول و لعلنا نتكلم حوله فيما يأتي في مسئلة ولاية العامة للفقيه ما ينفع المقام فارتقب.

المقام الثاني بقاء التولية و القيمومة بعد موت المجتهد
اشارة

ذهب ثلة من الأصحاب إلى بقاء التولية و القيمومة بعد موت المجتهد الناصب له ما لم يتخطأ عما قرر له خلافا لما عن بعض الأساطين دام ظله فقال بعدم البقاء عند ذلك.

أشرنا الى ما يوجه مقال القائلين بالبقاء و حاصل ما يوجه مقالهم وجهان.

الوجه الأول: ان وزان جعل القيمومة أو التولية لأحد وزان جعل الواقف التولية و النظارة لشخص فكما انه لا يكاد ترتفع بموت الواقف فكذلك في المقام فالقيم، و المتولي بعد نصب المجتهد و جعل القيمومة و التولية له إذا لم يكن مقيدة لا تزول الا بعد العزل أو خروجه عن أهلية التصرف.

و بعبارة اخرى ان جعل القيمومة، و التولية من باب إعطاء المنصب و لا معنى لزوال المنصب بزوال معطيها.

و بعبارة ثالثة: ان الولاية بما أنها سلطنة مفوضة تكون قابلة للبقاء باستعداد ذاتها ما لم يرفعها رافع كعزل المجتهد فلا يكاد ترتفع بموته.

و بعبارة رابعة: وزان جعل القيمومة، و التولية وزان حكم الحاكم غير قابل للنقض بموته فكذلك جعله القيمومة و التولية.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 332

..........

______________________________

الوجه الثاني: ان المرتكز في أذهان المتشرعة- و يستفاد من النصوص- ان منصب القضاء منصب نيابي مفوض من الامام عليه

السّلام فجميع الوظائف التي يؤديها القاضي من فصل الخصومة و نصب القيم و نحو ذلك يؤديها نيابة عنه عليه السّلام فمنصوبه منصوب الامام عليه السّلام، و لازم ذلك البناء على عدم البطلان بالموت.

الإشكال في بقاء النصب بعد موت المجتهد و دفعه

قال بعض الأساطين دام ظله: انه على تسليم ثبوت ولاية الفقيه على النصب فالقدر المتيقن- على خلاف الأصل- ثبوت ولايته على النصب الى زمان حياته لا حياة المنصوب و ليس في البين إطلاق يمكن التمسك به لإثبات بقاء ولاية المنصوب الى ما بعد موت المجتهد إذ عمدة الدليل على ولايته كما أشرنا هي قضية المقابلة بين قاضي الامام عليه السّلام و قاضي الجور فهي لو تمت في نفسها فلا بد من ملاحظة سيرتهم في ذلك و لم يعلم انها كانت على بقاء المنصوبين من قبل القضاة حتى بعد خروج القضاة عن الأهلية بموت أو جنون أو انعزال عن المنصب.

و لو ثبت ذلك فلا يمكن الالتزام به في قاضي الإمام عليه السّلام لعدم ثبوت المقابلة من هذه الجهة لو سلمنا المقابلة من جهة أصل الولاية على النصب اه «1».

و فيه: انه قد تقدم أيضا ثبوت الولاية على النصب للقضاة و قد عرفت في وجهه ما ينفعك لثبوت الولاية و القيمومة بعد موت المجتهد لما أشرنا أن وزان جعل الولاية و القيمومة وزان جعل الواقف التولية و النظارة لأحد فكما لا ترتفع بموته فكذلك في المقام.

و قد أشرنا أن وزان جعلهما من جهة وزان إعطاء المنصب و لا معنى لزوال المنصب بزوال معطيها.

و قد تقدم ان وزان جعلهما من وجه وزان حكم الحاكم فكما انه لا ينتقض بموته فكذلك في المقام.

______________________________

(1) الدروس ج 1/ 222- 223

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2،

ص: 333

..........

______________________________

و قد عرفت في الوجه الثاني ان منصوب الفقيه منصوب الامام عليه السّلام لان منصبه منصب نيابي فمنصوبه منصوب الامام عليه السّلام، و قد اعترف دام ظله في خلال مقاله بأنه إذا ثبت ان ولاية المنصوب ولاية من قبل الامام عليه السّلام و الفقيه في نصب القيم و المتولي واسطة في الجعل كانت الولاية ثابتة بعد موت الفقيه أيضا الا انه ناقش في إثبات ذلك «1».

و لكن عرفت ان استفادة ذلك من ارتكاز المتشرعة و النصوص بمكان من الإمكان فلاحظ.

و ان أبيت عن ذلك و شككت في بقاء الولاية بعد موت الفقيه فمقتضى الاستصحاب بقاء السلطنة و القيمومة و التولية بموت الفقيه.

فتحصل مما تقدم ان ما في المتن من انعزال المأذون و الوكيل من قبل المجتهد بموته، و بقاء القيمومة و التولية بموته تمام يمكن المساعدة عليه الا ان الأحوط بعد موت المجتهد الاستيذان، أو الاستنابة من الحي أو انتصابه من قبله أيضا و اللّه العالم بأحكامه

______________________________

(1) الدروس ج 1/ 223

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 335

[مسئلة 52- إذا بقي على تقليد الميت من دون ان يقلد الحي في هذه المسئلة]

اشارة

مسئلة 52- إذا بقي على تقليد الميت من دون ان يقلد الحي في هذه المسئلة كان كمن عمل من غير تقليد (1).

______________________________

(1) بل كما أفيد: كان كمن قلد بلا تقليد، فان افتى مرجعه الحي بجواز البقاء أو وجوبه صح جميع اعماله، و الا لم تصح الا ما طابقت فتوى مرجعه الحي.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 336

حكم من بقي على تقليد الميت من تقليد الحي

______________________________

أقول: تقدم الكلام في انه لا بد لغير المجتهد و الجاهل بالاحتياط ان يستند في اعماله إلى التقليد الصحيح لما قلنا ان التقليد ميزان عقلائي شرعي و قلنا بكفاية تطابق العمل المأتي به للواقع. أو لفتوى من يجب عليه تقليده فعلا و ان كان غير ملتفت اليه.

فالمراد ببطلان عمل تارك التقليد كما تقدم ليس فساد المأتي به و عدم الاجتزاء به بحيث يجب عليه الإعادة، أو القضاء، بل المراد عدم الاجتزاء به في مقام إسقاط التكليف بلحاظ عدم الاستناد الى ركن وثيق، و يكون رهينا بمطابقة الواقع، أو فتوى من يجب عليه تقليده.

و في مفروض المتن حيث انه بعد موت المجتهد ليس له الا الاستناد إليه في مقام العمل فلا بد له من مراجعة المجتهد الحي الأعلم مثلا، فان كانت فتواه جواز البقاء، أو وجوب البقاء على رأى المجتهد الميت صح جميع اعماله. و ان لم يجوز البقاء يصح بالنسبة إلى إعماله التي طابقت فتوى الحي.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 337

[مسئلة 53- إذا قلد من يكتفي بالمرة مثلا، في التسبيحات الأربع و اكتفى بها]

اشارة

مسئلة 53- إذا قلد من يكتفي بالمرة مثلا، في التسبيحات الأربع و اكتفى بها، أو قلد من يكتفى في التيمم بضربة واحدة ثم مات ذلك المجتهد فقلد من يقول بوجوب التعدد لا يجب عليه (1) إعادة الأعمال السابقة (2)، و كذا لو أوقع عقدا، أو

______________________________

(1) الضابط الكلي في المقام هو الحكم بالصحة و عدم لزوم الإعادة، أو القضاء في مثل الاكتفاء بمرة واحدة من التسبيحات الأربع مما يعمه عقد المستثنى منه من حديث لا تعاد بناء على المختار من عدم اختصاصه بالسهو و النسيان، و اما في غيره فلا يحكم بالصحة، بل يلزم الإعادة، أو القضاء و ترتيب

آثار الفساد عند تبين الخلاف إلا إذا كانت الإعادة، أو القضاء مستلزما للعسر أو الحرج، أو قام هناك إجماع على الاجزاء، و يمكن الاحتياط لذلك بالبقاء على تقليد المجتهد الأول في مورد الاختلاف.

(2) لكن على الضابط الذي ذكرناه يكون فرق بين مسئلة التسبيحات و مسئلة التيمم، فعدم الوجوب مخصوص بالأولى دون الثانية إلا إذا استلزم العسر أو الحرج.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 338

إيقاعا بتقليد مجتهد يحكم بالصحة ثم مات و قلد من يقول بالبطلان يجوز له البناء (1) على الصحة، نعم فيما سيأتي يجب عليه العمل بمقتضى فتوى المجتهد الثاني، و اما إذا قلد من يقول بطهارة شي ء كالغسالة ثم مات و قلد من يقول بنجاسته فالصلوات و الأعمال السابقة محكومة بالصحة (2) و ان كانت مع استعمال ذلك الشي ء، و اما نفس ذلك الشي ء إذا كان باقيا فلا يحكم بعد ذلك بطهارته، و كذا في الحلية، و الحرمة، فإذا افتى المجتهد الأول بجواز الذبح بغير الحديد- مثلا- فذبح حيوانا كذلك فمات المجتهد و قلد من يقول بحرمته، فان باعه أو أكله حكم بصحة البيع (3) و اباحة الأكل، و اما إذا كان الحيوان المذبوح موجودا فلا يجوز بيعه و لا اكله و هكذا.

______________________________

(1) لا يحكم بالصحة خصوصا مع الابتلاء بمورده إلا إذا استلزم الحكم بالفساد العسر أو الحرج.

(2) في خصوص الصلوات إذا استعملت الغسالة في رفع الحدث.

(3) بل لا يحكم بصحة البيع، و لا بإباحة الأكل، و غاية ما هناك هو المعذورية في ترتيب آثار صحة البيع و اباحة الأكل.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 339

..........

______________________________

أقول: تعرض الماتن (قدس) في هذه المسئلة فروعا

حكم في بعضها بالصحة و في بعضها الأخر بالفساد، و قد تنظر فيها بعض الأعلام من المحشين فلا بد من تحقيق الحال فيها.

الأقوال في الاجتزاء بالإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري عن المأمور به بالأمر الواقعي

و ليعلم أولا كما حقق في الأصول و عليه أصحابنا الإمامية رضوان اللّه عليهم ان آراء المجتهد في استنباطاته قد تصيب الواقع و قد تخطى كما هو الشأن في القطع الطريقي خلافا لما عليه العامة من القول بالتصويب، فعلى قولهم لا معنى لعدم الاجزاء كما لا يخفى و اما على ما عليه الإمامية فيمكن القول بالاجزاء كما يمكن القول بعدمه.

اختلف آرائهم في الاجزاء بالإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري عن المأمور به بالأمر الواقعي فذهب ثلة من الفحول الى عدم الاجزاء لو انكشف الخلاف مطلقا و بعضهم الى القول بالاجزاء كذلك، و ثالث فصل بين الموضوعات و الأحكام فقال بالاجزاء في الأول دون الثاني، و رابع التفصيل بين انكشاف الخلاف بالقطع، أو بأمارة أخرى فقال بالاجزاء في الثاني دون الأول، و خامس التفصيل بين القول بكون الأمارات مجعولة على نحو السببية، أو على الطريقية فقال بالاجزاء على الأول، و بعدمه على الثاني، و سادس كما في المتن التفصيل بين المعاملات بالمعنى الأخص- اعنى العقود و الإيقاعات- و بين غيرها من الأحكام الوضعية و التكليفية، فقال بالاجزاء في الأول دون الثاني.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 340

..........

______________________________

تفصيل الأمر يطلب من غير المقام، و اما إجماله فهو ان انكشاف الخلاف في الأحكام الظاهرية تارة يكون بالعلم و انه غير مطابق للواقع وجدانا بان يقطع المجتهد مثلا بان فتواه السابقة مخالفة للواقع فالظاهر القول بعدم الاجزاء لعدم امتثال الحكم الواقعي و بقائه بحاله و قد ادعى الإجماع على عدم الاجزاء في

هذه الصورة.

و اخرى يكون بقيام حجة معتبرة على الخلاف، و عليه اما ان نقول بأن حجية الطرق و الأمارات من باب السببية و ان قيام الامارة سبب لحدوث مصلحة في المؤدى أو من باب الطريقية.

و لا يخفى انه على السببية فالقاعدة تقتضي القول بالاجزاء عند كشف الخلاف و لا يهمنا البحث عن ذلك لما هو الحق المحقق في محله من ان حجية الطرق و الأمارات عندنا من باب الطريقية و ان الشارع الأقدس لم يؤسس امارة، بل امضى ما عليه العقلاء.

و غير خفي ان العقلاء يعاملون مع الطرق و الأمارات معاملة العلم من حيث كونه منجزا للواقع على تقدير الإصابة و معذرا على تقدير عدمها.

القاعدة الأولية عند انكشاف الخلاف في موارد تبدل الرأي و نحوها عدم الاجزاء

فإذا القاعدة الأولية عند انكشاف الخلاف في موارد تبدل الرأي، أو العدول من مجتهد إلى أخر أو غير ذلك من الموارد التي يجمعها انكشاف الخلاف في الأحكام الظاهرية تقتضي عدم الاكتفاء بما اتى به الا ان يدل عليه دليل على الاجتزاء بما اتى به.

و ذلك لان الصحة انما تنتزع عن مطابقة المأتي به للمأمور به فبعد انكشاف الخلاف و ان ما اتى به مخالف للمأمور به لا يكاد يمكن انتزاع الصحة عند ذاك.

ان قلت ان ذلك انما هو فيما إذا انكشف الخلاف بالعلم الوجداني، و اما

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 341

..........

______________________________

في المفروض فالاجتهاد السابق كالاجتهاد اللاحق فكما يحتمل ان يكون الاجتهاد الثاني مطابقا للواقع فكذلك الاجتهاد الأول فهما متساويان و ان كان يجب عليه و على مقلديه ان يطبقوا أعمالهم على الاجتهاد اللاحق.

و السر في ذلك هو ان الاجتهاد اللاحق لا يكشف عن عدم حجية الاجتهاد السابق في ظرفه و انما يدل على

ان الاجتهاد السابق ساقط عن الحجية في ظرف الاجتهاد الثاني مع بقائه على حجيته في ظرفه فالتبدل في الحجية من التبدل في الموضوع و معه لا وجه لبطلان الأعمال المتقدمة المطابقة للاجتهاد السابق.

قلت: ان قيام الحجة الثانية و ان كان لا يستكشف به عن عدم حجية الاجتهاد الأول مثلا في ظرفه الا ان مقتضاها ثبوت مدلولها في الشريعة المقدسة من الابتداء و عدم اختصاصه بعصر دون عصر، فالعمل المأتي به على طبق الحجة السابقة باطل لأنه مقتضى الحجة الثانية و معه لا بد من إعادته أو قضائه.

و احتمال مخالفة الواقع و ان كان يشترك فيه الحجتان الا ان هذا ملغى في الحجة الثانية حسب أدلة اعتبارها و غير ملغى في الحجة السابقة لسقوطها عن الاعتبار و مجرد احتمال المخالفة يكفي في الحكم بالإعادة أو القضاء لأنه لا مؤمن من العقاب الا مع ذلك.

و بما ذكرنا يندفع ما ربما يتوهم في المقام من ان الحكم بعدم الاجزاء مستندا بالحجة الثانية ترجيح بلا مرجح لأن الحجة السابقة كانت حجة في ظرفها كما ان الحجة الثانية حجة في ظرفها فلا موجب لتقديم إحديهما على الأخرى.

توضيح الدفع ان الحجة السابقة قد سقطت عن الحجية في ظرف الرجوع بخلاف الثانية و هذا هو المرجح لها على سابقتها فتدبر.

هذا مقتضى القاعدة الأولية عند العدول من مجتهد إلى أخر أو عند تبدل الرأي فإن كان هنا دليل على الاجتزاء بما اتى به فنقول به و يكون دليلا مخرجا عن القاعدة و الا فلا بد من الالتزام بعدم الاجزاء.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 342

الوجوه التي يستدل بها للاجزاء فيها و دفعها

اشارة

______________________________

و كيف كان يستدل للاجزاء عند ذلك بوجوه.

الوجه الأول: دعوى الإجماع

بل الضرورة على الاجزاء و ان الأعمال التي اتى بها على طبق الحجة الشرعية صحيحة نعم فيما سيأتي يجب العمل بمقتضى فتوى المجتهد الثاني.

قال العلامة الكاظميني (ره) و نحن و ان لم نعثر على من ادعى الإجماع الا ان شيخنا الأستاد دام ظله «1» ادعاه اه «2» و ربما حكى عن أستاده المحقق النائيني (قدس) ان القدر المتقين من الإجماع انما هو خصوص العبادات بالنسبة إلى الإعادة أو القضاء و اما في غيرهما فلم يتحقق فاذا غسل ثوبه بالماء مرة و اكتفى بها اعتمادا على الحجة فانكشف له بعد ذلك خلافه وجب عليه غسله.

و كيف كان يتوجه عليه أولا انه إجماع منقول كما اعترف العلامة الكاظميني بأنه لم يعثر على مدعى الإجماع غير أستاده المحقق النائيني (قدس) و قد تقدم غير مرة عدم حجية الإجماع المنقول.

و ثانيا: ان دعوى الإجماع معارض بدعوى الإجماع المحكى عن العلامة، و العميدي، على عدم الاجزاء.

و ثالثا: ان تحصيل الإجماع في مثل هذه المسئلة التي لم يتعرضها أكثر الأصحاب و لم يعثر به مثل الكاظميني في كلماتهم تخرص بالغيب و دون إثباته خرط القتاد.

و رابعا: ان المحصل من الإجماع في مثل هذه المسئلة التي لها مبان مختلفة يعلم أو يحتمل قريبا ان يكون مستندهم وجوه أخر، لا يكاد يستكشف منه رأى المعصوم عليه السلام.

______________________________

(1) يعنى به أستاده المحقق النائيني (قدس).

(2) فوائد الأصول ج 2/ 146 ط النجف الأشرف.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 343

الوجه الثاني: دعوى السيرة المتشرعة على الاجزاء

______________________________

بدعوى انه لم يعهد في موارد العدول و التبدل في الاجتهاد اعادة، أو قضاء ما اتى به طيلة حياته و حيث لم يردع عنها في الشريعة فلا مناص من الالتزام بالاجزاء

عند ذلك.

و فيه أولا: ان ثبوت السيرة على الاجزاء مشكل و غاية ما في الباب هي عدم الإعادة في مثل الصلاة فلعله مستند إلى قاعدة لا تعاد لان التخلف بالنسبة إلى الخمسة المستثناة لعله نادر فتدبر.

و ثانيا: انه على تقدير ثبوت السيرة في مثل زماننا لا تكاد تفيد إلا إذا أحرز اتصالها بعصر المعصومين عليهم السّلام و لم يحرز ذلك بل يمكن دعوى عدمه و ذلك لأنه لو كانت عامة البلوى و امرا دارجا لديهم لسألوا عن حكمها و لو في رواية واحدة و لم نجدها فيستكشف من ذلك ان كثرة الابتلاء بها على تقديرها انما حدثت في الأعصار المتأخرة، و لم يكن منها في عصرهم عين و لا أثر فالسيرة على تقدير تحققها غير محرزة الاتصال بعصرهم.

الوجه الثالث: استلزام عدم الاجزاء العسر أو الحرج

المنفيين في الشريعة فان اعادة الأعمال التي اتى بها لمخالفة لفتوى من يقلده فعلا مستلزم للعسر أو الحرج الاكيدين و بالجملة عدم الاجزاء في موارد تخلف الأوامر الظاهرية موجب للحرج أو العسر نوعا فيكون منفيا شرعا.

و فيه: ان الاستدلال بنفي العسر أو الحرج في أمثال المقام ناش من خلط موضوع الحكم بداعي جعل الحكم.

و ذلك لان الحرج و مثله الضرر قد يكون داعيا للشارع الى جعل حكم من الأحكام- كالحكم بطهارة الحديد، و خيار الشفعة الناشئين عن لزوم الحرج أو الضرر في فرض عدمهما- و لو كان ذلك بحسب غالب الأشخاص، فالحكم يكون ثابتا على الإطلاق و لا بأس بكون شي ء داعيا و حكمة لجعل الحكم و لكن لا يدور الحكم مداره، و لكن ذلك لا يكون الا شأن الشارع لا المجتهد الذي شأنه الإفتاء على طبق ما استنبطه

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد،

ج 2، ص: 344

..........

______________________________

لأجعل الحكم على موضوع موسع أو مضيق.

و قد يكون الحرج، أو الضرر موضوعا لرفع حكم كما في قوله تعالى وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «1» فإنه بعد حكومته على سائر الأدلة في قوة ان يقال ان الأحكام المجعولة شرعا ترتفع في موارد الحرج و لما كانت القضايا المجعولة شرعا من قبيل القضايا الحقيقية أو الطبيعية فالأحكام تتعدد بتعدد موضوعاتها فأي موضوع كان الحكم فيه حرجيا يرتفع حكمه و الا فلا.

و ان شئت قلت ان أدلة نفى الضرر أو الحرج ظاهرة في نفى الضرر أو الحرج الشخصيين كما هو ظاهر استدلال الفقهاء في الموارد الشخصية فكل مورد استلزمهما نقول بالاجزاء و الا فلا، و غير خفي انهما غير مطردين في جميع فروض المسئلة فتدبر.

الوجه الرابع: هو انه لو لا الاجزاء لم يبق وثوق بفتوى المجتهد

الذي يستند اليه عجالة لان حكم الأمثال فيما يجوز و ما لا يجوز واحد.

و فيه: ما لا يخفى لأنه استبعاد محض و الاستبعاد لا يسمع في قبال الدليل، و مثل هذا جار في كثير من موارد الأحكام الظاهرية التي يحتمل قيام الإمارة في المستقبل على خلافها.

و هنا بعض وجوه أخر يستدل به للاجزاء و فيما ذكرناه كفاية.

فتحصل مما ذكرنا ان مقتضى القاعدة الأولية في الطرق و الأمارات هو القول بعدم الاجزاء في موارد العدول و موارد تبدل الاجتهاد إلا إذا قام الدليل على الاجزاء، و قد أشرنا إلى عمد ما يوجه به للاجزاء و قد عرفت عدم تمامية شي ء منها على نحو الكلية.

نعم ربما يستلزم القول بعدم الاجزاء العسر أو الحرج الشخصيين كما إذا قلد مجتهدا في طيلة سنين متمادية فمات و كانت فتاواه مخالفة لفتاوى المجتهد الذي تكون الوظيفة المراجعة إليه.

______________________________

(1) الحج: 22/ 78

الدر النضيد

في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 345

..........

______________________________

و قد ورد في خصوص باب الصلاة دليل على عدم الإعادة بالنسبة إلى ترك بعض اجزاء الصلاة و شرائطه و هو صحيح زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام قال: لا تعاد الصلاة الا من خمسة الطهور و الوقت، و القبلة، و الركوع و السجود «1» فمن صلى في برهة من الزمان بلا سوره مثلا مستندا الى فتوى مجتهد، و كذا إذا ترك غير الخمسة المستثناة في الصحيح ثم بعد الرجوع الى مجتهد يفتي على خلاف ذلك فلا يحتاج إلى إعادة الصلاة و لا قضائها بناء على عدم اختصاص لا تعاد بالناسي أو الساهي بل يعم الجاهل القاصر فقد استند في ترك الجزء أو الشرط الى حجة شرعية مخالفة للواقع، و اما ان قلنا باختصاصه بالناسي أو الساهي كما نسب الى المشهور فيلزم الإعادة في المفروض و قد تقدم بعض الكلام في مفاد لا تعاد في بعض المباحث المتقدمة و لعل المتتبع يجد موارد يجتزى بما اتى به غير ما ذكرنا.

إيقاظ

و ليعلم ان محل الكلام في وجوب القضاء انما هو إذا انكشف عند المجتهد الثاني فساد ما اتى به على طبق نظر المجتهد السابق و افتى ببطلانه.

و اما إذا لم ينكشف لديه فسادها بل احتاط في المسئلة و كان مستند حكمه ببطلان الأعمال المتقدمة قاعدة الاشتغال فلا يجب عليه القضاء عند ذلك لان القضاء بأمر جديد و موضوعه عنوان الفوت و مع إتيان العمل على طبق فتوى المجتهد السابق لم يحرز عنوان الفوت بوجه لاحتمال ان يكون ما اتى به مطابقا للواقع فالمرجع أصالة البراءة عن وجوب القضاء.

إذا عرفت ما ذكرنا فحان الشروع الى عنوان الفروع

التي عنونها الماتن (قدس) في هذه المسئلة.

______________________________

(1) الوسائل باب 3 من أبواب الوضوء ح/ 8

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 346

حكم من قلد مجتهدا يرى لزوم التسبيحات الأربع ثلاثا و قد كان قلد من يكتفي مرة واحدة

______________________________

قال (قدس): إذا قلد من يكتفي بالمرة مثلا في التسبيحات الأربع إلخ.

يوجه لعدم إعادة الصلاة المأتي بها بالتسبيحات الأربع مرة واحدة بوجوه و لكن لم يتم بعضها.

منها: الإجماع المحكى على عدم إعادة الصلاة أو القضاء و قد عرفت حكايته عن المحقق النائيني (قدس).

و قد أشرنا عدم تمامية الإجماع في نفسه و عدم حجيته على تقدير تحققه فراجع.

و منها: اجزاء الحكم الظاهري عن الحكم الواقعي.

و قد عرفت عدم تماميته و ان القاعدة في العمل بالطرق و الأمارات عدم الاجزاء الا إذا استلزم الإعادة أو القضاء العسر أو الحرج و هما غير مطردين في جميع الموارد بالنسبة الى جميع الإفراد.

و منها: حديث لا تعاد و قد عرفت متنه أنفا/ 345 و التسبيحات الأربع من عقد المستثنى منه فلا تجب إعادة الصلاة من ناحيتها إذا كان الإخلال بها عن عمد.

و لا يخفى كما أشرنا انه لا يتم الاستدلال بالحديث على ما نسب الى المشهور من اختصاصه بالناسي أو الساهي.

نعم على ما قلنا بشموله لمن ترك غير الخمسة مع عذر و حجة يصح الاستدلال به لان عدم إتيان التسبيحات في المفروض مستند الى فتوى المجتهد الذي كان يقلده فهو معذور في إتيان التسبيحات مرة واحدة فيتم الاستدلال به لعدم الإعادة أو القضاء.

و منها غير ذلك و قد عرفت عدم تماميتها فلا نعيد.

حكم من قلد مجتهدا يرى وجوب ضربتين في التيمم و قد كان قلد من يكتفى فيه بضربة واحدة

و اما قوله (قدس): إذا قلد من يكتفى في التيمم بضربة واحدة ثم مات ذلك

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 347

..........

______________________________

المجتهد فقلد من يقول بوجوب التعدد لا يجب عليه إعادة الأعمال السابقة.

فلا يخفى انه لا يمكن تصحيح الأعمال السابقة بحديث لا تعاد لان التيمم من الطهارات فيكون داخلا في عقد المستثنى

من لا تعاد الموجب لإعادة الصلاة عند الإخلال به، الا ان يقال ان المراد بالطهارة في عقد المستثنى أصل الطهارة لا ما يرتبط بكيفية حصولها فتدبر.

و تصحيحه بالإجماع المدعى قد عرفت حاله، و اما قاعدة العسر أو الحرج فقد عرفت عدم اطرادها في جميع الموارد فيشكل في هذا الفرع الحكم بعدم اعادة الصلوات التي صلاها مع ذلك التيمم.

حكم من قلد مجتهدا يرى بطلان عقد أو إيقاع و قد كان قلد من يرى صحته

و اما قوله (قدس): لو أوقع عقدا أو إيقاعا بتقليد مجتهد يحكم بالصحة ثم مات فقلد من يقول بالبطلان يجوز له البقاء على الصحة إلخ.

فلا يخفى انه بعد الإحاطة بما ذكرنا تعرف انه لا يمكن المساعدة على ما ذهب اليه (قدس) بل يجب عليه التدارك بالنسبة إلى الوقائع السابقة إلا إذا استلزم التدارك العسر أو الحرج كما يجب عليه العمل بمقتضى فتوى المجتهد الثاني في الأزمنة المتجددة اللاحقة.

حكم من قلد مجتهدا يرى نجاسة الغسالة و قد كان قلد من يرى طهارتها

و اما قوله (قدس): إذا قلد من يقول بطهارة شي ء كالغسالة ثم مات و قلد من يقول بنجاسته فالصلاة و الأعمال السابقة محكومة بالصحة إلخ.

فغاية ما يمكن ان يقال بصحة الصلاة و عدم إعادتها أو قضائها إذا استعملت الغسالة في رفع الخبث و اما إذا استعملت في الوضوء، أو الغسل فحيث انه يكون داخلا في الخمسة المستثناة في حديث لا تعاد فلا يحكم بالصحة إلا إذا استلزم ذلك العسر أو الحرج.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 348

حكم من قلد مجتهدا لا يرى حلية ذبيحة و قد كان قلد من يرى حليتها

______________________________

و اما قوله (قدس): و كذا في الحلية و الحرمة فإذا افتى المجتهد الأول بجواز الذبح بغير الحديد مثلا فذبح حيوانا كذلك فمات المجتهد و قلد من يقول بحرمته إلخ.

فيظهر الحال فيه مما تقدم فلا يحكم بصحة البيع و اباحة الأكل و غاية ما هناك هي انه كان يجوز له الأكل و كان معذورا في ترتيب آثار صحة البيع و اباحة الأكل عليه فظهر لك ان تفرقة الماتن بين العقد الواقع على أمرية يرى المجتهد الثاني بطلانه و بين المثالين الأخيرين- أعني مسئلة الغسالة و ذبح الحيوان- غير وجيه لأنه زعم ان موضوع الابتلاء في الزوجة المفقودة عليها بالفارسية مثلا بعد العدول الى المجتهد الثاني غير باق و حلية الاستمتاع من آثار صحة العقد الفارسي الواقع حال تقليد المجتهد الأول، بخلاف مسئلتي الغسالة و الذبيحة فزعم ان موضوع الابتلاء بعد العدول الى المجتهد الثاني باق و لذا حكم بنجاسة الغسالة و عدم جواز بيع المذبوح و لا اكله مع انه لا فرق بينهما.

لأن طهارة ماء الغسالة و حلية اللحم المذبوح بغير حديد من آثار عدم انفعاله بملاقات النجاسة و آثار ذبحه بغير حديد

و هما واقعتان سابقتان يكون المرجع فيهما تقليد المجتهد الأول كما هو الشأن في حلية الاستمتاع من المرية المعقودة عليها بالفارسية.

ففي جميع الفروع يرجع الى فتوى الأول لاستنادها إلى أمر سابق صحيح في نظر الأول و قلد فيه فعليه فليحكم بطهارة الغسالة و جواز بيع لحم الحيوان الثاني و اكله.

و قد عرفت ان مقتضى القاعدة الأولية بناءا على الطريقية في آراء المجتهد عند كشف الخلاف عدم الاجزاء سواء بقي الموضوع و محل الابتلاء فعلا أولا.

ففي جميع الفروع بعد موت المجتهد الأول و تقليد المجتهد الثاني لا يحل له

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 349

..........

______________________________

الاستمتاع بالمرئة المعقودة عليها بالفارسية كما يحكم بنجاسة الغسالة و حرمة أكل لحم المذبوح و بيعه.

فتحصل ان الحكم بالصحة في الفرع الأول و هو الاكتفاء بتسبيحة واحدة بناء على المختار في حديث لا تعاد وجيه.

و اما في غيره فلا يحكم بالصحة بل يلزم الإعادة أو القضاء ان رأى المجتهد الثاني فساد فتوى الميت إلا إذا استلزم ترتيب آثار الغسالة العسر أو الحرج.

هذا ما تحصل لنا عجالة في هذه المسئلة و اللّه العالم بأحكامه.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 351

[مسئلة 54- الوكيل في عمل عن الغير كإجراء عقد]

اشارة

مسئلة 54- الوكيل في عمل عن الغير كإجراء عقد، أو إيقاع، أو إعطاء خمس، أو زكاة، أو كفارة أو نحو ذلك يجب ان يعمل بمقتضى تقليد الموكل (1) لا تقليد نفسه إذا كانا مختلفين، و كذا الوصي (2) في مثل ما لو كان وصيا

______________________________

(1) في غير الوكيل المفوض، بل في المفوض مع العلم بالمخالفة تفصيلا، أو إجمالا، و الا و لو مع الشك في المخالفة يجوز التطبيق على نفس تكليف الوكيل، و

ليس له الفحص عن تقليد الموكل نعم لو كان العمل على طبق تكليف الميت باطلا بنظر الوكيل لا يمكنه التقرب و الأحوط رعاية ما يتوافقان عليه.

(2) ليس للوصي هنا عمل سوى الاستيجار فيعمل بمقتضى تقليد نفسه في نفس الاستيجار و الصلاة التي يؤتى بها عن الميت عمل الأجير، و حيث انه في مقام تفريغ ذمة الميت فيعتبر في القضاء جميع ما يعتبر في تكليف الميت مع قطع النظر عما يعرض خصوص مباشرة الفاعل فيقصر

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 352

في استيجار الصلاة عنه يجب ان يكون على وفق فتوى مجتهد الميت.

______________________________

ما فاته سفرا، و يتم ما فاته حضرا. نعم فيما يعتبر في الفعل باعتبار عروض العوارض، و باعتبار مباشرة الفاعل فيلاحظ تكليف الأجير فيجب على الاجيران كان رجلا مثلا الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية، و عدم ستر غير عورتيه، و ان كان الميت المنوب عنه أمرية و هكذا فيما إذا لم يكن تكليف الميت باطلا في نظر الأجير كما إذا كان العمل عباديا و رأى الفاعل فساده بحيث لم يمكنه التقرب به، كما إذا كان تكليف الميت جواز الاكتفاء بمرة واحدة من التسبيحات الأربع، و كانت باطلة عند الأجير فلا بد من الأخذ بما هو الأحوط ان أمكن كما في المفروض و الا فتبطل الإجارة و اللّه العالم.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 353

اختلاف الأصحاب عند اختلاف الوكيل و الوصي و المستأجر و النائب مع الموكل و الموصى و الأجير و المنسوب عنه في مراعاة تقليد اى منهم

______________________________

أقول: اختلف انظار الفقهاء في فروع المسئلة فبعضهم كالماتن (قدس) يرى انه يجب مراعاة تقليد الموكل في الوكالة، و رعاية تقليد المستأجر في الإجارة و تقليد الميت الموصى في الوصاية، و المنوب عنه في مطلق النيابة.

و بعضهم ذهب الى ان

اللازم رعاية تقليد الوكيل و الأجير و الوصي و النائب و بعضهم فصل بين الوكيل و الأجير و بين الوصي و مطلق النائب فقال بلزوم رعاية التقليدين في الأول و لزوم رعاية تقليد الوصي و مطلق النائب في الثاني.

و بعضهم قال بلزوم رعاية التقليدين في الجميع.

و بعضهم فصل في الوكالة بين صورة كون الوكيل إله لإيجاد الشي ء من دون ان يكون له استقلال في ذلك و بين ما يكون له استقلال في ذلك فقال في الأول بلزوم مراعاة تقليد الموكل و في الثاني بمراعاة تقليد نفسه.

الى غير ذلك من الأقوال.

مقال من العلامة الحكيم في ذلك

يظهر من سيد مشايخنا (قدس): انه لا بد للوكيل ان يعمل بمقتضى تقليد نفسه الا ان يكون هناك قرينة على خلاف ذلك فيعمل بها، و قال في وجهه ما حاصله:

انه لا ينبغي التأمل في أن إطلاق الوكالة يقتضي إيكال تطبيق العمل الموكل عليه الى نظر الوكيل و لو في صورة التفات الموكل الى اختلاف الوكيل معه في التطبيق إجمالا.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 354

..........

______________________________

نعم في صورة التفات الموكل الى الاختلاف تفصيلا يمنع عن عموم التوكيل لمورد الاختلاف. و كذا إذا كانت هناك قرينة على تقييد الوكالة بالعمل بنظر الموكل أو كان ما يصلح ان تكون قرينة على ذلك لم يصح عمل الوكيل بنظره المخالف لنظر الموكل.

و اما ان لم يكن كذلك فإطلاق التوكيل يقتضي جواز على الوكيل بنظره، و مجرد التفات الموكل الى الاختلاف غير كاف في تقييد إطلاق التوكيل ففي مقام الإثبات لا مانع من الأخذ بالإطلاق إذا تمت مقدمات الحكمة.

ثم قال (قدس) و كذلك الكلام في الوصي إذ هو كالوكيل من هذه الجهة لأن الوصاية استنابة في

التصرف بعد الممات كما ان الوكالة استنابة في حال الحيوة و قال (قدس) في الاجير انه يجوز ان يستأجر على العمل بنظره كما يجوز ان يستأجره على العمل بنظر المستأجر، أو على العمل بنظر شخص ثالث، و ان كان نظرهما مخالفا لنظره.

و السر في ذلك هو انه يكفى في صحة الإجارة ترتب أثر عقلائي على العمل، و كل ذلك مما يترتب عليه ذلك.

نعم مع علم الأجير ببطلان العمل العبادي لا تصح الإجارة لعدم القدرة على التقرب.

و اما إذا لم يكن العمل عبادة يكون الأجير قادرا على العمل حتى مع اعتقاد البطلان، و كذا لو كان مع احتمال كونه موضوعا للأمر الى ان قال.

هذا حال الإجارة في مقام الثبوت.

و اما في مقام الإثبات فإن كانت قرينة على تقييد العمل بنظر شخص معين تعين العمل عليها و الا كان مقتضى إطلاق الإجارة بنظر الأجير على نحوهما تقدم في الوكيل.

ثم قال (قدس) و من ذلك تعرف حكم الوصي عن الميت في الاستنابة عنه في صلاة أو صيام فإنه ان كانت قرينة على تقييد الوصية بالعمل على شخص معين

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 355

..........

______________________________

فالعمله عليها و الا كان مقتضى إطلاقها الاستنابة في العمل المطابق لنظر الوصي.

و كذلك الحال في الوكيل عن الحي في الاستنابة عنه في العبادات التي يجوز فيها النيابة عن الحي فإن مقتضى إطلاق التوكيل ان يكون عمل الأجنبي صحيحا بنظره لا بنظر الأجير و لا بنظر الأجنبي.

و قال (قدس) في خلال كلامه في حكم المتبرع عن الغير في عبادة- كصلاة أو صوم- أو غير عبادة- كوفاء دين- فلا ينبغي التأمل في جواز عمله بنظره حتى مع التفات المتبرع عنه

الى خطأ المتبرع في التطبيق و منعه عن العمل لان عمل المتبرع ليس بأمر المتبرع عنه و لا بإذنه و انما هو منوط بحصول الجهات المصححة للتبرع فاذا علم بحصولها صح من المتبرع و ان كان يخالفه المتبرع عنه و يخطؤونه بنظره التفصيلي انتهى مقاله «1» زيد في علو مقامه.

مناقشة من بعض الأساطين في مقاله

و لكن بعض الأساطين دام ظله ناقش مقاله و وافق الماتن- من حيث انه يجب ان يعمل على طبق نظر الموكل و الموصى- لا الوكيل و الوصي فقال ما حاصله.

ان الوكالة هي الاستنابة في التصرف فهي تسبيب للعمل على يد الوكيل، و بعبارة أخرى الوكالة إيكال الأمر إلى الغير فالموكل أو كل العمل الى وكيله ليقوم مقامه فيه و يعمل عمله فالوكيل وجود تنزيلي لموكله و عمله عمله و من هنا يصح استناد عمله الى الموكل في العقود و الإيقاعات و يكون هو المخاطب بالوفاء بها و يكون قبضه قبض الموكل و معه لا بد للوكيل من ان يراعى الصحة عند الموكل و الا فلم يأت بالعمل الموكل اليه.

و بالجملة بعد ما كان عمل الوكيل عمل الموكل بالتسبيب و وجود تنزيلي له فلا مناص من ان يراعى فيه نظره، كما هو الحال في فعله المباشري لأنه لا فرق في العمل بين المباشرة و التسبيب فلو و كل أحد أحدا في استيجار من يصلى عن أبيه مثلا و كان ممن

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى ج 1/ 86

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 356

..........

______________________________

يرى الترتيب في القضاء دون الوكيل لم يجز للوكيل استيجار اجبر للقضاء الا انه يراعى الترتيب فيه.

و من ذلك يظهر الحال في الوصي لأنه أيضا نائب عن الموصى في

تصرفاته فليس له ان يأتي بأعماله حسب نظره و اعتقاده.

و بالجملة الوصية الاستنابة في التصرف بعد الموت فلا بد و ان يستأجر الوصي للنيابة عن الميت في الصلاة أو غيرها من العبادات كالصوم، و الحج من ان يأتي بالعمل على طبق فتوى مجتهد الميت لا مجتهد نفسه، و لا مجتهد الأجير، و ذلك من جهة انصراف الوصية عرفا الى ما يراه الوصي مفرغا لذمته كالوكالة.

و ناقش دام ظله مقاله (قدس) في الأجير بلحاظ ان العمل العبادي الذي يقع مورد الإجارة انما هو العمل الصحيح الموجب لتفريغ ذمة المنوب عنه فاذا فرضنا ان العمل الذي اتى به الأجير عن المستأجر باطلا بنظره فكيف يتمشى منه قصد القربة به و ان كان صحيحا عند المستأجر و المنوب عنه، و مع عدم تمشي قصد القربة لم تصح الإجارة لعدم قدرته على مورد الإجارة و مع ذلك لا تصح إجارته.

نعم لا مانع من صحة الإجارة فيما إذا كان الأجير محتملا لصحة العمل لأنه يتمكن حينئذ من إتيانه رجاء و بما انه صحيح عند المنوب عنه.

فعلى هذا لا يعتبر في مورد الإجارة ان يكون العمل صحيحا عند الأجير بل اللازم ان لا يكون باطلا عنده.

و أفاد دام ظله في المتبرع عن الغير أو الولي كالولد الأكبر بأنه لا مناص من ان يفرغا ذمة الميت بما هو الصحيح عندهما حتى يسوغ لهما الاجتزاء به في تفريغ ذمته- وجوبا أو استحبابا- و ان كان مخالفا للميت و السر في ذلك هو ان التكليف في الابتداء متوجه إليهما و هما محكومان بالصحة و مفرغان ذمة الميت عندهما «1».

______________________________

(1) الدروس ج 1/ 228 التنقيح ج 1/ 383

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد،

ج 2، ص: 357

كلمة من المؤلف في ذلك

______________________________

إذا عرفت ما حكيناه عن العلمين فنقول:

الظاهر انه لا كلام عندهم في صحة توكيل الغير في إتيان العمل الصحيح بنظر الوكيل كما يصح توكيل الغير في إتيان العمل الصحيح بنظر الموكل.

ففي الأول لا بد و ان يأتي بما يقتضيه تكليف نفسه، و في الثاني لا يجوز له ذلك بل لا بد و ان يأتي بما هو صحيح عند الموكل.

نعم فيما إذا كان مورد الإجارة امرا عباديا إذا علم وجدانا بطلان عمله لا يكاد يصح ان يأتي به على طبق تكليف الموكل و لعله واضح.

و انما الإشكال في انه لو أطلقت الوكالة فهل مقتضى ذلك العمل بنظر الوكيل، أو الموكل؟ و قد عرفت ان لكل من النظرين وجهة هو موليها.

و لا يخفى ان الوكالة على نحوين فقسم منها ما يكون الوكيل آلة لإيجاد مورد الوكالة من دون ان يكون له استقلال أو نظر له فيه خيرا أو شرا كما هو الشأن في العقود و الإيقاعات التي يجريها العلماء فمن و كل عالما في إجراء عقد نكاح، أو بيع متاع مثلا لا معنى لثبوت الخيار له عند ظهور العيب في الزوجة أو المتاع.

و قسم أخر ما يكون الوكيل مستقلا في ذلك فيفعل في الأمور حسب ما يراه وكيلا مفوضا كما هو الشأن في بعض المتمولين حيث يوكلون شخصا في امورات أمواله بحيث لا يلتفتون بعد ذلك الى إعماله بل ربما يذهب الوكيل الى بعض الممالك لانجاز مقصود موكله فالوكيل عند ذلك يفعل فيها ما يشاء بنظره و استقلاله.

و الظاهر انه في القسم الأول لا بد و ان يراعى نظر الموكل و لا معنى لثبوت الخيار مثلا للوكيل فيما إذا كان وكيلا في إجراء

عقد النكاح أو بيع المتاع عند ظهور العيب في الزوجة أو المتاع.

و اما في الثاني فحيث انه وكيل مفوض إليه الأمور يفعل ما يشاء، و لكن حيث ان الوكالة استنابة في التصرف من قبل الموكل و لذا لا يجوز له التطبيق عند العلم التفصيلي بمخالفة تكليفه مع تكليف موكله، فلم يكن فعل الوكيل فعلا أصليا

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 358

..........

______________________________

له و ان كان يفعل ما يشاء حسب الفرض.

فعند العلم بالمخالفة تفصيلا، أو إجمالا لا بد من ملاحظة تكليف الموكل.

نعم لو شك في المخالفة فمقتضى إيكال الأمر اليه و تفويض أمر الوكالة إليه هو جواز التطبيق على تكليف نفسه.

و لعله بما ذكرنا يمكن التوفيق بين العلمين فمن حيث ان اعتبار الوكالة استنابة في العمل فلا بد من ملاحظة حال الموكل و من حيث ان الوكيل مفوض إليه الأمور و انه فاعل لما يشاء فمقتضى إطلاق الوكالة هو انه يفعل ما يشاء الا ما علم مخالفة تكليفه تفصيلا، أو إجمالا مع تكليفه فيتبع تكليف الموكل.

و اما الوصي فإن قلنا بأنه استنابة في التصرف بعد الممات كما ان الوكالة استنابة في حال الحياة فوزانه وزان الوكيل، و اما ان قلنا- كما لا يعبد- بان الوصاية هي إعطاء منصب، و احداث أهلية لتولية ما اوصى به بعد موته فملاحظة تكليف نفسه أوضح، بل يمكن ان يقال بوجوب تحرى ما هو واجب عليه بحسب تكليف نفسه و ان علم تفصيلا، أو إجمالا، بمخالفة تكليف الموصى الا ان الأحوط مراعاة التقليدين.

و اما الأجير فقد تقدم من المستمسك و لعله لا خلاف فيه من انه يجوز الاستيجار على العمل بنظر المستأجر كما انه يجوز الاستيجار

على العمل بنظر الأجير و يجوز الاستيجار بنظر شخص ثالث.

و الوجه في ذلك هو انه يكفى في صحة الإجارة ترتب أثر عقلائي على العمل المأتي به و يترتب الأثر في جميع الصور.

نعم كما أشير إليه لا تصح الإجارة فيما إذا علم الأجير فساد العمل العبادي الذي وقع مورد الإجارة لعدم قدرته على التقرب عند ذلك.

و حيث ان مورد الإجارة انما هو العمل الذي يكون موجبا لتفريع ذمة المستأجر و المنوب عنه فلا بد من ملاحظة ذلك في مقام تفريغ ذمة المنوب عنه و المستأجر و الا لا يصح الاكتفاء به في مقام تفريغ الذمة استيجار من يرى فساد رأيه

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 359

..........

______________________________

و مخالفة نظره لنظر المستأجر و المنوب عنه بل لا بد من استيجار شخص أخر لا يرى فساده كما لا يخفى.

ثم انه على تقدير مخالفة تكليف المستأجر مع الميت المنوب عنه هل يلاحظ تكليف المستأجر، أو تكليف الميت.

قد يفرق بينما إذا كان القاضي عن الميت بالولاية عنه و ما كان بالوصاية فقال في الأول بجواز الاكتفاء بما يراه الولي صحيحا اجتهادا أو تقليدا، و لو كان مخالفا لنظر الميت أو مجتهده لانصراف الإجارة بما يراه الولي مبرء للذمة، و اما في الثاني فيراعى نظر الميت «1».

و لكن حيث ان الولاية بلحاظ تفريغ ذمة الميت فعند إحراز المخالفة بين تكليفه و تكليف المولى عليه كيف يجوز تفريغ ذمته فلا بد للولي ملاحظة الفتويين و يجب العمل على التقليدين.

و اما التبرع عن الميت ففي الدروس انه يجوز له العمل بما يراه مبرء لذمة الميت «2».

و في التنقيح فان كان المتصدي للتفريغ هو المتبرع، أو الولي كالولد الأكبر

إذا أراد تفريغ ذمة والده الميت عن الصلاة، و الصيام فلا مناص من ان يفرغا ذمة الميت بما هو الصحيح عندهما حتى يسوغ لهما الاجتزاء به في تفريغ ذمته وجوبا أو استحبابا «3».

قلت: لا يخفى انه مع العلم بمخالفة تكليف المتبرع، أو الولي لتكليف الميت كيف يفرغ ذمة الميت، أو ذمتهما بعد مشغوليتهما فلا بد لهما من العمل بالتقليدين أو العمل بما يوافق الاحتياط و الا فالاكتفاء بالإتيان بتكليفهما كما ترى.

لؤلؤة من العلامة الأنصاري في هذا المعنى

يعجبى ذكر ما افاده شيخنا العلامة الأنصاري (قدس) و لعله يعين و يكشف عن

______________________________

(1) الدروس ج 1/ 229

(2) الدروس ج 1/ 209

(3) التنقيح ج 1/ 383

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 360

..........

______________________________

بعض إشكالات المسئلة و يرفع غائلة بعض الاختلافات قال:

«يعتبر في القضاء جميع ما كان معتبرا في فعل الميت مع قطع النظر عما يعرض باعتبار خصوص مباشرة الفاعل له فيقصر ما فاته سفرا و يتم ما فاته حضرا، و اما ما يعتبر في الفعل باعتبار عروض العوارض و باعتبار مباشرة الفاعل فلا، و لذا يجب على الفاعل الجهر في أوليي الجهرية لو كان النائب رجلا و الميت أمرية، و يجب الإخفات لو انعكس الفرض، و كذا الكلام في ستر تمام البدن فإنه يجب إذا كان الفاعل أمرية و لا يجب إذا كان رجلا.

و الفرق بين القسمين هو ان القصر و التمام مأخوذان في ماهية الصلاة، و اما الجهر أو الإخفات فإنما هو باعتبار كون المباشر للفعل أمرية يطلب خفض صوتها و ستر بدنها عند الصلاة، أو الرجل لا يطلب ذلك منه، فهما من أحكام خصوص الفاعل لا الفعل، و مثلهما الأحكام الثابتة للفاعل باعتبار العجز و القدرة فإن

المعيار فيها حال المباشر للفعل فيصلي القادر قائماً عمن فات عنه قاعدا و يصلى العاجز قاعدا عمن فاته قائماً و ان كان الأقوى في اولى الاعذار وجوب الاقتصار مع زوال الاعذار.

و في حكم العجر و القدرة العلم و الجهل المعذور فيه موضوعا و حكما كمن جهل القبلة فصلى إلى الجهة المظنونة أو الى أربع جهات مع عدم الظن أو صلى في طاهر كان يعتقده الميت نجسا فان هذه الأمور و أشباهها تلحق باعتبار مباشرته لا باعتبار ذاته.

و من هذا القبيل اختلاف الميت و النائب في مسائل الصلاة فإن العبرة فيها بمعتقد الفاعل تقليدا أو اجتهادا دون الميت حتى لو فاتته الصلاة يعتقدها قصرا كما إذا سافر إلى أربعة فراسخ من دون الرجوع ليومه و اعتقدها الولي تماما لاعتقاده اعتبار الرجوع ليومه في الأربعة وجب القضاء عنه تماما انتهى ملخصا «1».

______________________________

(1) المسئلة الاولى من أحكام القضاء من رسالة القضاء عن الميت/ 341

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 361

[مسئلة 55- إذا كان البائع مقلدا لمن يقول بصحة المعاطاة مثلا]

مسئلة 55- إذا كان البائع مقلدا لمن يقول بصحة المعاطاة مثلا، أو العقد بالفارسي، و المشترى مثلا مقلدا لمن يقول بالبطلان لا يصح البيع بالنسبة إلى البائع (1) أيضا لأنه متقوم بطرفين (2) فاللازم ان يكون صحيحا من الطرفين، و كذا في

______________________________

(1) لا تبعد صحته، و ترتب الأثر عليه من البائع على تقدير تمشي المشترى قصد المعاملة بأن ينشى ء المشترى قبوله قاصدا للشراء و ان لم يمكنه ترتب الأثر عليه بحسب رأيه، أو رأى من يقلده، و كذا في سائر العقود، فكل منهما يعمل بمقتضى تكليف نفسه، نعم ترتيب الأثر من طرف ربما ينجر إلى المنازعة فترفع الى الحاكم لحسم مادتها، لكنه كلام

أخر كما لا يخفى

(2) التعليل عليل لان العقد و ان كان متقوما بطرفين و لا يكاد يتحقق مفهومه الأبين اثنين، الا ان ذلك بالنسبة إلى الحكم الواقعي، و مقام الثبوت، و لا يستلزم ذلك عدم التفكيك في مرحلة الظاهر أيضا، فيصح بالنسبة الى من يرى صحته اجتهادا، أو تقليدا دون الأخر، لان التفكيك

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 362

كل عقد كان مذهب أحد الطرفين بطلانه، و مذهب الأخر صحته

______________________________

في الأحكام الظاهرية غير عزيز فترى عملا واحدا صحيحا بالنسبة إلى شخص فاسدا بالنسبة إلى أخر، و شيئا واحدا طاهرا بالنسبة إلى شخص و نجسا بالنسبة إلى أخر. مع ان الحكم الواقعي ليس إلا أحدهما، فالبايع في المفروض لا يجوز له التصرف في المبيع، لما يراه خارجا عن ملكه و يجوز له التصرف في الثمن لما يراه داخلة في ملكه، و اما المشتري فلا يجوز له التصرف في المبيع لأنه بنظره يكون باقيا على ملك البائع و لكن يجوز له التصرف في الثمن لأنه بنظره لم يخرج عن ملكه.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 363

..........

______________________________

أقول: إذا اختلف المتعاقدان في شروط صحة العقد فأوقع كل منهما حسب رأيه فهل يصح اكتفاء كل منهما بما يقتضيه مذهبه مطلقا أم لا بد و ان يأتي كل منهما على طبق ما يقتضيه مذهب كليهما مطلقا، أو يفصل بين ما إذا أوقع كل على خلاف رأي الأخر بأن إنشاء البائع العقد بغير صيغة الماضي مثلا مع كونها معتبرة عند المشترى فقبل المشترى بالفارسية مع اعتبارها لدى البائع، و بين ما إذا أوقع أحدهما على خلاف رأى صاحبه دون الأخر كما

هو مفروض المتن فالبطلان في الأول دون الأخر، أو يفصل بين الشرائط فما كان البطلان فيه مستندا الى فعل أحدهما يصح دون ما كان مستندا الى فعلهما، أو يفصل بين كون بطلان رأى الطرف مقطوعا و بين كونه مظنونا بالظن الاجتهادي، أو يفصل بين ما إذا لم يكن قائل بصحة العقد المركب من الإيجاب و القبول الكذائي و بين وجود القائل أو القائلين بصحته فبالصحة في الأخير دون الأول، الى غير ذلك من الوجوه.

و شيخنا الأعظم الأنصاري (قدس) و ان لم يتعرض لجميع الوجوه التي أشرنا الا انه يظهر منه ان الوجه الأخير اردء الوجوه فلعله بلحاظ ان القول المذكور يؤدى الى الجزم بالبطلان لمخالفته الدليل و الإجماع في المسئلة.

و لكن يتوجه عليه كما أفيد: ان مجرد عدم القائل به لا يلازم ذلك بل لا بد من كونه مخالفا للإجماع و ليس كذلك لان عدم القائل به قد يكون من باب الاتفاق لا من جهة بنائهم على عدم صحته فاذا عدم وجدان القائل بالصحة لا يوجب الجزم بالفساد و من المحتمل القريب ان يكون نظر كل من المتعاقدين صحيحا في نفس الأمر.

و قد يقال: انه يتلو الوجه الأخير في الضعف التفصيل بين القطع بالخلاف

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 364

..........

______________________________

و الظن كما حكى ذلك عن الماتن (قدس) في باب الأجزاء قائلًا بأن دليل حجية ظن المجتهد متساوي النسبة إلى الظنين فاذا ظن بجزئية السورة في زمان و تبدل رأيه ظنا في زمان أخر لم يهدم هذا الاجتهاد اجتهاده الأول و لا اجتهاد غيره اجتهاده لان ظنه حجة في الزمن الأول كهذا الظن نعم لو تبدل الى العلم بالخلاف يهدم

اجتهاده الأول كما ان المجتهد الأخر إذا علم خطأه لا يجوز له ترتيب الأثر «1».

و لكن قد تقدم في ذيل مسئلة 53 ما يتعلق بدفعه و حاصله.

ان قيام الحجة و ان كان لا يستكشف به عن عدم حجية الاجتهاد الأول مثلا في في ظرفه الا ان مقتضاها ثبوت مدلولها في الشريعة المقدسة من الابتداء و عدم اختصاصه بعصر دون عصر فيكشف بها بطلان الاجتهاد السابق، أو اجتهاد مجتهد أخر و مع ذلك لا يكون دليل الحجة متساوي النسبة إليهما بل يختص الاجتهاد الفعلي بالحجة دون غيره «2».

و قد وجه البطلان في المتن فيما إذا كان مذهب أحد طرفي العقد بطلانه و مذهب الأخر صحته بان العقد متقوم بطرفين فاللازم ان يكون صحيحا من الطرفين.

و يقال في بيانه بان العقد يتقوم بالطرفين و لا يتحقق مفهومه الأبين اثنين فلا يحكم بصحة أحد الطرفين الا عند الحكم بصحة الطرف الأخر كما هو الشأن في حكمه الواقعي في مقام الثبوت فلا يكون العقد الا صحيحا للمتعاقدين معا أو فاسدا كذلك فلا يقاس باب العقود بكون شي ء واحد كمايع واحد طاهرا بالنسبة الى أحد و نجسا بالنسبة إلى الأخر، فإذا حكم ببطلان المعاملة بالنسبة إلى المشتري كما في مفروض المتن يحكم بفسادها بالإضافة إلى البائع أيضا.

و قد يوجه الصحة في مفروض المتن بان العقد حيث انه متقوم بالطرفين كما أشير فإذا صحت المعاملة بالنسبة إلى البائع في المفروض بحكم بالصحة بالنسبة

______________________________

(1) كتاب بيع أستادنا العلامة الخمينى دام ظله ج 1/ 240

(2) بيع أستادنا العلامة دام ظله ج 1/ 240

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 365

..........

______________________________

الى طرف المشترى.

و لكن لا يخفى ان الوجهين غير

مرضيين لان العقد و ان كان متقوما بالطرفين و لا يتحقق مفهومه الأبين اثنين الا ان ذلك بالنسبة إلى الحكم الواقعي في مقام الثبوت ضرورة انه مع فساد المعاملة واقعا من طرف المشترى مثلا لا معنى لتصحيحها من طرف البائع كما لا معنى لفسادها من أحد الطرفين مع صحتها بالنسبة إلى الآخر، و لكن لا يستلزم ذلك عدم التفكيك في العقد بين الطرفين في مرحلة الظاهر، و فيما إذا كان اختلاف المتعاقدين بالاجتهاد أو التقليد فيجوز ان يكون صحيحا بنظر أحدهما و فاسدا بنظر الأخر و يختلف الآثار بالنسبة إليهما فالبايع في المفروض يجوز له التصرف في الثمن لأنه يراه ملكا له و لا يجوز له التصرف في المبيع لأنه يراه خارجا عن ملكه و اما المشتري فلا يجوز له التصرف في المبيع لأنه بنظره يكون باقيا عن ملك البائع، و لكن يجوز له التصرف في الثمن و ليس التفكيك في الأحكام الظاهرية بعزيز فترى عملا واحدا بالنسبة إلى شخص صحيحا، و بالنسبة إلى الأخر فاسدا، و يكون شي ء واحد بالنسبة إلى شخص طاهرا و بالنسبة إلى الأخر نجسا، كاختلاف المأموم و الامام في صحة الصلاة مع انه يصح الاقتداء بمن يكون اجتهاده مخالفا لرأيه مع ان الحكم الواقعي ليس إلا أحدهما و لا يمكن ان يكون عمل واحد أو شي ء فأرد في الواقع صحيحا و فاسدا أو طاهرا و نجسا.

و لذا ترى ان ثلة من الأعلام المعلقين على المتن منهم أستاذنا العلامة البروجردي (قدس) قال تلازمها في الصحة في الواقع لا يوجب التلازم في الحكم الظاهري فلا يبعد جواز ترتيب آثار الصحة للبائع اه.

قلت: هذا على تقدير ان ينشأ المشتري قبوله قاصدا للشراء و

ان لم يمكنه ان يرتب الأثر.

نعم ترتيب آثار الصحة من طرف دون الأخر ربما يؤدي الى النزاع و المخاصمة فيرفع الأمر إلى الحاكم لفصل الخصومة و حسمها و هو كلام أخر فتدبر.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 366

..........

______________________________

و لمفروض المتن- و هو ما إذا كان بطلان عقد كل من المتعاقدين المتخالفين مستندا الى عمل الأخر- بعض الكلام تعرض له شيخنا العلامة النصارى (قدس) في كتاب البيع قبل مسئلة المقبوض بالعقد الفاسد و صار معرضا للرد و القبول من المتأخرين كما ان للمسئلة فرع أخر و هو ما إذا كان الاختلاف في تحقق عنوان العقد لبقاء المتعاقدين على صفات الإنشاء إلى أخر العقد فقال الشيخ (قدس) ان اختلافهما في ذلك يوجب فساد العقد بداهة ان فساد العقد من هذه الجهة يسري من أحد الجانبين الى الجانب الأخر هذا إجمال المقال في المسئلة و من أراد تفصيلها فليطلبها من مظانه

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 367

[مسئلة 56- في المرافعات اختيار تعيين الحاكم بيد المدعى]

اشارة

مسئلة 56- في المرافعات اختيار تعيين الحاكم بيد المدعى الا إذا كان مختار المدعى عليه اعلم (1) بل مع وجود الأعلم و إمكان الترافع إليه الأحوط (2) الرجوع اليه مطلقا.

______________________________

(1) على الأقوى فيما إذا اختلفا في الحكم، و على الأحوط الاولى في غيره.

(2) الأولى.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 368

..........

______________________________

أقول: تنقيح المقال في المسئلة يستدعي البحث في جهات على نحو الإجمال

الجهة الاولى في حكم اعتبار الأعلمية في القاضي

اشارة

إذا كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة فلا إشكال في تخيير المترافعين في الرجوع الى أيهما شاء مع تراضيهما، و مع عدم تراضيهما و اختيار كل منهما واحد منهما كلام نشير إليه في الجهة الثانية.

و اما إذا كانا مختلفين في الفضيلة فهل يتعين الترافع إلى الأفضل و الأعلم مع التمكن، أو يجوز الترافع الى غير الأعلم مع التمكن من الأفضل؟ وجهان لكن عن الأشهر تعين الترافع إلى الأعلم مهما أمكن.

و قبل ذكر أدلة الطرفين لا بد و ان يعلم ان المراد بالأعلمية المبحوث عنها في باب القضاء ليست الأعلمية المطلقة كما هو الشأن في باب التقليد بل المراد الأعلمية في البلد أو ما يقرب منه من البلاد أو القرى مما لا يتعسر إرجاع الترافع اليه.

يظهر من بعض الأساطين دام ظله: ان السر في عدم إرادة الأعلمية المطلقة هو استحالة الرجوع في المرافعات الواقعة في ارجاء العالم و نقاطه على كثرتها و تباعدها الى شخص و هو الأعلم «1».

قلت: لا يخفى ان غاية ما يقتضيه ذلك هو الوقوع في الحرج و العسر الشديدين و اما استحالة ذلك فغير ظاهر كما لا يخفى نعم تصدى شخص واحد للقضاء في

______________________________

(1) التنقيح ج 1/ 447

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و

التقليد، ج 2، ص: 369

..........

______________________________

المرافعات الواقعة في ارجاء العالم لعله خارج عن طاقة البشر و لا يمكن ان يتصديها شخص واحد.

و بالجملة لزوم المراجعة في المرافعات الواقعة في ارجاء العالم الى شخص واحد يستلزم العسر و الحرج الشديدين، بل يستلزم تعطيل الأمور و اختلال نظام المعيشة فالفقيه يشرف على القطع بعدم اعتبار الأعلمية المطلقة في القاضي بل المراد الأعلمية الإضافية و هي الأعلمية بالنسبة الى أهل البلد و ما يقرب منه مما لا يتعسر إرجاع الترافع إليه.

إذا تمهد لك ما ذكرنا نقول لا يبعد جواز المراجعة الى غير الأعلم مع التمكن من الأعلم.

الوجوه التي يستدل بها لعدم اعتبار الأعلمية في القضاء

يستدل لذلك بوجوه عمدتها إطلاقات أخبار النصب.

كمقبول عمر بن حنظلة فإن أبا عبد اللّه عليه السّلام بعد ان نهى التحاكم الى قضاة الجور و حكامهم قال:

ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فليرضوا به حكما فانى قد جعلته حاكما فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم اللّه و علينا رد و الراد علينا الراد على اللّه و هو على حد الشرك باللّه الخبر «1» فإنه يدل بوضوح على ان من روى حديثهم و نظر في حلالهم و حرامهم و عرف أحكامهم فلا بد و ان يرضوا به حكما و هو المنصوب و المجعول للحكومة و القضاء كان هناك اعلم منه أم لا.

فان كان في خاطرك ريبا فلاحظ ذيله فإن السائل بعد ان فرض اختلاف الحكمين من حيث الاختلاف في حديثهم قال عليه السّلام: الحكم ما حكم به أعدلهما

______________________________

(1) الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي ح/ 1

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 370

..........

______________________________

و أصدقهما

الخبر فإنه أصدق شاهد على صحة المراجعة و الترافع الى غير الأعلم فتدبر.

و كصحيح ابى خديجة عن الصادق عليه السّلام قال:

إياكم ان يحاكم بعضكم بعضا الى أهل الجور و لكن انظروا الى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا (قضائنا) فاجعلوه بينكم فانى قد جعلته قاضيا فتحاكموا اليه «1».

فمن علم شيئا وافرا من قضاياهم (كما تقدمت الإشارة إليه سابقا) يصح الترافع لديه كان في الخارج من هو اعلم منه أم لا.

و كصحيح آخر لأبي خديجة قال:

بعثني أبو عبد اللّه عليه السّلام الى أصحابنا فقال قل لهم إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شي ء من الأخذ و العطاء ان تحاكموا الى أحد من هؤلاء الفساق اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا و حرامنا فانى قد جعلته عليكم قاضيا و إياكم ان يحاكم بعضكم الى السلطان الجائر «2».

و هو كخبره المتقدم يدل على ان من عرف حلالهم و حرامهم يكون منصوبا للقضاء كان في الخارج من هو اعلم منه أم لا.

و توقيع الشريف:

و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم و انا حجة اللّه «3».

بناء على كونه من اخبار المقام بلحاظ أن القضية المتنازع فيها حادثة واقعة

______________________________

(1) الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح/ 5

(2) الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي ح/ 6

(3) الوسائل باب 9 من أبواب صفات القاضي ح/ 9

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 371

..........

______________________________

ترافع أمرها إلى رواة حديثهم فإطلاقه يدل على جواز الترافع اليه، كان هناك اعلم منه أم لا.

الى غير ذلك من الاخبار.

فتحصل ان مقتضى إطلاق أدلة النصب هو إعطاء منصب القضاء لمن كان جامعا للصفات المعلومة و ليس

في شي ء منها الأعلمية.

نعم تلاحظ الأعلمية في مقام الترجيح فيما اختلفوا فيه كما ان الأعدلية و مخالفة العامة، و الاشتهار بين الأصحاب و غير ذلك من المرجحات أيضا كذلك انما ذكرت في مورد الاختلاف لا في أصل القضاء في نفسها.

المناقشة في استفادة عدم اعتبار الأعلمية و دفعها

ربما يناقش في التمسك بالإطلاق من جهتين تارة من جهة عدم المقتضي للإطلاق، و اخرى بعد تسليم الإطلاق لها يكون لها مقيدات.

توضيح المناقشة ان الاخبار المومى إليها في مقام بيان عدم جواز الترافع الى قضاة الجور و حكامهم لا بيان المراجعة إلى قضاتنا، يشهد لذلك ما في مقبول عمر بن حنظلة (من تحاكم إليهم في حق أو باطل إلخ)، و ما في صحيح ابى خديجة: (إياكم ان يحاكم بعضكم بعضا إلخ) و صحيحه الأخر (إياكم إذا وقعت بينكم خصومة. أن تحاكموا الى أحد من هؤلاء انفساق. و إياكم ان يحاكم بعضكم الى السلطان الجائر) و واضح ان من شرائط الأخذ بالإطلاق إحراز كون المتكلم في مقام بيان تمام ماله دخل في الحكم و في المقام لم يحرز ذلك بعد.

و لو سلم وجود الإطلاق لها و انها في مقام البيان الا انه هناك ما يصلح لتقييدها.

كذيل المقبول فقد ورد فيه الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما في حد نفسه فلو سلم ان لصدره إطلاق في حد نفسه فبملاحظة الذيل يرفع اليد عن الإطلاق و يستفاد اعتبار الأعلمية.

و خبر داود بن الحصين عن ابى عبد اللّه.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 372

..........

______________________________

في رجلين اتفقا على عدلين جعلوهما بينهما في حكم وقع بينهما فيه خلاف فرضيا بالعدلين فاختلف العدلان بينهما عن قول أيهما يمضي الحكم؟ قال ينظر إلى أفقههما و

أعلمهما بأحاديثنا و أورعهما فينفذ حكمه و لا يلتفت الى الأخر «1».

تقريب الدلالة واضح.

و خبر موسى بن أكيل عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال:

سئل عن رجل يكون بينه و بين أخ له منازعة في حق فيتفقان على رجلين يكونان بينهما فحكما فاختلفا فيما حكما قال و كيف يختلفان قال حكم كل واحد منهما للذي اختاره الخصمان فقال ينظر إلى أعدلهما وافقهها في دين اللّه فيمضي حكمه «2».

و كما في عهد أمير المؤمنين عليه السّلام: لمالك الأشتر.

اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك «3».

و قد ادعى بعضهم الإجماع على وجوب الرجوع الى الأعلم.

و لكن دقيق النظر يعطى عدم تمامية المناقشة من جهتيها.

أما المناقشة في الإطلاق فالإنصاف انها غير واردة و مجرد اشتمال صدر بعض الاخبار عن النهى عن التحاكم الى قضاة الجور و حكامهم لا يوجب عدم انعقاد الإطلاق لذيله فهو عليه السّلام بعد النهى عن المراجعة إلى التحاكم الى قضاتهم و حكامهم تصدى لبيان ما يصلح الترافع لديه و إنكار الإطلاق فيها مكابرة واضحة.

و اما قضية المقيدات فاما ذيل المقبول فإنه:

يدل على الترجيح بالأفقهية فيما إذا ترافع المترافعان الى حاكمين متخالفين

______________________________

(1) الوسائل باب 9 من أبواب صفات القاضي ح/ 2

(2) الوسائل باب 9 من أبواب صفات القاضي ح/ 45

(3) نهج البلاغة الكتاب 53

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 373

..........

______________________________

في القضاوة، و أين هذا مما هو محل الكلام؟! من الرجوع الابتدائي الى غير الأعلم، و كذا مورد الخبرين صورة اتفاق الخصمين على رجلين بينهما خلاف لا ما هو محل النزاع من الرجوع الابتدائي الى غير الأعلم.

فتحصل ان مقتضى إطلاقات الأخبار إعطاء منصب القضاء لمن كان جامعا لصفات لم تكن الأعلمية

منها.

نعم الأعلمية أمر تلاحظ في ترجيح الحكم عند الاختلاف كما هو الشأن في في الأعدلية و موافقة العامة أو مخالفتهم أو الاشتهار بين الأصحاب و غير ذلك من المرجحات و كل ذلك انما ذكر إذا اختلف الحكمان في حكم الواقعة، و الأخذ بحكم الأعلم عند ذلك أحرى و اولى هذا أولا.

و ثانيا: ان موردها الشبهة الحكمية و فصل الخصومة فيها اما بالفتوى أو بنقل الرواية و تسريتها في مقام الحكم و القضاء مطلقا حتى فيما إذا كانت الشبهة موضوعية، أو كان الخصمان مجتهدين أو مقلدين لمن هو اعلم منه كما ترى.

و ثالثا: كما أفيد ان اعتبار الأعلمية لو كان معتبرا لم يكن لخلو جميع الاخبار عنها وجه و لم يكن لعدم الإشارة إليه بالمرة معنى سيما مع الخطر العظيم في أمر القضاء هذا كله بالنسبة الى غير ما في عهد أمير المؤمنين عليه السّلام الى مالك الأشتر و اما هو.

ففيه أولا: انه دل على اعتبار الأفضلية للقضاء و فرق بين عنوان الأفضلية، و الأعلمية لأن المراد بالأفضل هو: المتقدم فيما يرجع الى الصفات النفسانية من الكرم، و حسن الخلق، و سعة الصدر و غيرها مما لعل لها دخل في ترافع الخصمين و سماع دعواهما و هذا غير الأعلمية في الفقاهة و الاستنباط فإذا هي حكم أخلاقي راجحة و لم يعتبرها أحد.

و ثانيا: لو سلم إرادة الأعلم من الأفضل فغاية ما يدل هي لزوم اعتبار ذلك في الوالي و هذا لا يقتضي وجوب اختياره على المترافعين.

و ثالثا: ان الاستدلال به لعدم لزوم المراجعة إلى الأعلم أولى لأن نفس مالك كان أفضل ممن كان في المصر ظاهرا، و مع ذلك قال عليه السّلام: اختر للناس من هو

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 374

..........

______________________________

دونك فيستفاد منه ان الحكم بالاختيار الكذائي ليس حكما إلزاميا.

و رابعا: انه لو تم فإنما هو أمر مختص بالقاضي المنصوب نصبا خاصا من قبل الامام عليه السّلام أو من قبل الوالي المنصوب من قبله و محل الكلام انما هو القاضي المنصوب بالنصب العام هذا.

و اما حديث الإجماع فمحصله في مثل هذه المسئلة غير مفيد فما ظنك بمنقوله.

فظهر عدم تمامية ما استدل به لتعين المراجعة إلى الأعلم بعد تمامية الإطلاقات الواردة في نصب الفقيه و المجتهد الجامع للشرائط كان اعلم من غيره أم لا، كان هناك من هو اعلم منه أم لا، و الأعلمية انما هي مرحجة للحكم لا الحاكم و لا مضايقة في تعين الأخذ بقول الأعلم عند اختلاف الحكمين، و اما في الرجوع الابتدائي فلا

الاستدلال بالسيرة لجواز الترافع الى غير الأعلم و دفع المناقشة فيه

ربما يستدل لجواز الترافع الى غير الأعلم مع التمكن من الترافع الى غير الأعلم بالسيرة المستمرة عند المتشرعة على الرجوع و الإرجاع إلى مطلق العارف بالأحكام بلا ردع من الشارع.

و بالجملة السيرة المستمرة في زمان النبي الأعظم و أئمة أهل البيت صلوات عليهم أجمعين على الرجوع، و الإرجاع إلى آحاد الصحابة و أصحابهم من غير ملاحظة الأعلمية مع اختلافهم في الفضيلة و عدم الإنكار عليهم.

و لكن نوقش أولا: بعدم ثبوت السيرة لأنه لم يعلم ان الرجوع الى غير الأعلم كان مع التمكن من الرجوع الى الأعلم، و لعل عدم ملاحظة الأعلمية مع وجود التفاضل بينهم و بعث صحابي إلى نقطة مع وجود الأعلم بين الصحابة، و أصحابهم بلحاظ ان كل واحد منهم بالنسبة إلى مكان مخصوص لا يكون اعلم منه في ذلك المكان فتدبر و ثانيا: بأنه

لو تم فإنما هو في القضاة المنصوبين من قبل النبي أو الإمام صلوات عليهم بالخصوص و كان باب الحكم معلوما عندهم و انى لكم بإثبات ذلك

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 375

..........

______________________________

في المنصوبين على وجه العموم بإذن عام من أئمة أهل البيت عليه السّلام بقولهم: انظروا الى رجل منكم روى حديثنا و نظر في حلالنا و عرف أحكامنا، و نحوه غيره.

و لكن الإنصاف: ان دعوى ثبوت السيرة على عدم ملاحظة الأعلمية مع وجود التفاضل قريبة جدا و ربما تصدى القضاة في مثل المدينة المنورة- غير النبي و الامام أمير المؤمنين صلوات اللّه عليهما مع وجود أنفسهما المقدسة بل و غيرهما ممن هم اعلم من المتصدي للقضاء، و ربما يرسل للقضاء في نواحي المدينة مما يقرب إليها و يمكنهم الترافع الى من هو اعلم، و التفرقة بين المنصوب بالنص الخاص و العام غير ظاهر كما لا يخفى.

و بالجملة من الواضح و لا ينبغي الإشكال في ثبوت السيرة على عدم اعتبار الأعلمية فيهم و لم يرد من المعصومين عليه السّلام ردع عن هذه السيرة و الا لحكى و ظهر امره و بان.

ذكر بعض وجوه يستدل بها للزوم الترافع إلى الأعلم و دفعها

استدل الماتن (قدس) للزوم الترافع إلى الأعلم في كتاب القضاء ببعض أمور أشرنا إلى دفع بعضها أنفا.

و عمدة ما استدل به لذلك انه لو كان لاخبار النصب إطلاق، لكنها مقيدة بالأخبار الدالة على الرجوع الى المرجحات عند اختلاف الحاكمين من الافقهية و الاصدقية و الأعدلية.

مع ان الظن الحاصل من قول الأعلم أقوى نوعا فبالاتباع أحرى فان أقوال المجتهدين كالأدلة للمقلدين.

مع ان مقتضى مذهبا و مبناه (يعنى القائل بالتخيير) قبح ترجيع المفضول على الأفضل هذا.

و لكن عرفت تمامية إطلاق الاخبار

كما عرفت ان مورد الأخبار المقيدة هو ترجيح أحد الحكمين المتفاضلين على الأخر فيما هو محل الكلام من الرجوع الابتدائي.

و اما حديث اقوائية الظن النوعي الحاصل بقضاء الأعلم ففيه:

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 376

..........

______________________________

أولا: انه اجتهاد قبال النص و يتطرق ذلك لو كان الانتخاب راجعا إلينا، و اما إذا نصب الامام عليه السّلام الواقف بجميع المزايا و المصالح- بالنصب الخاص أو العام- قاضيا و لم يلاحظ الأعلمية فيه فمن الممكن بل القريب جدا ان يكون ذلك لمصلحة أو مصالح فائقة على لحاظ الأعلمية.

و ثانيا: قد تقدم في مسئلة تقليد الأعلم ان ذلك ممنوع صغرى و كبرى و قد عرفت عدم اعتبار الأعلمية في مرجعية الفتوى و لم تذكر في شرائط مرجع الفتوى و انما ذكرت عند اختلاف حكم الأعلم مع غيره فتدبر.

و ثالثا: لو سلم ذلك في باب الفتوى بلحاظ أمارية فتوى الفقيه للواقع فإجراؤه في باب الترافع قياس لا نقول به مع وجود الفرق الواضح بين البابين كما لا يخفى و اما قبح ترجيع المفضول على الأفضل ففيه.

مضافا الى انه اجتهاد مقابل للنص نمنع المرجوحية لاحتمال استواء المناط فيهما في باب القضاء بلا دخل للافضلية في ذلك.

مع ان ترك الترافع إلى الأعلم و إرجاعه الى غير الأعلم لا يعد و لا يكون ترجيحا له على الأعلم إذا كان له دواع اخرى فقد تكون المراجعة لديه أسهل من المراجعة إلى الأعلم لكون فراغته أكثر منه، و الوصول لديه أقل زحمة منه الى غير ذلك.

فتحصل ان مقتضى إطلاقات أدلة النصب و غيرها عدم تعين المراجعة إلى الأعلم فيجوز الترافع الى غيره مع التمكن من الترافع إلى الأعلم.

نعم عند اختلاف الحاكمين

يتعين الأخذ بحكم الأعلم.

و لا يخفى ان تصوير تعارض الحكمين كما افاده المحقق العراقي (قدس) فيما إذا حكما دفعة واحدة و الا لو كان الحكمان متعاقبين لا يتصور في المقام تعارض كي يحتاج الى الترجيح لان الحكم الأول ان كان عن ميزان فلا يبقى مجال للحكم الثاني لفصل الخصومة بالأول و الا فلا يسمع حكمه كي تعارض الثاني كما لا يخفى «1»

______________________________

(1) كتاب القضاء/ 15

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 377

حكم الأصل عند الشك في اعتبار الأعلمية

______________________________

و لو وصلت النوبة إلى الشك و احتمل اعتبار الأعلمية في القاضي فقد يقرر الأصل بنحو يصلح الترافع الى غير الأعلم و هو أصالة بقاء أهلية الفقيه الجامع للشرائط للترافع لديه بعد تحقق منصب القضاء له و عدم زواله منه بمجرد وجود من هو اعلم منه «1».

و لكن لا يخفى ما فيه لان مرجع الشك هنا الى جواز الترافع و عدمه و مقتضاه كما ذهب اليه الماتن (قدس) هو عدم نفوذ حكم غير الأعلم مع وجود الأعلم لأن الأصل عدم نفوذ حكم أحد بالنسبة إلى أحد إلا ما دل الدليل عليه لدوران الأمر بين التعيين و التخيير و المتيقن الأعلم فتدبر.

الجهة الثانية في تعيين من بيده اختيار الحاكم إذا كان أحد الخصمين مدعيا و الأخر منكرا

ان قلنا بلزوم الترافع إلى الأعلم فلا معنى لاختيار المدعى، أو المدعى عليه تعيين الحاكم بل يجب عليهما الترافع إلى الأعلم و ذلك واضح.

و اما ان لم يجب ذلك، أو كان هناك مجتهدان متساويين فهل تعيين الحاكم بيد المدعى، أو المدعى عليه وجهان بل قولان.

________________________________________

لنگرودى، سيد محمد حسن مرتضوى، الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، 2 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، اول، 1412 ه ق

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد؛ ج 2، ص: 377

قال العلامة النراقي (قدس): إذا كان هناك مجتهدان، أو أكثر يتخير فيهما الرعية فالحكم لمن اختاره المدعى و هو المتبع إجماعا له، و لأنه المطالب بالحق و لا حق لغيره أولا. فمن طلب منه المدعى استنقاذ حقه يجب عليه الفحص فيجب اتباعه و لا وجوب لغيره و هذا مما لا اشكال فيه اه «2».

______________________________

(1) مرقاة التقى/ 28

(2) مستند الشيعة ج 2/ 522

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 378

..........

______________________________

قلت: يظهر منه (قدس)

عدم الإشكال في ان تعيين الحاكم بيد المدعى فالكلام حينئذ فيما استدل به لذلك.

اما الإجماع فيشكل الاعتماد عليه لعدم إحراز تحقق الإجماع التعبدي في أمثال المقام حيث يذكر للحكم بعض وجوه أخر يظن أو يحتمل استناد المجمعين عليه فلا بد من ملاحظة سائر الوجوه.

و اما قوله (قدس) لأنه المطالب بالحق و لا حق لغيره أولا فناقش الماتن (قدس) بان كون الحق له غير معلوم، و ان أريد ان حق الدعوى له حيث ان له ان يدعى و له ان يترك ففيه ان مجرد هذا لا يوجب تقدم مختاره إذ بعد الدعوى يكون لآخر أيضا حق الجواب، مع انه يمكن ان يسبق المدعى عليه بعد الدعوى الى الحاكم و يطلبه منه تخليصه من دعوى المدعى فمقتضى القاعدة مع عدم اعلمية أحد الحاكمين هو القرعة إلا إذا ثبت الإجماع على تقديم مختار المدعى اه «1».

قلت: يتوجه على إيراد الماتن (قدس) بان العلامة النراقي لم يرد بقوله:

(لان المدعى هو المطالب بالحق) ثبوت حقيته بمجرد الدعوى حتى يرد عليه انه غير معلوم بل مراده كما هو الظاهر من صدر كلامه ان للمدعي حق الدعوى و طرحها، و هو الذي له ان يدعى و له ان يترك، و الحق في بداية الأمر ظاهرا للمدعي، و له السلطنة على استنقاذ حقه، و ثبوت حق الجواب للمدعي عليه انما هو بعد طرح الدعوى، و هذا كاف في ترجيح مختار المدعى.

و بالجملة كما أفيد: «اختيار تعيين الحاكم من شئون استنقاذ الحق الذي أمره راجع الى المدعى و هو الذي يسمع منه لو رفع امره الى الحاكم و يجب عليه إجابته إجماعا كما في المستند بخلاف المدعى عليه فإنه لو رفع امره الى الحاكم

لا يسمع منه، و لو طلب من الحاكم تخليصه من دعوى المدعى لا يجب على الحاكم اجابته» «2».

______________________________

(1) ملحقات العروة ج 2/ 15

(2) نهج الهدى/ 16

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 379

..........

______________________________

و السر في عدم لزوم اجابة الحاكم إياه هو عدم ثبوت حق للمدعي عليه عند ذاك لان المدعى لا يظلمه و غاية ما يوجبه هو الترافع الى الحاكم الشرعي و يدعوه هناك بالفصل.

و بما ذكرنا يظهر النظر فيما افاده بعض الأساطين دام ظله: من ان مجرد ثبوت حق الدعوى لا يوجب تقدم مختاره لانتقاضه بثبوت حق الجواب للمنكر بعد دعوى الخصم، على انه يمكن ان يسبق المدعى عليه بعد الدعوى الى حاكم و يطلب منه تخليصه من دعوى الخصم اه «1».

توضيح النظر لائح مما ذكرناه فلاحظ.

و ان كنت في شك في كون اختيار تعيين الحاكم بيد المدعى فاستوضح مقال بعض الأساطين دام ظله حيث قال: ان مقتضى بناء العقلاء هو ان طريق إثبات الدعوى بيد المدعى و له ان يختار اى طريق شاء في إثبات دعواه و ليس للآخرين اقتراح طريق خاص عليه و اختيار الحاكم من طرق إثبات الدعوى فيكون بيد المدعى «2».

و بعبارة اخرى: ان إثبات القضية المدعاة انما هو على المدعى و هو الذي يحتاج في ذلك الى إقامة الحجة و الدليل و له ان يحتج عليها بما شاء و يستدل بأي دليل اراده و الاختيار في ذلك اليه و ليس للمنكر ان يقترح له الدليل و يعين له الحجة في استدلاله إلخ «3».

و بالجملة من شئون إثبات الدعوى اختيار الحاكم و مقتضى بناء العقلاء انه يبد المدعي فإذا اختار حاكما وجب على المنكر الحضور عنده

إذا طلبه الحاكم و الا فيجرى في حقه الحكم الغيابي كما هو المعمول به في المحاكم العرفية بين الناس في أمثال عصرنا «4».

______________________________

(1) الدروس ج 1/ 358

(2) الدروس ج 1/ 225 التنقيح ج 1/ 387

(3) الدروس ج 1/ 225 التنقيح ج 1/ 387

(4) الدروس ج 1/ 236

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 380

..........

______________________________

فظهر مما ذكرنا ثبوت الترجيح للمدعي فلا تصل التوبة إلى القرعة و اللّه العالم.

الجهة الثالثة فيما إذا كان المتخاصمان متداعيين

المتحاكمان تارة يكون أحدهما مدعيا و الأخر منكرا و اخرى يكون كل منهما مدعيا من جهة في موضوع واحد و الأخر منكرا فيه من جهة أخرى (كما لو ادعى كل منهما ما يكون لهما يد عليه).

قد عرفت الأمر في الصورة الاولى و انه لا يجب الترافع عند ذاك إلى الأعلم إلا إذا اختلفا في الحكم.

و اما الصورة الثانية فالظاهر انه يكون لكل منهما الخيار في رفع الأمر إلى حاكم لإثبات دعواه فاذا سبق أحدهما فرفع امره الى حاكم فحكم له كان حكمه نافذا في حق الأخر مطلقا بناء على ما قوينا من عدم اعتبار الأعلمية في الحاكم و القاضي في باب المرافعات.

و لو رفعا أمرهما إلى حاكمين ينفد حكم السابق بالحكم، و لو اقترنا في الحكم فان كان أحدهما اعلم يقدم على الأخر و الا فلم ينفذ واحد منهما لبطلان الترجيح بلا مرجح لكن يظهر من الماتن (قدس): انه لا ينبغي الإشكال في القرعة عند ذاك و اللّه العالم.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 381

[مسئلة 57- حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه]

اشارة

مسئلة 57- حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه، و لو لمجتهد أخر إلا إذا تبين خطأه (1).

______________________________

(1) علما أو تعبدا

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 382

..........

______________________________

أقول: توضيح الأمر في المسئلة يستدعي البحث في موردين الأول في عدم جواز نقض حكم الحاكم الجامع من أحد مجتهدا كان أم لا. و الثاني اختصاص عدم جواز النقض بما إذا لم يتبين خطأ الحاكم، فعند تبين الخطاء يجوز نقضه.

المورد الأول في عدم جواز نقض حكم الحاكم

يستدل لعدم جواز نقض حكم الحاكم الجامع للشرائط مضافا الى الإجماع المدعى في كلام جماعة بأنه لا إشكال في تشريع القضاء في الشريعة المقدسة و قد دل عليه قوله تعالى وَ إِذٰا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّٰاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ «1» الى غير ذلك من الآيات و الاخبار، و لو لا مشروعية القضاء و فصل الخصومة بحكمه لزم الهرج و المرج و اختلال النظام و لغوية تشريع القضاء و لذا قد يقال انما سمى فصل الخصوصة و حلها قضاء. لأن القاضي يتم أمر الخصومة بالفصل، فليس لأحد بعد ذلك ان يوصله و الا يستلزم لغوية القضاء.

يشهد لذلك بعض الاخبار.

منها قول الصادق عليه السّلام.

في ذيل مقبول عمر بن حنظلة: ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فليرضوا به حكما فانى قد جعلته عليكم حاكما فاذا حكم بحكمنا فلم

______________________________

(1) النساء: 4/ 58

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 383

..........

______________________________

يقبل منه فإنما استخف بحكم اللّه و علينا رد و الراد علينا الراد على اللّه و هو على حد الشرك باللّه الخبر «1».

فإنه يدل ظهورا قويا قريبا من النص على ان حكم الحاكم الشرعي

نافذ لا بد و ان يقبل و الرد عليه استخفاف ورد عليهم صلوات عليهم و على اللّه تعالى.

و منها صحيح ابى خديجة قال:

بعثني أبو عبد اللّه عليه السّلام الى أصحابنا فقال قل لهم إياكم ان يحاكم. اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا و حرامنا فانى قد جعلته عليكم قاضيا «2».

و منها صحيحة الأخر قال:

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام. و لكن انظروا الى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فانى قد جعلته قاضيا فتحاكموا اليه «3».

منها غير ذلك من الاخبار.

و لا يخفى ان حكم الحاكم بأحد الطرفين على موازين القضاء ربما لا يوجب رفع الغائلة في البين بحيث يعتقد الطرفان مطابقته للواقع بل بعد حكمه يرى المحكوم عليه غالبا عدم مطابقة حكمه، أو بينة المدعى للواقع و انه بعد ذي حق فلا بد و ان يشرب في حكم الحاكم نحو موضوعية.

و بهذا يفرق بين حجية فتوى الفقيه و خبر الثقة و بين حجية حكم الحاكم فإن الحجية في الأوليين طريقية محضة بخلاف الأخرى فإن فيها نحوا من الموضوعية لأنه منصب، و ولاية فهو نظير حكم الوالي لازم الاتباع فما دام لم يتبين خطأ في حكمه

______________________________

(1) الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي ح/ 1

(2) الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي ح/ 6

(3) الوسائل باب 1 من أبواب صفات القاضي ح/ 5

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 384

..........

______________________________

لا يجوز نقض حكمه إذا كان صادرا عن الموازين المقررة شرعا و ان رأى مخالفة حكمه مع ما يجتهد، أو يقلد فيه.

نعم إذا علم بان ما حكم به على خلاف الواقع أو تبين قصوره أو تقصيره في الحكم فيجوز نقض

حكمه كما سنشير اليه.

المورد الثاني في جواز نقض حكم الحاكم إذا تبين خطأه في الحكم

اعلم ان المراد بتبين الخطاء في حكم الحاكم هو ما إذا كان الحكم على غير الموازين الشرعية قصورا أو تقصيرا بان استند في حكمه مثلا الى بينة المنكر، أو يمين المدعى، أو شهادة النساء في غير ما يصح فيه شهادتهن، أو حكم بما هو ضروري الخلاف أو على خلاف ما أجمعوا عليه، أو خلاف ما علم من الدين الى غير ذلك من الموارد بحيث يكشف قصوره عن الاستنباط و عدم أهليته للقضاء و لو بالنسبة إلى مورد قضائه، فإذا تبين خطأ حكم الحاكم كذلك فلا مانع من الترافع بعد حكمه الى ذلك الحاكم- إذا لم يخرج بحكمه الأول عن العدالة أو تاب بعد حكمه- أو غير ذلك الحاكم.

و السر في ذلك هو ان الحكم الصادر على غير الموازين المقررة كالعدم فلا حكم حقيقة لينتقض.

و ان شئت قلت ان أدلة نفوذ حكم الحاكم منصرفة عن صورة ما إذا كان الحكم على خلاف الموازين المقررة في الشرع قصورا، أو تقصيرا.

فاذا لا يكون طرح الدعوى ثانيا نقضا للحكم حقيقة بداهة انه لم تنفصل الخصومة واقعا حتى لم يجز نقضه فالاستثناء في الحقيقة منقطع.

نعم ان لم يحرز و لم يعلم مخالفة حكمه للواقع و لكن احتمل مخالفته للواقع فيجب الأخذ به، و لا يجوز نقضه سواء علم خطائه في طريق الحكم بالاستناد- كما إذا حكم اعتمادا على بينة غير عادلة مع اعتقاد عدالتها مثلا- أو في المستند كما إذا اعتمد

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 385

..........

______________________________

على ظاهر خبر لم يعثر على قرينة على خلافه و قد عثر عليه الحاكم الأخر الى غير ذلك.

تنبيه

و ليعلم ان ما ذكرناه- من نفوذ حكم الحاكم و

عدم جواز نقضه إلا في موارد خاصة- لا يوجب تغيير الواقع عما هو عليه، و انقلابه إلى مؤدى الحكم، لأن غاية ما تقتضيه أدلة نفوذ قضاء الحاكم هو ترتيب آثار الصحة على حكمه في ظاهر الأمر من دون ان تمس كرامة الواقع و لا يغيره عما هو عليه بل الواقع باق بحاله.

يشهد لذلك بأوضح دلالة بل أصرح بيان قول الصادق عليه السّلام في صحيح هشام بن الحكم قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنما أقضي بينكم بالبينات و الايمان و بعضكم ألحن بحجته من بعض فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنما قطعت له به قطعة من النار «1».

فإنه صريح في ان القضاء غير مبدل للواقع و ان من حكم له الحاكم بشي ء إذا علم ان الواقع خلافه لم يجز له أخذه.

و قريب منه ما في تفسير الإمام العسكري عليه السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:

كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يحكم بين الناس بالبينات و الايمان في الدعاوي فكثرت المطالبات و المظالم فقال: ايها الناس انما أنا بشر و أنتم تختصمون و لعل بعضكم ألحن بحجته من بعض و انما أقضي على نحو ما اسمع منه فمن قطعت له في حق أخيه بشي ء فلا يأخذ به فإنما اقطع له قطعة من النار «2».

فعلى هذا لا يمكننا ترتيب آثار الواقع بحكم الحاكم عند العلم وجدانا أو تعبدا بعدم مطابقة حكمه للواقع من غير فرق بين الشبهات الحكمية و الموضوعية فاذا

______________________________

(1) الوسائل باب 2 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ح/ 1

(2) الوسائل باب 2 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى ح/ 2

الدر النضيد في الاجتهاد

و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 386

..........

______________________________

حكم الحاكم بملكية مال لأحد المتخاصمين وجب عليهما ترتيب آثار ملكية المحكوم له في مرحلة الظاهر فيجب على المحكوم عليه دفع المال الى المحكوم له، و لكن إذا علم المحكوم له انه غير مالك إياه واقعا لا يجوز له ان يتصرف فيه بل يجوز للمحكوم عليه ان يسرقه إذا علم ان المال له، و ان حكم الحاكم غير مطابق للواقع.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 387

[مسئلة 58- إذا نقل ناقل فتوى المجتهد لغيره ثم تبدل رأى المجتهد في تلك المسئلة]

مسئلة 58- إذا نقل ناقل فتوى المجتهد لغيره ثم تبدل رأى المجتهد في تلك المسئلة لا يجب على الناقل إعلام من سمع منه الفتوى الاولى و ان كان أحوط (1) بخلاف ما إذا تبين له خطائه في النقل فإنه يجب عليه الأعلام (2).

______________________________

(1) لا يترك إذا انحصر نقل فتوى المجتهد به عادة في محل خاص.

(2) إذا كانت الفتوى المنقولة سابقا حكما إلزاميا و مخالفة للاحتياط حسب ما علقناه في المسئلة الثامنة و الأربعين.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 388

..........

______________________________

أقول: كون ينبغي للمصنف (قدس) ان يذكر مسئلة 48 المتقدمة و هذه المسئلة، و ما يعنونه في مسئلة 69 في موضع واحد لأنها متقاربة المأخذ و المتأمل فيها و الفاحص عن مستند احداها ينفعه حال البقية و يسهل تناول مأخذ الثلاث في زمان قليل.

و كيف كان تقدم الكلام مفصلا في مسئلة 48 ما هو المختار فيما إذا نقل شخص فتوى المجتهد خطأ أو أخطأ المجتهد في بيان فتواه، و سيجي ء في مسئلة 69 وظيفة المجتهد في إعلام مقلديه إذا تبدل رأيه، و المهم عجالة بيان ما في هذه المسئلة.

تعرض (قدس) فيها لفرعين أحدهما صورة

ما إذا نقل الناقل فتوى المجتهد لغيره ثم تبدل رأى المجتهد، و الثاني ما إذا تبين للناقل خطائه في النقل.

اما عدم وجوب الأعلام على الناقل في الفرع الأول فواضح لأنه قبل عدول المجتهد عن رأيه كان يجوز للناقل ذكر فتواه بل كان يستحب بل ربما يجب له نقل فتوى المجتهد و لا دليل على وجوب الأعلام بتبدل رأى المجتهد في تلك المسئلة، و المقلد و من نقل له الفتوى و ان كان يقع في خلاف الواقع الا انه لم يكن الناقل هو السبب في وقوعه فيه، و لو كان هناك تسبيب فهو من الشارع الأقدس لأنه الذي جعل الفتوى الأولى حجة.

و بالجملة ان الناقل حيث لم يقصر في النقل بل نقل حقا و ذكر صدقا، و لم يقع المنقول إليه في خلاف الواقع بسبب نقله بل بسبب تبدل رأى المجتهد فلا يجب على الناقل أعلام من سمع منه الفتوى.

و توهم وجوب الأعلام للزوم تبليغ الأحكام و إرشاد الجاهل مدفوع بما ذكرناه

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 389

..........

______________________________

في ذيل مسئلة 48 و حاصله:

ان غاية ما يقتضيه وجوب التبليغ هو جعل الفتوى الثانية في معرض الناس بحيث يمكنهم الانتفاع بها و اما وجوب إيصاله إلى آحاد المكلفين فلا يجب من شخص الناقل و لا يجب عليه إيصال الفتوى الثانية الى من سمع منه الفتوى الاولى فراجع.

نعم حيث يكون المقلد واقعا في خلاف الواقع فالأحوط الاولى إرشاده.

و اما الفرع الثاني فحيث ان وقوع المقلد في خلاف الواقع مستند الى نقل خلافه، فالماتن (قدس) يرى وجوب أعلامه.

و لكن يمكن ان يفصل بينما إذا كانت الفتوى السابقة المنقولة موافقة للاحتياط فلا يجب الأعلام، و

بينما إذا كانت مخالفة للاحتياط و كانت حكما إلزاميا فيجب الأعلام.

و قد تقدم نظيره، كما يأتي نظيره من الماتن (قدس) فيما إذا تبدل رأى المجتهد فراجع مسئلة 48، و ارتقب مسئلة 69.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 391

[مسئلة 59- إذا تعارض الناقلان في نقل الفتوى تساقطا]

اشارة

مسئلة 59- إذا تعارض الناقلان في نقل الفتوى تساقطا (1)، و كذا البينتان، و إذا تعارض النقل مع السماع عن المجتهد شفاها قدم السماع، و كذا إذا تعارض ما في الرسالة مع السماع، و في تعارض النقل مع ما في الرسالة قدم ما في الرسالة مع الأمن من الغلط.

______________________________

(1) بل يتخير في جميع الفروض الخمسة المسطورة إذا لم يكن لأحدهما ترجيح من غير فرق بين كون التعارض بين فردين من سنخ واحد، أو سنخين، و الا فإن كان أحدهما أوثق مثلا أخذ به من غير فرق بينهما كذلك، هذا إذا كانا ناظرين الى زمان واحد، أو زمانين لم يحتمل تبدل الرأي فيهما و اما إذا كانا ناظرين الى زمانين و احتمل التبدل في الفتوى تعين العمل بالمتأخر لعدم المعارضة بينهما حقيقة، نعم إذا كان ما سمعه من المجتهد قطعي فلا تقاومه النقل، أو البينة كما انه لا يبعد تقديم ما في الرسالة غالبا على السماع منه إذا كانت بخط نفس المجتهد، أو بخط غيره لكن مع أشراف منه.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 392

..........

______________________________

أقول: تعرض الماتن (قدس) في المسئلة صورا خمس في تعارض الطريقين فحكم بالتساقط في صورتين منها و هما:

1- تعارض الناقلين في نقل الفتوى.

2- و تعارض البينتين.

و حكم بالترجيح في الصور الثلاث الباقية و هي:

1- تعارض النقل مع السماع عن المجتهد شفاها فقدم السماع.

2- و

تعارض ما في الرسالة مع السماع فقدم السماع.

3- و تعارض النقل مع ما في الرسالة فقدم ما في الرسالة مع الأمن من الغلط و لا يخفى ان الحكم بالتساقط في الصورتين الأوليتين و إطلاق الحكم بالترجيح في الصور الثلاث محل اشكال بل منع فالحري بنا التعرض لجميع الصور و بيان ما هو المختار فيها.

و ليعلم أولا كما تعرضنا تبعا للماتن في ذيل المسئلة السادسة و الثلاثين (36) انه تثبت فتوى المجتهد بأحد هذه الأمور:

1- إما بالسماع من لفظ المجتهد. 2- أو بقيام البينة عليها. 3- أو بالنقل عن المجتهد. 4- أو بوجدانها في الرسالة المأمونة من الغلط.

تقدم الكلام في أصل ثبوت الفتوى بتلك الأمور فلاحظ.

و الكلام في هذه المسئلة بيان حال تعارضها فتقول التعارض تارة يتحقق بين فردين من سنخ واحد- كما إذا أخبرت بينة عن فتوى المجتهد بطهارة عرق الجنب عن الحرام مثلا، و أخبرت بينة اخرى بنجاسته- و اخرى يتحقق بين سنخين من الأمور المتقدمة.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 393

..........

______________________________

فلو كان التعارض بين فردين من سنخ فتارة يكونا ناظرين الى زمان واحد بأن أخبرت البنتان عن ان فتواه الفعلي بالنسبة إلى عرق الجنب عن الحرام مثلا كذا و اخرى يكونا ناظرين الى زمانين- بان كانت إحديهما ناظرة إلى فتواه السابقة و الأخرى إلى فتواه الفعلية- اما مع احتمال العدول من الفتوى السابقة إلى اللاحقة أو عدم احتمال العدول فنقول:

ان الأصل الاولى كما قرره شيخنا الأعظم الأنصاري (قدس) في تعارض الأمارتين التساقط لعدم الترجيح بلا مرجح و لكن بعد ملاحظة قواعد التعارض فاما نقول باختصاص أدلة الترجيح- عند وجود المرجح أو التخيير عند عدمه- بالخبرين المتعارضين فلا تعم

الفتويين كما يظهر من الماتن (قدس) هنا، فلذا حكم في تعارض الناقلين في نقل الفتوى أو البينتين التساقط، أو نقول بعمومية أدلتهما- الترجيح أو التخيير- للمقام- كما لا يبعد- فعليه فاما يكونا ناظرين الى زمانين بحيث احتمل العدول عن الفتوى المجتهد تعين العمل بالمتأخر لعدم المعارضة بينهما الا استصحاب عدم عدول المجتهد عن الفتوى السابقة و هو لا يعارض الدليل.

و اما ان كانا ناظرين الى زمان واحد، أو زمانين و لكن لم يحتمل العدول عن فتواه السابقة فإن كان لأحدهما ترجيح بالنسبة إلى الأخرى- بأن يكون إحديهما أوثق من الأخر مثلا- أولا.

فعلى الأول يؤخذ بذي المزية و على الثاني يتخير.

هذا كله بالنسبة إلى تعارض الفردين من سنخ واحد فاما إذا كان التعارض بين سنخين من الأمور المتقدمة فالصور المذكورة في المتن ثلاث.

الصورة الأولى ما إذا تعارض النقل بالخبر، أو البينة مع السماع مشافهة عن المجتهد

حكم الماتن (قدس) بتقديم السماع.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 394

..........

______________________________

و لكن الذي ينبغي ان يقال كما أشرنا في فردين من سنخ واحد ان الأمارتين اما ان تكونا طريقتين الى زمانين متعددين و احتمل العدول عن الفتوى للمجتهد و حيث لا تعارض بينهما في الحقيقة فيتعين العمل بالمتأخرة و حديث استصحاب عدم العدول لا تعارض الامارة كما تقدم.

و ان كانتا ناظرتين الى زمان واحد أو زمانين و لكن لم يحتمل العدول عن فتواه السابقة فيقع التعارض بينهما فتارة لا يحتمل السهو و الخطاء فيما سمعه من المجتهد شفاها، و اخرى يحتمل فيه ذلك فعلى الأول يكون ما سمعه قطعي فلا يكاد تقاومه النقل بالخبر أو البينة فلا بد من التصرف فيه و حمله على السهو و الاشتباه أو الكذب ان أمكن تطرقه فيه.

و على الثاني يؤخذ بما هو

الأقوى و الأوثق منهما ان كان و الا فيتخير بالعمل بأيهما شاء.

الصورة الثانية ما إذا تعارض ما في الرسالة مع السماع شفاها

حكم الماتن (قدس) بتقديم السماع مشافهة على ما في الرسالة.

و لكن الذي ينبغي ان يقال- كما أشرنا في الصورة المتقدمة- أنهما إما ناظران الى زمانين متعددين احتمل عدول الفتوى فيهما أو ناظران الى زمان واحد، و مثله زمانين لم يحتمل العدول فيهما.

فعلى الأول يتعين العمل بالمتأخر، و الوجه واضح مما تقدم و على الثاني فالرسالة تارة تكون بخط المجتهد أو بخط غيره و لكن كان باشراف المجتهد بحيث راجعها و نظر فيها، و اخرى تكون بخط غيره و كان هناك ثقة أو ثقات جمعوا فتاوى المجتهد كما يتفق كثيرا بالنسبة إلى مجتهد صار زعيما، تكثر المراجعة اليه و لم يمكنه تأليف الرسالة.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 395

..........

______________________________

فعلى الأول يمكن القول بتقديم الكتابة على السماع إذا كانت مأمونة من الغلط على نحو تكون حجة لو لا المعارض.

و السر في ذلك هو اضبطية الكتابة من المشافهة لعناية زائدة بالكتابة دون المشافهة، و الإنسان غالبا يهتم و يحتفظ بخصوصيات المطالب و دقائقها عند الكتابة بما لا يحتفظ بها في مكالماته شفاها، و لذا يكون الاشتباهات في المكالمات أكثر منهما في المكاتبات، و لعل هذا هو السر في بناء العقلاء على تقديم الكتابة عليها.

و لا يخفى ان دعوى كون الكتابة كذلك غالبا و ان كان غير بعيد الا ان إثبات ذلك دائما و في جميع الموارد كما ترى.

فما افاده بعض الأساطين دام ظله من تقديم الكتابة مطلقا على السماع شفاها «1» في قبال الماتن (قدس) حيث قدم السماع على الكتابة مطلقا لا يمكن المساعدة عليهما في جميع الموارد فالملاك كل الملاك

الاوثقية، أو الأظهرية و هي مما يختلف بحسب الموارد.

و اما على الثاني- أي إذا كانت الرسالة بخط غيره- فتكون الكتابة وزان النقل بعينه بل هو هو فيجري فيه جميع ما ذكرناه في الصورة الاولى من تعارض النقل بالخبر أو البينة مع السماع مشافهة حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة.

الصورة الثالثة ما إذا تعارض النقل مع ما في الرسالة

حكم الماتن (قدس) بتقديم ما في الرسالة المأمونة من الغلط على النقل و وافقه على هذا بعض الأساطين دام ظله بل قال حيث قدمنا الكتابة على السماع مشافهة يكون تقديم الكتابة على النقل اولى «2».

و لكن ينبغي ان يقال كما أشرنا في الصورتين ان النقل و الكتابة اما ان يكونا ناظرين الى زمانين متعددين احتمل العدول للفتوى منهما، أو ناظرين الى

______________________________

(1) التنقيح ج 1/ 400 الدروس ج 1/ 241

(2) التنقيح ج 1/ 400 الدروس ج 1/ 241

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 396

..........

______________________________

زمان واحد و مثله زمانين لم يحتمل العدول فيها.

فان كانا ناظرين الى زمانين يتعين العمل بالمتأخر و اما على الثاني فالكتابة و ان كانت في الأغلب أوثق و أضبط الا انه ليس كذلك دائما فربما تكون الكتابة أضبط و ربما يكون النقل كذلك، و ربما يتساويان.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 397

[مسئلة 60- إذا عرضت مسئلة لا يعلم حكمها و لم يكن الأعلم حاضرا]

مسئلة 60- إذا عرضت مسئلة لا يعلم حكمها و لم يكن الأعلم حاضرا (1) فإن أمكن تأخير الواقعة الى السؤال يجب ذلك (2) و الا فإن أمكن الاحتياط تعين (3) و ان لم يمكن يجوز الرجوع الى مجتهد أخر الأعلم فالأعلم و ان لم يكن هناك مجتهد أخر و لا رسالته يجوز العمل بقول المشهور (4) بين

______________________________

(1) و لا رسالته موجودة.

(2) لا يتعين عليه ذلك بل يتخير بينه و بين الاحتياط ان أمكن.

(3) فيما إذا علم إجمالا مخالفة الأعلم مع المجتهد الأخر في موارد يحتمل كون المقام منهما و الا لا يتعين عليه الاحتياط في المفروض- اعنى ما لا يمكن تأخير الواقعة- بل يتخير بينه و بين الرجوع الى غير

الأعلم و لا يلزم مراعاة الأعلم فالأعلم، و الوجه في ذلك ما أشرنا إليه من عدم لزوم تقليد الأعلم في مثل المفروض.

(4) ان كان الظن الحاصل منه أقوى من غيره كما هو كذلك غالبا

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 398

العلماء إذا كان هناك من يقدر على تعيين قول المشهور، و إذا عمل بقول المشهور ثم تبين له بعد ذلك مخالفته لفتوى مجتهده فعليه الإعادة، أو القضاء، و ان لم يقدر على تعيين قول المشهور يرجع الى أوثق الأموات (1)، و ان لم يمكن ذلك أيضا يعمل بظنه، و ان لم يكن له ظن بأحد الطرفين يبنى على أحدهما، و على التقادير جميعها بعد الاطلاع على فتوى المجتهد ان كان عمله مخالفا لفتواه فعليه الإعادة أو القضاء

______________________________

و الا فيؤخذ بما هو الأقوى و ان كان غير ما هو المشهور.

(1) و من قوله أقرب الى الواقع من غيره بان رجع مثلا الى اعلم الأموات و لو بالإضافة إلى المحصورين لتعذر تشخيص الأعلم من الأموات جميعا.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 399

..........

______________________________

أقول: صرح الماتن (قدس) في أوائل مسائل التقليد و أشرنا هناك ان الاحتياط في عرض الاجتهاد و التقليد لا في طولهما و ان المتمكن من التقليد أو الاجتهاد، يصح له الاحتياط فعلى هذا لا يستقيم ما افتى به هنا من انه إذا عرضت مسئلة لا يعلم حكمها و لم يكن الأعلم حاضرا يتعين عليه تأخير الواقعة للسؤال بل يتخير بينه و بين الاحتياط الا إذا تعذر الاحتياط فيتعين التأخير و لعل مراده (قدس) التعذر و اللّه العالم.

ثم انه لا يمكن المساعدة لقوله (قدس) تعين الاحتياط ان

أمكن في صورة حضور الأعلم، و ذلك لما عرفت ان المختار في وجوب تقليد الأعلم انما هو عند العلم بمخالفة فتواه مع غيره فلا وجه لتعين الاحتياط في صورة عدم تمكن تأخير الواقعة بل يتخير بين الاحتياط و بين تقليد غير الأعلم إلا إذا علم مخالفة فتوى غير الأعلم مع الأعلم حسبما فصلناه فراجع.

و مما ذكرناه يظهر حال قوله (قدس): (يجوز له الرجوع الى مجتهد أخر الأعلم فالأعلم) لما أشرنا إليه من عدم وجوب تقليد الأعلم عند عدم العلم بالمخالفة بين فتواه و فتوى غير الأعلم.

نعم إذا لم يتمكن من الاحتياط فيما يمكن تأخير الواقعة يتعين الرجوع الى غير الأعلم مع العلم بالمخالفة.

اما قوله: (و ان لم يكن هناك مجتهد أخر و لا رسالته إلخ) فمدركه انسداد باب العلم لاندراج مفروض الكلام تحت الكبرى الانسداد الصغير.

و ذلك لان مقدمات الانسداد تارة تجري في الوقائع العامة و الأحكام الكلية بالنسبة إلى معظم الأحكام فيسمى بالانسداد الكبير، و اخرى تجري في واقعة خاصة

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 400

..........

______________________________

و بعض الأحكام، أو بعض الموضوعات فتسمى بالانسداد الصغير، و واضح ان المفروض في المقام واقعة واحدة.

تقريب الانسداد إجمالا هو ان المفروض في المقام هو تنجز التكليف على المكلف فلا بد من الخروج عنه و بابا العلم و العلمي منسدان في حقه و الرجوع الى البراءة فيه محذور و الاحتياط غير متيسر له فينحصر طريق الامتثال للمكلف بالامتثال غير العلمي و العقل يستقل عند تعذر الامتثال التفصيلي بالاكتفاء بالامتثال غير العلمي.

و بالجملة يدور الأمر بعد ذلك بين العمل بالظن أو بالشك أو بالوهم و العقل يحكم باختيار الأول دون الأخيرين.

و بعد تمامية المقدمات

ينتج حجية الظن حكومة أو كشفا على الاختلاف في كيفية تقريب المقدمات.

فحيث ان امتثال الكذائي ليس على نوال واحد بل يختلف فلا تصل النوبة إلى المرتبة التالية بعد التمكن من المرتبة السابقة.

و حيث ان ذهاب المشهور الى طرف يوجب كثير أما قوة الظن بذلك الطرف ذهب الماتن (قدس) بعد عدم التمكن من المراجعة الى غير الأعلم و عدم إمكان تأخير الواقعة إلى جواز العمل بقول المشهور بين العلماء.

و لكن لا يخفى ان في اقوائية الظن الحاصل من قول المشهور مطلقا تأملا.

ثم انه ان لم يكن هناك من يقدر على تعيين قول المشهور قال الماتن (قدس) يرجع الى أوثق الأموات مثلا يرجع الى الأعلم من الأموات من غيره و لو بالإضافة إلى المحصورين لتعذر تشخيص اعلم الأموات جميعا.

و إذا تعذر عليه ذلك يعمل بظنه، و مع عدم الظن له بأحد الطرفين فيعمل بأحد طرفي الاحتمال لأنه الميسور في حقه، و لا يسقط الميسور بالتعذر عن غير الميسور ثم انه على جميع التقادير- من العمل بفتوى غير الأعلم، أو قول أوثق الأموات أو ظن نفسه، أو العمل بأحد الطرفين- إذا تبين بعد ذلك مخالفته لفتوى مجتهده فعليه الإعادة أو القضاء كما لا يخفى.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 401

[مسئلة 61- إذا قلد مجتهدا ثم مات فقلد غيره ثم مات]

مسئلة 61- إذا قلد مجتهدا ثم مات فقلد غيره ثم مات فقلد من يقول بوجوب البقاء على تقليد الميت، أو جوازه فهل يبقى على تقليد المجتهد الأول أو الثاني؟ الأظهر الثاني (1) و الأحوط مراعاة الاحتياط

______________________________

(1) و حيث ان فتوى الحي بوجوب البقاء في مورد يكون الميت اعلم ففي صورة العلم بالاختلاف من حيث الفتوى، و لو إجمالا يجب البقاء على تقليد المجتهد

الأول، ان كان اعلم من الثاني، و يجب البقاء على الثاني ان كان بالعكس. و في صورة فتوى الحي بجواز البقاء يتخير بين البقاء على الأول أو الثاني، أو العدول منهما الى الثالث.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 402

..........

______________________________

أقول: يوجه ما ذهب اليه الماتن (قدس) في مفروض المسئلة بان تقليد المجتهد الأول قد انقطع بتقليد المجتهد الثاني المفروض صحته، فالرجوع إلى الأول بعد تقليد الثاني ليس من البقاء على تقليد الميت الذي جوزناه بل هو من التقليد الابتدائي الذي منعناه فاذا كانت فتوى المجتهد الثالث وجوب البقاء تعين البقاء على تقليد الثاني، و إذا كان رأيه جواز البقاء تخير بين البقاء عليه و العدول الى الثالث هذا.

و قد يناقش بان هذا مبني على عدم اعتبار فتوى المجتهد الأحق بالنسبة إلى الوقائع السابقة بدعوى ان التقليد الواقع في زمان- كتقليد المجتهد الثاني في المفروض- لا ينتقض بتقليد مجتهد أخر في زمان لاحق لعدم حجية رأي المجتهد الأحق بالإضافة إلى الوقائع السابقة المطابقة لرأي المجتهد في ذلك الزمان.

و لكن التحقيق كما أشرنا في مسئلة 53 يقتضي الانتقاض بناء على مسلك الإمامية من القول بالطريقية، و التخطئة في الطرق و الأمارات فإن القاعدة تقتضي عدم الاجزاء و فتوى المجتهد الثالث و ان كانت متأخرة من حيث الحجية و لكن نطاقها ثبوت مدلولها في الشريعة المقدسة من الابتداء.

و بالجملة بعد قيام فتوى الحي و ان كان لا يستكشف به عدم حجية فتوى المجتهد السابق الميت في ظرفه الا ان مقتضاها ثبوت مدلولها في الشريعة المقدسة من حيث الابتداء كما هو كذلك بالنسبة إلى الانتهاء اتفاقا لعدم اختصاصها بعصر دون عصر ففتوى المجتهد اللاحق معتبرة

بالنسبة إلى الوقائع السابقة كما يكون

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 403

..........

______________________________

كذلك بالنسبة إلى الوقائع الاحقة اتفاقا فالعمل المأتي به على طبق الحجة السابقة باطل.

فعلى هذا الحق كما ذهب إليه جماعة من الأساطين التفصيل بين ما إذا كان مذهب الثالث وجوب البقاء أو جوازه فان كان مذهبه وجوب البقاء فالأظهر البقاء على التقليد الأول و اما ان كان مذهبه جواز البقاء فالبقاء على الثاني.

و الوجه في ذلك كما أفيد هو انه في صورة كون فتوى الثالث وجوب البقاء كان رجوعه الى الثاني بنظره في غير محله و تقليده إياه غير صحيح فيتعين عليه البقاء على الأول بخلاف ما إذا كانت فتواه جواز البقاء فإنه يكون رجوعه الى الثاني بنظره في محله و تقليده إياه من التقليد الصحيح فإذا أراد البقاء على تقليد الميت يتعين البقاء على تقليد الثاني دون الأول لانقطاع تقليده برجوعه عنه الى الثاني بتقليد صحيح فلا يكون رجوعه الى تقليد الأول من البقاء على تقليده بل هو تقليد ابتدائي من الميت «1».

و بالجملة فتوى المجتهد الثالث بوجوب البقاء على تقليد الميت يتصور في مورد يكون الميت اعلم فعلى ما ذكرنا من ان تقليد الأعلم انما هو فيما إذا علم مخالفة فتواه لغير الأعلم فإذا كان المجتهد الأول أعلم من الثاني و الثالث فيجب البقاء على تقليد الأول عند العلم بالمخالفة من حيث الفتوى و كذا إذا كان الأول اعلم بالنسبة الى الثاني فمع العلم بالمخالفة يجب البقاء.

و اما إذا كان الثاني اعلم من الأول ففي صورة العلم بالمخالفة من حيث الفتوى يجب عليه العدول من المجتهد الأول الى الثاني.

و اما إذا كان الحي أعلم من المجتهد

الأول و الثاني فمع العلم بالمخالفة من حيث الفتوى يجب العدول منهما اليه.

______________________________

(1) نهج الهدى/ 19

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 404

..........

______________________________

و إذا لم يعلم بالمخالفة من حيث الفتوى يجوز له البقاء على المجتهد الثاني كما يجوز له العدول الى الثالث كما يجوز له العدول من الأول بالنسبة الى الثاني، و الثالث.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 405

[مسئلة 62- يكفي في تحقق التقليد أخذ الرسالة]

مسئلة 62- يكفي في تحقق التقليد أخذ الرسالة (1) و الالتزام بالعمل بما فيها و ان لم يعلم ما فيها، و لم يعمل، فلو مات مجتهده يجوز له البقاء و ان كان الأحوط مع عدم العلم بل مع عدم العمل، و لو كان بعد العلم عدم البقاء و العدول إلى الحي

______________________________

(1) تقدم ما هو الحق في معنى التقليد و ما فرعه عليه

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 406

..........

______________________________

أقول: الوجه فيما ذهب اليه الماتن (قدس) هو ان التقليد عنده عبارة عن الالتزام بالعمل بقول الغير فإذا أخذ الرسالة و التزم بالعمل بما فيها كفى في تحقق التقليد و ان لم يعلم بما فيها فضلا عن العمل به.

و قد تقدم ما هو الحق عندنا في معنى التقليد في المسئلة الثامنة، و قلنا ان التقليد عبارة عن العمل المستند إلى رأي الغير، أو الاستناد الى فتوى الغير في العمل فأخذ الرسالة. أو الالتزام، أو كليهما غير مرتبط بحقيقة التقليد نعم ربما يكون أمثال هذه الأمور من مقدمات تحقق التقليد فعلى المختار لا يصح البقاء على تقليد الميت بمجرد أخذ الرسالة و الالتزام بالعمل بما فيها.

و قد تقدم ان بعض الأساطين دام ظله مع ذهابه

الى ان التقليد عبارة عن العمل المستند الى قول الغير و مع ذلك يرى جواز البقاء أو وجوبه إذا تعلم فتاوى الميت و كان ذاكرا و مستحضرا لها و ان لم يعمل بها أصلا، و أشرنا إلى وجه ما ذهب اليه و الى ما فيه فلاحظ.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 407

[مسئلة 63- في احتياطات الأعلم إذا لم تكن له فتوى]

مسئلة 63- في احتياطات الأعلم إذا لم تكن له فتوى يتخير المقلد (1) بين العمل بها، و بين الرجوع الى غيره الأعلم فالأعلم (2)

______________________________

(1) فيما إذا كانت احتياطات الأعلم من جهة عدم المراجعة إلى مستند الحكم و نحوه بحيث لا يخطئ فتوى غير الأعلم، و اما إذا كانت من جهة الخدشة و الاشكال في مستند الحكم بحيث يخطئ فتوى غيره، أو كان للأعلم فتوى بالاحتياط كما في موارد تعارض الأدلة و العلم الإجمالي فلا وجه للرجوع الى غير الأعلم.

(2) إذا علم مخالفة فتوى من هو دون الأعلم مع غيره و الا فلا يجب مراعاة الأعلم فالأعلم.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 408

..........

______________________________

أقول: غاية ما يوجه للتخيير في الفرض هي اما بالنسبة إلى جواز العمل بالاحتياط فلما أسلفناه في أوائل الكتاب من جواز الامتثال الإجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي و قد عرفت عدم الإشكال في ذلك في غير العبادات و اما في العبادات و ان كان مختلفا فيها الا ان التحقيق كما أوضحناه جواز ذلك، و ان كان العمل بالاحتياط مستلزما لتكرار جملة العمل فلاحظ.

و اما جواز العمل و الرجوع الى غير الأعلم فلانة عالم بالحكم في الفرض لعدم كون الأعلم حسب الفرض عالما بالحكم و الا لما احتاط فيه فله المراجعة الى

من يكون عالما بالحكم و هو في الفرض غير الأعلم.

فتحصل ان المكلف في الفرض مخير بين الاحتياط و تقليد غير الأعلم فلو لم نجوز الاحتياط عند التمكن من الامتثال التفصيلي فيتعين عليه الرجوع الى غير الأعلم، كما انه ان لم نجوز الرجوع الى غير الأعلم يتعين عليه العمل بالاحتياط هذا.

و لكن في المقام كلاما أشرنا إليه في المسئلة الرابعة عشر و حاصله ان احتياطات الأعلم على أقسام.

فقسم منها يكون احتياطه لأجل عدم مراجعته بمدارك المسئلة كما هو حقه لاحتياج المسئلة الى فحص زائد لم يمكنه ذلك عجالة فيكون احتياطه في المسئلة بلحاظ كون الشبهة قبل الفحص و هي مورد الاحتياط.

و قسم أخر بلحاظ الخدشة و الاشكال بمدرك المسئلة و عدم تمامية ما يحتج به غير الأعلم لفتواه.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 409

..........

______________________________

و قسم ثالث يفتي بالاحتياط كما في موارد العلم الإجمالي و تعارض الأدلة فالأعلم في الفرض و ان كان غير عالم بالحكم الواقعي الا انه عالم بالحكم الظاهري فيفتى بالاحتياط و ذلك كما إذا سافر إلى أربعة فراسخ غير قاصد للرجوع من يومه مثلا أو خرج الى ما دون المسافة من محل إقامته الى غير ذلك من موارد تعارض الأدلة مع وجود العلم الإجمالي بوجوب القصر، أو التمام.

فان كان احتياط الأعلم من القسم الأول فحيث انه لم يكن له رأى و لا هو عالم بالحكم فيجوز له المراجعة الى غير الأعلم، و هو عالم بالحكم عارف بالمسئلة حسب الفرض فتشمله أدلة حجية الفتوى، كما يجوز له العمل بالاحتياط فهو مخير بينهما.

و على تقدير الرجوع هل لا بد من مراعاة الأعلم فالأعلم أم لا وجهان.

فبناء على المختار من ان

لزوم تقليد الأعلم انما هو فيما إذا علم تفصيلا أو إجمالا بمخالفة فتوى الأعلم مع غيره، فان علم كذلك يلزم مراعاة الأعلم فالأعلم بالنسبة الى غير الأعلم و الا يجوز تقليد غير الأعلم من دون ملاحظة الأعلم فالأعلم و اما ان كان احتياطه من القسم الثاني فلا وجه للرجوع الى غير الأعلم لان مدرك فتوى غير الأعلم حسب الفرض مخدوش في نظر الأعلم و الأعلم يرى فساد فتواه المستندة الى ما لا يصلح للاحتجاج به.

و بالجملة الأعلم حسب الفرض يرى عدم استقامة فتوى غير الأعلم و يخطئه فيما افتى به فلا يسوغ معه للرجوع الى غيره فيتعين على العامي عند ذاك الاحتياط.

و نحوه بل و اولى منه في عدم جواز الرجوع ما إذا كان الأعلم يفتي بالاحتياط فإنه و ان لم يكن للأعلم فتوى بالحكم الواقعي الا انه عالم بالحكم الظاهري و لذا يفتي بالاحتياط فليس للعامي في الفرض أيضا المراجعة الى غير الأعلم فتدبر.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 411

[مسئلة 64- الاحتياط المذكور في الرسالة]

مسئلة 64- الاحتياط المذكور في الرسالة اما استحبابي- و هو ما إذا كان مسبوقا، أو ملحوقا بالفتوى- و اما وجوبي- و هو ما لم يكن معه فتوى- و يسمى بالاحتياط المطلق، و فيه يتخير المقلد (1) بين العمل به و الرجوع الى مجتهد أخر، و اما القسم الأول فلا يجب العمل به و لا يجوز الرجوع الى الغير (2) بل يتخير بين العمل بمقتضى الفتوى و بين العمل به

______________________________

(1) في إطلاقه إشكال بل منع يعلم مما علقناه على المسئلة المتقدمة

(2) فيما لم تكن فتوى غير الأعلم موافقة للاحتياط، و الا فإن كانت فتواه موافقة للاحتياط أو كانت فتواه

أوفق بالاحتياط من فتوى الأخر فالجواز لا يخلو عن بعد.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 412

..........

______________________________

أقول: و لا يخفى ان إطلاق عنوان المسئلة حيث لم يفرض اعلمية أحدهما و ان كان يعم صورة تساوى المجتهدين من حيث العلم و الفضيلة و لذا وقع الاشكال من العلامة المامقاني (قدس) بأن الأقوى جواز الرجوع الى الغير ما لم يعمل بفتوى الأول مع تساويهما في العلم و التقوى اه الا ان الظاهر ان الماتن (قدس) لم يكن بصدد بيان ذلك حتى يؤخذ بإطلاق كلامه بل بصدد انه على تقدير لزوم تقليد الأعلم- كما صرح به مرارا و بيّنه في المسئلة السابقة- اما يكون للأعلم فتوى في المسئلة أولا فهو بصدد بيان قسمي الاحتياط الوجوبي و الاستحبابي في رأي الأعلم من حيث المراجعة إلى الغير و عدمه فتدبر.

إذا تمهد لك ما ذكرنا فنقول: اما حديث التخيير في الاحتياط المطلق بين العمل بالاحتياط و الرجوع الى المجتهد الأخر فقد أشرنا إليه في المسئلة السابقة، و قد أشرنا الى عدم تمامية التخيير مطلقا فلاحظ.

و اما عدم جواز الرجوع الى الغير في الاحتياط الاستحبابي فلأنه في الفرض يكون للأعلم فتوى في المسئلة و ان كانت فتواه مخالفة للاحتياط و لا يصح مع ذلك الاستناد الى قول غير الأعلم و ان كانت فتواه موافقة للاحتياط.

و بالجملة كما أفيد الرجوع الى غير الأعلم في المفروض و تطبيق العمل على رأيه في مقام الامتثال بعنوان الوجوب أو تركه بعنوان الحرمة مع قيام الحجة على عدم وجوبه أو عدم حرمته يكون نحو تشريع.

هذا ما يتعلق بتوجيه ما في المتن.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 413

..........

______________________________

و لكن

علق عليه ثلة من الأعلام و خصوا عدم جواز الرجوع الى الغير بما إذا كانت فتواه مخالفة للاحتياط و اما إذا وافقت فتواه للاحتياط فيجوز المراجعة إليه هذا.

و لا يخفى ان ما في المتن يتم على مبني الماتن (قدس) و من يرى لزوم تقليد الأعلم مطلقا.

و لكن تقدم منا ان لزوم تقليد الأعلم انما هو إذا كانت فتواه موافقة للاحتياط عند الاختلاف بينه و بين غير الأعلم فعلى هذا نقول في مفروض المتن ان كانت فتوى غير الأعلم موافقة للاحتياط فيجوز الرجوع الى غير الأعلم و لا يصدق التشريع المحرم لأن العامي في الفرض مخير في المراجعة الى اى من الأعلم و غيره.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 415

[مسئلة 65- في صورة تساوى المجتهدين يتخير بين تقليد أيهما شاء]

مسئلة 65- في صورة تساوى المجتهدين يتخير بين تقليد أيهما شاء كما يجوز له التبعيض حتى في أحكام العمل الواحد (1) حتى انه لو كان مثلا فتوى أحدهما وجوب جلسة الاستراحة، و استحباب التثليث في التسبيحات الأربع، و فتوى الأخر بالعكس يجوز ان يقلد الأول في استحباب التثليث، و الثاني في استحباب الجلسة

______________________________

(1) الأحوط ترك التبعيض في مثل مفروض المتن، بل لا يخلو ترك التبعيض عن قوة في الموارد التي يحصل له العلم التفصيلي بالبطلان كما إذا كان أمران متلازمان وجودا و عدما كالصوم و إتمام الصلاة، و القصر و الإفطار فلا يجوز تقليد أحدهما في الصوم أو القصر، و الأخر في إتمام الصلاة أو الإفطار.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 416

..........

______________________________

أقول: تعرض (قدس) لمسئلة التخيير في تقليد اى المجتهدين المتساويين و مسئلة جواز التبعيض في تقليدهما في المسئلة الثالثة و الثلاثين.

و السر في إعادتهما هنا

للتنبيه على جواز التبعيض حتى في عمل واحد.

اما حديث التخيير في تقليد اى المجتهدين المتساويين فقد تقدم وجهه في المسئلة و قلنا هناك انه في صورة تساوى المجتهدين من حيث الفضيلة إذا توافقا في الفتوى يجوز تقليد أيهما شاء- اعنى الاستناد إلى أيهما شاء- كما يصح الاستناد إليهما و اما إذا اختلفا من حيث الفتوى فتكون فتواهما بمنزلة الخبرين المتعارضين و مقتضى القاعدة و ان كان هو التساقط الا انه ببركة الاخبار العلاجية نقول بالتخيير ان لم تكن لأحدهما مزية بل الفتوايان في الحقيقة خبران لان كلا منهما يخبر عن الواقع بنظره فتجري فيهما ما يجري في الخبرين المتعارضين.

و لكن بعض الأساطين دام ظله ناقش في دلالة الأخبار العلاجية على التخيير بين الخبرين المتعارضين أولا ثم على تقدير دلالتها على التخيير بين الخبرين المتعارضين لأنعم الفتويين المتعارضين و لذا علق على المتن بلزوم الأخذ بما هو الأحوط.

و لكن تقدم الكلام مفصلا في مقاله و أشرنا الى ما هو الحق و ان القاعدة الأولية و ان كانت التساقط الا ان النص و الإجماع متطابقان على التخيير بين الأمارتين المتعارضتين فلاحظ.

ثم انه على التخيير هل يجوز التبعيض في التقليد مطلقا و لو في عمل واحد أو يخص بما إذا لم تكن في عمل واحد وجهان.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 417

..........

______________________________

يظهر من بعض الشراح و المعلقين: عدم جواز التبعيض في عمل واحد و حاصل ما يوجه لهم.

هو ان الصلاة الفائدة لجلسة الاستراحة مثلا المقتصر فيها على تسبيحة واحدة باطلة في نظر كل من المجتهدين فالاقتصار عليها في مقام الامتثال مخالفة لهما معا.

و بالجملة التبعيض في عمل واحد يؤدى الى بطلان العمل بنظر

كليهما، فالصلاة في مفروض المتن تكون باطلة عند كل منهما بلحاظ فقدها الجزء الذي يعتبره أحدهما و لا يعتبره الأخر لأن المفروض أنها فاقدة للجزئين معا فالقائل بعدم وجوب جلسة الاستراحة يرى بطلانها من جهة فقدها جلسة الاستراحة كما ان القائل بعدم وجوب الزائد على التسبيحة الواحدة يرى بطلانها من فقدها جلسة الاستراحة فهي باطلة في نظر كليهما و ان اختلفا في وجه البطلان اه.

و لكنه يندفع الاشكال كما أفيد بأنه بعد البناء على جواز التبعيض في التقليد يمكن تصحيح العمل الواحد حيث انه لم يستند الى قول كل منهما مستقلا بل استند الى مجموع القولين و ضم أحدهما إلى الأخر فيصح، لان كلا من المجتهدين يرى صحة العمل من ناحية ترك ما يراه الأخر معتبرا فإن القائل باستحباب التثليث يرى صحة الصلاة عند الاكتفاء بواحدة، و ان كان الأخر يرى بطلانها من هذه الجهة و و هكذا العكس فاذا قلد من يقول بالصحة كفى في مقام الامتثال و ان كان الأخر يقول بالبطلان لعدم حجية قوله ما لم يختره في مقام التقليد التخييري.

و بالجملة ان المكلف يستند في صحة العمل و عدم وجوب الإعادة إلى مجموع القولين و ضم أحدهما إلى الأخر لا الى كل منهما مستقلا.

نعم ان حصل العلم التفصيلي بالبطلان من ناحية التبعيض فلا يجوز و ذلك فيما إذا كان هناك أمران متلازمان وجودا أو عدما كالصوم و إتمام الصلاة، و القصر

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 418

..........

______________________________

و الإفطار لأن المستفاد من الأدلة الملازمة الواقعية بين وجوب التمام و وجوب الصوم و لزوم القصر و الإفطار إلا في بعض الموارد فلا يجوز تقليد أحد المجتهدين في

إتمام الصلاة، و تقليد الأخر في الإفطار في موارد الخلاف في وجوب القصر و التمام «1».

______________________________

(1) الدروس ج 1/ 247

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 419

[مسئلة 66- لا يخفى ان تشخيص موارد الاحتياط عسر على العامي]

اشارة

مسئلة 66- لا يخفى ان تشخيص موارد الاحتياط عسر على العامي (1) إذ لا بد فيه من الاطلاع التام و مع ذلك قد يتعارض الاحتياطان فلا بد من الترجيح، و قد لا يلتفت الى إشكال المسئلة حتى يحتاط و قد يكون الاحتياط في ترك الاحتياط- مثلا- الأحوط ترك الوضوء بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر، لكن إذا فرض انحصار الماء فيه الأحوط التوضؤ به بل يجب ذلك بناء على كون احتياط الترك استحبابيا و الأحوط الجمع بين التوضؤ به و التيمم، و أيضا الأحوط التثليث في التسبيحات الأربع لكن إذا كان في ضيق الوقت، و يلزم من التثليث وقوع بعض الصلاة خارج الوقت فالأحوط ترك هذا الاحتياط، أو يلزم تركه، و كذا التيمم بالجص خلاف الاحتياط لكن إذا لم يكن معه الا هذا فالأحوط التيمم به، و إذا كان عنده الطين مثلا فالأحوط الجمع و هكذا.

______________________________

(1) بل لغالب طلبة أهل العلم، و ربما يكون ذلك من العامي غير ممكن

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 420

..........

______________________________

أقول: تقدم الكلام فيما يرتبط بهذه المسئلة في ذيل المسئلة الثانية عند قوله (قدس) يجب ان يكون عارفا بكيفية الاحتياط أو التقليد فلاحظ.

تشخيص موارد الاحتياط متعسر بل ربما يكون متعذرا

و مقتضى تعليله (قدس) عسرية الاحتياط بلابديه الاطلاع التام هو عدم تمكن العامي من الاحتياط في غالب الموارد، افرض انه إذا لم يكن للمكلف ماء الا بمقدار يصرفه في غسله الواجب، و يكون هناك عطشان، و يكون له فرس يحتاج إليها في سفره محتاجة إلى الماء، و هناك ميت له، محتاج الى الغسل، و في نفس الوقت جنب، و محدث بالأصغر محتاجين الى الماء إذا كانا متعلقين به الى غير ذلك من

الفروض، فأين للعوام؟! و انى له من إحراز الأهمية و الجزم بترجيح أحدهما بالنسبة إلى الأخر، و لو فرض له ترجيح بعض هذه الأمور على الأخر فانى له من الترجيح في جميع الفروض؟! و لك ان تتفطن مما ذكرنا و ترى عدم تمكن ذلك من غالب طلبة أهل العلم إلا الأوحدي منهم.

و لو تنزلنا عما ذكرنا فلا أقل تشخيص موارد الاحتياط على طلبة العلم عسر فلا وجه لاختصاصه كما في المتن بالعامى هذا.

و كيف كان كما في المتن فقد يتعارض الاحتياطان فلا بد من الترجيح و هو موقوف على إحراز مرتبة أهمية كل واحد منها و تمييز الأهم عن المهم، و الاطلاع بباب التزاحم من الأهمية تارة و كونه ما لا بد له بالنسبة إلى ماله البدل اخرى، و كونه حق اللّه تعالى، أو حق الناس ثالثة، و ان القدرة المعتبرة فيه عقلية، أو شرعية

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 421

..........

______________________________

رابعة الى غير ذلك من مرجحات باب التزاحم.

و انى لغير الأوحدي من طلبة العلم فضلا عن العوام معرفة ذلك؟

و قد لا يلتفت الشخص إلى إشكال المسئلة حتى يحتاط مع ان الالتفات و التوجه من محققات الاحتياط.

و قد يكون الاحتياط في ترك الاحتياط كالتوضأ بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر حيث وقع الاختلاف في رافعيته للحدث على أقوال فعند ذلك و ان كان الأحوط ترك التوضأ به لكن إذا فرض انحصار الماء فيه يكون الأحوط التوضأ به، بل يجب ذلك في الفرض إذا كان احتياط الترك استحبابيا و ذلك واضح و الأحوط منه الجمع بين التوضؤ به و التيمم.

و أيضا الأحوط التثليث في التسبيحات الأربع لوجود القول بوجوبها لكن إذا

كان في ضيق الوقت و يلزم وقوع بعض الصلاة خارج الوقت لو أتى بها ثلاثا، أو كان له حاجة مهمة لا يمكنه تركها، أو كان له سلس البول يخاف صدوره في الأثناء لو جاء بالثلاثة الى غير ذلك فالأحوط ترك هذا الاحتياط، بل يلزم تركه إذا على منه ذلك و كذا التيمم بالجص فان الأحوط و ان كان ترك التيمم به لاحتمال كونه معدنا خارجا عن عنوان الأرضية أو الترابية لكن إذا لم يكن معه الا هذا فالأحوط التيمم به و ان كان عنده الطين مثلا فالأحوط الجمع بينهما و هكذا سائر موارد تعارض الاحتياط فإنها كثيرة في أبواب الفقه لا يمكن للعوام بل بعض طلبة العلم تحصيله فضلا عن كونه عسرا عليهم كما لا يخفى.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 423

[مسئلة 67- محل التقليد و مورده هو الأحكام الفرعية]

اشارة

مسئلة 67- محل التقليد و مورده هو الأحكام الفرعية العملية (1) فلا يجري في أصول الدين (2) و في مسائل أصول الفقه (3)، و لا في مبادي الاستنباط (4) من النحو، و الصرف

______________________________

(1) لا اختصاص بذلك، بل يصح في كل ما يحوج المكلف الى دق باب الشرع لتعيين ما هو وظيفته و استعلام حكمه.

(2) و لكن ان حصل له الجزم بالتقليد يكفى له ذلك و ان كان الأحوط الأولى تحصيل البرهان على ذلك.

(3) إذا لم ينفعه ذلك في مقام العمل كما هو الغالب في المقلدين و اما المقلد البالغ مرتبة قربية من الاجتهاد مثلا فيصح منه التقليد في مسئلة أصولية حيث ينقح له المجتهد مجرى المسئلة كما هو الشأن في القواعد الفقهية التي يكون تنقيح مجراها بعهدة المجتهد فيعمل بمقتضاها، و ذلك كما في مثل موارد تعارض الخبرين

المتساويين فيقلد المجتهد في جواز الأخذ بأخذ الخبرين المتعارضين فيأخذ أحدهما الظاهر أو النص في مفاده فيعمل بمقتضاه.

(4) قد أشرنا ان إطلاق منع التقليد فيها لا تخلو عن نظر، و قد يكون المقلد اعرف بكلياتها و قواعدها من المجتهد.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 424

و نحوهما و لا في الموضوعات المستنبطة العرفية، أو اللغوية (1) و لا في الموضوعات الصرفة، فلو شك المقلد في مائع انه خمر أو خل- مثلا- و قال المجتهد انه خمر لا يجوز له تقليده نعم من حيث انه مخبر عادل يقبل قوله كما في اخبار العامي العادل، و هكذا، و اما الموضوعات المستنبطة الشرعية كالصلاة و الصوم و نحوهما فيجري التقليد فيها كالأحكام العلمية.

______________________________

(1) الموضوع المستنبط عرفا، أو لغة إذا لم يكن مفهومه بحدوده واضحا مبينا و ان لم يكن بنفسه موردا للتقليد، و لكنه باستتباعه للحكم الشرعي يكون موردا له فالأظهر عدم الفرق في جواز التقليد في الموضوع المستنبط بين كونه شرعيا أو عرفيا، أو لغويا و يكون التقليد فيها بلحاظ استتباع الحكم الشرعي مساوق للتقليد في الحكم الشرعي.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 425

..........

______________________________

أ قول: صرح (قدس) بان محل التقليد و مورده انما هو الأحكام الفرعية، و الموضوعات المستنبطة الشرعية فنفى التقليد في أصول الدين، و في مسائل أصول الفقه، و مبادي الاستنباط و الموضوعات المستنبطة العرفية أو اللغوية و الموضوعات الصرفة.

تقدم الكلام مفصلا في جواز التقليد في الأحكام الفرعية العملية عند بيان مشروعية التقليد قبال الأخباريين فلاحظ، و سيظهر لك حال الموضوعات المستنبطة و المهم في هذه المسئلة ملاحظة الموارد التي صرح الماتن (قدس) بعدم جواز التقليد

فيها و بيان ما هو المختار فيها.

التقليد في أصول الدين

اختلفوا في جريان التقليد في أصول الدين و عدمه على أقوال.

قال شيخنا العلامة الأنصاري (قدس) ان الأقوال المستفاد من تتبع كلمات العلماء في أصول الدين من حيث وجوب مطلق المعرفة أو الحاصلة من خصوص النظر، و كفاية الظن مطلقا أو في الجملة ستة.

الأقوال في معرفة أصول الدين

الأول: اعتبار العلم فيها من النظر و الاستدلال، و هو المعروف بينهم، و ادعى عليه العلامة في الباب الحادي عشر إجماع العلماء كافة، و ربما يحكى ذلك عن العضدي، و لكن الموجود منه في مسئلة عدم جواز التقليد في العقليات، من أصول الدين، دعوى إجماع الأمة على وجوب معرفة اللّه تعالى.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 426

..........

______________________________

الثاني: اعتبار العلم و لو من التقليد، و هو المصرح به في كلام بعض، و المحكى عن آخرين.

الثالث: كفاية الظن مطلقا و هو المحكى عن جماعة منهم المحقق الطوسي و المحقق الأردبيلي، و صاحب المدارك، و ظاهر شيخنا البهائي، و العلامة المجلسي و المحدث الكاشاني و غيرهم (قدس اللّه أسرارهم).

الرابع: كفاية الظن من النظر و الاستدلال دون التقليد، و عن شيخنا البهائي نسبته الى بعض.

الخامس: كفاية الظن المستفاد من اخبار الآحاد و هو الظاهر مما حكاه العلامة في النهاية عن الأخباريين من انهم لم يعولوا في أصول الدين و فروعه الأعلى اخبار الآحاد، و حكاه الشيخ في العدة في مسئلة حجية اخبار الآحاد عن بعض غفلة أصحاب الحديث، و الظاهر ان مراده حملة الأحاديث الجامدون على ظواهرها المعرضون عما عداها من البراهين العقلية المعارضة لتلك الظواهر.

السادس: كفاية الجزم بل الظن من التقليد مع كون النظر واجبا مستقلا لكنه معفو عنه كما يظهر من آخر عدة الشيخ و في مسئلة حجية اخبار

الآحاد اه «1».

صرح المحقق القمي (قدس) بان هذه المسئلة من المشكلات «2».

و قد يقال: كيف يدعى إجماع المسلمين على لزوم النظر و الاجتهاد فيها مع وجود الخلاف الواضح بين الأصحاب، مع ان مورد الإجماع في كلماتهم غير منقح بل يكون أعمى و أصم فهل يرون لزوم النظر و الاجتهاد في جميع مسائل أصول الدين أو بعضها؟ و هل يرون لزوم ذلك بحيث يكون تارك النظر و الاجتهاد كافرا؟! و كيف يدعى ذلك؟! مع ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، يكتفى بإسلام، و ايمان من يقر بالشهادتين

______________________________

(1) الأمر الخامس من تنبيهات الانسداد من الفرائد/ 160

(2) قوانين الأصول ج 2/ 164 المطبوع على خط عبد الرحيم

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 427

..........

______________________________

و لم يكلفهم بوجوب النظر و الاجتهاد، و لو كان واجبا لنقل و ذكر في كتب السير و الاخبار، و لو في ضمن رواية ضعيفة لتوفر الدواعي، و الاحتياجات، و الثاني باطل فالمقدم مثله و لو كان ذلك لازما فعلى الإسلام و المسلمين السلام لاستلزامه- و العياذ باللّه- خروج غير الأوحدي من العلماء فضلا عن العوام عن ربقة الإسلام.

مسائل أصول الدين على قسمين

و كيف كان كما افاده الشيخ (قدس) ان مسائل أصول الدين- و هي التي يطلب فيها أولا بالذات الاعتقاد باطنا و التدين بها ظاهرا- على قسمين.

أحدها: ما يجب على المكلف الاعتقاد و التدين به بنحو الواجب المطلق فيجب تحصيلها و يكون تحصيل العلم من المقدمات الواجب المطلق كمعرفة اللّه، و صفاته، و معرفة النبي، و الأئمة صلوات عليهم، و المعاد.

و الثاني: ما يجب الاعتقاد و التدين به إذا اتفق حصول العلم به كبعض تفاصيل معرفة اللّه، و النبي و

الأئمة و المعاد.

و لا يخفى ان الفرق بين القسمين و تمييز ما يجب تحصيل العلم به عما لا يجب في غاية الاشكال.

و قد ذكر العلامة (قدس) في الباب الحادي عشر انه يجب على كل مكلف معرفة تفاصيل التوحيد، و النبوة، و الإمامة و المعاد، و استدل لذلك بأمور، و ادعى ان الجاهل بها عن نظر و استدلال خارج عن ربقة الإسلام و الايمان مستحق للعذاب الدائم و لكن لا يخفى ان الأمور التي ذكرها لا تدل على وجوبها كذلك، و الحكم بخروج الجاهل بها عن النظر و الاستدلال عن ربقة الإسلام في غاية الإشكال اه «1».

نعم كما افاده المحقق الخراساني (قدس): ان العقل يستقل بوجوب معرفة الواجب تعالى، و صفاته أداء لشكر بعض نعمائه، و معرفة أنبيائه فإنهم وسائط نعمة و آلائه، بل و كذا معرفة الامام على وجه صحيح- يعنى على كون الإمامة كالنبوة منصبا إلهيا يحتاج الى تعيينه تعالى و نصبه- لا انها من الفروع المتعلقة بأفعال المكلفين

______________________________

(1) الأمر الخامس من تنبيهات الانسداد من الفرائد/ 160

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 428

..........

______________________________

و هو الوجه الأخر «1».

و الشيخ (قدس) بعد ان استدل بالآيات و الاخبار على الزوم المعرفة- على اشكال في دلالتها كما أشار إليه المحقق الخراساني (ره)- تصدى لبيان المقدار الواجب معرفته و حاصل ما أفاده في ذلك هو:

المقدار اللازم معرفته من أصول الدين

انه يكتفى في معرفة الرب التصديق بكونه موجودا و واجب الوجود لذاته، و التصديق بصفاته الثبوتية الراجعة إلى صفتي العلم و القدرة و نفى الصفات الراجعة إلى الحاجة و الحدوث و انه لا يصدر منه القبيح فعلا أو تركا.

و المراد بمعرفة هذه الأمور ركوزها في اعتقاد المكلف بحيث

إذا سئلته عن شي ء مما ذكر أجاب بما هو الحق فيه و ان لم يعرف التعبير عنه بالعبارات المتعارفة على السنة الخواص.

و يكتفى في معرفة النبي صلّى اللّه عليه و آله معرفة شخصه بالنسب المعروف المختص به، و التصديق بنبوته و صدقه، و اما اعتبار عصمته فوجهان و يكتفى في معرفة الأئمة عليهم السّلام بنسبهم المعروف و التصديق بأنهم أئمة يهدون بالحق و يجب الانقياد لهم (إليهم) و الأخذ منهم و في وجوب الاعتقاد بعصمتهم الوجهان و يكفي في التصديق بما جاء به النبي صلّى اللّه عليه و آله التصديق بما علم مجيئه به متواترا من أحوال المبدء و المعاد.

و يمكن ان يقال ان معرفة ما عدى النبوة و الإمامة و المعاد واجبة بالاستقلال على من هو متمكن منه بحسب الاستعداد و عدم الموانع لعمومات وجوب التفقه، و ان الجهل بمراتب سفراء اللّه جل ذكره مع تيسر العلم بها تقصير في حقهم، و تفريط في حبهم و نقص يجب بحكم العقل رفعه بل من أعظم النقائص.

و بالجملة فالقول بأنه يكفي في الايمان الاعتقاد بوجود الواجب الجامع

______________________________

(1) كفاية الأصول ج 2/ 154

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 429

..........

______________________________

للكمالات المبرء عن النقائص، و بنبوة محمد صلّى اللّه عليه و آله و بإمامة الأئمة عليهم السّلام، و البراءة من أعدائهم، و الاعتقاد بالمعاد الجسماني غير بعيد بالنظر الى الاخبار و حكم العقل و السيرة المستمرة.

و اما التدين بسائر الضروريات ففي اشتراطه، أو كفاية عدم إنكارها، أو عدم اشتراطه أيضا فلا يضر إنكارها الا مع العلم بكونها من الدين وجوه اقويها الأخير ثم الأوسط.

ثم قال (قدس) ما حاصله انه بعد ما عرفت القسمين

من أصول الدين و ان منها ما لا يجب الاعتقاد به الأبعد حصول العلم، و منها ما يجب الاعتقاد به مطلقا، و لا يجوز العمل في القسم الأول بغير العلم.

لا يجوز الاقتصار على الظن بها مع القدرة على العلم

و اما في القسم الثاني فاجماله فلا ينبغي الإشكال في عدم جواز الاقتصار فيها على الظن مع القدرة على تحصيل العلم، و يجب على العلماء امره بزيادة النظر ليحصل له العلم ان لم يخافوا عليه الوقوع في خلاف الحق.

يدل على ذلك الآيات و الاخبار الدالة على وجوب الايمان، و التفقه، و العلم و المعرفة، و التصديق، و الإقرار، و الشهادة، و التدين، و عدم الرخصة في الجهل و الشك، و ضائعة الظن و هي أكثر من تحصى.

و لا ينبغي الإشكال في الحكم بعدم الايمان للقادر المتمكن من تحصيل العلم إذا اكتفى بالظن، و ذلك للأخبار المفسرة للايمان بالإقرار، و الشهادة، و التدين، و المعرفة و غير ذلك من العباثر الظاهرة في العلم، و اما الحكم بكفره مع ظنه بالحق وجهان نعم في الظان بالباطل فالظاهر كفره.

كفاية الاعتقاد بأصول الدين و لو من جهة التقليد

و كيف كان على تقدير اعتبار الجزم هل يكفى ذلك؟ أو لا بد من النظر و الاستدلال وجهان.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 430

..........

______________________________

ظاهر الأكثر منهم المحقق في المعارج و العلامة في الباب الحادي عشر الثاني و عدم كفاية الجزم الحاصل بالتقليد.

و لكن الأقوى كفاية الجزم الحاصل من التقليد لعدم الدليل على اعتبار الزائد على المعرفة و التصديق و الاعتقاد و تقييدها بطريق خاص لا دليل عليه.

مع ان الإنصاف ان النظر و الاستدلال بالبراهين العقلية للشخص المتفطن لوجوب النظر في الأصول لا يفيد بنفسه الجزم لكثرة الشبه الحادثة في النفس، و المدونة في الكتب حتى انهم ذكروا شبها يصعب الجواب عنها للمحققين الصارفين لأعمارهم في فن الكلام فكيف حال المشتغل به مقدارا من الزمان لأجل تصحيح عقائده لتشتغل بعد ذلك بأمور معاشه و معاده

خصوصا و الشيطان يغتنم الفرصة لإلغاء الشبهات و التشكيكات، و قد شاهدنا جماعة قد صرفوا أعمارهم و لم يحصلوا منه شيئا إلا القليل هذا في القادر المتمكن من تحصيل العلم.

حكم غير المتمكن من تحصيل العلم بأصول الدين

و اما غير المتمكن من العلم فالكلام فيه تارة في تحقق موضوعه في الخارج و اخرى في لزوم تحصيل الظن عليه مع الياس من العلم، و ثالثة في حكمه الوضعي قيل الظن و بعده.

و حاصل ما افاده (قدس) في الأول هو انه و ان قيل بعدم وجود القاصر في الخارج الا ان الذي يقتضيه الإنصاف بشهادة الوجدان قصور بعض المكلفين.

و قال في الثاني: الظاهر عدم وجوب تحصيل الظن لان المفروض عجزه عن الايمان و التصديق المأمور به و لا دليل أخر على عدم جواز التوقف- لجواز اعتقاد الواقع على ما هو عليه و ان لم يعلمه بعينه- و ليس المقام من قبيل الفروع من وجوب العمل بالظن مع تعذر العلم لأن المقصود فيها العمل فلا معنى للتوقف فيه و لا بد عند انسداد باب العلم من العمل على طبق أصل أو ظن.

و المقصود فيما نحن فيه الاعتقاد فاذا عجز عنه فلا دليل على وجوب الظن الذي لا يعنى من الحق شيئا فيندرج في عموم قولهم إذا جائكم ما لا تعلمون فها- اى اسكت.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 431

..........

______________________________

نعم لو رجع الجاهل بحكم هذه المسئلة الى العالم و رأى العالم منه التمكن من تحصيل الظن بالحق و لم يخف عليه إقصاء نظره الظني إلى الباطل فلا يبعد وجوب إلزامه بالتحصيل لان انكشاف الحق و لو ظنا اولى من البقاء على الشك فيه و قال في الثالث انه ان لم يقر

في الظاهر بما هو مناط الإسلام فالظاهر كفره، فإن أقربه مع العلم بأنه شاكّ باطنا فالظاهر عدم إسلامه بناء على ان الإقرار الظاهري مشروط باحتمال اعتقاده لما يقر به- و مع العلم بأنه شاك لا مجرى له.

و في جريان حكم الكفر عليه حينئذ إشكال: من إطلاق بعض الاخبار بكفر الشاك و من تقييده في غير واحد من الاخبار بالجحود.

و على التقديرين فظاهرها ان المقر ظاهرا الشاك باطنا غير المظهر لشكه غير كافر إلى أخر ما افاده.

انتهى حاصل ما افاده الشيخ (قدس) في الأمر الخامس من تنبيهات الانسداد من الفرائد، و السر في إيراد ما افاده- مع طوله- نفاسة ما أفاده في حد نفسه، و جلالة القائل به و عظمته و هو ممن يقتدى به في العلم و العمل، و عدم مراجعة غالب طلبة أهل علم زماننا، الى هذه المباحث من الفرائد، و من أراد ان يشرب من عينه الصافي فليلاحظ الفرائد و ليكن من الشاكرين.

فتحصل: مما ذكرنا كله ان المعتبر في أصول الدين هو اليقين و الاعتقاد و العرفان و نحوها و لا يكاد يتحقق شي ء منها بالتقليد الذي عبارة عن عقد القلب في تلك الأمور على قول الغير، بل كما أشرنا ان هذا هو القدر المتيقن مما دل على ذم التقليد و اتباع قول الغير.

نعم ان حصل من قول الغير العلم و اليقين بأصول الدين- كما لعله الغالب- فالصحيح جواز الاكتفاء به لما عرفت ان المطلوب في الاعتقاديات هو العلم و اليقين بلا فرق في ذلك بين أسبابها، و لا دليل على اعتبار الزائد على المعرفة و اليقين و الاعتقاد و تقييدها بطريق خاص لا دليل عليه و اللّه العالم بحقائق الأمور.

الدر النضيد في

الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 432

التقليد في مسائل أصول الفقه

______________________________

مسائل أصول الفقه هي كبريات آليات لو انضم إليها صغرياتها لاستنتج منها أحكام كليات آليات.

الاختلاف في جريان التقليد في مسائل أصول الفقه

وقع الخلاف بينهم في جريان التقليد في مسائل أصول الفقه فمنهم كالماتن و ثلة من المعلقين ذهبوا الى عدم جريان التقليد فيها.

و منهم من لم ير فرقا بينها و بين المسائل الفقهية في جريان التقليد فيها.

و قد يرى جريان التقليد في بعض مسائله.

فمنهم كسيد مشايخنا (قدس) ذهب الى جريان التقليد فيه إذا فرض وقوعها محلا للابتلاء و لو بتوسط النذر و شبهه.

و منهم من ذهب الى انه قد يتفق التقليد في ذلك كما في مورد تعارض الخبرين و فتوى المقلد بجواز أخذه بأي الخبرين شاء.

و منهم من يرى انه لا محذور في ان يقلد المجتهد في مسئلة من مسائل أصول الفقه فيستنبط منها الأحكام إذا تم عنده باقي المقدمات من فهم الظواهر و تمكنه من الفحص عن المعارض على نحو لا يكون فرق بينه و بين المجتهد في مقام التطبيق فيجوز له ان يعمل بما استنبط و ان لم يجز رجوع الغير اليه.

ما يستدل به لعدم جريان التقليد فيها

يستدل لعدم جريان التقليد فيها مضافا الى دعوى الإجماع كما عن تقريرات الشيخ، انصراف أدلة التقليد عن مسائل أصول الفقه لخروجها عن محل ابتلاء العامي أو لأن التقليد كما تقدم عبارة عن نفس العمل مستندا إلى رأي الغير، أو الاستناد إليه في مقام العمل و لا عمل في المسائل الأصولية بلا واسطة، و لا يجوز العمل بالأصول و الأمارات و القواعد المهمة لمن لا يقدر على تنقيح مجاريها و معرفة معارضاتها و التوفيق بينها.

و لا يخفى ان الظاهر من كلمات الأصحاب ان محل الكلام في عدم جريان

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 433

..........

______________________________

التقليد في المسائل الأصولية ليس خصوص العامي المحض حتى يقال بأنه لا ثمرة له

الا في النذر، بل المراد من لم يتمكن من استخراج المسائل الفقهية عن أدلتها إلا باستعانته بالتقليد في بعض جهاتها.

ففي مسئلة الضد مثلا إذا لم يمكنه التصديق بمسئلة الترتب مثلا فاذا توقف استنباط حكم على أمور نقحها و لكن لم يمكنه الجزم بمسئلة الترتب فيقع الكلام في انه هل يمكنه التقليد في مسئلة الترتب و الإفتاء بالمسئلة أم لا بد من تنقيح ما يرتبط بالمسئلة من جميع جوانبها.

بيان المختار في جريان التقليد في مسائل أصول الفقه

و الذي ينبغي ان يقال انه لا مانع من شمول إطلاقات أدلة التقليد لمطلق الأحكام الشرعية الفرعية و الأصولية فلا محذور في ان يقلد مجتهدا في مسئلة من مسائل أصول الفقه فيستنبط منها الأحكام إذا تمت عنده سائر المقدمات: من فهم الظاهر و تمكنه من الفحص عن المعارض على نحو لا يكون فرق بينه و بين المجتهد في مقام التطبيق فيجوز له ان يعمل بما استنبط.

فاذا الواجد لملكة الاستنباط إذا لم يتمكن من استنباط بعض المسائل الأصولية كحجية خبر الواحد مثلا أو الاستصحاب أو التخيير في تعارض الخبرين، أو غيرها يجوز له ان يقلد في تلك المسائل و يستنبط الأحكام الفرعية فهو متوسط بين المقلد الصرف و المجتهد كذلك.

و لك ان تقول ان مقتضى ما دل على مشروعية التقليد التي عمدتها بناء العقلاء في رجوع الجاهل الى العالم عدم الفرق بين المسائل الأصولية و غيرها، و لذا ترى جريان التقليد في شرائط حجية قول المجتهد و قد صرح بها الماتن (قدس) في المسئلة الثانية و العشرين مع انها من المسائل الأصولية.

و يلائم ما ذكرنا ما افتى به الماتن (قدس) في المسئلة الخامسة عشر بوجوب رجوع العامي إلى الأعلم في جواز البقاء و عدمه، و في المسئلة السادسة

و الأربعين

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 434

..........

______________________________

بأنه يجب على العامي أن يقلد الأعلم في مسئلة وجوب تقليد الأعلم و يظهر منه (قدس) و من غيره كونهما من المسائل الأصولية فتأمل.

و ان أبيت عن كونهما من المسائل الأصولية لعدم وقوعها في طريق استنباط الأحكام الكلية كما أشير إليه في المستمسك ففيما ذكرناه من جريان التقليد في شرائط حجية قول المجتهد كفاية فتدبر «1».

و بالجملة كل ما يحوج المكلف الى دق باب الشارع لتعيين ما هو وظيفته و استعلام حكمه سواء كان أولا و بالذات حكما شرعيا أو مستتبعا له فهو مما يجرى فيه التقليد و كلما لا يكون كذلك لا يجرى فيه التقليد.

نعم كثيرا ما لا تكاد ينتفع التقليد في المسئلة الأصولية في مقام العمل لعدم تمامية مجاريها فعند ذلك لا يكاد يصح التقليد فيه.

فتحصل ان إطلاق القول بعدم جريان التقليد في المسائل الأصولية كالقول بالجريان لا يركن الى ركن وثيق.

فمن نقح له المجتهد مجرى المسئلة الأصولية، أو كان للمقلد عرفان ببعض الموازين الا انه مثلا لا يقدر معرفة ان الأصل الثانوي في تعارض الخبرين التخيير أو التوقف و لكن يمكنه استظهار حكم المسئلة من ظاهر أحد الخبرين، أو افرض انه كان مفاده نصا في المراد فيصح له التقليد فيما لا يقدر معرفته.

يؤيد ما ذكرنا ما يقال ان الغالب في أهل الخبرة الذين هم المرجع في مثل هذه الأمور هو عدم اجتهادهم في جميع ما يرتبط الى تشخيصهم، بل يراجعون في بعضها الى آراء الغير هذا الطبيب و هذا المهندس و هذا الفيلسوف فتريهم في تشخيص ما يرتبط بارائهم و تشخيصاتهم يراجعون الى آراء الغير كثيرا فليكن الفقيه من

أحدهم.

أضف الى ما ذكرنا ان الفقهاء المجتهدين يعتمدون في مقدمات الاستنباط من اللغة، و الصرف، و النحو و المنطق و البلاغة و الرجال و غيرها الى خبراء تلك العلوم

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى ج 1/ 104

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 435

..........

______________________________

من غير نكير، و ليس لهم اجتهاد فيها، و قلما يوجد فقيه يكون مجتهدا و ذا رأى في مسائل تلك العلوم، و لو أراد مجتهد الاجتهاد في جميع ذلك لا يكاد يحصل ذلك لغير الأوحدي إلا بعد مضى سنين متمادية قلما يمكن وصول أعمارهم إليها فتأمل.

و بما ذكرنا يظهر ان دعوى انصراف أدلة التقليد عن المسائل الأصولية غير وجيه، و يكون أخذ الشخص نتائج مسائل أصول الفقه عن الأصولي كأخذه معاني الكلمات اللغوية عن اللغوي و الاعراب و البناء عن النحوي و الصرفي غير مضر باجتهاده و تطبيقه الكبريات على الصغريات و استنباط الأحكام الشرعية منها و يصح العمل بما استنبطه و اجتهده بل يصح للغير العمل بفتياه.

تفرقة بعض الأساطين في تقليد المجتهد بين عمل نفسه و بين رجوع الغير اليه و دفعها

و بما ذكرنا يظهر ما عن بعض الأساطين دام ظله كما في تقريري بحثه من انه لا يجوز للغير تقليد من يكون كذلك بلحاظ أن النتيجة تتبع أخس المقدمتين فهو و ان كان مجتهدا في الفروع و متمكنا من استنباطها الا انه مقلد في الأصول و معه ينتهى الحكم الفرعي المستنبط الى التقليد فهو متوسط بين المجتهد و المقلد و لم يقم دليل على حجية النظر في مثله «1».

توضيح النظر لائج مما ذكرنا بعد تعارف بناء العقلاء و سيرتهم على المراجعة في مثل هؤلاء الخبراء و أكثر الفقهاء و المجتهدين كسائر الخبراء لم يكونوا مجتهدين في جميع مبادي الاستنباط و مقدماتها

مع انه يصح المراجعة إليهم بلا نكير فليكن الاستناد الى آراء الأصول في المسائل الأصولية كذلك فيصح الاستناد إليها فيما استنبطه فتدبر.

______________________________

(1) الدروس ج 1/ 250 التنقيح ج 1/ 416

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 436

دفع ظهور الثمرة في النذر و شبهه

______________________________

و اما حديث ظهور الثمرة التي أشار إليها سيد مشايخنا «1».

فنوقش أولا: بأن متعلق النذر لا بد و ان يكون راجحا فأي رجحان يكون في تقليده بان الترتب مثلا ممكن أو محال، أو ان الظاهر حجة أم لا و هكذا.

و ثانيا: انه لا تقع المسئلة الأصولية محلا لابتلاء العامي لأن ما يقع محلا لابتلائه انما هو المسئلة الفرعية فمن نذران يأتي بواجب و كان نظر المجتهد ان مقدمة الواجب واجبة شرعا فاكتفى بإتيان المقدمة (لبر) نذره لم يكن ذلك من التقليد في المسئلة الأصولية بل في المسئلة الفرعية.

استدراك من بعض الأساطين و دفعه

بقي الكلام فيما استدركه بعض الأساطين دام ظله من عدم صغرى للمسئلة و حاصله:

انه لا يكاد يمكن تحقق شخص يكون مجتهدا في الفروع الفقهية من دون ان يكون قادرا على الاستنباط في المسائل الأصولية حتى يصح ان يقال بجواز التقليد فيها و ذلك لان الاجتهاد في الأحكام الشرعية ليس بأهون من الاجتهاد في المسائل الأصولية لأنه إن فرضنا ان الشخص يتمكن من الاستنباط في الفروع و تطبيق الكبريات على صغرياتها فلا مناص من ان يكون متمكنا من الاجتهاد في المسائل الأصولية أيضا و ان لم يتصد لاستنباطها و قد تقدم ان واجد الملكة ليس له التقليد فيما يتمكن من الاجتهاد «2».

و فيه: ان غموضة بعض المسائل و سهولتها مما لا يخفى و قد اعترف دام ظله بإمكان التجزي في الاجتهاد بل تحققه فمن لم يبلغ مرتبة عالية من العلم و كان له قوة ضعيفة من الاجتهاد فيمكنه الفحص عن الأدلة و الاستظهار منها و الجمع و التوفيق

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى ج 1/ 114

(2) التنقيح ج 1/ 416

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص:

437

..........

______________________________

بينها و نحوها مما يكون دخيلا في استنباط الحكم الفرعي فإذا كان استخراج حكم مسئلة منوطا بمعرفة مسئلة الترتب، أو مثلا الأمر بالشي ء المقتضي للنهى عن ضده. أو اجتماع الأمر و النهى، أو مقدمة الواجب و نحوها من المسائل الأصولية الغامضة التي يصعب معرفة مغزاها لغير الأوحدي من الفقهاء فحيث انه غير متمكن معرفة مثل تلك المسائل فيقلد المجتهد الفحل فيها مع ملاحظة سائر ما يرتبط باستنباط الحكم الشرعي فيستخرج الحكم الفرعي.

التقليد في مبادي الاستنباط

وقع الخلاف أيضا في جريان التقليد في مبادي الاستنباط من النحو، و الصرف و الرجال و غيرها.

صرح الماتن و ثلة من المعلقين (قدس اللّه أسرارهم) على عدم جريان التقليد فيها و فصل سيد مشايخنا (قدس) بين ما يقع في طريق استنباط الحكم الكلى فلا يجرى فيه التقليد و بين ما يقع في طريق تطبيق الحكم الكلى و تشخيص موضوع الإفتاء و تعيين المأمور به عن غيره كمسائل النحو و الصرف المحتاج إليها في تصحيح القراءة، و الذكر، و الأذان، و الإقامة و صيغ العقود الى غير ذلك فيصح التقليد «1».

توجيه لعدم جريان التقليد فيها مبادي الاستنباط و دفعه

يوجه لعدم جريان التقليد فيها كما عن بعض الأساطين دام ظله بان هذه المسائل ليست مما يرجع فيه الى أهل الخبرة لأنها ترجع إلى إثبات الظهور في الكلام في معنى خاص، و الظهور العرفي لا يثبت بفتوى أحد و من هنا قلنا بعدم حجية قول اللغوي فيما يذكره في تفسير معنى اللفظ «2».

و بالجملة مبادي الاستنباط من الأمور الحسية التي لا يحتاج فيها إلى الدقة و الاستنباط لأنها راجعة إلى إثبات الظهور و لا سيرة على رجوع الجاهل الى العالم

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى ج 1/ 104

(2) الدروس ج 1/ 250

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 438

..........

______________________________

في مثلها، فإذا بنى اللغوي أو غيره على ان اللفظة المعينة ظاهرة في معنى كذا بحدسه و اجتهاده لم يجز اتباعه فيه، و من هنا قلنا في محله ان اللغوي لا دليل على حجية قوله و نظره هذا في القواعد الأدبية و كذلك الحال بالنسبة إلى علم الرجال لأن العدالة و الوثاقة من الأمور المحسوسة و الاخبار عنها حدسا ليس بمورد التقليد ابدا «1».

أضف

الى ذلك ان بناء الفقهاء على التعرض لبعض المسائل الأدبية المختلف فيها عند الاستنباط مثل كون (الواو) مثلا لمطلق الجمع أو للترتيب كما عن الفراء في أية الوضوء فرأى الواو فيها للترتيب.

مع انصراف أدلة التقليد عن المجتهد الذي تبع غيره و لو في مسئلة أدبية.

و لو وصلت النوبة إلى الشك و دار الأمر بينه و بين غيره ممن اجتهد في المبادي فمقتضى الأصل التعيين.

قلت: اما ما افاده دام ظله من عدم المراجعة في مثل ذلك الى الأهل الخبرة فمخالف لما هو المحسوس من دراسة الطلاب و تحمل المشاق في معرفتها فتريهم يراجعون الى كتب مثل ابن الحاجب أو الرضى أو ابن مالك و نظرائهم و يستندون الى آرائهم في التلفظ بتراكيب الجمل.

و مجرد تعرض الفقهاء لبعض المسائل أحيانا لإثبات الظهور بعد الشك في المراد لا دليل على عدم اعتنائهم بآراء خبراء الفن و أئمة الأدب عند الخواص.

مع ان الظهور يثبت بفتوى أهل الخبرة فترى ان الشخص يرجع الى أئمة أهل الأدب و يأخذ معنى اللفظ حسبما فسروه و بينوه من غير نكير فربما لا يطمأن بما فسروه، فاذا المجتهد إذا رأى ثلة من اللغويين يفسرون لفظا بمعنى و لم يكن له حجة على خلافهم لم يجز له بناء الحكم الشرعي المعلق عليه على خلاف آرائهم- و ان لم يظن بارائهم- و لم يكن معذورا في مخالفة الأمر إذا اعتذر بأني لم افهم من الأمور ما فهمه العرف و اللغة و لعله واضح لا سترة فيه.

______________________________

(1) التنقيح ج 1/ 414

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 439

..........

______________________________

و بما ذكرنا يظهر ان دعوى انصراف أدلة التقليد عن المجتهد الذي يتبع غيره و لو

في مسئلة أدبية خلاف ما يشهده العرف فتريهم يراجعون الى مثله بلا نكير.

و اما التفصيل الذي ذكره سيد مشايخنا فبالنسبة الى عدم جريان التقليد بالنسبة الى ما يقع في طريق استنباط الحكم الكلى فيظهر ضعفه مما ذكرنا في جريان التقليد في المسائل الأصولية.

و ليت شعري أي فرق بينها و بين ما يقع في طريق تطبيق الحكم الكلى فكما يصح التقليد في طريق تطبيق الحكم الكلى فكذلك يصح في طريق استنباط الحكم الكلى فتدبر.

التقليد في الموضوعات المستنبطة العرفية أو اللغوية، و الموضوعات الصرفة

المراد بالموضوع المستنبط العرفي، أو اللغوي هو الموضوع العرفي أو اللغوي الذي جعل موضوعا لحكم و لم يحده الشارع فاختلف العرف و اللغة في ذلك كالصعيد و الغناء، و الكنز، و الوطن، و الكعب، و الانية، و المفازة الى غير ذلك.

صرح الماتن (قدس) بعدم جريان التقليد فيها، و يظهر من بعض المعلقين جريان التقليد فيها، كما يظهر من ثالث ان عدم جريان التقليد فيها إذا لوحظت بلحاظ نفسها و اما بلحاظ ما يترتب عليها من الأحكام فلا فرق بينها و بين الموضوعات المستنبطة الشرعية، من جريان التقليد فيها.

جريان التقليد في بعض الموضوعات المستنبطة

و لا يخفى ان الموضوع العرفي، أو اللغوي الذي جعل موضوعا للحكم الشرعي تارة يكون مفهومه بحدوده واضحا مبينا لا يحتاج الى النظر و الاجتهاد و اخرى يكون محتاجا إليهما.

و على الأول:- و يعبر عنه بالموضوعات الصرفة- كعنوان الخمر، و الكلب، و الخنزير و إطلاق الماء و إضافته الى غير ذلك من الموضوعات المأخوذة في لسان

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 440

..........

______________________________

الأدلة لا مورد للتقليد فيها لوضوحها لدى العامي كالمجتهد فهو و المجتهد فيه شرع سواء و ليس معرفتها متوقفا على البحث و النظر في الأدلة حتى يحتاج الى التقليد فإن أحرزت خارجا يترتب عليها آثارها، و طريق إحرازها أما العلم أو البينة أو غيرهما من طرق إثبات الموضوعات الخارجية.

نعم إذا أخبر المجتهد بمائع انه خمر مثلا يصح الاعتماد عليه من حيث انه مخبر عادل كما في اخبار العامي و هكذا.

و على الثاني: حيث يكون المفهوم منه مشتبها غير معلوم فحيث انه مما لم يعينه الشارع يكون الفقيه و غيره بالنسبة إليه شرع سواء فلا تقليد فيه من حيث نفسه أصلا

كما هو الشأن في سائر الموضوعات العرفية و اللغوية.

الا انه بلحاظ موضوعيته للحكم الشرعي يرجع الشك فيه الى الشك في الحكم الشرعي فيكون المرجع في هذه الموضوعات الى الشك في الشبهة الحكمية التي أمرها بيد المجتهد فيجري فيها التقليد.

و ليت شعري كيف نفى التقليد فيه و لا أظن الالتزام به كيف؟! و قد أدرج الماتن (قدس) و غيره بيان مفهوم هذه الموضوعات في هذا الكتاب و غيره من الرسائل العملية للفتوى و العمل بها و افتى هو و غيره في مثل ان الصعيد هل هو التراب الخالص أو مطلق وجه الأرض، أو ان الغناء هل هو الصوت المشتمل على الترجيع أو مع الاطراب، و ان الكنز هل هو مطلق المال المذخور تحت الأرض أو خصوص الذهب أو الفضة منه الى غير ذلك.

فظهران مرجع الشك في الموضوعات العرفية و اللغوية إلى الشك في الأحكام و واضح ان المرجع في الأحكام الشرعية المترتبة على تلك الموضوعات المستنبطة هو المجتهد لأنه من التقليد في الفروع.

التقليد في الموضوعات المستنبطة الشرعية

المراد بالموضوع المستنبط الشرعي هو الموضوع الذي اخترعه الشارع

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 441

..........

______________________________

بكيفية خاصة كالصلاة و الصوم و الحج و غيرها.

فان كان الموضوع المجعول معلوما مبينا لا يحتاج الى النظر و الاجتهاد فلا مورد للتقليد، و اما ان لم يكن معلوما بل محتاجا إليهما فيكون موردا للتقليد لأنه لا بد من دق باب الشرع في تعيين مراد الشارع.

نعم بعد معلومية المراد لا يجرى التقليد في مقام تطبيق الكبريات على الصغريات من غير فرق بين كون الموضوع موضوعا شرعيا، أو عرفيا، أو لغويا.

فاذا التقليد في ماهية الصلاة مثلا باجزائها و شرائطها و موانعها لا في تطبيقها

على العمل الخارجي، كما ان التقليد في ان الصعيد مثلا هو التراب الخالص أو مطلق وجه الأرض لا في ان هذا مثلا تراب خالص أم لا و هكذا.

و السر في ذلك هو ان تطبيق الكبريات على صغرياتها خارج عن وظيفة المجتهد لأنها أمور حسية يكون المجتهد و المقلد فيها شرع سواء بل ربما يكون العامي أعرف من المجتهد في التطبيقات فلا مورد للتقليد.

نعم يقبل قول المجتهد في التطبيق بلحاظ انه مخبر عادل فان قلنا بثبوت الموضوع الخارجي بإخبار عدل واحد يؤخذ بقوله الا انه لا من باب التقليد بل من جهة حجية خبر الثقة في الموضوعات الخارجية و الا يلزم اعتبار التعدد.

فاذا الفرق بين البابين واضح لا سترة فيه.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 443

[مسئلة 68- لا يعتبر الأعلمية فيما امره راجع الى المجتهد إلا في التقليد]

اشارة

مسئلة 68- لا يعتبر الأعلمية فيما امره راجع الى المجتهد إلا في التقليد (1) و اما الولاية على الأيتام و المجانين، و الأوقاف التي لا متولي لها، و الوصاية التي لا وصى لها و نحو ذلك (2) فلا يعتبر فيها الأعلمية نعم الأحوط (3) في القاضي ان يكون أعلم في ذلك البلد، أو في غيره مما لا حرج في الترافع اليه.

______________________________

(1) حسب ما علقناه على المسئلة الثانية عشر.

(2) من الحسبيات.

(3) الاولى، نعم إذا كان هناك اعلم منه و اختلفا في الحكم يختار الأعلم

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 444

..........

______________________________

أقول: قد عرفت لعله بما لا مزيد عليه ان للفقيه الجامع للشرائط: الإفتاء بما استنبطه من الأحكام الشرعية و قد عرفت مستوفى شرائط المفتي، و قد عرفت عدم اعتبار الأعلمية في حجية الفتوى و انما تعتبر الأعلمية عند ما اختلفت فتواه

مع غير الأعلم و كانت فتوى غير الأعلم مخالفة للاحتياط فلاحظ.

و اما القضاء و فصل الخصومة و رفع النزاع حسب الموازين المقررة في الشريعة المقدسة فقد عرفت أيضا في ذيل المسئلة السادسة و الخمسين مرجعية الفقيه الجامع للشرائط للقضاء و لا يعتبر الأعلمية المطلقة في القاضي من غير نكير و اشكال و الظاهر انه لم يقل به أحد.

نعم الأعلمية الإضافية- اى الأعلمية في بلده أو غيره مما لا حرج في الترافع اليه- و ان قال به ثلة من الأصحاب، و احتياط الماتن (قدس) هناك المراجعة اليه مع إمكان الترافع لديه الا انه قد عرفت ما هو المختار و حاصله.

عدم اعتبار ذلك في الترافع لديه بل يصح الترافع الى كل مجتهد جامع للشرائط و ان لم يكن اعلم من غيره أو كان هناك من هو اعلم منه.

نعم إذا كان هناك من هو اعلم منه و اختلفا في الحكم يختار الأعلم فلاحظ.

و اما الولاية لأمور الأيتام و المجانين كحفظ أموالهم أو بيعها و صرفها في محاوريجهم، و تزويج الصغيرة مع اقتضاء المصلحة، و الولاية على الأوقاف التي لا متولي لها، و الولاية على الوصايا التي لا وصى لها، و مال الغائب المنقطع أثره، و الولاية على الأموات الذين لا ولى لهم، و قبض حصة الإمام عليه السّلام و صرفها في

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 445

..........

______________________________

مصارفها المقررة، بل و فوق ذلك من الولاية على مصالح العباد، و سياستهم و ادارة بلادهم.

فهل يعتبر الأعلمية فيها أولا؟ وجهان:

فالمشهور بين أصحابنا منهم الماتن و ثلة من المعلقين العدم، و يظهر من بعض الأساطين دام ظله المناقشة في جواز تصدى الفقيه الجامع للشرائط لها فقال

و الأحوط في مثل تلك الأمور الحسبة- و هي التي لا يرضى الشارع بتركها و لم يعلم مطلوبيته من شخص- عدم التعدي من الأعلم مع التمكن من الوصول إليه لأنه القدر المتيقن من أدلتها التي هي الإجماع و الضرورة.

و الذي دعاه دام ظله الى ذلك مناقشته فيما استدل به لإثبات الولاية للفقيه في عصر الغيبة لغير الفتوى و القضاء هذا ما يستفاد من أحد تقريريه «1».

و يظهر من تقريره الأخر: ان الولاية لم يثبت للفقيه في عصر الغيبة بدليل و انما هي مختصة بالنبي و الأئمة صلوات إله عليهم بل الثابت حسبما يستفاد من الروايات أمران نفوذ قضائه و حجية فتواه و ليس له التصرف في مال القصر أو غيره مما هو من شئون الولاية إلا في الأمر الحسبى فان الفقيه له الولاية في ذلك لا بالمعنى المدعى بل بمعنى نفوذ تصرفاته بنفسه أو بوكيله و انعزال وكيله بموته و ذلك من باب الأخذ بالقدر المتيقن و حاصل ما أفاده في ذلك.

هو ان الأمور الحسبة على قسمين.

فقسم منهما يكون الأصل الجاري فيها الاشتغال- كما في التصرف في الأموال و الأنفس و الاعراض- و القسم الأخر يكون الأصل الجاري فيها البراءة كما في الصلاة على الميت الذي لا ولى له.

فقال في القسم الأول: ان الأصل عدم نفوذ تصرف أحد في مال غيره، أو نفسه، أو عرضه الا ما علم رضي الشارع به و القدر المتيقن في مثل تلك الأمور

______________________________

(1) الدروس ج 1/ 252

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 446

..........

______________________________

الحسبة التي لا بد من وقوعها في الخارج هو الفقيه الجامع فله جواز التصرف فيها دون الولاية.

و من هذا القبيل التصرف في

سهم مبارك الامام عليه السّلام لأنه مال الغير و لا يسوغ التصرف فيه الا باذن الفقيه الجامع و ذلك لأنه بعد ما علم عدم وجوب بل عدم جواز دفنه، أو إلقائه في البحر، أو توديعه عند الأمين لاستلزامه تفويت ماله و لا يرضى به عليه السّلام يقينا و علمنا بان التصرف سائغ يقع الكلام في ان التصرف في سهمه عليه السّلام في العلم برضاه هل هو الفقيه الجامع أو غيره و القدر المتيقن منه هو الفقيه الجامع لعدم احتمال اذن الشارع لغير الفقيه دون الفقيه، فلا بد و ان يكون التصرف في سهمه عليه السّلام باذنه.

و لكن استدل دام ظله و رأى اعتبار الأعلمية في متصدي تلك الأمور، مع الفرق بين سهم الامام عليه السّلام و مثل الولاية على مجهول المالك، و مال الغيب و القصر من المجانين، و الأيتام و الأوقاف التي لا متولى لها و الوصايا التي لا وصى لها و غيرها من الأمور الحسبة في ارجاء العالم فرأى اعتبار الأعلمية المطلقة في التصرف في سهمه عليه السّلام، و اما ما في سائر الأمور فالاعلمية الإضافية، و حاصل ما أفاده في اعتبار الأعلمية الإضافية هو.

انه من المستحيل عادة قيام شخص واحد عادى للتصدى بجميع تلك الأمور على كثرتها في الأماكن المختلفة من الربع المسكون، كما ان المراجعة من ارجاء العالم في الأمور الحسبة إلى شخص واحد في مكان واحد من البلدان غير ميسور للجميع.

مع انه لو كانت الأعلمية المطلقة معتبرة لكان اللازم الإشارة إلى اعتبارها، و لو في رواية واحدة مع انه لم يكن فيها عين و لا اثر.

مع انه لم يلتزم به الأصحاب فاعتبار الأعلمية المطلقة غير محتملة بتاتا.

نعم مقتضى القاعدة التي

أشرنا- من عدم نفوذ تصرف أحد في مال غيره أو

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 447

..........

______________________________

نفسه أو عرضه الا ما علم رضي الشارع به- و القدر المتيقن في مثل تلك الأمور عند دوران الامر بين تصدى اعلم البلد و ما حوله من النقاط التي يمكن الرجوع منها الى ذلك البلد في تلك الأمور و بين غيره من الفقهاء هو الأعلم، و الأعلم الإضافي هو القدر المتيقن ممن يحتمل جواز تصرفه في تلك الأمور.

و اما في التصرف في سهم الامام عليه السّلام فحيث انه لا مانع من الرجوع فيه الى الأعلم المطلق و إيصال سهمه عليه السّلام اليه و يمكنه صرفه في محاويج الأمة الإسلامية و لو بوسائط في ارجاء العالم فالأحوط لو لم يكن أقوى اعتبار الأعلمية المطلقة في أخذ سهمه عليه السّلام.

و اما في القسم الثاني: فقال ان الأصل البراءة، لأن الصلاة على الميت المسلم واجب كفائي على كل مكلف و مقتضى الأصل عند الشك في اشتراطها بإذن الفقيه البراءة، فيصح الصلاة عليه بلا اذن من الفقيه اه كلامه ملخصا «1».

قلت: و في كلامه دام ظله مواقع للنظر

منها: ثبوت الولاية للفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة فتنحل العقدة- و لعل ثبوتها له في الجملة من الواضحات التي لا ينبغي البحث حولها و البحث الايق ينبغي ان يكون في حدود ولايته، و قد وقع الخلاف بينهم في ذلك فمنهم من لم ير للفقيه ولاية غير ولاية الفتوى و القضاء في عصر الغيبة، و منهم من يرى ان له الولاية المطلقة على أمور المسلمين من بيت المال إلى إجراء الحدود، بل على أنفسهم إذا اقتضت الحكومة التصرف فيهم، فيرى ان للفقيه في الجهات المربوطة كل ما

كان للنبي و الأئمة صلوات اللّه عليهم، و القولان في جانبي التفريط و الإفراط.

و نحن بمناسبة تعرض المصنف (قدس) في هذه المسئلة- لتصدي الفقهاء ولايتهم غير الفتوى و القضاء في عصر الغيبة- ألقينا على الأعزاء الحاضرين مباحث جليلة نفيسة حول مسئلة ولاية الفقيه و حدودها و تعرضنا الأقوال فيها و ما يستدل لها

______________________________

(1) التنقيح ج 1/ 424

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 448

..........

______________________________

و لدفعها. و بيان حدود ولايته المختارة، فصار البحث طويل الذيل بحيث لم يلائم إيرادها في ذيل المسئلة فانقدح في الذهن إيرادها بصورة مستقلة لتكثر نفعها و تعم فائدتها فهيئتها لذلك و سميتها بالحجة العليا في ولاية الفقهاء، و هي هاجزه للطبع، و كان القصد طبعها منضمة بهذا الكتاب الان ان سعة نطاقه، و بعض ما لا يلائم ذكره حال بيننا و بين امنيتنا و الأمور مرهونة بأوقاتها فنستدعى من جنابه تعالى ان يوفقني بمنه و كرمه في المستقبل القريب طبع الرسالة و عرضها بين أنديه رواد العلم انه خير موفق و معين.

و منها: انه قد اعترف دام ظله بثبوت منصب القضاء و الحكم و قد عرفت ان تصدى الأمور الحسبة من شئون القضاء فلا يحتاج الى جعل أخر كما توهم دام ظله و قد تقدم قضية تصدى عبد الحميد أمر الميت فلاحظ، و قد عرفت جواز تصدى الفقيه الجامع للشرائط للقضاء و ان لم يكن اعلم.

و منها: ان مقتضى ولاية الفقيه للأمور ليس تصديه لجميع الأمور بنفسه بل باشراف منه و لو بتفويض كل أمر إلى أهله من الأشخاص و المؤسسات مع رعاية التخصص و الامانة فيهم و يكون هو مشرفا عليهم هاديا لهم مراقبا لهم

بعيونه و أياديه مسؤلا عن أعمالهم لو تساهلوا أو قصروا.

فعلى هذا يمكن أشراف فقيه واحد متضلع أمور حسبة جميع أنحاء العالم و نظارته جسما ذكرنا، و يمكن ان يكون له و كلا، في أنحاء العالم يباشرون تلك الأمور فحديث عدم اعتبار الأعلمية المطلقة للوجه الذي ذكره غير وجيه.

و منها: اشكاله لعدم اعتبار الأعلمية المطلقة بعدم عين و لا اثر لها و لو في رواية واحدة فلو تم اشكاله نقول بعينه التصرف في سهم الامام عليه السّلام فلو كانت الأعلمية المطلقة معتبرة فيه لكان اللازم الإشارة إلى اعتبارها و لو في رواية واحدة مع انه لم يكن فيها عين و لا اثر.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 449

..........

______________________________

و منها: قوله دام ظله- انه لم يلتزم الأصحاب بالأعلمية المطلقة في ذلك فلو كان ذلك وهنا في المقال نقول بعينه في التصرف في سهم الامام عليه السّلام فإنه لم يلتزم الفقهاء بالأعلمية المطلقة في أخذه و انما حدث القول بها في اعصارنا المتأخرة لبعض مصالح لا يخفى على اللبيب.

و منها: ان لزوم إيصال سهمه عليه السّلام الى فقيه واحد لعله نحو تضييع لحقوق سائر الفقهاء العدول كما لا يخفى و يوجب ان تكون اياديهم مغلقة على أعناقكم.

و منها: قوله دام ظله: ان القدر المتيقن في صرف سهم الامام عليه السّلام مع العلم برضاه عليه السّلام هو الفقيه الجامع أو الأعلم ففيه انه مع العلم برضاه عليه السّلام في صرفه في مورد لا يحتاج إلى إذن الفقيه فضلا عن كونه اعلما مع انه خلاف ما حكى عنه دام ظله في كتاب الخمس فلاحظ كتاب الخمس.

و بالجملة إذا علم رضي الإمام عليه السّلام صرف حصته

المباركة في مورد فلا يحتاج إلى إجازة الفقيه كما هو الشأن في التصرف في أموال غيره عليه السّلام.

و منها: ان القدر المتيقن في صرف سهمه عليه السّلام هو صرف في جهة أو جهات يكون أقرب الى نظره الشريف و شيمته المرضية و مراداته الانيقة فقد يكون ذلك من فقيه واجد للشرائط غير معروف فضلا عن المعروف فما ظنك من الأعلم و ربما يرى انه قد لا يراعى من الأعلم بلحاظ كثرة ابتلائه و هجوم مراجعاته و ضعف مزاجه الجهات المقتضية لإحراز رضي الإمام عليه السّلام مأة بالمائة في إيصال سهمه الى الموارد المقررة و اللّه هو الموفق و المعين.

إذا أحطت خبرا بما ذكرناه ظهر لك ضعف ما افاده سيد مشايخنا فإنه (قدس) ناقش في دلالة الأدلة على إثبات الولاية للفقيه و قال ان العمدة في إثبات الولاية هي ما دل على كون المجتهد قاضيا و حاكما الظاهر في ثبوت جميع ما هو من مناصب القضاة و الحكام له معللا بان ثبوت ولاية المجتهد فيه انما تكون من جهة العلم بإذن الشارع في التصرف، أو عدم رضاه بتركه و إهمال الواقعة، لكن الدليل المذكور لما كان

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 450

..........

______________________________

لبيا تعين الاقتصار على المتيقن و هو ولاية الأعلم عند التمكن منه كالاقتصار على المتيقن و هو ولاية المجتهد عند التمكن منه فالعمدة إذا في عدم اعتبار الأعلمية ظهور الإجماع عليه اه «1».

توضيح النظر لائح مما ذكرناه في كلام بعض الأساطين دام ظله.

و قريب من مقالهما ما في كلام غيرهما من الأعلام يظهر حاله مما ذكرنا في مقالهما.

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى ج 1/ 106

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط

و التقليد، ج 2، ص: 451

[مسئلة 69- إذا تبدل رأى المجتهد هل يجب أعلام المقلدين أم لا؟]

مسئلة 69- إذا تبدل رأى المجتهد هل يجب أعلام المقلدين أم لا؟ فيه تفصيل، فان كانت الفتوى السابقة موافقة للاحتياط فالظاهر عدم الوجوب، و إن كانت مخالفة له (1) فالأحوط الأعلام بل لا يخلو عن قوة

______________________________

(1) و كانت الفتوى حكما إلزاميا.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 452

..........

______________________________

أقول: يظهر وجه حكم المسئلة مما ذكرناه في ذيل المسئلة الثامنة و الأربعين و حاصله:

اما عدم وجوب الأعلام إذا كانت الفتوى السابقة موافقة للاحتياط فواضح و اما وجوب الأعلام فيما إذا كانت الفتوى السابقة مخالفة للاحتياط فلأجل ان إبقاء المقلدين على غفلتهم و عدم إعلامهم بتبدل رأيه يعد تسبيبا منه في وقوعهم بخلاف الواقع بقاء و ان كان قبل تبدل الرأي معذورا.

و بالجملة ابقائهم على فتواه السابقة إغراء منه إياهم في الجهل، و إيقاع إياهم في الجهالة فيكون الوزر عليه فالأحوط الأعلام بل لا يخلو عن قوة.

و لا فرق في ذلك بين كون سكوت المجتهد عن الإعلام إمضاء لها و بين ما لم يكن كذلك خلافا لما عن بعض الأساطين دام ظله ففرق بينهما و قال:

إذا كان سكوت المجتهد عن الإعلام إمضاء لها- كما إذا فرضنا ان المقلد يترك السورة في الصلاة بمحضر منه و هو لا يأمر بإتيانها- فيجب الإعلام لأنه إغراء بالجهل و يكون الوزر عليه، و اما إذا لم يكن كذلك فلا دليل على الوجوب لاستناده في الفتوى السابقة إلى الحجة و استناد المقلد بقاء اما الى اعتقاده عدم تبدل رأى المجتهد أو الى الاستصحاب و ذلك لا يوجب نسبته الى المجتهد ما لم يكن سكوته إمضاء للفتوى السابقة اه «1».

و ذلك لأنه في كلتا

الصورتين يعد عرفا وقوع المقلدين في خلاف الواقع تسبيبا منه و موجبا لوقوعهم في خلاف الواقع بقاء و ان كان الأمر فيما إذا كان بمرأى منه أفحش فتدبر.

______________________________

(1) الدروس ج 1/ 253

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 453

[مسئلة 70- لا يجوز للمقلد إجراء أصالة البراءة]

مسئلة 70- لا يجوز للمقلد إجراء أصالة البراءة، أو الطهارة، أو الاستصحاب في الشبهات الحكمية (1)، و اما في الشبهات الموضوعية فيجوز (2) بعد ان قلد مجتهده في حجيتها مثلا إذا شك في ان عرق الجنب من الحرام نجس أم لا ليس له إجراء أصل الطهارة لكن في ان هذا الماء أو غيره لاقته النجاسة أم لا يجوز له إجرائها بعد ان قلد المجتهد في جواز الإجراء.

______________________________

(1) ان لم يمكنه تشخيص موارد الأصول و الفحص عن المعارض كما هو الغالب في المقلدين، فان تمكن من ذلك بان كان له مرتبة من العلم فلا مانع من إجرائه بالنسبة إلى تكليف نفسه و قد تقدم.

(2) و ان كان إجراء الأصل بعد الفحص في مثل الموضوعات التي يكون إجراء الأصل فيها قبل الفحص موجبا للوقوع في خلاف الواقع كثيرا كالشك في حصول الاستطاعة أو النصاب أو غيرهما.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 454

..........

______________________________

أقول: اما عدم جواز اجراء المقلد أصالة البراءة أو الطهارة أو الحلية، أو استصحابهما أو غيرهما في الشبهات الحكمية فلان إجراء الأصول الحكمية مبني على عدم الدليل الاجتهادي في مورده و المقلد عاجز عن ذلك، و مشروط بعدم وجود أصل حاكم هناك و المقلد غير عارف به، و منوط بالفحص عن الأدلة و هو غير قادر عليه.

و بالجملة إجراء الأصول العملية في الشبهات الحكمية مشروط بالفحص و اليأس

عن الدليل الاجتهادي و الأصل الحاكم في مورده و المقلد عاجز عن ذلك كله و المشروط ينتفي بانتفاء شرطه.

فلو فرض مقلد امكنه تشخيص موارد الأصول و امكنه الفحص عن المعارض كما إذا كان من أهل العلم- فيصح له إجرائها.

و قد تقدم الكلام في حكم التقليد في المسئلة الأصولية في ذيل المسئلة السادسة و الستين ماله نفع للمقام فلاحظ.

هذا في إجراء الأصل في الشبهات الحكمية.

________________________________________

لنگرودى، سيد محمد حسن مرتضوى، الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، 2 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، اول، 1412 ه ق

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد؛ ج 2، ص: 454

و اما إجراء الأصل في الشبهات الموضوعية فحيث انه لا يجب فيها الفحص للإجماع و لا يجرى فيه شي ء من المحاذير الجارية في إجراء الأصول الحكمية فيجوز له إجرائها من دون مراجعة المقلد في ذلك نعم لا بد و ان يكون ذلك بعد ان قلد المجتهد في جواز الاجراء و حجيتها و بيان موردها و لعل ذلك واضح إلى النهاية.

نعم في جريان الأصل في بعض الموضوعات المشتبهة و ان كان مشروطا بالفحص- و هو كل ما كان إجراء الأصل فيها قبل الفحص موجبا للمخالفة الكثيرة- كالشك

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 455

..........

______________________________

في حصول الاستطاعة و النصاب في الزكاة و نحوهما الا انه مع لزوم الفحص في مثل هذه الموضوعات لا يستلزم اى محذور في إجرائه لان منشأ الشك فيها اشتباه الأمور الخارجية فيحاسب أمواله و بعد المحاسبة و الفحص إذا بقي الشك تجري أصالة البراءة كما لا يخفى و هذا بخلاف الشبهات الحكمية فإن منشأ الشك فيها هو فقدان النص، أو إجماله،

أو تعارضه و هو عاجز عن البحث و الفحص عنه.

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 457

[مسئلة 71- المجتهد غير العادل، أو مجهول الحال لا يجوز تقليده]

مسئلة 71- المجتهد غير العادل، أو مجهول الحال لا يجوز تقليده (1) و ان كان موثوقا به في فتواه، و لكن فتواه معتبرة لعمل نفسه، و كذا لا ينفذ حكمه و لا تصرفاته في الأمور العامة و لا ولاية له في الأوقاف و الوصايا، و أموال القصر، و الغيب

______________________________

(1) اى لا يصح الاستناد إليه في مقام العمل و يكون عمله كالعمل بلا تقليد نعم في مجهول الحال مثلا لو استند اليه في مقام العمل فانكشف كونه عادلا يصح الاجتزاء بما اتى به، و هكذا الكلام في القاضي و متولي الأمور الحسبة

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 458

..........

______________________________

أقول: الوجه فيما افاده (قدس) واضح لما تقدم من اشتراط العدالة في مرجع التقليد و القاضي، و المتولي للأمور العامة و الحسبة فلا بد من إحرازها في كل واحد منهم فعند إحراز عدمها هناك، أو عدم إحرازها لا يترتب عليه شي ء من الأحكام المذكورة.

و معنى عدم الجواز عدم صحة استناد المقلد بها في مقام العمل و يكون عمله كالعمل بلا تقليد، فعند عدم الإحراز في مجهول الحال مثلا لو استند اليه في مقام العمل و اتى به فانكشف كونه عادلا يصح الاجتزاء بما عمل به، و كذا القاضي المجهول إذا حكم بحكم فانكشف عدالته يكون حكمه نافذا، و كذا الكلام في التولية في الأمور العامة و الحسبة فتدبر.

و اما حجية فتواه بالإضافة إلى عمل نفسه فلا يعتبر ان يكون عادلا فيكون ما استنبطه حجة بينه و بين اللّه تعالى و يصح تطبيق

عمله على ما استنبطه، و السر في ذلك هو شمول إطلاق أدلة الأحكام للفاسق كما يشمل العادل.

و بالجملة أدلة الواقع و العمل بالطرق المجعولة، أو المنجعلة في عمل المكلف نفسه غير مشروط بإسلامه نعم الإسلام شرط في صحته كما ان الفسق مانع عن قبول العمل لقوله تعالى إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ «1».

______________________________

(1) المائدة: 5/ 27

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 459

[مسئلة 72- الظن بكون فتوى المجتهد كذا لا يكفى]

مسئلة 72- الظن بكون فتوى المجتهد كذا لا يكفي في جواز العمل الا إذا كان حاصلا من ظاهر لفظه شفاها، أو بلفظ الناقل (1)، أو من ألفاظه في رسالته (2)، و الحاصل ان الظن ليس حجة إلا إذا كان حاصلا من ظواهر الألفاظ (3) منه أو من الناقل.

______________________________

(1) إذا كان موثوقا به

(2) المأمونة من الغلط

(3) أو من طريق معتبر فله الحمد و المنة تمت التعليقة على مسائل التقليد من كتاب العروة الوثقى ليلة الأحد سادس شهر ذيحجة الحرام من شهور سنة ألف و ثلاثمائة و ست و تسعون (1396) هجرية قمرية و انا الراجي رحمة ربه محمد حسن المرتضوي اللنگرودي عفى عنه

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 460

..........

______________________________

أقول: اما عدم الكفاية في العمل بالظن فلما تقرر في محله من ان الأصل حرمة العمل بالظن عقلا، و شرعا الا مادل الدليل على اعتباره بالخصوص.

و مما دل على خروجه عن الأصل و دلت السيرة القطعية على العمل به هو الظن الحاصل من ظواهر الألفاظ- سواء كان حاصلا من لفظ المجتهد شفاها، أو من رسالته المأمونة من الغلط أو من لفظ الناقل مشافهة إذا كان موثوقا به، أو كتابة إذا كانت مأمونة من

الغلط.

فالظن ليس حجة في مورد من الموارد إلا إذا كان حاصلا من ظواهر الألفاظ أو من طريق معتبر.

هذا آخر ما أردنا تسويد الأوراق فيما يتعلق بشرح فروع التقليد من كتاب العروة الوثقى المسمى بالدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد و ما توفيق الا باللّه و له الحمد و الشكر على ما وفقنا لإتمامه كما وفقنا للشروع فيه، و قد وقع الفراغ من تسويده ليلة السبت خامس شهر ذيحجة الحرام من شهور سنة ألف و ثلاثمائة و ست و تسعون (1396) هجرية قمرية.

و له الشكر على ما وفقني لتحريره بعد مضى سنين متمادية فربما أضفت على ما سودته، أو أسقطت عنه، و ربما قدمت بعض المطالب أو أخرته، و على اى حال صار ما سودته و حررته بحمد اللّه بصورة يكون بين يديك فان كان مقبولا فهو من فضله و كان الفراغ من تحريره في عبد اللّه الأكبر يوم كمل فيه دين اللّه و هو عيد غدير خم و هو يوم الاثنين ثامن عشر شهر ذيحجة الحرام من سنة ألف و أربعمائة واحد عشر (1411) هجرية قمرية و من لطيف التصادف تقارن ختام طبع الكتاب مع عيد غدير خم من

الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، ج 2، ص: 461

..........

______________________________

سنة 1412 فنشكر اللّه على هذه الموهبة فلله الحمد أولا و آخرا كتبه بيمناه الداثرة الراجي رحمة ربه المتمسك بولاية أمير المؤمنين و أولاده المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين السيد محمد حسن المرتضوي بن فقيه أهل البيت المدافع عن حريمهم بحيث لم يأخذه في ذلك لومة لائم آيت اللّه العظمى السيد مرتضى الحسيني اللنگرودي تغمده اللّه بغفرانه، و كان الفراغ منه في حرم

أئمة أهل البيت عش آل محمد قم المحمية، كما كان البدء فيها اللهم صنها عن الحوادث و الآفات، و أرجو من فضله تعالى ان يتقبل بضاعتي المزجاة بقبول حسن و ان يجعله من حسنات أعمالي، و ذخيرة لي و لوالدي يوم فقرنا و فاقتنا، و يوفقني لطبع سائر الاجزاء من شرحنا المبسوط على كتاب القيم العروة الوثقى انه خير موفق و معين آمين يا رب العالمين، و كان الفراغ من طبع هذا الجزء في أوائل العشر الثالث من شهر ذيحجة الحرام من سنة 1412 ه ق.

________________________________________

لنگرودى، سيد محمد حسن مرتضوى، الدر النضيد في الاجتهاد و الاحتياط و التقليد، 2 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، اول، 1412 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.